الفصل الأول

84 4 0
                                    

فى سكون أخر الليل وشوارع القرى مازالت ساكنة عدا من صوت قرآن صلاة الفجر؛ حتى يشرع أهلها بالخروج من الديار قاصدين المساجد والزوايا لتأدية الفريضة؛ فتبدأ الهمهمة بين المارة تُزاحم حركة النسيم.

قصد أهالى قرية "عرفات" و"صفوان" المسجد الكبير الواقع على حدود القريتين ليساع أهالى القريتين، كان بناء هذا المسجد إحدى  ثمرات التعاون بين القريتين.

بعد أداء الصلاة وقف الشيخ "عبد اللطيف" مع الحج "نعيم عرفات".
عبداللطيف: هو المهندسين فين، مسافرين ولا إيه.
نعيم: أبدًا، أنا مش عارف هما فين.
ثم التفت يبحث بعيناه حتى رأى "مجد" ابنه ليناديه؛ هرول إليه ابنه يتسائل.
مجد: مشوفتش "سليم" و"فارس" يا حج.
نعيم: انا كنت لسه هسألك عليهم.
مجد: ولا عمى "وجدى" عارف، يمكن بيقضوا مصلحة هنا ولا هنا.
نعيم: مصلحة ايه دلوقتى يا مجد، قلبى مش مرتاح وبعدين مراته بتولد.
فجأة يصدح صوت شاب وهو يهرول من خلف المسجد "الحقوا سليم، الحقوا سليم"
_______________________
فى القاهرة ، فى حى شعبى قريب من سوق الخضار؛ بعد أداء فريضة الفجر؛ هبط "عمران" على باب المسجد ليُلبس والده"الحج داود" حذاءه، ربت على كتفه قائلًا: ربنا يبارك فيك وفى اخواتك.
ابتسم عمران وهو ينهض يُقبل كفه: ربنا يديمك فوق راسنا يابا.
حمل "علي" ابن أخيه "عبدالرحمن" على كتفيه وسار به بجانب والده وأخويه "عمران" و"طه".

داود: انا مبسوط منك يا عبده عشان نزلت تصلى الفجر.
ودس يده فى جلبابه وأخرج مبلغ من المال يناوله اياه
ليفرح الطفل قائلًا: دول كتير أوى يا جدو .
ليردف علي: ممكن ننص يا بودى عادى.
طه: بالله عليك يا شيخ بلاش بودى دى مش عايز الواد يطلع طرى.
قبل أن يردف علي قاطعه صوت رجل يمر داعيًا لأبيه: ربنا يبارك فيك يا معلم داود ويخليلك عيالك وتفرح بيهم ويرزقك كمان وكمان .
فأمن على دعاءه معهم وفضل الصمت .
__________
كان الصارخ أحد شباب قرية صفوان
فأقبل عليه  "مسعد صفوان" رجل من كبار العائلات بنبرة حادة قلقة: فى إيه يا سعد.
كان يحاول التقاط أنفاسه لينطق: المهندس سليم مقتول.
كان حديثه صاعقة على آذادن الجميع؛ هرول مجد ناحية أخيه والجميع من بعده  كاد والده يتعرقل فى مشيته السريعة ولكن سانده شاب كان يسير بجانبه، حتى وصل الجميع عند الأرض القريبة من النيل تحديدًا عند شجرة التوت الكبيرةحيث كان يجلس سليم وبصحبته فارس دائمًا .
كان ممدًا على الأرضية غارق فى دمائه، جثى مجد ببطئ شديد وحذر وكأنه يقترب من زجاج هشيم، كان قلبه ينبض بعنف، كانت نظراته مُرتكزة على وجهه فقط كانت عيونه مُغلقة وكأنه نائم فى سبات عميق؛ حتى انتقلت نظراته على صدره حيث كان جلبابه مصبوغ بالدماء .
عندما وصل نعيم لموضع ولده بدأ يصرخ: اطلبوا الاسعاف... هاتوا العربية ننقلوه للمستشفى
واقترب منه ضاممًا رأسه الى صدره مُطلقًا تنهيدة حارة قبل أن يردف: قوم يا سليم ..قوم ومتخلعش قلبى عليك
اردف سعد: دا قاطع النفس
وجدى بغضب: مين اللى عملها
سعد: مشوفتش والله حاجة
لم يدرى وجدى ماذا يفعل، فإبنه غير كوجود بالوسط و صديقه المقرب قتل؛ ابتعد قليلا يحاول الاتصال به.

جاء شاب آخر يلهث بعنف، كان "زُهير" ابن زوجة "جمال عرفات"، اندهش الجميع كونه يأتى من اتجاه قرية صفوان ولكنه أوضح ذلك عندما صرح قائلًا: ملحقتوش ثم تلمس جرح رأسه مردفًا حاولت امسكه بس فلت منى.
توجه اليه مسعد: مين يا زُهير.
زُهير: فارس؛ هو اللى عملها.

بدا الجميع فى صدمة شديدة وبدأت الهمهمات المستنكرة لذلك؛ اقترب وجدى من زهير: يا ابنى انت بتقول ايه فارس يقتل صاحبه ازاى؛ انا هكلمه وهتعرف انه ملوش دعوة.
عاود الاتصال مرة اخرى.
صدح صوت هاتف قريب من الجثة، نظر مجد خلفه فوجده نهض لأخذه ظنًا منه أن هذا الهاتف عائد لأخيه ولكنه كان هاتف فارس، ولكن أين فارس؟ هذا دليل أنه كان بجانب أخيه حقًا!
ليردف مجد مدهوشًا: هو اللى قتله فعلًا!
توقف وجدى عن الاتصال عندما أتى إليه مجد واضعًا الهاتف بيده وسار فى اتجاه قرية صفوان .

انقلبت الأوضاع فى منزل محمد عرفات كبير القرية؛ بعدما كانت الزغاريط وصيحات الفرحة بالمولود بعد الفجر؛ تحول الوضع لصراخ موجع وقهر على الفقيد، خيم الحزن على جدران المنزل.
______________

دقات متتالية عنيفة على باب منزل "وجدى صفوان" فزعت أهله .

هرولت "آمال" لتفتح وهى تلف حجابها وتمتم: استر يارب؛ جيب العواقب سليمة
نادية: فى إيه يا ليلى
ليلى وهى تضع حجابها: مش عارفة، يارب خير.

وخرجوا من غرفتهم؛ فتحت آمال الباب ليجدوا أمامهم "مجد" يداه وقميصه ملطخين بالدماء وعيناها حمراء تشع غضب، كان يتنفس بصوت مسموع وكأنه خارج من سباق طويل؛ شهقت آمال ووضعت يدها على فمها؛ انخلع قلب ليلى لرؤيته بهذا الوضع لتسائله: مجد.. إيه اللى حصل.

كانت المرة الأولى التى يسمع اسمه من بين شفتيها؛ توجه بأنظاره إليها؛ كانت لأول مرة تنظر له دون خجل وقد رأى خوفها عليه بكل صدق وقد هربت عبرة من عينه  ليسألها: فين فارس.

كانت نظرته غريبة بها حب و وداع؛ انشغلت فى فك لغز نظرته لها ولم تجيب.

آمال: فارس مش هنا يا ابنى.. قولى إيه جرالك فيك إيه.
أتت نادية بكوب ماء ناولته لوالدتها وقالت: أنا هروح أكلم فارس.
أجلسته آمال على الأريكة الخشبية الموجودة أمام المنزل وناولته كوب الماء بحنو بالغ وربتت على ظهره.

سألته ليلى بخوف وقلق بالغ: الدم دا.. دم مين
كانت تسأل وعيناها تفيض بالدموع؛ قد توصلت للغز نظراته من الدماء التى تلطخه؛ قام بقتل شخص ما وأتى كى يودعها.

أجابها: دم أنضف وأطهر حد فى حياتى... دم سليم
شهقت ليلى وآمال؛ وقع الهاتف من يد نادية لتخرج  صارخة: أنت قتلته.. قتلت أخوك.
استقام واقفًا قائلًا: لأ... بس هقتل أخوكِ.

ماريونيتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن