الفصل الثانى

23 2 0
                                    

فى القاهرة؛ بذلك الحى الشعبى فى المنزل الموجود بمنتصف الحى؛ وهو  المنزل التابع لداود وعائلته؛ تحديدًا بشقته فى الدور الأول.

كانت يرأس طاولة الإفطار مع عائلته؛ وكانت "إسراء" ابنة أخته مُمسكة بهاتفها تنظر به بتركيز شديد.

علي بمزاح: إيه اللى واخد عقلك كدا.
إسراء: حادثة.
علي: يا ستار يارب، أحنا لسه بنفطر.
أصيلة زوجة داود: يا حبيبتى نفسك تقفل كدا، الدنيا ياما فيها كتير ربنا ينجينا.
عمران: حادثة إيه.
علي: يا جماعة دا فطار؛ الووجبة الاولى اللى هنبتدى اليوم بعدها.
لم تهتم إسراء له وقالت : واحد اتقتل فى نفس اليوم اللى مراته ولدت فيه أول طفل ليهم.
داود: إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا يرحمه ويصبر أهله.
فاتن زوجة طه: ياعينى على أهله وابنه.
عمران:  الموضوع دا حصل فين.
إسراء: بيقولوا انه من قرية عرفات واسمه سليم عرفات ويبقوا...
قاطعها طه: بتقولى سليم... ورينى كدا الخبر دا.
ناولته الهاتف وقام عمران من مكانه لينظر على هذا الخبر هو الآخر .
ضرب طه مقدمة رأسه قائلًا: دا المهندس سليم ابن الحج نعيم عرفات اللى بنتعامل معاهم يا حج.
عمران: دا مين المؤذى اللى عمل فى واحد زى دا كدا.. دا كان راجل جدع وشهم.
تأثرت أصيلة وقالت بتحسر: ةدا شب لسه.. ربنا يرحمه ويصبر أمه وأهله.
داود: لازم نسافرلهم ونعمل الواجب معاهم.
طه: طبعًا.
داود: جهز العربية يا عمران وأنت يا طه اديلهم خبر فى الوكالة وخلى صابر يمشى الدنيا.
أومأ له أبنائه وانصرف كل واحد فى طريقه .
_______________________________
فى مركز الأمن
تسائل الضابط المتواجد خلف المكتب الخشبى: لآخر مرة يا حج نعيم بسألك تفتكر مين اللى قتل ابنك
نعيم: العلم عندالله؛ ابنى مكنش فيه حد بيكرهه وأنت أدرى واحد بكدا
دياب: يا حج نعيم بتشك فى مين؛ ساعدنى عشان نرجع حقه
نعيم: يا ابنى ساعدنى انت وخلينى ادفن ابنى كفاية عليه كدا؛ حد ابن حرام خد اللى معاه وقتله مش باينلها غير كدا.
لم يجد دياب ما يضيفه فالجميع لا يعرف من الفاعل، رغم الحديث فى القريتين أن القاتل هو فارس وهرب بعد فعلته النكراء؛ لكن فى التحقيقات لا يوجد لذلك الحديث مجال.
مازالت القضية مستمرة ولكن تم السماح للعائلة بأخذ جثمان فقيدهم؛ وبدأ محمد ومجد بإتمام الإجراءات اللازمة لذلك.
فى منزل عرفات الكبير
ظلت "أسماء" زوجة سليم تصرخ وتضرب على صدرها تنادى على زوجها حتى سكنت بعدما حقنوها بالمهدئ.
كان نعيم جالس فى الشرفة الكبيرة ومعه أخيه جمال والصمت يُخيم على الأجواء بينهم.
أتت "زينات" زوجة جمال الثانية وهى تهدهد الصغير: يا قلبى عليك يا ابنى أبوك راح وأمك اتجننت.
صرخ جمال فى جهها: ايه يا ولية الكلام الفارغ دا..دا بدل ما تدعيلها.
زينات: يا اخويا انت مش شايف صريخها وتكسيرها، دى مش بعيد تروح السرايا الصفرا.
جمال نادى بصوت عال: يا سميحة.
اتت سميحة وهى تبكى: نعم يا حج.
جمال: خدى الواد شوفيه ان كان جعان ولا ماله لحد ما امه تقف على حيلها.
أومأت له: ربنا يقويها ويصبرنا على فراق الغالى.
فى الطابق العلوى فى غرفة سليم، كانت تتجمع نساء العائلة بها، تحتضن "فاطمة" ابنتها "أسماء" النائمة بإستسلام وتجلس "فرحة" زوجة محمد على طرف الفراش و"وجيدة" على الكرسى المقابل للفراش تبكى فقط ويدور فى خاطرها شريط سريع مما عاشته مع ابنها منذ أول يوم كان بين أحضانها وهو رضيع حتى أخر مرة ضمته إليها عند خروجه فى تلك الليلة .
أما "علياء" أخته الصغيرة كانت تجلس بغرفتها تحتضن ذاتها وتبكى فقط .
_______________________
فى منزل وجدى صفوان
كانت آمال تبكى بحرقة: أه يا ابنى.. فينك يا فارس تيجى تطمن قلب أمك عليك.
وجدى: يا ولية اسكتى شوية من الندب دا بقى دماغى ورمت منك.
آمال: عايزنى اعمل ايه وابنى غايب معرفش ان كان عايش ولا ميت.
نادية بقلق: هو ممكن يكون جرا له حاجة بجد يا ماما.
وجدى بتهاون شديد: لو كان جراله حاجة كنا عرفنا؛ زيه زى خاله مش هيجيبوا من برا.
ليلى: إن شاء الله هيكون كويس، ويرجع ونطمن عليه.
وجدى: أخوكى لو رجع ولاد عرفات مش هيسبوه ولا انتِ ناسية مجد قالكم إيه.
نادية: هو ممكن يعمل كدا بجد مش كلام ساعة غضب.
وجدى: لا مش كلام وخلاص؛ وياريته يبقى على قد كدا بس، منه لله. 
ليلى: بس فارس مقتلش سليم.
استقام وجدى وتوجه ناحيتها وامسكها من شعرها: بت يا ليلى هو كلمك.
ليلى وهى تتوجع: والله أبدًا؛ بس انا متأكدة انه مقتلهوش.
تركها قائلًا: ليه كنتِ شوفتيه.
نادية: هو ليه انا حاسة انك مصدق كلامهم؛ انت كأنك شاهد عليه من يوم اللى حصل وانت بتتكلم كأن أخونا قاتل وكأنه مش ابنك .
كانت نبرتها حادة غاضبة فكاد ينقض عليها ليبرحها ضربًا ولكن ليلى دفعتها لداخل الغرفة واغلقت الباب ووقفت أمامه " بالله عليك متضربهاش"
وقبل أن يرد سمع دقات على الباب؛ فلكز ليلى بكتفها يقول "خلفة هم، حتى الواد اللى حيلتى كسر عينى وسط الخلق"
توجه للباب " تعالى يا راشد ادخل"
راشد: أبويا كان عاوزك بس بعد الجنازة .
وجدى: هما هيدفنوه النهاردة.
راشد: أيوا؛ وبلاش تروح أو حد من الجماعة؛ لحد ما الدنيا تتحل معاهم ولو فارس كلمك قوله ميرجعش لحد ما تقوله.
__________________________
فى القاهرة بمنزل داود
دخل زكريا يُنادى: يا أهل الدار
أصيلة: أحنا فى المطبخ يا زكريا
زكريا: السلام عليكم
ردوا عليه السلام
أصيلة: الحمدلله على السلامة
زكريا: الله يسلمك؛ اومال أبويا واخواتى فين عديت عليهم فى الوكالة ملقتهمش
فاتن: سافروا يعزوا راجل بيتعاملوا معاه
زكريا: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ علي راح معاهم
دخلت إسراء المطبخ وهى تقول: الحمدلله خالى الله يباركله خده معاه
ضحك زكريا: هو كان كابس على نفسك أوى كدا
إسراء: مش هقدر أصرح بمشاعرى مرات خالى بتزعل
أصيلة: ماشى يا إسراء؛ والنبى الواد بيعزك وميقدرش يزعلك أبدًا
فاتن: والله هو اللى بيعمل جو فى البيت
زكريا: خلى بالك أنا اللى هبقى معاكى فى العمليات كلها كام شهر يعنى ونحدد معاد الولادة.
ضحكت فاتن: واحنا عندنا غير زكريا يا دكتور زكريا، دا انا حتى بفكر اسميه زكريا.
ضحك زكريا: يا سلام؛ انا هدخل أنام شوية ياماما محدش يصحينى إلا لو فى كارثة.
أصيلة: الشر برا وبعيد.
زكريا: ومتسبوش الباب مفتوح كدا عشان ميدخلش حرامى وساعتها تصحونى.
أصيلة: شوفوا الواد.
_____________________________
جمع جمال عائلته فى بهو المنزل ليبلغهم بأمر ما خاص بسليم
جمال: دلوقتى هنروح ناخد سليم عشان ندفنه؛ امه ومراته واخته هما اللى هيجوا معانا الباقى يفضل فى البيت
بكى الجميع بقوة بينما كان نعيم يحاول الصمود يمسح دموعه سريعًا.
أكمل جمال: أنا مكنتش عايز حد منكم يجى معانا بس نعيم شاف ان حقكم أنتم كمان تودعوه؛ بس بعد كدا هترجعوا البيت.
وقف نعيم: يلا يا "عز" سند أمك وتعالى وأنا هاخد أسماء.
كانت أسماء ساكنة للغاية أسندها والدها جمال ونعيم وسارت وجيدة مع أولادها خلفهم؛ وصلوا للمشفى كان فى انتظارهم أبنائهم الشباب والكثير من أهالى القريتين و من بلاد أخرى.
دخلت العائلة فى إتجاه المشرحة حتى يقوم الأهل بالوداع الأخير؛
كان ثقل كبير على القلوب؛ كان النَفس يخرج بصعوبة شديدة ؛ وكأن تلك اللحظة جاثوم المستيقظ.
ذهبت علياء بجانب مجد تختبئ داخل أحضانه؛ بينما دخل نعيم وزوجته بخطوات ثقيلة مهتزة؛ كان جثمانه موضوع على طاولة حديدية مغطى بغطاء أبيض؛ اقتربت منه وجيدة تلتمسه وجدت جسده بارد فأردفت: يا حبيبى دا بردان أوى يا نعيم غطيه بعبايتك تدفيه.
أغمض نعيم عيناه بألم وفعل مثلما قالت؛ كانت وجيدة تمسح بحنو على رأس ولدها وتقبله؛ اقترب منها نعيم: يلا يا وجيدة
وجيدة: هيوحشنى يا نعيم أوى، معقول دى تبقى أخر مرة عينيا تشوفه، يما نفسى يطلع دا كابوس ويخلص بقى
نعيم مد يده إليها بعد أن قبل جبين ولده وجبينها:  ياريته كان كابوس ياريت؛ يلا لسه مراته وأخواته يلا معايا
أومأت له بألم ثم تحركت خطوتين والتفت إليه مرة أخرى قبلت باطن كفه الظاهر ثم سحبت الغطاء وقبلت جبينه بعمق للمرة الأخيرة وخرجت مع زوجها جلست بهدوء .
جمال: يلا يا عليّا
نظرت علياء لمجد فربت على كتفها قائلًا: أنا وعز هندخل معاكِ
دخلت معه وهو يحاوطها بذراعه كانت أوصلها ترتعش بينما كان قلبه يمزق مع كل خطوة؛ كان عز مُتماسك بشكل مُدهش للجميع؛ كانت تعبيراته جامدة تمامًا.
مع أول نظرة من علياء تجاه سليم ارتعدت أوصلها شهقت بقوة ودارت تختبئ داخل أحضان أخيها: مش هو لأ أكيد مش سليم
ضمها إليه يربت على ظهرها وأنظاره مُسلطة على أخيه يقسم داخله بأن يأخذ بالثائر ممن سولت له نفسه بأن يمسه.
اقترب عز منه قائلًا: هتوحشنا يا سليم هتوحشنا يا كبيرنا.
لم يطول ذلك كثيرًا وخرج وبقى مجد وعلياء
مجد: يلا يا عليّا
نظرت له علياء بعيونها الباكية: دى آخر مرة صح.

أومأ لها بألم؛ دارت واقتربت من جثمان أخيها احتضنته بقوة وبدأ يعلو نشيجها؛ فاقترب مجد يربت على ظهرها.
قبلت رأس أخيها وأخذها مجد للخارج.
نظر محمد لأبيه ثم لأسماء كانت هادئة للغاية على عكس ثورتها التى كانت عليها طوال الأسبوع الماضى.

ماريونيتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن