تجمدت ليليان و لم يتحرك منها سوي شفتيها التي كانت ترتعش و عينيها التي أخرجت دموعاً تقطر علي خدها ، أكثر شخصين كانا يتعاملا معها بالحب أصبحا مستلقيان بدمهما علي الأرض أمامها ، ظلت ليليان تنظر إلي عينيهما اللتان قد أصبحا بلا دفء و خرجت عنهما الحياة.
ثم جاء حارسان يقومان بدورية حول القاعة من الخارج و شاهداها تقف أمام جثة الملكة نهاذرين ؛ فرفعا سيفهما و صرخ عالوش بأعلا صوت من وراء ليليان قائلاً:
''ماتت الملكة! ماتت الملكة! قتلها مَن أقرب لها!''.
فاقت ليليان من صدمتها و أدركت موقفها فأمسكت مقدمة طرف فستانها و رفعته لتركض بسرعة في شوارع المدينة و الجنود يركضون بسيوفهم ورائها ، دقت أجراس المدينة و أنتشر الجنود في كل الشوارع يركضون بشراسة وراء ليليان ، و بالرغم من أن الفستان كان يقيد حركتها إلا أنها كانت سريعة أثناء ركضها خوفاً من أن يمسكوها.
و بقيت ليليان تجري عبر الشوارع و الأسواق يتسخ فستانها من الطين و من روث الحيوانات ، و ركضت ليليان حتي وجدت نفسها بشارع ضيق يخلو من الناس ؛ فجلست مختبأة وراء برميل خشبي يفوح منه رائحة السمك النتن ؛ فوضعت يدها أمام فمها من الرائحة فتذكرت قرنيها البارزين فقامت بإخفائهما كي تختلط بسهولة بين البشر.
فظَهَر من خلفها خمس رجال مزجاة(1) ثيابهم فإقتربوا منها كثيراً و أحاطوها ثم قال واحد منهم بعد أن نظرها من أعلاها لسافلها(2):
''انظروا إلي ما ترتديه الحسناء يبدو عليها الثراء ، ماذا جاء بك إلي مكان هكذا؟''.
فقالت لهم ليليان بدهشة:
''ما هذا؟ أليست المدينة الفضية من أفضل و أجمل المدن في الأرض؟''.
فقال لها أحد الرجال بإبتسامة:
''لا لا! فقط أماكن الأعنياء..إذا كنت لا تعلمين ذلك فلابد أنك ثرية من خارج المدينة''.
أخذت ليليان خطوات خلفها حتي كان ورائها حائط ثم قال رجل منهم:
''مهلاً ألا تري بشرتها كم تبدوا غريبة؟ ماذا إذا جائت مع الزرزاء الذين يقيمون إحتفالاً ما بالمدينة؟''.
فرَد عليه رجل منهم قائلاً:
''إن عيناها لا تضيء مثلهم فلابد أنها امرأة عادية''.
حاولت ليليان أن تبتعد عنهم لكن الرجال إقتربوا منها أكثر فأكثر ، ففتحت ليليان فمها و كادت أن تتلي عليهم كلام حتي توقفوا بسبب سماعهم صوت خطوات أقدام شخص ما ، فنظر الرجال ورائهم فإذا برجل أصفر الشعر ضخم الجسد طويل القامة يقترب منهم ، و عينيه الخضراء تصوب ناحيتهم بحدة فقال له أحد الرجال بغباء:
''أنت! عد من حيث جئت لقد وجدناها قبلك''.
فقطع الرجل ذو الشعر الأصفر بطن الرجل الذي تحدث معه بمنجل ضخم كان مستبدلاً به معصم يده اليمني ، ثم تحرك بسرعة و دفع بيده اليسري وجه رجل آخر إلي الأرض ثم وضع قدمه علي ظهره فكسره ، فصرخ عليه رجلان و هاجموه بسيوفهم لكنه ركل أحدهم و أمسك يد الذي كاد أن يضربه بالسيف و ضربه بمنجل يده ففتح خده وصولاً إلي فمه ، فخاف الرجل الخامس و هرب سريعاً تاركاً صديقه الذي رُكل يتألم علي الأرض فوضع الرجل ذو الشعر الأصفر قدمه علي بطنه و أمال بيده اليمني ثم طعنه بالمنجل و شق وجهه من أسفل ذقنه مخرجاً قطعة من لسانه علي نصل المنجل.
إختلط طين الأرض بالدماء و الأمعاء المُقطعة و لم يقف سوي الرجل ذو الشعر الأصفر و ليليان ، فوضع الرجل يده اليسري حول رقبة ليليان ثم رفعها بالهواء و قال لها:
''لقد قتل أحدهم عمتي و الجميع يلوح بإصبع الإتهام نحوك يا إبنة اليد السوداء ، سأترك رقبتك لتخبريني ماذا حدث و إذا شعرت أنك ستتلي سحراً سأقطعك''.
وقعت ليليان علي طين الأرض عندما تركها الرجل و أخذت تكح و تدلك رقبتها بيدها ثم نهضت و قالت:
''لم أقتلها يا ثرين..بل لا من المفترض ألا يستطيع أحد لكن بشري طعنها بسكين أسود''.
فقال لها ثرين:
''مستحيل! البشر لا يستطيعون أن يحركوا أو يستخدموا البلاطة السوداء و تقولين لي أن بشرياً قتلها بسكين أسود؟ كاذبة!''.
فقالت له ليليان:
''البشر ليسوا متطورين كفاية ليصنعوه ، و نهاذرين لديها أعداء غير البشر يا ثرين...الشخص الذي صنع النصل لابد أنه زرزائي''.
نظر ثرين إليها يفكر قليلاً ثم قال:
''شيء ما غير منطقي....أنت لا تستفيدين من قتلها و أنا أعلمك منذ كنتِ صغيرة..أنت لست حمقاء ، لكن بِغض النظر عمّا قلته سأخذك لتُحاكمي''.
حاولت ليليان أن تسحره لكن ثرين وضع يده اليسري علي فمها فدفعته عنها بقوة فاجئته ثم أمسكت برميل السمك و رمته عليه لكنه صده بيده ، حاول ثرين أن يمسكها بيده اليسري لكن ليليان ظلت تتجنبه ثم أمسكت بصخرة من الأرض و رمتها علي وجهه بسرعة ؛ فإندفع ثرين ناحيتها بقوة و غضب ثم ضربها لكنها تجنبته ثم إلتقطت سيف رجل ميت علي الأرض و كانت مستعدة لمقاتلته لكن سرعان ما إمتلأ الشارع بحراس المدينة و جنودها ، فنظرت ليليان حولها و ألقت سيفها مُستسلمة.
(1) رديئة.
(2)أسفلها.
أنت تقرأ
زفاف الملكة القرمزية
Fantasyفي مكان غير موجود في عالمك تُحكي قصة فتاة بريئة تجرها الأحداث المأساوية لتصبح ذات مزاج حاد و قاسية عنيفة فتفقد الفتاة ما كان بها من إنسانية و حب.