الفصل الثاني

825 78 8
                                    

للقدر دائما رأي أخر
الفصل الثاني
دلفت الي غرفتها وأغلقت الباب لتستند عليه بظهرها والدموع تنحدر من عيونها بحزن يرتسم على ملامحها وهي تتذكر اختها وهي تقف امامها تضع ملابسها داخل الحقيبه وهي تقول بسعادة:
- كلها أيام و الاوضة دي كمان تبقى ليكي لوحدك
كانت تتابع حركاتها وهي تطوي الثياب برقة وسألتها ببرائه الأطفال:
- ايه الهدوم الصغيرة دي هتلبسيها إزاي؟!
لتضحك دينا بصوت عالي والخجل يرتسم على ملامحها وهي تقول:
- لما تكبري هتفهمي يا قردة.
عادت من أفكار وهي تغمض عيونها بقهر .. هي لن تتزوج .. الحب والزواج هم من قتلوا أختها هم من جعلوها وحيدة حزينة ... هم من جعلوا قلب والدتها يتألم و ينكسر قلب والدها ... كيف يتطلبون منها تكرار ذلك الخطأ من جديد؟ لماذا لم يتعلموا من الخطأ الأول؟
رفعت عيونها لصوره أختها وقالت بهمس بسبب اختناق صوتها بالبكاء:
- وحشتيني يا دينا ... وحشتيني اوي.
~~~~~~~~~~
يجلس في صاله منزلة ... يشاهد التلفاز بدون صوت مجرد اجسام تتحرك لكنه لا يسمع شيء عينيه تنظر الي الشاشة لكن عقله في مكان اخر
رؤيته لنادين جعل اشياء بداخله تستيقظ اشياء اغلق بابها منذ سنوات .. حركاتها كلماتها كل ما بها يذكره ب دينا .. في بعض الأوقات يظن انه يقف امامها ... خاصة مع حركاتها الخجولة التي تظهر للجميع ثابته وقويه
ذلك الجدار الخفي التي تحاوط به نفسها كما شاهد دينا اول مرة.
أبتسم بوقار وهو يقول ببعض الشجن:
- أختك في امان يا دينا متقلقيش عليها ... هحافظ عليها بكل ما أملك
~~~~~~~
صعدت الي السرير تتمدد جوار زوجها وهي تقول:
- احنى هنفضل سايبنها كده يا عثمان ... موت أختها عقدها وخلاها رافضة الجواز خالص
تنهد عثمان بتثاقل من كثره الهم الذي يحمله داخل قلبه وقال ب حزن:
- انا بقالي فترة بفكر في الموضوع بس مش لاقي حل يا سامية ... موت دينا قلب حالنا جميعًا .. توكلي على الله وادعيلها ربنا يهديها
تنهدت هي الاخرى بهم وقالت بصوت هامس:
- ربنا يهديكي يا بنتي و يرزقك بابن الحلال اللي يفرح قلبك وعينك ويطمني عليكِ
ليأمن خلفها وعقله يطرق بيبانه بقوه فكرة لا يعلم هل يستطيع تنفيذها او لا لكنه في كل الاحوال عليه ان يفكر جيدا قبل ان يتصرف
~~~~~~~~~~
في صباح اليوم التالي كانت نادين من اول الحاضرين .. تجلس خلف مكتبها تراجع بعض الأوراق ...
حين دلف عيسى ومباشرة الي مكتبه دون ان يلقي حتى السلام ولكنها لم تهتم ... وعادت بتركيزها لما كانت تقوم به حتى سمعت صوت رخيم يقول بعملية:
- واضح انك موهوبة فعلا ودماغك حلوه.
رفعت عيونها تنظر لصاحب الصوت لتشعر بالاندهاش حين رأت عيسى يقف امام مكتبها بيده كوب قهوة ينظر الي رسوماتها بتركيز ... ودون ان يرفع عيونه لها أكمل:
- صحيح أفكارك فيها خيال بس أفكار مبتكرة وجديدة ... وده شيء مميز
ظلت صامته تستمع الي حديثه ... وحين مرت عده ثوان دون ان تجيبه بشيء وكان الصمت هو سيد الموقف نظر لها والاندهاش واضح في عينيه لتقول هي بابتسامة رقيقه:
- شكرا يا باشمهندس دي شهادة اعتز بيها.
أومأ بنعم ولمعت عينيه بشيء ما ثم عاد الي مكتبه بصمت ... وبعد عده دقائق دلف باقي المهندسين
وحين لاحظ عبدالعظيم رسوماتها قال بأقرار:
- أعتقد إنك هتثبتي نفسك في الشغلانه دماغك حلوه
أبتسمت إبتسامة صغيرة إتسعت حين قال:
- اتفضلي بقى المشروع ده وريني تصورك هيكون إيه؟
ثم أشار الي منضده الرسم القريبه منها وقال:
- أبدعي.
لتتحرك من فورها تقرأ الأوراق بتركيز
حين أكمل قائلا
- ركزي علشان التصور بتاعك هنعرضه على أصحاب المشروع ولو وافقوا عليه هيبقا المشروع بتاعك
لتشعر بالحماس وهي تجلس على مكتبها... وبدأت في العمل ... متجاهلة ضحكات ومزاح الباقي ... وكان عيسى يتابعها بعينيه وبداخله يشعر بالسعادة ان هناك من يهتم بعملة مثله رغم فرق العمر بينهم .. الفرق ليس كبير لكنه من جيل مختلف ولذلك حين رآها بالأمس شعر انها تشبه فرح ومرح وليلى ... لكنها فاجئته حقًا بجديتها وهدؤها والتزامها الغريب على جيلها قليلًا.
~~~~~~~~~
منهمك في عمله بتركيز شديد .. بعد ان تأكد من حضورها اليوم وباكرًا كما توقع هي كما توقعها تمامًا وكما دينا أيضًا... علا صوت هاتفه وراى اسم والدها يتوسط الشاشه فاجابه بإبتسامه هادئة:
- السلام عليكم ... ازيك يا عمي اخبار صحتك ايه؟
استمع لكلماته ثم قال بابتسامة صغيرة
- ربنا يبارك في عمرك يارب ... آمرني يا عمي انا تحت أمرك
صمت يستمع لكلماته ... بتركيز ثم قال :
- متقلقش على نادين ... انا موجود و هي قد حالها وميتخفش عليها ... من عيوني حاضر هعدي على حضرتك اخر الأسبوع ان شاء الله
اغلق الهاتف وهو يتنهد بتفكير ... ماذا يريد منه يجعله يتردد في طلبه؟ ... ولما هذا القلق في حديثه؟ ... لينتظر لنهايه الاسبوع وسوف يعلم كل شيء
~~~~~~~~~~~
اقتربت مرح من نادين ووقفت خلفها تنظر الي ما تقوم به بتركيز شديد ثم قالت
- محدش واخد منها حاجه يا ست نادين ... ولا هو أنتِ من الناس الكئيبه عدوه الفرحة.
التفتت لها وقالت بإبتسامه صغيرة
- مين قال اني كئيبه لكن هنا مكان شغل مش مكان للهزار والضحك .. وزي ما بيقولوا لكل مقام مقال ولا ايه؟!
شعرت مرح ببعض الخجل لتكمل نادين كلماتها
- نخلص شغلنا وبعدين نهزر ونضحك براحتنا مش كده
أومأت مرح بنعم وعادت الي مكتبها بصمت تحت نظرات باقي المهنديسين المندهش منهم والمصدوم ... لكن نظراته هو فقط من كانت تحمل الكثير من الفخر والسعادة وأيضًا الراحه
~~~~~~~~
مرت باقي ايام الاسبوع وبداخل نادين شعور يزداد انها تقوم بأكثر شيء مميز .. انها وجدت ذاتها خاصه تعامل سليم الرسمي معها دون اي تحيز ... وذلك ساعدها في تثبيت قدميها امام عبدالعظيم خاصه مع تصورها الذي نال اعجاب الجميع للمشروع المكلفه به والتي أصبحت المهندسة المسؤله عنه الان.
انتهى اليوم وغدا اجازة ويا له من احساس اشعرها بالبهجة والراحه كانت تجمع أغراضها حين وقف امامها وهو يقول
- ممكن رقم والدك؟
ظلت تنظر اليه والصمت يغلف المكان ... وهو ينظر لها بهدؤه المعتاد .. وهي تشعر بالاندهاش ليكرر كلماته مره اخرى
- ممكن رقم والدك يا أنسه نادين؟
- ليه؟
قالت باستفهام وبعض الصرامه ليرفع حاجبه باندهاش وقال موضحًا
- لما شاب يطلب رقم والد بنت يبقى ليه؟ ... يمكن عايز يلعب معاه دور دومنه ... أكيد عايز يتقدم لها
كان يقف عند الباب يستمع لما يدور بالداخل ... هو يعلم عيسى جيدا انه يشبه تمامًا خسر قلبه ذات يوم ولكن بأبشع الصور ومنذ ذلك الوقت اغلق قلبه ولم تعد عيناه ترى اي جميل في النساء
وما يجعله يقدم على تلك الخطوه الان يثبت ان نادين استطاعت كسر ذلك الحاجز القوي الذي كان يحاوط به قلبه رغم تلك المده الصغيرة ... لكن الصدمه الحقيقه كانت من اجابه نادين
- باشمهندس عيسى انا مش بفكر في الجواز دلوقتي ... ومعتقدش اني هفكر اصلا ... انا اسفه
وتحركت لتغادر المكتب سريعا دون ان تنتظر رد او تسمح بمناقشة ... كل ما كان يهمها هو الهروب فقط
ليختبىء سليم خلف الباب سريعا ومرت هي جواره دون ان تنتبه له
وحين تأكد من مغادرتها نظر الي عيسى الذي ظل واقف في مكانه دون ان يتحرك يشعر بالشفقه عليه وشعور بالخوف يتغلل قلبه من ان يعود عيسى لعزلته من جديد لكنه غادر سريعًا قبل ان يراه
لقد قرر الذهاب لها و يعودوا سويًا الي البيت فاليوم موعده مع والدها فبدل رحيلها بمفردها ففكر في ان يوصلها الي البيت
وكآن القدر اراد ان يجعله يرى ما حدث كله ... يشعر بالاندهاش وعدم الفهم لكن أيضًا لا يملك تفسيرًا هي لم تسمح لعيسى بالحديث ... وكما يعلم عيسى جيدًا فمؤكد لم يكن هناك بينهم الكثير من الحديث حتى تتعرف على شخصيته وقصر المدة أيضًا ... هل هناك شخص اخر في حياتها؟ هذا هو التفسير الوحيد
ظل عيسى على وقفته ينظر الي مكان وقوفها بابتسامة صغيره لم تظهر على ملامحه منذ سنوات ولو كان رأها سليم مؤكد سيقول عنه مجنون ... لكن سبب ابتسامته ان قلبه الان ينبض .. ولأول مره منذ سنوات ... صحيح هي نبضه تحمل الكثير من الألم الا انه نبض والفضل لها
طرق على مكتبها بأصبعه وغادر .. وبداخله لن يتراجع عنها ... لقد أيقظت عيسى القديم بداخله وعليها ان تواجهه وتتحمل.
~~~~~~~~~
كانت تسير في الطريق بشرود عقلها يعيد اليها صوره اختها قبل زفافها بأيام ... كم كانت سعيدة والأرض لا تساع سعادتها ... لتنام والابتسامة تملىء وجهها لكنها لم تستيقظ ... غادرتهم بسبب سعادتها وحبها ويريدون منها الزواج كيف يحدث هذا؟
انتبهت من افكارها على صوت بوق سيارة خلفها لا يتوقف التفت تنظر الي السائق والغضب يرتسم على ملامحها لكنها هدأت حين وقعت عيونها على سليم الذي ترجل من السيارة لكن ليس بشكل كامل وهو يقول
- عسكري ماشي في الشارع .. أركبي
ظلت واقفه في مكانها ليقول بتوضيح:
- والدك عازمني على الغدا النهاردة فبدل ما تروحي لوحدك .. يلا اركبي.
بتردد كبير صعدت الي جواره وظلت صامته طوال الطريق ... سارحه في طلب عيسى ... وأيضًا كونها جالسه جوار سليم في سيارتة بمفردهم ذلك يجعلها تشعر بالغضب مختلط ببعض الخجل
حين أوقف السيارة اسفل بيتها فتحت الباب وغادرت وكأنها كانت تجلس فوق الأشواك
كان يتابعها بعينيه والاندهاش يزداد بداخله ... هناك شيء خاطىء بها ... وعليه ان يكتشف ذلك السر
~~~~~~~
فتحت والدتها الباب لتلقي عليها السلام ومباشرة الي غرفتها .. تريد ان تدخل مساحتها الخاصه ... تستعيد نادين الذي يعرفها الجميع عليها ان تغلق تلك الأبواب التي فتحت بداخلها ... تلك الأوجاع التي تنبض في جسدها دون هواده وبلا رحمه
شعرت ساميه بالاندهاش لكن قبل ان تغلق الباب سمعت صوت سليم يلقي السلام.
عادت تفتح الباب على مصرعيه وهي تقول بترحيب
- اهلا وسهلا يا ابني ... اتفضل
دلف وعينيه في الارض وقال:
- يزيد فضلك يا امي ... عمي عثمان موجود
اغلقت الباب وهي تقول
- بيصلي المغرب ... اتفضل اقعد وهجيبلك العصير اللي انت بتحبه.
جلس وحين تأكد من مغادرتها رفع عينيه ينظر الي تلك الصورة المعلقه على الحائط ... يتأمل عيونها الباسمة وكأنها تنظر اليه تطمئنه ... او تريده ان يبتسم ولكن كيف يبتسم وهي غير موجودة انها كانت سر ابتسامته وحين رحلت رحل معها كل جميل في هذه الحياه
أنتبه من افكاره على صوت عثمان يقول
- اهلا وسهلا يا ابني ... معلش اتأخرت عليك
- ابدا يا عمي ولا يهمك ... تقبل الله
قالها سليم وهو يقف حتى يستقبل عثمان الذي ضمه بحنان وهو يقول
- منا ومنكم صالح الأعمال... طمني عليك ... ويا ترى الباشمهندسة نادين عامله ايه معاك ... مشرفانا قدامك ولا ايه؟!
جلس سليم أمام عثمان وهو يقول بصدق
- مديرها المباشر مبسوط منها جدًا واستلمت اول مشروع واصحابه مبسوطين كمان من أفكارها .. من الواضح ان هيكون ليها مستقبل كبير ويمكن تنافسني قريب
ليضحك عثمان وهو يقول
- كده مش هنعرف نكلمها بعد كده
في تلك اللحظة خرجت نادين من غرفتها وهي تقول بأستفهام
- مش هتعرف تكلم مين يا بابا؟!
ابتسم والدها وهو يفتح ذراعيه لها لتقترب بخجل تجلس فوق قدمية كطفلة صغيرة ليقول بحب
- أنتِ يا ست البنات ... سليم بيقول في حق شغلك كلام كبير جدًا
نظرت الي سليم وابتسمت بعمليه وقالت بأدب
- أتمنى اني أكون عند حُسن ظنه
شعر ان حديثها عملي أكثر من الازم لكنه لم يعلق ... جلسوا على طاولة الطعام ... هي صامته تماما والحديث الودي يدور بين والديها وسليم ... الذي يلقي عليها نظرة تفحصيه كل دقيقه واخرى
بعد الانتهاء من تناول الطعام ... طلب عثمان من سليم ان يجلسوا سويًا في الشرفه فهو يريد التحدث معه في امر هام ... دلفت سامية الي المطبخ تنظفه ... وتوجهت نادين الي غرفتها ... غير مباليه بحديث والدها وسليم... هذه إحدى ميزاتها لا تشغل نفسها بأمور الآخرين لكن لو علمت ان الحديث يدور حولها مؤكدًا لن تكون سعيدة بذلك
~~~~~~~~~
ظل عثمان صامتًا يحاول ايجاد مدخلا لحديثه ... يكون مناسب وغير فج
لكن كيف يكون هكذا؟ ... خاصه مع هذا الطلب الذي يريد ان يطلبه من سليم
لكنه سيتبع ذلك المثل الشهير عله يجد حل لمشكله أبنته ... و يطمئن عليها ويطمئن قلب أمها
كان سليم ينتظر حديث عثمان بلهفه ... لا يفهم سببها ... لكن هناك احساس بداخله يخبره ان ذلك الحديث ليس حديث عادي ... مؤكد الا لماذا كل هذا التردد؟ والارتباك الواضح على محياه
انتبه عثمان لنظرات سليم فذكر الله وقال
- موت دينا كان صدمه كبيرة ... قلبت حالنا جميعًا ... أنت وحياتك وقفت عند لحظة موتها .. وقربت تكمل اربعين سنه ولسه متجوزتش ... ونادين
صمت لثوان يرى تغير ملامح سليم هادئه الي متألمه وحزينه ... لكن عليه ان يكمل ... فما يحدث لا يرضي أحدًا
- نادين فاكرة ان سبب موت اختها الحب والجواز .. بتقول لو مكانتش فرحانه اوي بجوازها وحبها الكبير لسليم كان زمنها لسه عايشة ... علشان كده نادين رافضه انها تتجوز وكل ما حد يتقدم لها ترفضه من غير لحظة تفكير
هذا هو السبب إذًا ... لكن كيف تفكر بهذا الشكل ان كل شيء قدر ونصيب .. كان هذا موعد دينا حتى لو تغيرت الأسباب كيف يتركها والدها في ذلك الضلال
- حضرتك لازم تفهمها ان اللي هي فيه ده ذنب كبير كل شيء نصيب وقدر ... وده كان عمر دينا
- أتكلمت معاها كتير ... لكن في حاجز جواها مش قادر اكسره ... خوف هي بتحاول تحمي نفسها منه ... او يمكن عقدة يا ابني
قال عثمان موضحًا .. للتظهر علمات التفكير على ملامح سليم لكنها تحولت لصدمه حين اكمل عثمان قائلًا
- وعلشان الحال اللي انتوا فيه ده ميرضيش ربنا ولا يرضي حد انا بطلب منك يا ابني تتجوز نادين ... أنت تبدء حياتك وتعيش وهي انا اطمن عليها مع راجل حقيقي هيصونها ويحافظ عليها ... قولت ايه؟

للقدر دائمًا رأي أخر " قصة" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن