الفصل الثاني عشر

562 67 6
                                    

للقدر دائمًا رأي أخر
((الفصل الثاني عشر ))

كاد ان يدلف الي الشركة حين وجدها تنزل اخر درجات السلم الخارجي للشركة بطلتها المميزة... وحجابها الرقيق الذي يزين وجهها ويبرز ملامحها الرقيقه
وقف في مكانه لترفع هي عيونها تنظر اليه ... رجل وسيم حقًا بجسد رياضي... وعضلات بارزه بشرة سمراء ذات لمعه مميزة خشنه تدل على العمل لفترات طويله تحت أشعه الشمس كانت تفكر هل هذا لون بشرته الحقيقه ام انه تأثير الشمس بالفعل لكنه قطع تفكيرها وقال
بابتسامه بسيطة:
- ازيك يا أنسه نادين؟ يارب تكوني بخير
- الحمدلله .. كويس اني شوفت حضرتك كنت عايزة أشكرك على اللي عملتوا معايا
اجابته بثقه رغم ان جسدها ينتفض خجلا ... فمن يقف امامها هو من مزق ملابسها وامسك يديها وحملها وهي فاقدة للوعي لتجد نفسها رغمًا عنها تنظر أرضًا بخجل ليقول هو سريعًا بعد ان لاحظ تحول ملامحها للخجل:
- مفيش داعي للشكر ... انا معملتش غير واجبي واللي شوفته مناسب علشان نقدر نبعد عنك الحيوان ده وللأبد
صمت لثوان ثم قال:
- في الحقيقه انا عايز اعتذرلك .. اني ... أقصد .. بصي من غير شرح ... انا آسفه.
رفعت عيونها له لتجده ينظر في اتجاه اخر وهو يقول اخر كلماته ... يديه الاثنان في جيب بنطاله ... كطفل صغير يشعر بالخجل، لم تعقب على كلماته ليقول من جديد:
- عايز اطمنك عيسى معمول معاه الواجب وزيادة ... انا موصي عليه كل حبايبي .. لو خرج مش هيبقا فيه حيل يبص لاي بنت مش يتحرش ولا يغتصب
لتشهق بصوت عالي ليقول سريعًا:
- انا اسف .. انا مش بعرف ازوق الكلام أعذريني
- مفيش حاجه
قالت كلماتها وهي تتحرك من امامه ... وأكملت قائله
- عن إذنك وشكرًا مره تانيه
لم يعقب هي في الاساس لم تعطيه الفرصه ... وغادرت سريعًا ... ظل ينظر اليها حتى صعدت الي السيارة التي كانت في انتظارها ... أخذ نغس عميق وهو يفكر ان بتلك الفتاه شيء ما يجذب اليها الرجال ... ربما خجلها، او رقتها ... او خليط مميز بين الاثنان وشيء اخر لا يعرفه ... خرج من افكاره وهو يبتسم ابتسامة صغيرة ثم صعد الي صديقة
~~~~~~~~
عاد سليم يجلس خلف مكتبه ... وهو يشعر بنار حارقه تشتعل داخل صدرة ... هل عمر معجب هو الاخر بنادين .. كل من يراها يقع في غرامها وهو عليه ان يظل صامت لا يتحدث
كيف يفعل ذلك؟ كيف يسمح للجميع ان ينظرون الي دينا بأعجاب؟
قديما ابتعد عن صديق عمره من أجلها واليوم يراها تقف أمامه يتحدثان ويرى نظره الإعجاب في عينيه لها ولم يذهب اليه يحطم أسنانه ... دينا له فقط ولن تكون لغيرة
طرقات على باب مكتبه ... ثم دخول عمر المميز والذي قال بمرح بعد ان اغلق الباب
- قابلت نادين تحت ... هي هربانه من الشغل ولا أخدت آذن رسمي
ليبتسم سليم رغمًا عنه وقال بأسف:
- لا دي سابت الشغل خالص
ليقطب عمر حاجبيه باندهاش وقال بصدمة:
- ليه؟ هو في حاجه حصلت انا معرفهاش ؟
- يعني هي مقالتش ليك؟
قال سليم ببعض الضيق ... ليجييه عمر بهدوء وصدق
- وهتقولي ليه هو انا من بقيت عليتها
صمت لثوان ثم قال ببعض الخبث
- لو تقصد لما قابلتها عند مدخل الشركة .. كنت بعتذر لها عن اللي حصل وهي بتشكرني مش اكتر
ليلوي سليم فمه بمعني انه لم يصدق ... ليقف عمر وقال ببعض الحزن
- هو انت شايفني ازاي يا سليم؟ خلي بالك دي تاني مره ... وبعدين الغيرة اللي جوه عنيك دي معناها ايه؟ معناها انك نسيت دينا وبتحب نادين ... ولا غيره اخ على اخته؟ بلاش كل ده ليه ديما شايف اني راجل ندل وخسيس واني هطعنك في ظهرك
وقف سليم وقال بضيق من نفسه ... خاصه وكلمات عمر وضعته أمام حقيقه نفسه وأمام كل ما هو لا يعلم تفسير له:
- انا عمري ما شوفتك خسيس وندل ... انا بشوفك احسن انسان في الدنيا وعلشان كده بخاف ... بخاف ان اللي حوليا يشوفوا ده ويبعدوا عني ... مش انت اللي ندل ... انا هو اللي ندل يا عمر وجبان كمان ... معنديش ثقه في نفسي... وبخاف من الخسارة ... وبخاف ابقى لوحدي رغم اني طول عمري لوحدي.
جلس بتهالك فوق الكرسي ليشعر عمر بالشفقه عليه رغم حزنه من مواقفه معه فأقترب منه وقال
- أتكلم يا سليم ... خرج كل اللي جواك أتكلم وكأنك لوحدك كأنك بتكلم نفسك.
ظل سليم صامت ينظر الي صديقه وكأنه يرجوه ان يساعده ... ليشعر بالشفقه عليه حقًا ... ظل صامت ينظر الي صديقه بدعم ... وبعد عده دقائق قال سليم والدموع تتجمع في عينيه
- انا خسرت كل اللي بحبهم يا عمر .. ابويا وامي .. ودينا ... مبقاش ليا في البلد هنا حد الوجع كان موجود في كل مكان وفي كل حاجه حوليا ... سافرت ... او هربت... بس مكنتش قادر اقعد هنا امشي في نفس الطريق اللي مشيت فيه معاها ... اقعد في نفس الأماكن لوحدي من غيرها ... سافرت شغلت نفسي في الشغل ... والجيم علشان هي كانت ديما تقولي لو عندك شويه عضلات هتبقى ولا ابطال الروايات لبسي تلقائي من بعد موتها بقى كله اسود زي ما هي كانت بتحب ... حتى دقني كانت رغبتها اني اطولها ... انا حياتي كلها بقت بدور حوليها هي ... هي جوا كل تفاصيلي
- طيب ونادين؟
سأله عمر مقاطعًا سيل كلماته ليرمش عده مرات ثم قال
- كلها دينا ... اسلوبها في الكلام ... افكارها المبتكرة في الشغل ... خجلها، عقلها رغم ان ملامحها بعيدة تمامًا عن ملامح ديما لكن كل ما أشوفها قلبي يدق وكأنه هيخرج من مكانه يا عمر وكأني شايف دينا قدامي
- طيب وهي إحساسها ايه بيك؟
سأل عمر بشك ... ليلوي سليم فمه وقال بأقرار:
- هي شايفه اني سبب موت أختها.
شعر عمر بالصدمة من كلمات صديقه... صمت سليم لثوان تحرك فيهم من خلف مكتبه حتى وقف امام النافذه وأكمل قائلا:
- بعد اللي حصلها من عيسى انا أقتنعت اني لعنه ... شر على كل اللي بحبهم .. واني مستحقش حد يفضل جمبي ومعايا .. واي حد هيقرب مني هيجي يوم ويمشي او هيتأذي بسببي.. زي ابويا وامي ودينا ونادين .... حتى أنت يا عمر بأذيك بكلامي وتصرفاتي
أقترب عمر من مكان وقوفه وقال بصدق
- أنت محتاج مساعدة يا سليم
التفت سليم ينظر اليه ... ليخرج له بطاقه وقال موضحًا:
- ده عنوان دكتوره نفسيه شاطرة جدًا... ومش علشان خطيبتي بقول كده على فكرة ... بس هي فعلا دكتوره شاطرة وهتساعدك بجد لانها في وقت معين ساعدتني
ارتسم الزهول على ملامح سليم ... الذي يشعر الان كم هو ضيق التفكير وسيء الظن ... ليكمل عمر كلماته
- وانا مليش دعوه بالموضوع لحسن تفكر ان الحكايه كوسه ولا هي ممكن تحكيلي حاجه ... ولو مش عايز فيروز ممكن نشوف دكتور تاني .
ظل سليم صامت لا يجد ما يقوله يريد ان يعتذر ... ان يشكره لكن الكلمات ابت ان تخرج من فمه ... ليتحرك عمر كي يغادر ليوقفه سليم قائلا
- عمر
التفت عمر ينظر اليه ليقول سليم بصدق
- انا اسف ... وشكرًا
أبتسم عمر ابتسامة صافيه وقال بصدق مشابه
- انا في الخدمة ديما يا صاحبي.
وغادر المكتب ليظل سليم واقفًا في مكانه ينظر الي الباب المغلق ... ثم التفت ينظر من النافذه على صديقه وهو يعبر الشارع ثم صعد الي سيراته وغادر في هدوء لينظر الي تلك البطاقه بين يديه وهو يفكر بجديه في الذهاب اليها ... حقًا هو بحاجه لمن يساعده ويريح قلبه وعقله.
~~~~~~~~~~~
مر اكثر من شهر لم تطول التحقيقات فعمر كان يسعى وراء انهاء الامر بشكل سريع وتم تحويل عيسى لمستشفى الامراض النفسيه والعقليه للكشف الطبي على سلامة عقله ... فخلال التحقيقات كانت تصدر منه تصرفات غريبه جعلت المحقق يشك في سلامته العقليه ... ومازال الامر معلق حتى يُكتب التقرير الطبي ... فهو يريد ان يطمئن نادين ... وكذلك سليم الذي ذهب وأخيرًا الي فيروز ... كانت جلستهم الاولى منذ يومين فقط ... ظل طوال هذا الوقت يماطل في فكره الذهاب ...وعمر تركه على راحته ... فعليه ان يذهب اليها بكامل إرادته وفي أخر الامر ذهب وتلك خطوه جيده له
~~~~~~~~~~
وصل سليم الي عيادة فيروز ... هذه زيارته الثانيه لها ... الجلسه الماضيه لم يستطع التحدث معها براحه رغم بالها الطويل ... وابتسامتها المريحه التي تجعل من يجلس امامها يشعر بالراحه والطمئنينه وأيضًا يشعر برغبه قويه في الحديث لكنه لم يستطع ... حضر اليوم ولا يعلم هل سيستطيع الحديث واخراج كل ما بصدره
حين دلف الي العيادة ادخلته المساعدة مباشرة الي غرفه الطبيبه التي كانت في انتظاره بالفعل
وحين دلف قالت فيروز بترحيب :
- اهلا باشمهندس سليم اتفضل ... حضرتك متأخر عشر دقايق
- توهت وانا جاي .. دخلت شارع غلط
اوضح لها الامر ببعض الحرج ... للتحرك من خلف مكتبها وجلست على الكرسي المواجه للاريكة التي جلس فوقهت وقالت:
- حصل خير حمدالله على السلامة .. انا كمان اول ما فتحت العيادة تهت كام مره كده لحد ما اتعودت وحفظت الشوارع
ابتسم لبساطتها في الحديث والتي تجعل الامر سهل عليه قليلًا ... لكن كان يشغل عقله شيء مهم ... انها تشبه عمر كثيرًا ... واضحه، وصريحه... كصديقه الذي يواجه دائمًا دون خوف ويتحدث بصراحه ووضوح كيف تكون شكل العلاقه بين إثنان بهذا الشكل ذلك السؤال كان يلح عليه ... لكنه أنتبه من أفكاره على صوتها وهي تقول:
- ها يا باشمهندس تحب نتكلم في ايه؟ او تحب تبدء منين؟
ظل صامت لعده ثوان ثم بدء يقص عليها كل شيء .. منذ خطبته لدينا ... حتى اخر مره تحدث فيها مع عمر ... وابتعاده قدر المستطاع عن نادين وعائلتها ... كانت تستمع له بتركيز شديد وتدون خلفه بعض التفاصيل ... حتى انتهى تمامًا من حديثه، فقالت بهدوء:
- كل اللي حضرتك حكيته ده بيدل على انك عندك رهاب الفقد .... كثره الخسارة في حياتك خلقت عندك حاله الخوف من انك تقرب من حد ... رغم رغبتك وشوقك للقرب ده وخوفك من انك تحس بخيانه تجاه دينا الله يرحمها
صمتت لثوان اغلقت المفكرة بين يديها ... ووضعتها على الطاوله الصغيرة واكملت بهدوء:
- أنت الوحدة تعباك ... وعلشان كده في عندك إطراب في مشاعرك مش قادر تحدد انت عايز ايه ... يعني لسه متمسك بوحدك لان دينا تستحق ده منك رغم انه حرام ... ولا محتاج حد في حياتك يفكرك بيها ... خايف تخسر حضن عيلتها ليك لو اختها اتجوزت حد تاني ... ولا فعلا اعجبت بنادين لشخصها مش لانها تشبه دينا
عادت لتصمت لثواني كانت تتابع فيهم تعابير وجهه .. وتفكيره في كلماتها التي يتضح في حركه عينيه الغير مستقرة،و التي اغلقت قليلًا... دليل على التركيز ... لكنها أكملت بهدوء
- أنت محتاج تفتح دايره معارفك ... ترجع تاني الشخص القديم قبل وفاه دينا .. اللي ليه أصدقاء المستعد للحب ... اللي قادر يكسر حاجز خوفه من الفقد ... اتعامل مع عيله دينا على انهم جزء من حياتك مش محور حياتك اللي لو خسرته خسرت نفسك.
ظل صامت يفكر في كلماتها .. لتقف وتعود الي خلف مكتبها وهي تقول باستفهام:
- بتنام كويس؟
- لا ... عندي ارق وقلق طول الوقت
اجابها دون تفكير .. لتؤمأ بنعم وبدأت تكتب شيء ما ثم رفعت عيونها تنظر اليه وقالت بنفس الابتسامة الهادئة:
- ده نوع خفيف من المهدىء ... يتاخد قبل النوم مباشرة هيخلي اعصابك تهدى وتقدر تنام ... لمده اسبوع بس لحد معادنا الجاي
مدت يدها له بالروشته .. اقترب من المكتب وامسك بها ... لتكمل هي كلماتها:
- حاول تشغل نفسك بحاجات كتير .... اعمل حاجات مختلفه بتحبها ... رياضه، او سفر ... ممكن تطلع على اي كامب تقعد يومين هيغيروا مودك جدًا او تعمل سفاري كمان هتخليك تحس أحاسيس مختلفة عن روتينك اليومي.
أومأ بنعم وتحرك ليغادر لكنها أوقفته عند الباب حين قالت:
- أنت محتاج أصدقاء في حياتك يا سليم
نظر لها نظره لم تستطع هي تفسيرها ... لكنها ظلت محافظه على ابتسامتها الهادئه ليغادر الغرفه وزهنه شارد حتى انه لم ينتبه لتلك التي تصعد السلم سريعًا لتصطدم به ليسقط أرضًا وهو يتأوه بالم لتنظر اليه بخوف وهي تقول بصوت مختنق من البكاء:
- انا اسفه مكنتش واخده بالي اصلي مستعجله اوي علشان معادي مع دكتوره فيروز ... هو انت كويس هي الوقعه افقدتك النطق ولا ايه ؟ يا استاذ هل تسمعني ... طيب قوم وقعني زي ما وقعتك
كان ينظر اليها باندهاش وكأنها كائن فضائي ... وعند كلماتها الاخيرة ضحك بصوت عالي ... انها مثل الراديو لا تتوقف عن الحديث ... لا تعطيه فرصه للرد وتسأله هل فقد النطق... وكطفله صغيرة أوقعت زميلتها في المدرسة فتسمح لها بالانتقام منها بنفس الطريقه حتى لا تعاقب عقاب اكبر انتبه من افكاره حين قالت من جديد
- انت بتضحك يعني انت كويس
وضعت يدها على موضع خافقها وهي تقول
- الحمدلله يارب
لاحظ ذلك الحرق الكبير فوق كف يديها ليندهش من بشاعته لكنه لم يعقب ووقف امامها بعد ان نظف ملابسة وقال:
- ايوا انا كويس متقلقيش ... بس ابقي خلي بالك بعد كده وأنتِ طالعه السلم
أومأت بنعم وهي تقول بتوضيح:
- اصل انا بمشي بسرعة اوي ومش بعرف ابص قدامي علشان مخبطش في حد ولا تحت رجلي علشان مقعش وانا ماشيه ... فبصراحه بخاف اقع فببص تحت رجلي ... على العموم انت كويس اهو ... وانا اسفه وبعد اذنك بقا علشان اتأخرت.
كان ينظر اليها وعلى وجهه إبتسامة بلهاء انها تتحدث كثيرًا فعلا ... و تتكلم بطريقه طفوليه غريبه ... رغم انه لاحظ خجلها وخوفها الواضح في عينيها ... تركته على وقفته حين لم يرد على كلماتها ودلفت الي العيادة ثم الي الغرفه الذي غادرها منذ قليل ... ليقترب من الفتاه التي تجلس خلف المكتب وسألها
- معلش هي البنت اللي دخلت دي أسمها ايه؟
نظرت له باندهاش ولكنها قالت:
- تقصد انسه أمينه
- أسمها أمينه
ردد خلفها لتؤمىء له بنعم ليقول من جديد:
- وهي مواعيدها أمتى؟
رفعت الفتاه حاجبيها باندهاش ليقول من جديد
- اصل وقع منها حاجه وانا مش هينفع استنا لحد ما تخلص ولا ينفع اسيبها معاكي... فكنت عايز احجز معادي الاسبوع الجاي في نفس معادها.
نظرت الفتاه الي دفتر المواعيد وقالت:
- معادها الاسبوع الجاي يوم الحد الساعه ٧
ليعتدل في وقفته بعد ان حجز المعاد الذي خلفها مباشرةً وسوف يحاول ايجاد مساحه للكلام مره اخرى ... لكنه الان بحاجه لبعض الهدوء الذي يشعر به وهو جالس امام عثمان وماما سامية ... ليذهب اليهم زياره عاديه فهم في مكانه أبويه ... فلم يعد هناك ذلك الشعور بالخجل خاصه بعد عمل نادين في مكان جديد
~~~~~~~~~~~
خلال ذلك الشهر كانت نادين تبحث عن عمل حتى تم تعينيها في إحدى المكاتب الهندسية الصغيرة ... صحيح لا يقارن بشركة سليم بأي شكل من الأشكال ... لكنها كانت سعيدة جدًا بذلك العمل ... خاصه وان عدد الموظفين صغير ... وكلهم تقريبًا حديثي التخرج مثلها ... واصحاب المكتب ثلاث أصدقاء شركاء ... منهم إثنان مهندسين وهي ثالثتهم ... والشريك الثالث محاسب اكبر منهم ببضع سنين وهو المسؤل الأساسي عن المكتب ... لكن الثلاثه يديرون المكتب معا بشكل ودي ... كما يوجد موظفه استقبال وايضا عامل بوفيه.
رفعت عيونها عن لوحه الرسم وقالت بهدوء
- نسرين تعالي شوفي كده
إقتربت منها نسرين وهي تقول
- يا بنتي هو مفيش غير نسرين ولا أنتِ فعلا بتخافي من هاجر ولا ايه؟ مش بتاكل بشر على فكرة
لتبتسم نادين وهي تنظر الي هاجر التي تنظر اليهم بشر لتقول نادين موضحه
- هو أنتِ عايزاها تقوم لنا دلوقتي ولا بتوقعي وبتهدي النفوس .. وبعدين يا ستي أنتِ الأقرب ليه نتعبها وهي هتيجي بتكسي وترجع بتكسي تكلفه برده
ليضحكن الفتايات بصوت عالي حين دلف شاهين من الباب وهو يقول بضيق
- على فكرة احنا في شركه مش قاعدين في النادي
خيم الصمت على الفتايات ليكمل من جديد
- وبعدين ده ظلم إنتوا هنا ثلاث بنات مع بعض وانا في المكتب بتاعي لوحدي
ضحكت الفتايات ببعض المرح ليقول من جديد موجه حديثه الي هاجر
- باشمهندسة هاجر في عميل جديد جاي النهاردة كمان ساعه ندى بلغتني دلوقتي
خلعت هاجر نظارتها الطبيه وقالت بهدوء
- خلي واحده من المهندسات تحضر معاك ... لاني المفروض اخلص الشغل اللي في ايدي ده النهاردة
لينظر في اتجاه نادين ونسرين ... لترفع نسرين يديها وهي تقول
- انت عارف يا شاهين انا مليش في الاجتماعات والرسميات دي
ليبتسم إبتسامة صفراء وهو ينظر الي نادين وقال ببعض السخرية
- عندك أنتِ كمان حجه ومش هتحضري الاجتماع ... علشان نقفلها بقى ونقلبها كافيه
لتقول بجديه :
- هكون جاهزة على المعاد ان شاء الاهر
ليومأ بنعم وغادر الغرفه ... لتنظر نادين الي الفتايات بشك ... لتعود هاجر تنظر الي الأوراق أمامها بهدوئها المعتاد ... وعادت نسرين الي مكتبها تتدعي الانشغال ... لتشعر نادين ان هناك شيء غير مفهوم في الأمر لكنها لم تعقب او تعطي الأمر اكثر مما يستحق كل شيء في اطاره الطبيعي اذا كل الامور جيدة ... اضافه الي انها قد اخذت عهد على نفسها امام والدها ان تحاول غلق ابواب الماضي ... وان تترك نفسها وقلبها للحياه ... تترك القدر يحقق مشيئته فيها ... لذلك هي تحاول بكل طاقتها ان تخرج من داخلها الأفكار السلبيه ... رغم خوفها كطفله تخرج الي العالم لأول مره .

للقدر دائمًا رأي أخر " قصة" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن