الفصل الثاني : بحاجة للماء في وسط الماء

6 0 0
                                    

رغم الجمال الذي تظهر الجزر الطائرة، إلا أن أعماقها لا تخلوا من مفاجآت، هذه الجزيرة تخبأ تحت سطحها المخضر أجمل مناظر طبيعية للصخور المضيئة والمتلألئة، يعيش حول أضواء هذه الصخور وجنبًا لجنب بالحمم المتواجدة فيها كائنات تتراوح ألوان بشرتها بين الأخضر والأحمر، يتميزون بذيولهم وكذلك أذانهم الطويلة، كما تتميز أجسادهم بجوهرة تتواجد في مكان عشوائي عند كل فرد، هنا على سبيل المثال، هذه الفتاة الصغيرة ذات البشرة الحمراء والشعر الأسود، تقفز بين الصخور وينعكس ضوء حجر بنفسجي عليها، لديها جوهرة أعلى كاحلها، كان يقول حكيم المغارة أنها لم تكن لتسير لو كانت الجوهرة اخفض بقليل، لفد كان والداها سعيدين جدًا بها، لم تتمكن والدتها من إنجاب طفلة غيرها، لقد كانا يحبانها كثيرًا، لا تزال أصغر من ان تفهم هذا، لا زالت في سنتها الثالثة ولا تبالي إلا للقفز بين الحجارة المضيئة، لطالما كان الأزرق لونها المفضل، لعل ذلك سبب ملئها شعرها بتلك الأزهار الزرقاء الذابلة، إلا أن الجوهرة الزرقاء بلون المحيط لم تكن متوقعة، إذ انها اندر الجواهر، حتى كبار القرية لم يرو مثلها قط، تقول الأساطير ان مثل تلك الجواهر كانت جواهر الفرصة الأخيرة، شديدة الندرة، وفور أن تظهر تندلع الحروب، قرر كبار المغارة أن عليهم قتل الفتاة إلا انهم عدلوا عن رأيهم ورفعوا من آمالهم، لعلهم يفوزون بالحرب هذه المرة.

تحت تلك الأضواء البراقة المتشبثة بجدران الفجوة الكبيرة، كان جون ذو العينين السوداوين، يتجول وقد لف حول معصمه حبلًا قد ربط به عددً كبيرًا من الأطفال، كلهم خلف هذا الفتى، في البداية تظنه مختطفًا ما، لكن الحقيقة أن هذا الفتى يساعد مئات اليتامى، هذا الفتى ذو البشرة الخضراء، والذيل الطويل، كان يرتدي سروالًا قصيرًا بنفسجي اللون، رثًا لأقصى حد، وقميصًا أبيض اتسخ ببعضٍ من التراب، خلف القميص كانت جوهرة خضراء ملكية اللون تقبع في صدر جون، قد حلق شعره بأكمله، ويصطحب معه عددًا من الأطفال حيث تتدفق الحمم، أمسك صخرة أمكنها احتواء الحمم بها، كان مجرى الحمم مرتفعًا قليلًا وقد دعم بحاجز يمنع الحمم من التسرب إلى الأرض، أمسك جون بالقطعة الحجرية وملئها بالحمم ثم قربها من فمه وبدأ يشرب منها، تبعه الأطفال بعضهم شرب من الحمم مباشرتًا بيديه وآخرون استعملوا حجارة مقعرة، بعد قليل، تصاعد الدخان من أنوفهم وأفواههم لكن ليس الكثير، بعد ان ارتوى الجميع، اخذهم جون إلى مكان آخر، فجوة أخرى وصلوا إليها عبر السير المطول في المغارات، حيث كان الباعة في كل مكان، كان المكان ضيقًا بسبب الازدحام، تجمع الشراء حول بائعٍ يزعم أن لديه ماءً، اتضح في النهاية أن لا شيء لديه، لكنه توعد بإحضاره، بائع آخر كان يملي أسعاره بصوتٍ عالٍ بعض الأطفال كانوا يشدون أثواب أمهاتهم بحرقة ويبكون، وصل جون إلى بائعه المقصود، نادى على الأطفال وأمرهم بوضع ما يريدونه في الحقائب الصغيرة التي كانوا يمسكونها، أمسك الأطفال بأدب وحذر وبشكلٍ بالغ التنظيم، حبتين من فاكهة الخرشد الخضراء، قفصًا به سنجاب مقرن، حبة صغيرة من البصل، وكيس به خليط توابل، بعض الثوم المرفق بأوراق الصان البنفسجية ووضعوها في حقائبهم، كانت الحقائب كلها متماثلة فيما فيها، وقد ربطها الأطفال توًا في الحبل الذي عقد حول أخاصرهم وواصلوا السير، لم يختلف جون عنهم فيما يحمل غير أن كيسه كان بلاستيكيًا شفافًا إلى حدٍ ما، اقترب منه صاحب المحل وتفقد الأكياس، كان رجلًا بدينًا ذا بشرةٍ حمراء وشعرٍ فقد لونه الأصلي فتحول إلى أحمر باهت، كان وجهه عديم الشعر فيظهر طبقات الدهون تحت ذقنه، أمثاله يتناولون أطعمة ممتلئة بالحمم البركانية الساخنة، ما يجعل جون يشعر بالقرف لكنه يدري أن لا حيلة لهذا البائع، تفقد البائع كل كيس بخشونة، ثم  باح بسعرٍ لجون، أخبر جون البائع أن الكبار سيدفعون ثم غادر وبرفقته الأطفال، تنقلوا بين عدد من المغارات والتجاويف الكبيرة حتى وصلوا إلى ميتم الغاريين، كانت فجوة الباب صغيرة، والباب كان صخرة كبيرة شبه مسطحة، أما الداخل فقد كانت عدة أروقة تخفي في جدرانها حجرات، قفز الأطفال داخل الحجرات وغطَّوا بابها برداء عتيق، بدت الحجرات وكأن عشرات الأطفال قد عاشوا فيها يومًا ما، كان الميتم ممتلئًا بالأحجار المضيئة البيضاء والزرقاء والخضراء، كما تناثرت بعضٌ من الحجارة الوردية هنا وهناك، كان هناك مكتب استقبالٍ متهالك بجوار المدخل، بدا وكأنه لم يودع طفلًا قد، كان يستلم فقط، وكيف له إن يودع، في زمن يكون فيه الأغنياء فقراءً! غير الأطفال ملابسهم ثم ذهبوا إلى المطبخ، كان شكل المطبخ مستطيلًا شديد الطول، كان هناك كبير من الأدوات ومكانٌ كافٍ ليعمل عددٌ كبير من الطهاة، غير أنه لم يكن لائقًا، كان متسخًا وبالكاد يكون سطحه نظيفًا، اصطف الأطفال بجوار جون الذي أخذ مكانًا في المطبخ أخذ ما كان قد جلبه في كيسه وبدأ بالتقطيع، حذر الأطفال وأعلمهم بأن السكين حاد كانوا يراقبونه بفضول، بعد أن قطع جون نصف حبة البصل التي كانت بيده بدأ الأطفال بالتقطيع، بدا وكأنهم معتادون على الوضع، أكملوا التقطيع وقد ملئت رائحة البصل الغرفة، دمعت بعض الأعين رغم أن اصحابها لم يكونوا مهتمين، أخذ جون إناءً ووضع فيه ما كان يقطعه ثم مرره للأطفال، فعل الأطفال المثل، وظلوا كذلك حتى أنهو الطبخ، دخلت آنسة من الباب وطلبت من الأطفال الخروج، تبعهم جون بحركة لا إرادية، غير أن الآنسة طلبت منه العودة.

مملكة بيربور - أرض العجائب الطافيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن