كانت تحاور المحارب كالم، تحت سقف القبة الكرستالي، بعد رحلته الشاقة في الصباح وجد نفسه مرهقًا لدرجة أنه نام فور ان دخل الغرفة المخصصة له، لقد غط في نومٍ طويل ولم يستيقظ حتى حل الظلام، أما وايت فقد كانت تتدرب في الغرفة الصخرية، لقد أدركت توًا انه كان قرارًا غبيًا أن ترتدي الزي الحربي فهي ستخلعه الآن لترتدي ملابس نومها، كانت على وشك دخول الغرفة لفعل ذلك، حتى سمعت المحارب استيقظ لذلك قررت ارتداء فستان مريح لتتمكن من سؤال كالم عن المهمة الموكلة إليها اذ ان المهمات المطلوبة لا تذكر في الرسائل، بالرغم من ذلك كانت مؤمنة ان مهمتها ستكون محاربة الغاريين، لعل ذلك كون مدربها كان يذكرهم هم فقط ويستمر بالتأكيد على نقاط ضعفهم وكيف لكل قدرة هزيمتهم بطريقة معينة، عندما كانت أصغر سنًا كانت تخبرها "والدتها " كُولد ان ما يرهقها هو تحملهم للحرارة اذ كانت كولد فارسة لهب، ومحاربة للغاريين قبل ان تتقاعد لتستقر مع زوجها ريد، لذلك كانت وينتر تكرههم - لأن امها لم تتمكن من هزيمتهم –فتاة شابة ذات شعرٍ طويل لكن ليس كثيرًا، تجلس اعلى المنزل وهي تحادث والديها، ((سأفعل المستحيل وسأكون محاربة)) قالت الفتاة ذات الشعر البني الذي يميل الى الأصفر الشاحب كلما نظرت لأسفله، ((لا عزيزتي هذا شاقٌ جدًا، خاصةً اذا حصلتي على قدرة الرياح)) انهت السيدة التي ظهرت على وجهها بعض التجاعيد، امتلكت كولد شعرًا بنيًا داكنًا قد توضعت عليه ضع شعرات بيضاء، ((أتعلمين ما هو افضل من ان تكوني محاربة؟)) سأل الأب وقد كان رجلًا ضخم البنية الى حدٍ ما، لون شعره كان كلون اللهب وقد تميز بتموجات لطيفة به، ابتسمت الفتاة الحسناء وادركت الاجابة.....
ارتدت وايت فستانها ذو اللون الأخضر الباهت، كان فستانًا طويلًا وقد زينته ورود مطرزة ذات لونٍ شبيه بلون الفستان غير انه ميال الى الأصفر، تخلى الفستان عن ذراعه اليسرى واستبدلها بقماش يستحيل الى الشفاف وقد زُين بجواهر بالغة الصغر جعلته يبدو وكأنه يلمع، أما الذراع الأخرى فقد كانت بسيطة غير أنها جعلت الفستان يبدو أفهم، كانت وايت قد سرحت شعرها بشكل كعكة مظفرة، خرجت الى قاعة القبة، حيث وجدت المحارب كالم لم يتخلى عن ردائه الحربي المشقوق بعد، غير أنه بدا اكثر اشراقًا مما بدا عليه سابقًا، اكتشفت وايت انها ستنام متأخرًا اليوم لأن المحارب كالم استيقظ لتوه ويرغب بمحادثتها مطولًا : ((الأميرة كريستال، سعيد لأنك لم تخلدي للنوم بعد، اذ ان لدي امرًا مهمًا لأخبرك به)) قال كالم وهو يضع طبق الستيكلن على الطاولة وهو شبه خالٍ، ((بكل تأكيد ايها المحارب كالم)) اقتربت وايت وذيل فستانها يتبعها، كانت القاعة كبيرة على شكل دائرة احيط بها 6 أبوابٍ صغيرة وباب مرتفع اكبر، اما جدرانها فقد كانت بيضاء غير مسطحة بل مزينة بأشكالٍ كسداسيات تبرز منها، رغم ان الجدران كانت خالية الا ان طاولات صغيرة مدورة الشكل قد جعلتها تبدو مزينة، كانت الطاولات تحمل مزهريات بها زهور بيضاء بنفسجية وجواهر بذات اللون تقريبًا مما جعلك لا تدرك انها ليست ازهارًا الا حين تقترب منها، كما توسطت تلك القاعة طاولة بنفسجية فاتحة لم يعرف شكلها اسمًا معينًا لكن يمكن وصفها كأنها بيضاوية نقص من جانبها الأطول بيضاوي أصغر، أما ارجلها فكانت بسيطة الشكل عددها أربعة، وعليها مزهريات وطبقا الستيكلن اضافةً الى طبقٍ من البرقوق التي وضعها الخدم للمحارب كالم لأنه لم يتناول عشاءه إلا الآن، أما الأريكة فقد كانت عادية بشكل حرف الراء، لكن أقل تقوسًا لونها أغمق من لون الطاولة، كل هذه القاعة يقبع تحت قبة زجاجية تظهر مظهر المحيط الذي تلون بلونٍ مظلم تخللته نجوم الفضاء وقمران من أقماره السبعة، لكن ما كان يضيء القبة كان حجارة مضيئة جد نادرة ذات لونٍ أبيض ناصع.
ـ ((أظنك تدركين أن الأجواء في البيضة الأرجوانية خطيرة إلى حدٍ ما)) قال كالم مبتدأً حديثه، ((لكن مهمتك لا تتعلق بالغاريين))، استغربت وايت : ((لما هذا؟ لما ستستدعون محاربًا إن لم تكن مهمته المحاربة؟))، رد عليها المحارب ((هذه مهمتك الأولى، ولم تتعودي على عمل الفريق بعد.))، ((لكن ما عساي أفعل غير محاربتهم؟ أقصد هل سمعت يومًا بمهمات اخرى للمحارب)) قالت وايت جملتها الأخيرة على سبيل السخرية، لكن كالم غير رأيها: ((أتظنين ان تدريبك كان هدفه الوحيد أن تحاربي الغاريين؟ بالتأكيد لقد تدربتِ في مدرسة المحاربين الملكية)) اخرج كالم كلماته من فمه بأسلوبٍ محبط، اذ ان وايت تلقت تدريب المحاربين الملكيين وليس محاربي المملكة، وعلى ما يبدوا فمدربوها لا يدركون مهمات المحاربين العاديين، شعر كالم بالإحباط اما وينتر فقد شعرت بالخجل، كيف لها لم تستغرب من تدربها في مدرسة المحاربين الملكيين التدريبية بالرغم من أن المحاربين العاديين لا يتدربون هناك، ((المعذرة سيد كالم، يبدوا انني لم اتلقى التدريب الأنسب، لكن سيسعدني أن تخبرني عن الاختلاف بين المحاربَين.)) كانت وينتر تضغط على يديها، لقد شعرت بشيءٍ من الخزي لكنها لن تدعه يتغلب عليها، ليس اليوم، أول مهماتها يجب أن تكون رأس السهم الذي يمهد للمزيد من النجاح، (( لا أظن هناك اختلافًا كبيرًا، انتِ فارسة حاجز، ستذهبين مع فريق استطلاع، هدفك في الفريق هو حمايته))، تنهدت وايت، كانت قلقة من أنها ستفشل، لكن بدت الفكرة بسيطة، لن تضطر حتى للمحاربة، بل ستكون وسيلة دفاعية في حل حدوث طارئ ما، (( لم يكن الملك ديب ليستدعيك لولا انه كان متخوفًا من اهانة الملك آدونيس، انتِ لستي خبيرة، يجب عليك تقبل الأمر))، بعد سماع وينتر لكلماته خفضت رأسها بإحباط، بدأت تفكر بالفعل بأي جزيرة ستكون الأنسب لها لتحكمها أو اي أمير لتتناسب معه ليتزوجها فور أن تعود لمملكتها، (( لكن مهمات في أراضي النزاع سترفع خبرتك إلى السطح، أتمنى أن الملكة جوول ستتحمل غيابك الدائم. )) كان كالم قد لاحظ الإحباط الذي ارتسم على وجه جوول لذلك ارتأى ان يخفف عليها، بالرغم من ذلك كان محقًا، (( فقط حاولي ان لا تفقدي حياتك هناك، لا نرجو ان ينبذنا الملك بسبب سلبنا لابنته الغالية فور عودتها للوطن)) انهى كالم جملته بضحكة على سبيل المزاح، ابتسمت وايت، وقررت اخذ حبة برقوقٍ من الصحن وهي تحادثه (( اجعل المحارب كاديو يقتلني ان لم أفعل )) واطلقت ضحكة لطيفة قبل ان تأخذ قضمة من حبة البرقوق.
حادثت وايت كالم لبعض الوقت على سبيل الأدب، غير انها شعرت بالنعاس الشديد فاستأذنت لتنام، كانت الغرفة المخصصة لها في القبة الكرستالية بسيطة، مظلمة نوعًا ما وبها شرفة زجاجية تطل على الحوت إلانا التي كانت قد قررت التوقف لتستريح مما جعل سربًا من الأسماك الصغيرة تتجاوزها، وخلف تلك الأسماك كان عدد من حور السماء يرشدونها لأحد مذنبات الماء لاحتجازها هناك، وتحت حجارة الظلام الحمراء التي زينت ستائر السرير نامت وايت.
في مكان مظلم، فتحت وينتر عينيها، (( مرحبًا يا صغيرة )) قالت آنسة وهي تدفع شعرها بيدها اليمنى نحو الأعلى، شعرها الأبيض الذي زينه تاجٌ أبيض انيق، كانت الآنسة ذات بشرة بيضاء غير أن يديها كانتا سوداوتين قد زينت يمناهما بخاتم حمل ذات الخامة والجوهرة التي حملها التاج، أما اليد الأخرى فقد حملت عصًا مزينة بكرة زجاجية زرقاء التف حول قاعدتها أغصان من خامة العصا، أما فستانها فقد كان بسيطًا فاتح اللون لم يعرف ذراعين غير أن رداءً أسود قد تزينت أطرافه بفرو أبيض قد جعلها تبدو أفخم، قالت وينتر (( مرحبًا لورا ))، كانت وايت برداء نومها، فستان طويل ذو لونٍ فاتح وقد زين ببعض الرموز على جانبيه، (( لقد تأخرتِ )) قالت الآنسة لورا، وهي تبتسم، (( سيعجبك الأمر حين أخبرك)) قالت وايت بحماس في قلب الظلام حولها الذي تحول الى عرضٍ مضيء فور نطقها الكلمة، (( لقد وصلتني رسالة صباح اليوم من الجزر الشمالية، انا سأذهب لمهمتي الأولى! )) أخذت الخلفية تسرد مشاعر وينتر بشغف، (( مبارك، سيكون هذا مذهلًا، لكن ألن تشعرك ابادة الغاريين بالأسى ؟ )) عقبت لورا، تلونت الخلفية بألوان صارمة، أسود وأصفر داكن وبعض ألوان اللهب، (( لماذا سأشعر بالأسى، انهم يقتلوننا، كما أنني لن ابيدهم، بل سيسجنون فالقلعة ))، تغيرت الألوان خلف وايت إلى ازرق داكن كدلالة على الإحباط، (( لن أقتالهم على أية حال، لدي... لدي مهمات أخرى )) أكملت وينتر جملتها، تساءلت لورا عن السبب فأخبرتها وايت عما أخبرها المحارب كالم، (( لا عليك يا صغيرة، سأجد لكي شيءً تخففين به عن شعورك ))، اتجهت لورا إلى مرآة معلقة لن تدرك متى ظهرت هناك، كانت المرآة تظهر بعض الأشخاص والأماكن، لم تتعرف عليها وايت كلها، حركت لورا اصبعها على المرآة بضع مرات، ثم وجهت يدها اليمنى نحو أحد جوانب المكان الذي لم يعرف حدودًا، بعد ان عاد لون المكان إلى حالته المظلمة ظهرت بوابة مضيئة حيث كانت توجه لورا يدها، أخذت وايت بدون سابق انذار تركض باتجاه البوابة وفور أن قفزت بداخلها تحولت ملابسها إلى الأبيض الناصع، ممهدةً لتحولها إلى رداءٍ مختلف، سروال جينز أزرق واسع وتي شيرت أبيض عليه رسمة حوت وحورية، حين وصلت وايت للأرض وجدت نفسها فتاةً صغيرة مجددًا لكن شعرها كان أطول، وقد تغلب عليه اللون الأصفر الشاحب، كانت وكأن عمرها 8 سنوات، تركض وتلعب المطاردة مع أصدقائها، كانت چلاس تتظاهر بأنها وحش وهي تحارب بعضً من أصدقائها، اما وينتر الصغيرة فقد امسكت غصن شجرة وأخذت تطارد صديقتها وهي تصرخ بمرح، انظم بعض أصدقائها لفريق الوحوش وقد بدأ اللعب يصبح مرحًا.....
مملكة البيضة الأرجوانية، ثلاثة جزر كبيرة تحلق في فقاعة فارغة تمامًا، على عكس الجزر التقليدية التي يعيش فيها البيربوريون، المحيط لا يلمس أطراف الجزيرة، بل الهواء فقط، سميت الجزر بالبيضة لأن فقاعتها على شكل بيضة لا قبة، أما كلمة أرجوانية، فهي مشتقة من أشجار الساكورا التي يتحول لونها إلى الأرجواني في هذه الجزيرة فقط بدلًا عن اللون الزهري، الجزيرة الأم، أكبر الجزر هنا، ميزتها القلعة الكبيرة، قلعة الفراشة حسب ما يسميها سكان المملكة، رغم أن تصميمها على شكل قبة بها أبراج المراقبة وتحيط بها الأسوار مما يجعل شكلها أقرب إلى السلحفاة، يقال ان اسمها نسب إلى أحد مواليد من حكم هذه الجزيرة، اذ ولد بجناحي ريشة بدلًا عن أجنحة الريش التي تعود عليها فارسوا المجنح، ويقال ان هذه المعجزة ظهرت لأنه حصل على قدرته مبكرًا جدًا، اذ انه يكاد يكون مستحيلًا أن تحصل على قدرتك مبكرًا، بالرغم من هذا لم يستطع ذلك الأمير أن يحلق بجناحيه إذ انهما كانا ضعيفين جدًا، جزيرة قمر الـ 20 يومًا، أخذت اسمها من شكلها الذي توسط بين البدر والهلال، تلك الجزيرة قد استعملت للزراعة فقط منذ أكثر من 500 عام إلا أن بيوت الرفقاء تملئ أشجارها اليوم، أما جزيرة الظل، أخذت اسمها من مكانها بين الجزر، اذا يمكنك رؤية كلا الجزيرتين السابقتين تحلقان أعلاها، تميزت كل الجزر بالشلالات التي تأتي من سطح البيضة وتنزل عبرها وصولًا إلى قاع البيضة مما يمسح للحور بالتجول بين الأسوق والبيوت بفضل السبل التي تصنعها الشلالات لهم، كما ربطت جسور خشبية قديمة بين الجزر المحلقة، رغم أن اغلب الجزر في مملكة بيربور تربط بينها جسور تشبه تلك تمامًا، إلا ان هذه قد تكون واحدة من القلة التي هي حقًا مفيدة ويعبره الناس باستمرار.
كانت وايت ترى من احدى جوانب القبة الكرستالية الشفافة الجزر، وكلها هيبة ووقار، شعرت وايت للحظة بأن إلانا تنخفض، (( مثل هذه الجزر لا يمكن الرسو فيها بسهولة)) قال كالم عبارته وهو يقترب من الجدار الزجاجي الضخم، تفاجأت وايت، اذ انها لم تكن تعلم أن كالم كان خلفها منذ لحظة، (( ماذا تقصد؟ ))، نظر إليها كالم وقال (( أظن أنكي شعرت بالحورية تنزل أسفل البيضة ))، أجابته وايت (( نعم ))، قال كالم شارحًا : (( الجزر العادية مثل جزيرة الجوهرة لديها سطحٌ يابس يلامس المحيط، أما هذه الجزر لا يوجد منها من تلامس الماء، لذلك فالطريقة الوحيدة لنرسو فيها هي عبر أسفل البيضة، سيلاقينا بعض العمال الذين سيربطون القبة الكرستالية ويرفعونها نحو المنصة، أما الحورية فيمكنها أن تصعد معنا في عربة خاصة فور أن تتحول إلى هيئتها الأصغر ))، كانت وايت مذهولة من الجزر المحلقة، ولم تكف عن النظر إلى شلالاتها المتلألئة، وصلت إلانا إلى قاع البيضة حيث رأت وايت السفن لأول مرة، اذ ان السفن لا تتمكن من الإبحار إلا حيث يكون الهواء أعلى الماء، ولكن بعد خلاف سكان الفقاعة بسكان الفضاء كادت السفن أن تنقرض، بعد أن ربط البحارة القبة بإحكام نزعوا السرج من إلانا مما أعطى للحوت الضخم الضوء الأخضر ليتحول إلى حورية صغيرة، وكما قال كالم، سحبت إلانا نحو القبة ووضعت في عربتها المائية الصغيرة أثناء صعودهم، في جزيرة الظل، كانت المنصة تحمل عددًا كبيرًا من سروج الحيتان المزينة بعضها بدا ملكيًا صارخًا، والكثير منها كانت سروجًا عادية يستعملها العامة للسفر، كل تلك السروج علقت تحت جزيرة الظل، نزلت هي وكالم وحورية السماء واتجهوا نحو الجزيرة الأم.
الملك ديب، ملك ذو شعرٍ كثيف غطى عامة وجهه، شعرٌ ذو لونٍ أزرق ميال إلى الرمادي، له كرش كبيرة، وقد زين نفسه بالكثير من المجوهرات، (( أهلًا بك أيتها الأميرة المفقودة، تسرنا عودتك ))، نظرت وايت إلى الذي أعقب (( تسرني رؤيتك أيتها المحاربة كريستال))، لعل وايت لم تكترث لمناداة كالم لها بهذا، لكن لا يمكنها التحمل أكثر (( في الواقع إسمي وينتر وايت أيها الملك ديب، ستسرني خدمتكم في هذه المهمة ))، نظر الملك ديب إلى الأميرة وقد تغيرت ملامحه نحو الاستغراب (( ألا تزالين تحملين اسمها؟ يبدو أنهما أثرا عليك كثيرًا، أنا حقًا آسف لما حدث معك، وينتر وايت..))، رغم مشاعر الألم التي كانت تشعر بها وايت في هذه اللحظة، إلا انها كتمتها كلها وقررت أن عليها الانطلاق لحلمها الآن، (( لن يعوضني شيء كالقيام بواجبي. ))، رد الملك (( تعجبني حماستك، أتمنى انكي مستعدة لرحلة قصيرة، مهمتك ستكون الذهاب إلى جزيرة قريبة تدعى كرايل، انها تنتمي لمملكتي وقد تعرضت لبضع هجومات الفترة الأخيرة من الغاريين، مهمتك ستكون حماية فريق إغاثة، الفريق سيتفقد سكان المنطقة ويمدهم بالمساعدات، تعرضت الجزيرة لجفاف مؤخرًا مما أفسد الكثير من المحاصيل، كنا قلقين من أن ينهب الوحوش المؤن أثناء نقلها لذلك استدعيناكِ، إضافةً إلى عدد من المحاربين الأشداء. ))، تنحى ديب عن الطاولة التي كان يشرح الخطة بها لوينتر ثم عقب : (( بما أن هذه مهمتك الأولى فأحسن ما أوفره لك هو هذه المهمة، ستتعلمين الكثير من المحاربين ))، قالت وايت (( لقد تعرفت بالفعل على المحارب كالم وقد بدا محاربًا ذكيًا وقويًا بحق. )) بعد سماع الملك لوينتر قال لها (( المحارب كالم محارب إقليمي، ليس منن استدعيتهم وليس ممن سيذهبون في هذه المهمة، ستتعرفين على فريقك أثناء الرحلة، يمكنك الانصراف الآن أميرة وينتر وايت.))، (( نادني المحاربة وايت فقط سيدي. )) قالت وايت وهي تغادر القاعة.
كان عدد المحاربين خمسة، المحارب كلو، رجل فطن قد زين رمز السرعة قفاز يده اليمنى، ذو بشرة بلون القهوة، ارتدا درعًا تقليديًا: مصفح من الصدر، سرواله مقوى بخيوط عنكبوت الآني، أما الجزمة فقد كانت تغطي نصف ما تحت الركبة، ميز زيه فرو الأرنب الذي فضح أصله النبيل، أما المحاربة هاي، فقد ارتدت درعًا طويلًا من الخلف، ذا لون أزرق قاتم، توضعت عليه صفائح ذهبية غير معتادة، كان درعها يغطي الخصر فقط، ليظهر سروالًا جلديًا فاخرًا مما جعل مظهرها يبدو كمحاربي العصور الوسطى، امتلكت هاي شعرًا ذهبيًا تخللته شعراتٌ سوداء مظفرة وعينان بيضاوتان مما جعلها تبدو كملكةٍ لجزر البلور أكثر منها محاربة، المحارب سموث كان أكثرهم أناقة، ردائه الحربي بدا كبذلةٍ رسمية وذلك منطقي كونه فارس برق فالمعدن يعيق قدرته، كما لم يكن بحاجةٍ للاقتراب من عدوه فقدرته تصيبه عن بعد، امتلك سموث عينين سوداوتين وشعرًا أسود أبرزت البذلة البيضاء المزينة برموز فضية جمالهما، لكن قائد الفريق الذي لم يرق لوينتر بالمرة كان المحارب كلير، محاربٌ ضخم البنية قد ملئ درعه بصفائح من الفولاذ، لم يظهر من شعره الا اللون الملتصق بجمجمته الذي كان أحمر بني، تزين قفازه برمزين: رمز السياف ورمز اللهب، ما كان يزعج وايت فيه أنه يستخف ويسخر من كل ما يفعله الفريق: كيف تقطع المانغا هكذا، الدرع يجب أن يغطي الرقبة وإلا ليس درعًا، تمشي وكأنك طفلٌ رضيع، لما تتصرفين وكأن هذه أول مرة تركبين سرجًا للمحاربين....
جزيرة كريل جزيرة زراعية بامتياز، رغم أنها ليست كبيرة جدًا إلا ان انتاجها يكفي لإطعام نصف شعب المملكة من بيربوريين وحور سماء ورفقاء، لكن الجزيرة كانت تتحرك ببطء نحو الأعلى منذ بضعة أشهر، مما جعلها أقرب للشمس، تتواجد جزرٌ كثيرة قرب غلاف الكرة المائية إلا انها لا تعاني من الجفاف اذ ان فقاعتها تأقلمت مع الجو، يومًا ما ستتأقلم كريل أيضًا اكن ليس قبل بضعة أشهر، تناقص المحصول بشكل حاد، لم ينتبه المزارعون للجو المتقلب الا متأخرًا، توقع أحبار المملكة ان المحصول الناتج من الجزيرة سيكفي السكان فقط، لكنه كما يبدوا لم يكف أحدًا، بالنسبة لباقي مملكة بيربور فقد زرعوا نباتات الكلورديل لتخطي الأزمة، نبات سريع النمو وغزير المحصول، رغم أنه ليس افضل ما تتذوقه الأفواه الا انه سيسمح لهم بتجاوز الأزمة دون الموت جوعًا، وبسبب الأحداث الأخيرة، كان سكان كريل الأقل حظًا فهم يعيشون في رعبٍ مؤخرًا لدرجة أن المسؤولين عن امدادهم بالطعام لم يتجرؤوا على دخول أرضهم، وهنا يأتي دور الفريق، يتنقلون بين المزارع والمنازل ويتفقدون السكان ويمدونهم بالمؤن. (( اصطفوا ! )) قالها كلير وهو يصرخ، (( لنرى الآن.. )) كان كلير يمشي أمام المحاربين وقد رفع رأسه ونفخ صدره ليبدوا حازمًا، (( سمعت بأن اميرًا بيننا، لكن لم أتوقعه ذكرًا )) قال وهو ينظر إلى سموث باحتقار، لم ينله سموث أي اهتمام وظل يراقب خط الأفق خلف كلير وكأنه لا يراه، (( يبدوا أنك محارب برق، سنحتاجك خلفي مباشرةً )) قال وهو ينظر لقفاز المحارب باستخفاف، تقدم إلى المحاربة هاي وقال (( درع من الذهب؟ أخطاء المبتدئين. )) أبدت المحاربة انزعاجها، قرر كلير ان ينظر لظهر يدها إلا انها كانت تخفي يديها خلف ظهرها لتقف وقفة شامخة زادتها وقارًا، (( أن تخلعي الدرع أحسن من ان تلبسي درعًا ذهبيًا. )) أردف كلير لكن هاي لم تتمكن من البقاء صامتة (( الموت وأنت تلبس درعًا مهدا من ملك أفضل من أن تموت ذليلًا لرفضك هدية اسيادك )) بالرغم من غضب هاي إلا انها قالتها بهدوء بارد، ظهر على وجه كلير علامات الغضب، سحب يد هاي اليمنى بقوة ليرى الرمز على قفازها وقربها من عينيه فرأى رمزي القناص والرياح، سحبت المحاربة يدها بسرعة وهي تشعر بالخزي، تقدم كلير خطوتين نحو الأمام ليوجه نظره إلى كلو، (( وبر الأرنب، ها ؟ )) قالها المحارب باستفزاز، لكن كلو قرر مباغتته قبل ان يستمر بكلامه، (( لا داعي للكلام السخيف، انا محارب ذو شأن كبير بالفعل، لا تجعلني اندم على ترشيحك للقيادة ))، قال كلير (( ستكون مهمتك الاستطلاع ))، تقدم نحو وينتر وايت التي كانت تشعر وكأنها في دورة استجواب (( من هذه الصغيرة؟ ))، فتحت وايت فمها للتكلم (( أنا المحاربة وينتر ..... ))، قاطعها كلير (( تبدين كفتاة حقل أكثر من المحاربين ))، أكمل كلير جملته بقهقهة قوية، (( بالرغم من أن قدرتك حاجز لكن أضن أننا نحن من سيحميك )) خفضت وايت رأسها بخجل، ثم تذكرت قول مدربها لها " بعضهم أوغاد، دعيهم يكسرونك وليقتلك كاديو قبل مهمتك التالية " رفعت رأسها وتظاهرت بأنها لم تسمع شيئًا، انطلق فريق المحاربين نحو المزارع، كانوا قد حصلوا سابقًا على خريطة للجزيرة من دوق الجزيرة، بالرغم من أن مهمتهم كانت ايصال المؤن إلا ان كلير كان يستجوب الأسر في حال ما إذا رأوا الغاريين مما منح المحاربين الكثير من أوقات الفراغ، (( محاربة وينتر، لم أملك فرصة التعرف عليك سابقًا في السرج )) قال كلو لوينتر التي كانت تجلس تحت ظل شجرة وتحاول منع نفسها من الشعور بالإحباط، اجابت (( لم يتمكن أحد من التعرف للآخر هناك، لا شيء غير أسماء بعضنا البعض)) قالت ولم تبعد نظرها عن تلة بعيدة، اقترب كلو وجلس بجوار وايت (( دعيك من كلير، انه أحمق، هل تعلمين أنه ذات مرة كسر ذراعه بسيفه؟ ))، نظرت وينتر إلى المحارب وقد ظهرت عليها علامات التعجب (( حقا؟ انه أبله ))، وافق كلو كلام وايت وسألها (( ما سر هذا التاج على رأسك، تبدين أصغر من أن تكوني محاربة شرفية لتحصلي عليه كهدية ))، نظرت وايت إلى المحارب ثم وقفت وأطلقت جناحيها الذين جذبا انتباه هاي التي كانت تحادث سموث توًا، (( ما الذي فعله المحارب كاديو بحق؟..... )) قال المحارب كلو بصدمة، نظرت وايت الى جانبها الأيمن مبعدةً نظرها عن المحاربين وقالت (( نعم هذه مهمتي الأولى في الواقع))، (( جلالة الأميرة... )) قال المحاربون الثلاثة في آن واحد وهم ينحنون انحناءة خفيفة، انحناءة شرف، توترت وينتر وقررت أن تخفي جناحيها اذ انه لم يرق لها التحديق بهما، (( دعكم من الرسميات، ما دمت معكم فأنا ادعى المحاربة، المحاربة وينتر فقط ))، اقتربت هاي من كلو وقررت الجلوس وقالت (( لم أظن أن كلير كان جادًا عندما قال عن وجود أمير بيننا، انه أبله بحق ))، وافق الجميع على كلام هاي، واستكملت وايت الحديث (( لم أكن اعلم بأن المحاربين يمكنهم اختيار قادتهم )) وجهت كلامها إلى كلو الذي نظر إلى هاي وبدءا بالضحك معًا، (( ماذا؟ ماذا هنالك؟... )) تساءلت وينتر فأجابها كلو (( انها حيلة للتخلص من الحمقى فقط، أنا وهاي لدينا الكثير )) ، سألت وينتر (( الكثير؟ ظننت هذه مهمتنا الأولى معًا.))، (( لقد كنت انا وكلو في فريق تكتيكي معًا في احدا الجزر، لقد استمر ذلك طويلًا، أظن انني التقيت بسموث بضع مرات بالفعل، أما المزعج كلير، لقد هزمته في المدرسة التدريبية كثيرًا، لقد كان فتًا سمينًا حينها))، أنهت هاي جملتها بضحكة، قال سموث (( لقد التقينا في مهمات سابقًا لكن أتذكر أن رمزًا واحدًا كان يغطي قفازك ))، اجابته هاي (( لقد حظيت بوقت فراغ كبير جدًا السنة الماضية، لذلك قررت أن اطور من نفسي بعض الشيء، كم من الرائع اغاضة الحمقى برمزين بدل واحد)). شعرت وايت بالراحة برفقة الفريق وان لم يكن كلهم، كان كلير يستجوب الفلاحيين مطولًا عند الوصول الى كل مزرعة، لكن لم يتأخر كثيرًا هذه المرة، ظهر المحارب عند باب البيت الريفي وقد لوح للفريق، وقف سموث وأخذ يركض نحو القائد، وماهي إلا ثانيتان حتى وصل هناك، رآه المحاربون يحادث كلير عن بعد، بدوا وكأنهما أقزام من تلك المسافة، فور انتهاء الحديث عاد سموث وأخبر رفاقه أن أحد الفلاحين رأى غاريين في مكان قريب يتناولون فاكهةً من أشجار القرمقان وقد قرر القائد أن عليهم البحث عنهم، لم تكن تلك مهمة المحاربين وعند التقائهم بكلير عبروا عن رفضهم للمهمة: هاي بغضب (( هذه ليست مهمتنا، علينا الاهتمام بأمر الأطفال الذين يكادون يموتون جوعًا بدلًا عن هذا))، (( لسنا مجهزين حتى لتتبعهم، لقد أمرونا بإبعادهم فقط )) قال سموث. أردف كلو (( أنت بالفعل حصلت على عقابك جراء مثل هذه الأفعال، لن تريد أن يتم طردك ))، نظر كلير الى الفراغ البعيد أعلى رؤوس المحاربين اذ كانوا اقصر منه طولًا وقال (( عصيان أوامر قائد المحاربين جريمة بحق المملكة، لن أواجه اي عائق في تبليغ الملك ديب بأمركم ))، امسك المحاربون كلماتهم وبلعوها، (( أمرك ايها القائد ))، أعلن المحاربون عن إذعانهم واحدًا تلو الآخر: كلو، هاي، سموث، لكن وايت كانت تنظر إليهم نظرة صدمة، نظر إليها كلير منتظرًا سماع كلماتها لكنها لم تنبس ببنت شفة، لم ينتظرها كلير طويلًا فقد قال (( اتبعوني إذًا ))، لم تكون وينتر متأكدةً حيال ان كانت ذاهبة معهم ام لا، لكن وجدت أرجلها تتبعهم وتعود إلى موقعها بينهم.
السهول الخضراء لجزيرة كريل من الجزر الشمالية، مساحة تمتد إلى الأفق أعلاها غيومٌ بيضاء صغيرة مما يجعل المنظر يبدوا كلوحةٍ فنية، أشجار القرمقان التي تتخلل المنظر تجعلك ترغب بالتخلي عن حياة المدينة والممالك المكتظة، ميز هذه اللوحة الفنية بحيرةٌ متلألئة، كون البحيرة في مكانٍ وعر ويصعب الوصول إليها تجنب السكان القدوم هنا، كما أن ما قيل هنا وهناك عن تجول الغاريين في المنطقة جعل البيربوريين يفرضون حضر تجوال على أنفسهم؛ كانت اللوحة كاملةً بالنسبة لوينتر حتى تخللتها كائنات خضراء وحمراء من ذوات الذيول كانت تراهم وكذلك الفريق، (( ها هم ذا، الأوغاد يستمتعون بالماء في حين أن سكان الجزيرة يعانون من الجفاف.)) قال كلير بصوت عالٍ، تمتم سموث بصوتٍ منخفض (( السكان يعانون الجفاف وقائدنا الأحمق يجرنا هنا))، نظرت وايت إليهم من بعيد، يلعبون بالماء وينثرونه حولهم، لطالما ظنت وايت ان الغاريين يشربون الحمم لكن بدا أن حكايات الأطفال لم تكن صادقةً في كلامها، (( سنتبعهم بتخفٍ )) قالت وينتر بعزم وقد وجهت نظرها إلى كلير، نظر إليها القائد وقد بدأ يضحك، استمر ضحكه مدة ثم توقف وقال (( لا يا أيتها الطفلة، سنقاتلهم، نحتجزهم ثم نأخذهم إلى الملك، ألم يعلموك ذلك في مدرسة الصغار التدريبية التي أتيتي منها؟))، كادت وايت أن تبلعها أفكارها حين تذكرت من تكون، إنها أميرة، محاربة ملكية قررت أن تحمي الحدود، صاحبة أعلى الدرجات في المملكة أثناء دراستها الأكاديمية، نعم انها صغيرة لكنها ملكة ذات يوم ولا حق لأي كلير تافه أن يسخر منها، (( ألم يعلموك التخطيط من حيث أتيت؟ )) قالت له بعد أن ادار ظهره لها توًا، عاد أدراجه ونظر إليها (( ماذا تقصدين؟ ))، (( هؤلاء الغاريون لم يسافروا في أي سرج من قبل، لم يغادروا الجزيرة ولم يستوطنوها، انهم موجودون هنا من قبل الحرب. )) قالت وايت، فرد كلير مبينا عدم فهمه لفكرتها (( و...؟))، اكملت وايت شرحها (( بدلًا عن احتجاز بضعة غاريين لما لا تكتشف مخبأهم وسوف تقتلعهم من الجزيرة حينها، ستقتلعهم من الجذور))، أبعد كلير نفسه عنها قليلًا وبدأ يفكر لكن كلو قاطع حبل أفكاره (( أنت تبحث عن تكريم لائق، بضعة غاريين لن يمنحوك ذلك صدقني، لكن كل من في الجزيرة، سيضع الملك آدونيس نفسه سيفًا فلسيًا بين بديك))، بعد سماعه لكلام كلو وافق كلير على خطة وينتر، أثنا رفاقها عليها بحرارة ثم سمحو لها بالعودة إلى موقعها.
أخذ كلو يستطلع المكان، لقد كان قريبًا من الغاريين حين كانوا يستعدون للرحيل، لم يدركوا انه كان معهم لأن ذلك استمر ثانيةً واحدةً فقط، واذ به يعود أدراجه إلى فريقه، (( انهم مسلحون )) قال كلو وهو يلهث، سألت وينتر (( هل توجد طريق يمكننا الذهاب منها بحيث لا يروننا؟))، أخذ كلو انفاسه ثم وقف (( توجد أشجار في المنطقة، يمكننا الذهاب الآن))، أمر كلير الفريق بالذهاب في الطريق الذي اشار اليه كلو، لم يتبعهم كلو، كان مرهقًا بحق، قد تبدوا قدرة الانتقال والسرعة الشيء ذاته، لكن يوجد اختلاف كبير بينهما، اهم اختلاف، فارس السرعة يتناول أضعاف طعام فارس الانتقال والسبب بسيط،: قدرة الانتقال لا تتطلب مجهودًا بالمرة بل تتطلب تدريبًا فقط، قدرة السرعة متعبة جدًا وعلى فارسها أن يكون مستعدًا بدنيًا للركض والا سقط مغشيًا عليه اثناء ركضه، وبالطبع السقطة أثناء ركضه قد تقتله، لذلك قرر كلو أن عليه الاستراحة قبل الانطلاق مجددًا، كانوا يسيرون باتجاه البحيرة لكنهم فوجئوا حين وجدوها خالية، لم يكن كلير سعيدًا على الاطلاق (( أنا تافه حقًا، كيف لي أن انصت لكلام طفلة)) ضرب بقبضته على احدى الأشجار، وقد اتجه نحوها ليعاقبها حتى أتى المحارب كلو، (( انهم من هذا الاتجاه، يبدوا انه ليس علينا الانتظار طويلًا لأنهم في طريق عودتهم إلى بيتهم حيثما كان )) قال كلو بسرعة وبدأ يمشي باتجاه الغابة فتبعه الفريق، كانت أصوات الطيور جميلةً جدًا وقد سُمع صوت بعض الحيوانات هنا وهناك، رائحة الأزهار كانت عطرة، كانوا يمشون بين الأشجار والشجيرات حين لمحت وينتر غاريًا يختبئ وراء شجيرة، كانت الأساطير والقصص تخبر أن الغاريين يمتلكون أنيابًا طويلة، أذان خفافيش ومخالب بدلًا عن الأيدي، قبيحون بشكلٍ لا يصدق ولهم أعين ملتهبة، حين رأت هذا الغاري بدا شيءً آخر، أيدٍ طبيعية، أذنان طويلتان لكن جميلتان، عيناه كانتا سوداوتين براقتين، وقد كان وسيمًا، وسيمًا بحق، تأكدت وينتر من أنه لن ينتبه لها أثناء نظرها له، لم تكن تنظر له بشكل مباشر بل كانت تلمحه بطرف عينها، قررت أن لا تعلم الفريق الا حين تتأكد من عدم ملاحظتهم لاكتشافها أمرهم، توغلوا أكثر في الغابة حين بدأ صبر كلير ينفذ، (( اين هؤلاء؟ كلو لقد قلت أنهم هنا )) قال كلير بنبرة كشفت غضبه، قالت وايت (( لا تقلق، لقد رأيتهم توًا، انهم في الغابة، يجب ان نمنحهم وقتًا ليشعروا بالأمان فيدلوننا على مكان رفاقهم بدون علمهم))، نظر كلير للفتاة واقترب منها بخطوات سريعة (( نمنحهم الوقت؟ يشعرون بالأمان؟ هل انتِ محاربة أم غارية متنكرة؟)) شهق المحاربون، اذ ان الإهانة التي وجهها إلى وايت كانت ثقيلة، كان كلير يصرخ وقد بدأ يرعب وينتر لكنها شدت رباطة جأشها وحدقت في عينيه بقوة (( حاشا، كيف تتهم محاربة مثلي بالخيانة؟ ))، كادت وايت تشهر عن جناحيها لتعيده لرشده لكن هي هنا باسم محاربة لا أميرة، وان فعلت ذلك فلن يكون هناك فرق بينها وبين هذا المتغطرس، (( لكن بإمكاني اتهامك بها، انت تتخلى عن مهمتك، حتى ان امسكت بهؤلاء الغاريين لن تكافئ بل ستعاقب، لقد تركت اشخاصًا يتضورون جوعًا))، حدق القائد في عينيها وأطال التحديق، لولا تدخل سموث لبقيا على ذلك الشكل طويلًا، قال سموث (( مهلًا يا رفاق، ان لم نلحق بهم الآن سنفقدهم، لن يكون من اللائق أن نعود الى القلعة فارغي الأيدي بعد هذا التأخير))، قرر كلير أن يبعد عينيه عن وايت أخيرًا وأمر الفريق بالتقدم، عادت وايت بسرعة وبخطوات غاضبة إلى مقدمة الفريق حيث موقعها للحماية، (( فليقتلك كاديو)) تمتمت بغضب.
كان الجو شديد البرودة، رغم أن الجزيرة تعاني من الجفاف نتيجة اقترابها من الشمس إلا ان الفريق كان يشعر بالبرودة، ليس كلهم بطبيعة الحال فقد شعرت وايت وكلير بنار غضبٍ حارقة لكن كل شعورٍ بالجو اختفى حين رأوا الغاريين من مكان بعيد بعض الشيء، (( استعدوا، سنهجم الآن ))، قال كلير بحزم، (( لا بل علينا ان.... )) كانت وينتر تتكلم حتى قاطعها كلير (( لا تتجرئي على قول كلمة)). نظرت وينتر له بغضب، أدارت رأسها لترى رفاقه لكن نظراتهم كشفت استسلامهم، (( لقد قلت استعدوا لنهجم، أم انكم ستتبعون هذه التافهة من عامة الشعب))، لم تكن وينتر متأكدة سابقًا من ادراك كلير لما هيتها الآن، لكن هذه الجملة، هذه الجملة بالذات جعلتها تستشيط غضبًا، " التافهة من عامة الشعب " ما مرت به قبل أن تدخل المدرسة التدريبية الملكية كان عظيمًا وصعبًا، لا يمكن لأحد مثل كلير المتعجرف تحمله، وينتر كانت تحارب العالم بشراسة لتصل إلى ماهي عليه الآن، لكن ما عساها تفعل؟ عليها ان تتبع اوامره في النهاية، لن تسر ان علم الملك بفشل مهمتها، نظرت إلى جانبها الأيسر وقد رأت حجرًا ضخمًا فأحاطته بحاجز من قدرتها، فقاعة صلبة شفافة غير أن هالة بنفسجية تحيط بها، أخذ الحاجز الذي صنعته يصغر ويصغر حتى تفتت الصخرة بداخله إلى حجارة صغيرة ثم حررت محتوى حاجزها بإخفائه وسقطت الحصى على السهل وشكلت ما يشبه الجبل، وتجاوزت كلير بإذعان وقد تبعتها هالة حمراء من شدة الغضب، (( هيا يا رفاق الطفلة الصغيرة أصبحت تنصت لصوت المنطق))، كان الفريق يحاولون الاختباء حتى يصلوا إليهم لكن كلير لم يعجب بأسلوب الاختباء، بات لا يطيقه الآن، لذلك كان يمشي غير مكترث بعيدًا عن الأشجار التي كانت تخفي فريقه، بلعت وايت كلماتها وتحذيراتها وبدأت تقترب أكثر من الغاريين لكن بدا وكأنما قد اكتشفوا أمرهم لكن الغريب أن غاريًا كان يركض باتجاههم بل وقد عبر بينهم قبل أن يدركوا، أمر كلير سموث وكلو أن يرتديا قلائدهما الخضراء وفور أن لمست أعناقهما اذ بهما يتحولان إلى حصانين بيضاوين مجنحين، امتطت هاي أحدهما فهي محاربة قتالية وكذلك فعل كلير المثل وترك محاربة الحاجز خلفه بغباء، لن يتمكن من احتجاز الغاريين بدونها لكن وينتر لم تستسلم واشهرت عن جناحيها وانطلقت خلف المجموعة، كانت تدرك أنه سخف اللحاق بهذا الغاري فقد بدا واضحًا انه يحاول تشتيتهم، حاولت اعلام الفريق بهذا لكن صوت الريح التي ترتطم بالأذان من فرط السرعة منعتهم عن سماعها، كان غريبًا أن هذا الغاري سريعٌ جدًا، أطلق كلير لهبًا على الغاري أما هاي فقد أظهرت قوسًا وسهمًا من العدم وأخذت تقذفه بسهامها، لو ما كان كلير متعجرفًا لكان هذا الفريق هو الأفضل، بل كان ليشغل هذا الفريق ذو الخمسة أفراد فرقًا ضاعفته في العدد، محاربان اثنان يتقنان قدرتين وكلاهما محارب قتالي، فارس سرعة بإمكانه استطلاع المكان، فارس برق بإمكانه انهاء أمر جيوش برمشة عين، فارسة حاجز بإمكانها احتجاز قدر ما تشاء من الأعداء وكذل ك هي مجنحة ويمكنها التنقل بحرية في السماء دون اعاقة محارب آخر عن استعمال قدرته، لكن لم تكن الحال هكذا اليوم، لقد شعرت أن الغاريين يتفوقون عليهم بالتأكيد، لقد قذفوهم بالرماح وأسقطوا كلير، كان مشهد كلير ليثلج صدر وايت لولا اقتراب رمحً لها، بالكاد كان ليصيبها، لقد تملصت منه بصعوبة مما أضطرها للانخفاض لتجنب الرماح، حين اقتربت وايت بما فيه الكفاية حجزت الغاري وحمت نفسها ورفاقها بحاجز أكبر، لقد كانت غاضبة، غاضبة بحق، (( أمسكنا بغاري واحد، هل أنت سعيد؟)) كانت وايت قد أخفت جناحيها بمجرد صنعها للحاجز، وبسبب سقوط كلير سابقًا وصل متأخرًا، (( حين ظننت أنك اصبحت أعقل وقعت في فخ هذه الكائنات))، نظر كلير لوايت بازدراء، (( من تضنين نفسك يا فتاة؟ أنا قائدك لا تنسي))، استشاطت وينتر غضبًا (( ما الذي كنت تفكر به حين تركتني هناك بمفردي، من كان ليحتجز الغاري في رأيك؟))، رغم انتباه كلير لغبائه الا أنه لم يغير من نظرته وتظاهر كأن شيئًا لم يكن وقال (( نحن لسنا بحاجتك، لم يتم احضارك إلى هنا الا لتجنب إهانة القرويين أمثالك))، تفاجأت وايت من كلامه، هذا الرجل جاهل أم احمق (( هل تصف جلالة الملك آدونيس بقروي؟))، لم يرسل الملك ديب دعوة لوينتر إلا لتجنب اهانة الملك آدونيس وهذه حقيقة، اذ ان مهمتها الأولى لا يجدر بها ان تكون في الميدان المتوتر رفقة فريق بقائد من المحاربين بل يجب أن تكون في احدى الحدود مع الفضاء او في جزيرة نائية برفقة عدد هائل من المحارب تحت اشراف نقيب من المحاربين، لم يفهم كلير المقصد بعد (( هل أقنع الملك آدونيس الملك ديب بأخذك، يبدوا انك مصدر نحسٍ بطبعك))، طفح كيل وايت فقالت (( سأتأكد من اعلام الملك آدونيس بكلامك سيسعده أمر نفيك)) وجهت وينتر نظرها نحو الغاري، لقد كان الغاري ذاته الذي لمحته في الغابة، حركت يدها فأخفت الفقاعة التي كانت تحمي الفريق لأنها ضنت أن الغاريين قد رحلوا، (( ما الذي كنتم تفعلونه أيها المجرمون، سنحرص على تطبيق عدالة الملك آدونيس....)) قاطع كلامها اختراق رمحٍ لساقها مما جعلها تتدحرج هي والحاجز نحو الحفر الوعرة للمنطقة، لم تدرك وايت شيئًا إلى أن استيقظت بداخل كهفٍ حيث كان الغاري الوسيم يشعل نارًا عند فوهة الكهف مبعدًا ظلمة الليل عن ملجأه الليلة.
أنت تقرأ
مملكة بيربور - أرض العجائب الطافية
Fantasyمملكة بيربور العريقة حيث يعيش البيربوريون، حور السماء، الجنيات والرفقاء معًا بتناغم، تتمكن الأميرة وينتر وايت من الذهاب إلى مهمة أحلامها اخيرًا لكنها تكتشف حقيقة لم تكن تدركها حول ماضي مملكتها وحربهم مع الغاريين...