الفصل الثامن : وفيٌ اتهم بالخيانة

1 0 0
                                    

في مكان غريب عن تلك الأعين، أرضٌ خضراء بديعة الجمال، تتخللها أزهارٌ لم تعرف الشابة اسمًا لها، تلعب حيوانات تشبه الذئاب غير أن لها أذانًا ضخمة وذيلين بدلًا عن واحد، طيورٌ غريبة ذات سيقان طويلة بيضاء تكاد تشبه الفلامينغو لولا أنها كانت أصغر وذات ألوان أخرى فقد كانت أجنحتها بيضاء تتخلل أغلبها علامات باللونين الأصفر والبرتقالي، على جانب جحر صغير كان أرنب يعيد صغيره التائه الى البيت، اما تلك الفتاة فقد كانت مستلقية على العشب الأخضر الذي غطى طوله يدها، فتحت الفتاة عينيها السوداوتين لترى المنظر الأخضر، استغرق منه الوقت لحظات لتتذكر آخر ما حدث... "علينا عبور الجوهرة، انها طريقتنا الوحيدة لإعادتك لأهلك آنستي" كان ذلك آخر شيء تتذكر بالإضافة الى عبور الجوهرة الحمراء التي اختفت فور عبور كلارا وكارلوس عبرها، حدقت الفتاة في الأفق لمدة قبل أن تُفيقها حورية سماء تسبح من شرودها، جلست كلارا بسرعة وفركت عينيها، لقد كان الماء يحيط بكل شيء حتى السماء، كان الماء يشكل قبة وبدا لها انها في طرفها، كانت الحورية تسبح بعيدًا وتتبعها مجموعة من الحيتان الصغيرة قبل أن تتحول الحورية الى حوت بدورها في مشهد عظيم، وقفت الفتاة وبدأت تنظر حولها الى ذلك العالم الغريب الذي هي فيه، ثم شهقت فور أن تذكرت الدب ((كارلوس..)) قالت قبل أن تستدير لتجده مستلقيًا بجوار الحقيبة الزرقاء، ((كارلوس، هل أنت بخير؟)) قالت كلارا، فتح الدب عينيه ورأى القبة المائية أعلاه وقد سافرت أسراب حيتان عبرها، ((لقد عدنا!)) قال كارلوس قبل أن يقف ويقفز بسعادة ((لقد عدنا! لفد عدنا! كلارا أتسمعين؟ لقد عدنا!)) نظرت له كلارا مستغربة ((لقد عدنا؟))، نظر اليها الدب بسعادة ((ستعودين لأهلك قريبًا آنستي)) قال وقد خفض من حيويته وهو ينظر اليها بجدية، ابتسمت كلارا وشعرت بالسعادة وجلست على العشب، فجأة هالة بيضاء ظهرت حول الدب، غطته الهالة بالكامل ثم بدأت تكبر لتشكل شكلًا كالبشر، تحول الدب أمام كلارا التي كانت تحدق بدهشة، تحول الدب المحشو الذي كان معها منذ طفولتها للتو إلى بشر! أو هذا ما ظنته، اختفت الهالة البيضاء لتظهر رجلًا طويل القامة يرتدي بدلة رسمية بيضاء بالغة الجمال، تميزت البدلة بأزرارها ذهبية اللون وكذلك الخيوط التي طرز بها رمز لشعلة نارية ولسان برق، وقد امتلك هذا الرجل شعرًا بنيًا داكنًا قد غطت خصلاته المتناثرة احدى عينيها الا انها لم تخفي جمالها، لقد كانت عيناه رماديتين بهما لمحة زرقاء بديعة، نظر الرجل إلى يديه بتعجب، ((لقد عدت لشكلي!)) نظر الى كلارا، كانت كلارا قد وقفت لتوها لترى صديق طفولتها القصير يصبح اطول منها فجأة، اقتربت منه وهي مستغربة، اقترب منها كارلوس بسرعة وعانقها ((كلارا، لقد عدت لشكلي!))، كان يعانقها بقوة، لم تمانع كلارا ذلك غير أنه بدا غريبًا، تدارك كارلوس نفسه وابتعد عنها بسرعة ((المعذرة، سامحيني آنستي على وقاحتي))، نظرت كلارا له وهي لا تفهم شيئًا، كان كارلوس قد خفض رأسه وثنا ظهره قليلًا وهو يعتذر، قالت الفتاة ((ما بالك كارلوس؟ لماذا تناديني آنستي؟))، رفع كارلوس رأسه، ((آسف اذا ضايقتك، هل تفضلين بأن اناديك باسمك؟))، تنهدت الفتاة ورأت كارلوس وقد كان يحادثها بكل ذلك الاحترام، لقد بدا كبيرًا في السن بالفعل ((نعم بالتأكيد نادني كلارا، ما بالك على أية حال؟ لما تتصرف بهذه الطريقة؟ صباح هذا اليوم فقط كنت غاضبًا مني ولا تريد محادثتي والآن تحادثني وكأنني رئيستك))، رفع كارلوس رأسه وقال ((لقد تذكرت كل شيء، لقد أُمرت بحمايتك منذ ولدتي، ويبدوا انني فشلت في مهمتي، لقد جعلتك تضيعين عن أهلك طوال هذه السنوات كلها، سأعيدك الى الملك وسأتقبل اي عقاب يفرضه علي ولو كان يقتضي على قتلي!))، نظرت اليه بصدمة واستغراب ((حمايتي؟ مهمة؟ ملك؟ ما الذي يحدث هنا؟ ولماذا سيقتلونك كارلوس؟))
ـ ((في الواقع أنا ادعى سنو، وقد أمرني الملك بحمايتك حتى تحصلي على رفيق لك))
ـ ((لم تخطئ بشيء كارلوس... أعني سنو، انت لم تخطئ بشيء لماذا سيعاقبك الملك؟))
ـ ((لا أدري، اعلم ان الأميرة والدتك رحيمة وستسامحني، لكن الملك لن يسامحني لتضيعك لـتسعة عشر سنة، لقد كان بإمكانك ان تحصلي على مملكتك الخاصة بحلول هذا الوقت))
ـ ((مملكة؟ أتعني انني اميرة؟))
ـ ((نعم انتِ كذلك، ويفترض بكي ان تحصلي على رفيق لك حين تحصلين على قدرتك الأولى مما سيدفعني للمغادرة ومن ثمة تجدين لكِ خطيبًا وفور أن يتم الزفاف تصبحين ملكة على إحدى جزر المملكة))
ـ ((لكني لا أريدك ان تغادر، انت رفيقي بالفعل، لقد كنت معي منذ كنت رضيعة يا كارلوس))
ـ ((أنا لست رفيقًا كلارا، انا بيربور، وأنتِ أيضًا كذلك))
ـ ((ما الذي تعنيه بلفظة بيربور؟))
أظهر سنو ظهر يده اليمنى لكلارا فاتسعت عيناها ثم قال ((لقد كنا نعيش بين الكائنات التي تدعى بشرًا لوقت طويل، لكن نحن لسنا كذلك، نحن بيربور ولدينا قدراتنا الخاصة، تلك الكائنات التي تسبح في المحيط فوقنا تدعى حور سماء، والرفقاء هم كائنات أيضًا، وهناك المونتر والنجوم و... وهناك الغارييون....)) صمت سنو قليلًا قبل ان يكمل ((أعلم ان هذا غريب عليكِ، لقد تعودتِ على عالم تعتبر فيه مثل هذه الأشياء محض خيال، لكنه حقيقة، أنا فارس لهب وبرق، وأنتِ فارسة تنقل، وعلي أن اعيدك للملك لتكتمل مهمتي)) أبعد سنو رأسه جانبًا محاولًا اخفاء حزنه، لن يكون من السهل عليه التخلي عنها، "لا تقلق سنو، نحن بيربور ويصعب علينا التعلق بشيء خاصة ان كنا محاربين، نتعلق بالوطن فقط" هكذا كانت تقول له اخته حين سألها عن شعورها بعد ان فارقت الأمير الذي اعتنت به لثمانية عشر سنة، فكر في نفسه "نحن بيربور، لكنني عشت بين كائنات مفرطة المشاعر وشديدة التعلق، حتى هذه الفتاة عاشت بينهم، لن يكون من السهل علي مفارقتها، لكن علي ذلك" كان كارلوس يعاني من التناقض في رأسه، طبعه كمحارب يجعل ضميره يتحرك باتجاه ما يمليه عليه وطنه، أما مشاعره فتميل الى البقاء بصحبة هذه الفتاة مهما حدث، ((سأقنع الملك بان يسمح لك بالبقاء معي إذًا!)) قالت كلارا بحزم، التفت سنو اليها بسرعة، اعادت كلارا كلامها ((سأقنع الملك بإبقائك كارلوس، وسنبقى دومًا معًا مثلما كنا))، كان هذا ما قالته له كلارا فتبعث شعاع امل نحوه، لقد كان يشعر بان كلارا فرد من اسرته، كابنة ربما او شقيقة صغرى؛ نظر سنو حوله فرأى الطيور ذات السيقان الطويلة، ((انها طيور مملكة الغروب، أعلم اين نحن!)) قال وهو يحول نظره الى كلارا ثم اكمل ((اتبعيني)) على المرج الأخضر البديع، كانت كلارا تنظر يمينًا وشمالًا بانبهار ((كارلوس، ما هذه التي تشبه الذئاب؟))
ـ ((حيوانات باندر))
ـ ((كارلوس، هل تمكنت يومًا من الذهاب الى جزر اخرى؟))
ـ ((نعم، لقد زرت عشرات الجزر))
ـ ((هل استعملت تلك الجسور بينها للسفر؟))
ـ ((لا، لا أحد يستعمل تلك الجسور الخشبية، ولا يعلم أحد من صنعها لكن تقول الأساطير ان حوريًا لا يستطيع السباحة بناها بين كل جزر المملكة التي يتجاوز عددها الألف لينتقل عبرها))
ـ ((هكذا اذًا، حسنا كيف يمكنك السفر الى الجزر الأخرى؟))
ـ ((عبر الحيتان بالطبع))
ـ ((كارلوس كيف تتحول الحيتان الى حور؟))
ـ ((أنا لا أدري، هل كنتُ بهذا الازعاج في الماضي؟)) قال كارلوس جملته الأخيرة بنبرة ضاحكة.
ـ ((بالتأكيد، انت مزعجٌ دومًا)) انهت جملتها وهما يضحكان معًا، سألته ((كم تبقى لنصل؟))
ـ ((ليس الكثير، يوجد مكان حيث يتدرب المحاربون قريبًا من هنا، حين نصل الى هناك سنطلب منهم امدادنا بسرج وحوري لنسافر))
ـ ((همم حسنًا)) تمتمت كلارا، ثم استمرت بالسير خلف سنو، حين أغمي عليه أول مرة كان يتصرف بطريقة غريبة جدًا، وحين أخذها الى هذا المكان العجيب واخبرها بان عليه تركها كادت تظن ان كارلوس لن يعود ابدًا، لكن الآن عندما كانا يتحدثان ويمزحان معًا شعرت بوجود كارلوس القديم حتى وان تغير شكله،  كان العالم حولها غريبًا جدًا، في السابق كان بإمكانها الاعتناء بنفسها بفضل معرفتها لطريقة سير العالم حولها، الآن لم يكن لديها غير كارلوس ليرشدها.
لقد سارت كلارا لمدة، لقد ازعجها عدم قدرتها على استعمال التنقل، اخبرها سنو ان عليها ان لا تقلق وان قدرتها ستعود بعد بضعة ساعات، بالرغم من ذلك تمكن سنو من استعمال قدرته قبل مضي كل هذا الوقت، قدرة البرق التي استطاع استعمالها، من عادة المحاربين اصطحاب فارس برق معهم من أجل صنع الاشارة التي تميزوا بها كعلامة على الحاجة للمساعدة، اطلق سنو لسان برق في السماء ثم أضاف آخر، وبعد عدة دقائق ظهر محارب من بعيد وقد كان يقترب بسرعة، ما هي الا لحظات حتى وصل المحارب الى حيث كانت كلارا وسنو، انحنى المحارب ووضع كفيه على ركبتيه فور وصوله وأخذ يلهث، ((اعذرني ايها المحارب للحظة...)) قال ذلك المحارب قبل ان يستجمع نفسه ويستقيم في وقفته ((أهلًا ايها المحارب الملكي، انا المحارب لو، بما اخدمك؟))، كان المحارب شابًا لا يزال في مرحلة التأهيل، ((واجهنا حادث وجعلنا نعلق في هذه الجزيرة، الآنسة هنا هي الأميرة التي أرعاها وعليها العودة لمملكتها حالًا، ارجوا منك ان تعود الى المركز وتأمرهم بان يجهزوا لنا سرجًا للمغادرة، كما عليهم احضار من يقلنا من هنا لأن الأميرة تعبت من السير))، نظر المحارب الى كلارا بعناية ((هل هناك ما يثبت انها أميرة، اخبرني باسمها واسم والدها))، شعرت كلارا بالتوتر للحظة بسبب نظرات المحارب، ((آنستي، هل تسمحين بإظهار يدك له؟)) سألها سنو، رفعت كلارا يدها مبرزة علامة التنقل عليها، خفض المحارب الشاب رأسه واعتذر وذهب مباشرة الى المقر ليفعل ما امره به المحارب الملكي، سألت كلارا ((لما لم تخبره باسمي؟))
ـ((خشيت ان يظن انني دجال، لقد اختفيتِ لسنوات، وكذلك أنا)) تنهد سنو بحزن.
ـ ((لماذا فوجئ الشاب حين رأى علامة يدي؟))
ـ ((هناك قدرات لا يحصل عليها الا الملوك، من بينها قدرتك))
ـ ((اه حسنًا)) لم يستغرق الأمر طويلًا حتى وصلت عربات لاستقبال كلارا، العربات كانت مزينة بالحجارة الكريمة والجواهر الثمينة، كان لون العربة الرئيسية أبيضًا وقد زينت حوافها خطوط مزدوجة من الذهب، بداخل العربة كانت مفروشات بلون خوخي تزين مقاعد العربة، تبعت العربة عربات أصغر عددها ثلاثة بلون خوخي زُينت حوافها بلون بني محمر، تجر العربات أحصنة مجنحة بيضاء تحلقت حول أعناقها قلائد بها جوهرة خضراء اللون، بالرغم من أن الأحصنة لم تستعمل أجنحتها الا نادرًا في حمل تلك العربة الا ان مظهرها كان كفيلًا بجعل كلارا ترغب بلمسها، ((أهلًا آنستي الأميرة، أنا مسؤول تأهيل المحاربين هنا، اعلم انك تعلمين اسمي سلفًا، اتيت لاصطحابك الى المقر حيث سرجك بانتظارك))، كانت كلارا مبهورة أما سنو فقد كان متوترًا، انه يعي انه غاب طويلًا، لا يعرف اسم مدرب المحاربين الحالي وقد يسبب له ذلك المشاكل، اقترب المسؤول من كلارا حين كانت تحاول صعود العربة، مد يده نحو يدها بأسلوب نبيل ((هل تسمحين لي آنسة...)) ادركت كلارا انه يرغب بمعرفة اسمها، كادت أن تجيبه حتى قاطعها سنو ((لن تكون فكرة جيدة أن تلمسها سيدي، لا تجيد استعمال قدرة الانتقال وأي تلامس قد يجعلها تنتقل لمكان آخر))، سحب المسؤول يده بسرعة ((سامحيني آنستي لم اكن اقصد احراجك))، ساد صمت متوتر للحظات، حتى قرر المسؤول الدخول في صلب الموضوع ((أيها المحارب الملكي، هل لي ان اعرف اسمك وأي جزيرة اتيت منها انت والآنسة))، سنو لا يعرف ما عليه ان يجيب به "لكن مهلًا، لما التوتر؟ انا محارب ملكي بالفعل ومن معي اميرة!" تلك الفكرة التي ظهرت في رأس سنو جعلته يقرر التكلم أخيرًا ((اسمي سنو وأنا المحارب المسؤول عن ابنة الأمير وود))، تراجع المحارب خطوة للخلف وانحنى انحناءة بسيطة ((حسنًا محارب سنو، اعذرني على الشك بك، يمكننا الانطلاق الآن)) قفزت كلارا برشاقة الى داخل العربة وتبعها سنو واغلق باب العربة ليمنع المسؤول عن الركوب برفقتهما، لم يبدوا المسؤول مستاءً فلا يحق له الركوب برفقتهما على أية حال، تحركت العربة ورأت كلارا المناظر تتحرك للخلف من النافذة، صباح هذا اليوم فقط كانت تتجول في مكان "طبيعي" والأن وجدت انها اميرة ولديها محارب ملكي يحميها تعيش في عالم حيث ينتقل الناس عبر الجزر الطائرة عن طريق الحيتان، عالم حيث احصنة البيغاسوس حقيقية ويبدوا انها تحب المجوهرات، كان من العجيب انها تقبلت الامر بسهولة، لكن كيف يكون عجيبًا وقدرتها اتت من هذا العالم، كادت تسند رأسها على النافذ. حين شدها سنو بسرعة ((احذري!))، فور ان لمس رأسها ما ظنته زجاجًا عبره رأسها صانعّا فجوة سمحت لصوت الأحصنة واصطدام الحجارة ببعضها بالدخول الى العربة، ((انتِ بخير؟)) سألها سنو، شعرت بالغرابة بحق، لقد كانت عادتها التي لا تكاد تدركها ان تسند رأسها على النافذة، لكن يبدو ان عليها تغيير عادتها هنا ((ما الذي حدث توًا؟)) سألت وهي تبعد عنها جسم سنو الذي سحبها نحو حضنه فور ان احس بالخطر ((ما الذي يجري؟ هل كسرت الزجاج؟)) ادارت رأسها نحو النافذة لترى الثقب يلتئم وصوت الضجة القادمة من الخارج يختفي، قال لها سنو ((ليس زجاجًا، انه نوافذ من الماء الصلب))، سوت كلارا جلستها وقالت بسخرية ((صلب لدرجة ان بإمكانه تحمل ثقل رأسي))، في الحقيقة الماء الصلب يسمح بكل ما هو بطيء بالنفوذ عبره مثلما سندت كلارا رأسها عليه ببطء، لكنه يصد الأجسام التي تقترب منه بسرعة، كان سنو يشرح آلية عمل هذه النوافذ لكلارا حتى قاطعته ((كارلوس، لما قلت له انني لا استطيع التحكم بقدرتي؟))
ـ ((ظننت ان بإمكاني مراوغته))
ـ ((لقد قال ذلك الرجل انه يعلم انني اعرف اسمه، لكني لا اعرفه هل بإمكانك اخباري به؟))
ـ ((لا، لا أستطيع للأسف، وهذا يوترني اذ ان الجميع يعرف من هو مسؤول التدريب، يعرفونه كاسم الملك))
ـ ((اذًا الملك اسمه وود))
ـ ((الأمير اسمه وود، وهو كذلك والدك))
ـ ((هل ملابسي غريبة في هذا العالم كارلوس؟))
ـ ((لا، العامة يرتدونها كثيرًا، لكن من المعتاد ان تلتزم الملكات والاميرات بالفساتين الملكية))
كادت كلارا ان تسأل سنو سؤالًا آخر غير ان توقف العربات شد انتباهها، ((ما الذي يحدث؟)) سألت كلارا، ((أظن اننا وصلنا)) أجابها سنو، فتح الباب فنزل سنو، وانتظر الآنسة كلارا لتنزل وقد مد يده بسبب تعوده على ذلك في السابق، كان مسؤول المحاربين قد نزل بالفعل ليرى كلارا تستند بيدها على كف سنو وهي تنزل، فور ان نزلت كلارا اقترب منها بعض المحاربين يطلبون منها ان تتبعهم، شعرت كلارا بالتوتر وكذلك سنو، لم يكن لديها خيار كما كانت تظن، لقد وجدت نفسها تتبعهم بلا ارادية، حينها كان المسؤول واقفًا بجوار سنو ((يبدوا ان الأميرة لم تتحسس باللمس هذه المرة))، اجفل سنو للحظة حين سمع كلمات المسؤول لكنه حاول ان لا يظهر ذلك وقال ((لقد كانت المرة السابقة مرعبة، لمسة واحدة فرأيت نفسي انتقل الى مئات الأماكن، كان ذلك مرعبًا جدا...))
جالسًا على كرسيه بجوار سرير الرضيعة المخملية، لقد البستها الخادمة منذ لحظة فقط لباسًا ورديًا محمرًا مزين بسلاسل فضية تملئها جواهر صفراء اللون، في هذا السن كان الشعر على رأسها قصيرًا جدًا لذلك كانت الخادمة تجعلها ترتدي ربطة وردية، كان المحارب جالسًا وقد مسك بيده كتابًا يروي آداب النبلاء، ابعد الكتاب عنه أخيرًا ووضعه على الطاولة التي كانت فيها مزهرية بها زهرة جوهرة السهول، لقد كان شابًا وصغير السن، وكأنه عاد قرونًا الى الخلف عما يبدوا عليه اليوم، كان سنو يردد عبارات مثل "مساء الخير سيدتي" وكذلك "كما تأمر أيها الملك" لكن المميزة فيهم "هل تقبلين بي زوجًا لكِ؟" كرر الجملة الاخيرة عدة مرات وبطرق مختلفة وأخيرًا مرر أصابعه بين خصلات شعره الداكن وقال ((ما هذا السخف؟ لن تقبل بي على أية حال!)) ليسوي لباسه الأبيض بارع الجمال، حمل الرضيعة ووضعها في سلة مزينة خصصت لهذه الأميرة الصغيرة وخرج من القاعة حين أتت فتاة صغيرة بعمر السادسة تركض، كانت الصغيرة ذات شعر أزرق براق وكأنه يلمع، ارتدت فستانًا أصفر مزين بجواهر زرقاء، لقد كانت الصغيرة ترتدي تاجًا صغيرًا يناسب مكانتها، اقتربت نحو الرضيعة وداعبتها قليلًا قبل أن تقرر الذهاب الى البحيرة لتلعب، اكمل المحارب طريقه نحو قاعة العرش حيث كان الملك آدونيس حاكم المملكة وزوجته هناك، وكذلك الأمير وود والد الطفلة، كان الملك آدونيس سيتخلى عن العرش لوريثته القادمة في غضون أشهر، وقد كانت أميرة رحيمة كوالدتها الملكة اميرالد بالضبط مما سيجعل وود يصبح الملك القادم، لقد كان الحاكم آدونيس صارمًا جدًا وقد كانت أشهر عباراته "كن رحيمًا وسيطعمك كاديو للذئاب" كانت تلك العبارة تفضح حقيقة تدربه برفقة المحاربين، لعل ذلك سبب صرامته، هنا في القاعة كان الملك يصدر قرارًا من قراراته الأخيرة برفقة الملك القادم وود حين دخل المحارب برفقة الرضيعة، انتظر المحارب حتى انها الملك عمله وامر جنوده بالانصراف لتنفيذ قراره، تقدم المحارب وقال ((لقد بلغني جلالتك امك دعوتني))، كان الملك آدونيس يمتلك شعرًا أزرق داكنًا ولحية طويلة بذات اللون، اما عيناه فقد كانتا ذهبيتين، كان يرتدي درعًا من الفلس قد زين بنقوش سوداء، على عكس الأمير وود الذي لم يبدوا وكأنه يجهز نفسه لحرب، كان يرتدي بذلة ملكية بلونٍ أخضر قد أبرزت جمال عينيه السوداء كالليل وشعر الأسود، قالت الملكة اميرالد ((أنا من طلبتك أيها المحارب الملكي، أرغب بأن تأتي حفيدتي معي في زيارتي الأخيرة حول المعاقل الخمس))، كانت المعاقل الخمس هي أربعة جزر رئيسية في أطراف الكرة المائية، اما المعقل الخامس فهو جزيرة الجوهرة -عاصمة المملكة- في سن الرضيعة، لم يكن للمحارب عمل شاق، كان حاضرًا معها دومًا وهذا كافٍ، كان يضعها في غرفتها لتأخذ قيلولة حين رأى شيءً غريبًا على يدها، في ذلك السن الصغير لا تظهر أي علامات على أيدي البيربوريين، لكن حلقة في مرحلة التشكل ظهرت على يد تلك الرضيعة ذات السبعة أيام، لقد ظهرت حلقة سوداء على ظهر يدها اليمنى، وداخل تلك الحلقة كانت سحابات سوداء تتحرك، تارة تظهر وتارة تختفي، أمسك المحارب يد الرضيعة ليتأكد من صحة ما يراه، حين اتسعت عيناه وهو يرى رمز الانتقال يظهر.
ـ ((..انه مرعب جدًا كيف تجد نفسك تنتقل من مكان لآخر، كان علي التمسك بها والا فقدتها، لعلي أقلق من أن تختفي الى مكان آخر دون أن اكون بصحبتها، لقد أمنني الملك عليها بعد كل شيء)) قال سنو للمسؤول، نظر المسؤول الى ناحيته وقال له ((نعم، امانة الملوك شيء قوي جدًا لكني لا أدري كيف أمكنك خيانته سنو، عهد اختطافك للأمراء قد ولى!)) أشهر المحاربون على أسلحتهم محاصرين سنو، ابتعد المسؤول وأمرهم باحتجازه ووضعه في الزنزانة.
كان صوت الكعب الذي ترتديه المحاربة يمين كلارا ثقيلًا على الأرض بين جدران تلك الأروقة، شعرت كلارا بالتوتر بحق، ابتعادها عن كارلوس لم يكن يريحها ابدًا، حين وصلوا الى بعد كافٍ توقف المحاربان وقررت السيدة ان تبدأ الحديث ((لا تقلقي جلالتك، لقد اصبحتِ في أمان))، ظنت كلارا ان المحاربة كان تقصد انها بأمان لأنها وصلت الى هنا، قالت كلارا ((أنا بأمان بفضل كارلوس))، تبادل المحاربان النظرات باستغراب ثم وجه المحارب السؤال ((ما هو كارلوس؟))، انتبهت كلارا لأمر مخاطبة كارلوس لنفسه باسم سنو فصححت ما قالته ((أقصد المحارب سنو)) قالت كلارا جملتها ثم اكملت السير الى الأمام فيتبعها المحاربان باستغراب، قالت المحاربة ((المحارب سنو ليس غير خائن، لقد اختفى عن الأنظار منذ زمن بعد ان اختطف ابنة الملك، لعله خدعك أيتها الاميرة))، ادركت كلارا ما كان يحدث، لقد وقعوا في فخ للتو، لعل المحاربين يحتجزونه الآن ويخططون لقتله، لم يكن بإمكانها استعمال قوتها بعد بسبب الخدر الذي أصابها بعد ان عبرت الجوهرة وذلك يشعرها بانها بدون فائدة، كانت كلارا تفكر بصمت حين قطع المحارب حبل أفكارها ((آنستي، هل لي أن اعرف اسمك لنبلغ والديك؟)) قالت كلارا بتردد ((اسمي كلارا)) كانت نظراتهما وحدها كفيلة بجعل كلارا تدرك ان اسمها ليس اسم الأميرة التي يجب عليها ان تكونها، امسك محارب بها بقوة ونظر الى ظهر يدها، لم يكن الرمز يتحرك، لقد بدا وكأنه رسمة فحسب لكن لي ذلك الا لأن قدرتها كانت مخدرة بسبب التعب، ((انها جلاو!)) صرخ المحارب، لم تفهم كلارا معنى هذه الكلمة لكنها ادركت ان عليها ان تهرب، ركضت بالاتجاه الذي اتت منه وتبعها المحاربان، أحدهما كان محارب لهب أخذ يقذفها بالكرات النارية غير آبه بإيذائها، وكيف له أن يأبه وهو يظن انها جلاو تخون المملكة؟ كانت كلارا تكافح لتبقى سالمة من الكرات النارية خلفها، لقد كانت تحب ان تكون مميزة في السابق، لكن ان يمتلك الجميع حولها قدرات وهي لا تستطيع استعمال خاصتها بدت هذه لعبة غير عادلة بالنسبة لها، غير عادلة وقاتلة أيضًا، شعرت كلارا وكأن الرواق لن ينتهي أبدًا، لم تظن انها سارت كل هذا حين أتت، لقد ادركت انها أخطئت منعطفًا وعليها العودة أدراجها لكن لن يمكنها ذلك الا ان تمكنت من الافلات من هذين المحاربين الذين قرر أحدهما حمل سيفه للتو، انتبهت كلارا لتلك اللوحة المعلقة على الجدار وقررت اخذها من مكانها لتستعملها كتشتيت، لقد كانت اللوحة كبيرة الحجم لكن لم تمانع كلارا استعمالها لخدعتها القادمة، انعطفت كلارا الى اليمين وحين تمكن المحاربان من الانعطاف وجدا اللوحة ملقاة عند منعطف آخر فتبعاه غير منتبهين للفتاة المختبئة تحت طاولة للزينة، خرجت الفتاة من مخبئها بهدوء وأخذت تشق طريقها نحو الخارج حيث افترقت عن كارلوس.
كان ستة محاربين حول سنو، جميعهم يحملون سيوفًا غير ان احدهم فقط كان فارس سياف، كان من السهل ملاحظة الرموز على ظهور القفازات البيضاء، في السابق كانت القفازات مختلفة وكانت تحمل كلمات بدلًا عن رموز مما جعل سنو يشعر بالغرابة في البداية، قرر أحد المحاربين بدأ القتال بطريقة خسيسة، لم يتدرب سنو كمحارب عادي، لقد تدرب كمحاربٍ ملكي، لكنه يعلم انه ليس من النبل ان يقاتل ستة واحدًا، والآن يقاتله ستة في آن، صرخ سنو وهو يتجنب ضربة من السيف ((ماذا بكم ايها المحاربون؟ اين شرفكم؟ واحدٌ ضد ستة، هذا ليس عادلًا)) لم يبدو وكأن المحاربين يهتمون لما يقوله سنو، لقد ردوا عليه بصرخات تدل على استعدادهم للهجوم فحسب، كان المحاربون امامه في طور التأهيل، اما هو فقد كان قويًا، ليس وكأنه حارب كأخته فلم يكن في الهدمة الا لبضعة أيام، لكن لوصوله الى تلك المرتبة كان عليه أن يكون قويًا بدرجة تسمح له بمنافسة الرفقاء في القوة، بالرغم من ذلك، كان اللهب هو نقطة قوته التي لم يساعدها بعد، والمعدن حوله يضعف قدرة البرق لديه، لكن كان عليه المحاولة، قفز متجنبًا ضربة سيف منخفضة من أحد المحاربين وهو يوجه اصبعًا نحو سيف قريب بخفة لتنطلق شرارة من البرق وتعبر السيف المعدني بإضاءة واضحة تنبعث منه، وما هي الا لحظة كانت كفيلة بجعل المحارب يسقط ويرتجف على الأرض، نظر المحاربون الآخرون الى المحارب الساقط ومن ثمة اطلقوا صرخات استمرار المعركة، اطلق محارب رياحًا قوي باتجاه سنو مانعًا لإعاقته لكن لم يكن مجيدًا لاستعمال قدرته بعد، في حين اطلقت محاربة قناص لسهم حاد باتجاه المحارب الذي كاد يصيبه لولا رياح المحارب الشاردة قبلها، وجد سنو نفسه عاجزًا عن استعمال قدرة البرق بسبب انتقال المعركة الى منطقة غنية بالأدوات المعدنية، لكنه استل سيفًا ليحارب به قبل أن يجابهه السياف للمبارزة، كان صوت رقصة السيوف طاغيًا على المعركة للحظات، قبل أن يتمكن سنو من اقصاء محارب بسبب سوء فارس حاجز في استعمال قدرته، لوح سنو بسيفه صادًا اسهم المحاربة التي كانت شديدة الدقة بشكلٍ مرعب، لولا انتباه سنو لاقتراب المعدن نحوه لما نجا، لم يكن اخراج فارسي الرياح والحاجز من المعركة بالشيء العظيم، لكن تمكن سنو من اسقاط سيف السياف كان انجازًا بحد ذاته، لم يمتلك سنو الفدرة للاستمرار بالقتال، ولم يكن يرغب بقتل المحاربين اذ ان هذا خاطئ بحق مبادئه لذلك قرر الاختفاء خلف الأشجار والعودة الى مركز التأهيل لإيجاد كلارا؛ في هذه الأثناء تمكنت كلارا من الخروج من الرواق وكادت تصل الى الباب حين اقترب منها محارب ضخم، ((ماذا بك أيتها الصغيرة؟ اين المحاربان الذين اوكلهما المسؤول لحمايتك؟)) لسبب ما بدا ذلك المحارب أحمقًا وأدركت كلارا ذلك وقررت استغلاله ((لقد تذكرت انني نسيت شيئًا عند المحارب سنو، هل تعرف أين هو؟))
ـ ((ذلك الوغد سنو، لا اصدق كيف قام باختطافك آنستي))
ـ ((نعم نعم أنت محق، هل تعرف أين هو؟))
ـ ((بالتأكيد، بإمكاني الذهاب لإحضار الشيء الذي يخصك فور ان يحتجزه المحاربون، ما هو الشيء الذي نسيتيه؟))
ـ ((لا، علي ان اذهب لإحضاره بنفسي، انه شيءٌ ملكي كما تعرف))
ـ ((حسنًا، سامحيني على عدم فهمي، اتبعني آنستي من هذا الطريق))
كانت كلارا تسير وهي تنظر خلفها بتوتر قلقة من أن يظهر المحاربان ليقتلاها، كان المحارب الضخم ذو العينين الصغيرتين كان يتحدث كثيرًا لسببٍ ما، كان يقول أشياء عن الوفاء ومصير الخونة في البداية ومن ثمة انحرفت القصص بطريقة ما الى قصص عن ألعاب طفولة المحارب، كانت كلارا مضطرة للإماءة والموافقة كي لا ينتبه لها المحارب، لكن من بين كلامه الذي لا طائل منه، كانت فكرة واحدة تستحق ان تقال ((...أول مرة ركبت سرجًا للمسافرين كان عمري 5 سنوات، بالرغم من ذلك اتذكر كما لو أنه حدث بالأمس، لقد كان .....))، قاطعته كلارا بحماس ((السرج، أين السرج الذي جهزتموه لنا لنغادر؟))، ابتسم المحارب وقال ((زينة السرج حملتها بنفسي ويدي، أتمنى ان يروقك آنستي))
ـ ((نعم، أين هو؟))
ـ ((لا تقلقي ستذهبين اليه بعد ان تتناولِ بعض الطعام))
ـ ((لا، أريد الذهاب اليه الآن))
ـ ((ماذا عن الشيء الذي نسيتيه عند سنو؟ انه ملكي كما تعرفين))
ـ ((الآن!)) قالت كلارا جملتها الأخيرة بصوتٍ عالٍ مما جعل المحارب يعتذر ويأخذه الى حيث تريد دون الاكثار من الكلام، لم تسمع منه كلارا غير ((السرج والحوري ينتظران عند الحافة، المرسى يقع هناك))، لم تكن كلارا مهتمة بحديثه كثيرًا وقد راق لها الصمت لفترة، مرت دقائق من السير حين سمعت كلارا صوت خطوات يقترب، كان محارب اللهب الذي كان يهاجمها قبل قليل، صرخ المحارب ((انتظروا))، نظر المحارب الضخم الى كلارا ((آنستي علينا الانتظار!))، شعرت كلارا بالرعب، لم يكن من السهل ان تنجوا منه منذ قليل، في الواقع هي تعاني من كدمة بالفعل في ظهرها نتيجة ضربة كادت تحرقها، صرخ المحارب بعد ان اقترب اكثر ((انها خائنة من الجلاو!))، فور ان وصلت الكلمات الى اذنها وجدت نفسها تلتف لتركض، لسوء حظها، لم يكن المحارب الضخم ضعيفًا بقدر غبائه، لم يستغرق منه الا ثانيتين حتى أمسك ذراعها بيده وأحكم قبضته، بدأت تحاول التحرر وتحاول فتح أصابع يده بيدها، لم يكن الأمر ذو جدوى، كان المحارب قويًا جدًا، وهي تنازع للتحرر، شعرت بالعشب الأخضر الطويل ينخفض عند قدميها، للحظة وجدت نفسها معلقة في الهواء والمحارب الضخم يحدق في عينيها ((انت لا تدركين ما الذي فعلته أيتها الآنسة)) كانت تلك الكلمات وحدها كفيلة بجعل كلارا تنهار وتبكي، قال محارب اللهب ((احضرها، سنأخذها الى المسؤول)).
لم تتخلى يد المحارب عن ذراع كلارا وكانت تمسكها بقوة، كانت كلارا من حين لآخر تحاول التحرر منها الا ان نظرة من المحارب كانت تجعلها تتوقف وتتصرف كطفلٍ مطيع، كان المكان الذي يسيرون فيه غنيًا بالأشجار، ليس كغابة بالطبع لكن كان ما فيه من الأشجار كافيًا للسماح ببعض السناجب الطائرة بالقفز بينها، كانت كلارا تسمع الكثير من الأصوات، صوت نهر في مكان قريب، صوت العصافير، صوت ارتطام السناجب بجذوع الشجر، تلك الأصوات سمحت لتفكيرها ان يصفو للحظة، لقد مرت ساعتان على الأقل منذ وصولها الى هذا العالم، كارلوس استعاد نشاط احدى قدرتيه في نصف هذا الوقت، ربما تستطيع استعمال قدرتها وتنجو، بالرغم من ذلك المحارب الضخم يتمسك بها وحيث انتقلت سيكون معها، لكن كان عليها المحاولة، كانت علامتها على يدها جامدة وهي نفسها تعلم ذلك، لقد اعتاد رمز الانتقال بداخل الحلقة يتحرك يمينًا وشمالًا، وأحينًا يصغر ويكبر، ان الرموز في حركة مستمرة، لكن الرمز كان جامدًا الآن، افترضت كلارا ان السبب هو تخدر قوتها، لكن كان عليها ان تستعيدها الآن، حياتها تعتمد على ذلك! حاولت التركيز وتهدئة نفسها، لقد فكرت "قدرتي اختفت بسبب انتقالي عبر الجوهرة، لعل ذلك متعب جدًا فقد وجدت نفسي مغمًا علي، لكن ان ارحت نفسي، قد استعيد قدرتي" بدى ذلك تفكيرًا ذكيًا حتى سألت نفسها بعد ذلك "كيف أريح نفسي؟" شعرت بالإحباط وتداركت انها لا تشعر بالتعب، لكن بدا لها وكأنها تشعر بالجوع بعض الشيء، لقد تذكرت أنها وضعت شيئًا في حقيبتها سابقًا، حاولت التفتيش بها دون ان تشعر المحاربين لكن بدا انها فشلت ففور ان أمالت الحقيبة الى الجانب وحاولت فتح السحاب، رماها المحارب الضخم بعيدًا، سأل محارب اللهب ((ما الذي يحدث؟))، أجابه المحارب الضخم ((كانت تحاول اخراج شيء من الحقيبة))، قالت كلارا بخوف ((كنت احاول اخراج شيء لآكله فقط)) لم يبدوا وكأن المحاربان قد سمعاها فقد خرجت الكلمات من فمها بصوت مبحوح مرتجف، قال محارب اللهب ((علينا معرفة ما كانت تخبئه))، كانت الحقيبة قد استقرت أسفل شجرة، حين اقترب المحارب الضخم من الشجرة سحب معه كلارا بعنف، في حين كان المحاربان مركزان عما تحتويه الحقيبة اصدر سنجاب صوت ارتطامها بجذع الشجرة ثم تسلقها مما جعل كلارا تحدق فوقها لترى الشجرة شجرة مشمش، لحسن حظها كان فرع قد دنى الى الأرض اكثر من غيره وقد حمل حبات مشمش، حاولت ان تمسك حبة ونجحت، التفت اليها المحاربان وهي تلتهم حبة المشمش، قال أحدهما ((يبدوا أنها كانت جائعة فقط))، امسك المحارب الشاب بيده التي زين قفازها رمز شعلة نارية الحقيبة وقال ((قد تستعيدينها اذا بقيتي حية))، لم تبدي كلارا اهتمامًا لكلامه وقفزت لتحصل على حبة أخرى من المشمش قبل ان يجرها المحارب الضخم من يدها بعيدًا عن الشجرة، قالت كلارا ((ليس لديكم حبل أو شيء ما؟ يدي تؤلمني من هذا الضخم))، قالت هذا بعد ان تناولت حبة المشمش بيدها اليمنى، لم تتلقى كلارا ردًا، ولم تهتم لذلك، كانت تحدق بظهر يدها وتنتظر ان ترى الرمز يتحرك.
تمكن سنو من الهرب وان لم يحب كلمة الهرب "لا يهرب الا عديم الشرف" كلمات قالتها له أخته حين أتت للزيارة قبل أن يصبح محاربًا ملكيًا، كان طفلًا حينها، يلعب مع احد اصدقائه حين رأته اخته يهرب لان صديقه كاد يفوز عليه، لكن لن ينقص من شرفه اليوم شيء لأن محاربي اليوم لا يعرفون شيئًا عن الشرف، ربما لأن هذا المركز للتأهيل هو مركز جزيرة الغروب، المركز الذي يعود اليه الخاسرون! المراكز التي في الحدود أو الجزر النائية تركز على الشرف أكثر من التدريب نفسه، وكأن الشرف سيحميك من ضربة سيف...
عاد ادراجه الى المركز ليجد صغيرته كلارا، لكن اثناء ذلك، رأى محاربة سياف تقترب من الحرس، ((الفتاة التي تتظاهر بأنها أميرة هي خائنة وجلاو))، أجابها احد الحراس ((لقد أخْبَرنا المحارب ستون))
ـ ((هل رأيتما الفتاة؟))
ـ ((لا تقلقي، لقد ذهب المحارب ستون لإحضارها، لقد ذهبت من ذلك الطريق قبل دقائق))
ـ ((سأخبر المسؤول اذن))
لم يأخذ سنو وقتًا ليفكر، كل ما خطر بباله هو الذهاب لإحضارها، حاول قدر استطاعته ان لا يجذب الانتباه ليذهب من الطريق التي أشار اليها الحارس، كان قلقًا جدا على كلارا، بدا وكأن المحاربين كلهم أوغادٌ هنا، "كيف ظنوا ان كلارا ليست أميرة؟" لم يجد اجابة في رأسه، لقد كان يركض بأسرع ما يمكن، لقد تعرف على شكل مرسى للسروج من بعيد مما جعله يشعر بانه في الاتجاه الصحيح، حين سمع سنو صوت سير أقدام قرر أن يختبئ، كان محاربٌ ضخم البنية يمسك بيد كلارا اليسرى وهي تتبعه، الى يمينها محارب لهب، كان سنو يتمنى ان يكون باستطاعته استعمال قدرته الآن (قدرة اللهب) لكن لعل ذلك لم يكن مقدرًا في تلك اللحظة، حاول سنو ان يتبعهم دون أن يشعروا، وعيناه لا تفارقان كلارا، فكر سنو أنه لن يكون قرارًا جيدًا السماح للمعركة بان تقترب من المركز أكثر، لذلك وجد ان عليه التدخل حالًا، استعمل قدرة البرق بِأبرعِ ما يمكن ليصنع جدارًا اما المحاربين معلنًا بدأ القتال، قال المحارب الضخم ((ما الذي....)) حين قاطعته ضربة بالبرق كادت تصيبه، التف المحاربان واذا بهما يريان المحارب الملكي سنو ببدلته البيضاء التي ميزت المحاربين الملكيين منذ زمن، بالرغم من القتال الذي خاضه لم تفقد تلك البدلة جمالها، كان سنو قد احتفظ بسيفٍ من معركته السابقة ليستعمله فمهاراته في المبارزة أحسن من قدرة البرق خاصته، صرخ سنو ((هل ستبقون هناك أم ماذا؟))، قرر المحارب الضخم ان يبقى مكانه وهو يمسك بكلارا، اما المحارب الآخر فقد ركض باتجاه سنو معلنًا بدأ القتال، صد سنو جميع ضربات سيف المحارب، لقد كان محارب سياف بالرغم من ان قفازه يخفي ذلك، لكن ذلك المحارب لم يهمل قدرته التي يجدها على أية حال فقد باغت سنو بكرات من اللهب، في حين استعمل سنو قدرة البرق لمنع الجدار الذي صنعه من الاختفاء، كانت كلارا تنظر بقلق الى سنو تارة، وتنظر الى ظهر يدها تارة أخرى، بدا وكأن سنو كاد يتغلب على خصمه حين تدخل المحارب الضخم بدون أن يقترب، كل ما فعله المحارب الضخم هو توجيه كف يده الى القتال وإذا برياح قوية تمنع سنو من مواصلة القتال، لم يتمكن سنو من تقوية الجدار الكهربائي الذي كان يعززه باستمرار، لقد بدأ يتلاشى وخلفه بدا وكأن عددًا من المحاربين ومعهم المسؤول عن التدريب مستعدين للقتال، لم تكن حركة ذكية من سنو لكنها كانت كأمل أخير، وجه يده الى يد المحارب وأطلق لسان برق الذي كاد يصيب كلارا، اصابت شرارة برق ضعيفة يد المحارب الضخم فجعلته يتخلى عن الفتاة وكذالك جعلته يقطع الرياح القوية التي كان يوجهها للمعركة عن غير قصد، حتى كلارا شعرت بصعقة خفيفة لكن بدا وكأن تلك الصعقة أعادت قدرتها وما هي الا لحظة حتى تداركت كلارا ذلك وانتقلت الى صديقها العزيز كارلوس، ومن ثمة انتقلت الى ابعد مكان تقدر عليه برفقته، فور ان اخذتهما كلارا الى مكان آمن عانقها بحرارة ((أنا آسف لم يكن علي تركك)) قال لها سنو ذلك وهو يزيد قوة عناقه لها، اجابته ((لا عليك ايها الدب الخائف، لن اتركك مجددًا)) كانت هذه هي الجملة التي اعتادت ان تقولها كلارا لكارلوس سابقًا كلما شعر بالقلق حيال غيابها، جلس سنو على العشب ليرتاح فقد خاض معارك صعبة اليوم، أما كلارا فقد كانت تحدق بيدها وتميلها قليلًا في اتجاهات مختلفة وترى الرمز يتحرك، ثم قالت ((لقد توقف الرمز عن التحرك حين لم استطع استعمال قدرتي، والآن عاد الى الحركة بشكل طبيعي))، التفت لها سنو وسأل ((لهاذا لاحقوك؟))، لم تبعد كلارا عينيها عن يدها وهي تجيب ((لقد قالو انني جلاو خائنة))، وجهت كلارا نظرها الى سنو وقالت ((ما الذي فعله الجلاو هؤلاء لكي يكرههم المحاربون هكذا؟)) لم يبدوا وكأن كلارا كانت تنتظر اجابة، رفعت رأسها باتجاه الأشجار ثم انتقلت لمكان آخر وعادت الى سنو، سألها سنو ((هل كل شيء بخير؟))، ابتسمت كلارا وقالت ((استعدت قدرتي، كل شيء بخير))، ساد الصمت لهنيهة قبل أن يسقط صغير طير من العش فنزلت امه لإعادته، نهض سنو وقال ((علينا الذهاب الآن))، اقتربت كلارا من سنو لتنقله الى المرسى حين ظهرت محاربة قناص وأخرجت سهمًا وقوسًا من العدم لتصيب بهم سنو، اخترق السهم لحم كتف سنو، كان كل شيء سريعًا ولم تجد كلارا نفسها تفعل شيئًا غير الركض باتجاه سنو وامساكه بقوة لتنقله الى المرسى قبل ان يسقط على الأرض، ((لا تقلقي، كل شيء بخير)) قال سنو حين حاولت اسناده، في مكان فارغ في المرسى، ((ماذا عنك؟)) سألت كلارا بقلق، ((سأكون بخير، علينا ان نذهب الآن))
ـ ((لست بخير كارلوس، علينا الانتظار حتى ترتاح))
ـ ((سيكون كل شيء بخير)) حاول سنو رفع يده لإزالة السهم لكن كتفه آلمه، اطلق سنو صرخة ألم قالت كلارا ((هل بإمكاني فعل شيء لك؟))
ـ ((أزيلي السهم ان أمكنكي))، لم تتردد كلارا في ذلك، سحب السهم بأسرع ما يمكن، تذكرت ما أخبرها كارلوس حين ذهبت لطبيب الأسنان لخلع ضرسها الأولى، قال لها ((كلما كان اسرع، اختفى الألم اسرع!))، لذلك سحبت السهم بأسرع ما يمكن، سمعت كارلوس يصرخ من الألم، لم تنتظره ليأمرها، أخرجت قطعة ثياب من حقيبتها الزرقاء التي أخذتها من المحارب سابقًا ولفتها بعناية على جرح كارلوس، وقالت له ((انتظر، سأبحث عن الحوت الذي سيأخذنا وآتي لأخذك)) لم تمنحه كلارا وقتًا للرد واختفت فورًا، لم ينتظر سنو طويلًا حتى عادت كلارا وأسندته الى كتفها وانتقلت به الى السرج في أجمل غرفة رأتها، وضعته على السرير وأحضرت له بعض الماء، ((تفضل بعض الماء))
ـ ((آسف كلارا))
ـ ((لا تتأسف على شيء كارلوس، لم تفعل شيئًا خاطئًا))
ـ ((كان يفترض بك ان تنالي الاحترام لا ان تعامل كالخونة))
ـ ((هذا لا شيء، هل نسيت حين اقتحمنا البنك وكاد رجال الشرطة يمسكون بي؟))
ـ ((نعم، حين اسقطتِ مشبكك المفضل ولم ترضي ان تغادري قبل أن تجديه، لقد كنتي طفلة مشاغبة))
ـ ((حتى حينها لم أعاقب فقد انقذتني قدرتي، أظن انني استحق ما عوملت به اليوم بطريقة أو بأخرى))
ـ ((لا، لقد كنتي طفلة حينها، لكن بجدية لا تكرري تاك الأفعال، انتِ اميرة الآن))
ـ ((نعم نعم كما تريد، لم تخبرني ان سروج الحيتان كالبيوت العائمة))
ـ ((لماذا ماذا ظننتِ؟))
ـ ((كنت أظنها كسروج الأحصنة)) أطلق سنو ضحكة وقال ((ظننتِها كسروج الأحصنة؟))
ـ ((توقف هذه أول مرة آتي لهذا العالم كارلوس)) أطلقت كلارا تعبيرات انزعاج لطيفة.
كلارا وسنو في سرج على متن حوت في عرض المحيط، هدفهما هو جزيرة الجوهرة لتعود الأميرة الى أسرتها الملكية.

مملكة بيربور - أرض العجائب الطافيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن