الفصل السابع : مادة وكائن معًا

1 0 0
                                    

تتسم مملكة بيربور بألوانها المميزة غير أن اللون الأزرق للمحيط يطغى على كل الالوان، المحيط الضخم الذي لو لم تلمح الفضاء لظننته لا ينتهي، تسهل رؤية الفضاء حين تخفي الشموس كلها نورها، فتتمكن من رؤية السواد القاتم ثم النجوم البراقة وأسرابها التي تتنقل في الفضاء وكأنها أسراب أسماك غير أنها تلمع بألوان بيضاء، زرقاء، وردية، بنفسجية وحمراء وغيرها من الألوان، في الفضاء يعيش كائنان مختلفان: المونتر والنجوم، منذ بدأ التاريخ يُكتَب وهم في سلام، يعيش المونتر على الأقمار السبعة، يتخللهم النجوم دومًا، غير أن النجوم يفضلون النيازك والمذنبات التي تستمر بالالتفاف حول الكرة المائية، كما أن الأساطير تروي عن كائنٍ آخر يدعى الشهاب، تقول الأساطير أن من يراه يمكنه تمني أمنية وستتحقق غير أن هذا الكائن لم يعرف له شكل ولا حتى في تلك القصص؛ اليوم، لا يمس المونتر أو النجوم أرض البحر، اشتداد الحروب بالأسفل جعل سكان الفضاء يقررون التدخل لإحلال السلام بينهم، لكن ملوك مملكة بيربور لم يسمحوا لهم بالتدخل في أراضيهم، ومنذ ذلك اليوم حرم على المونتر والنجوم دخول المملكة.
قبل أن تكون الحال على ما هي عليه، قبل كل هذه الحروب، حين كان أحد المواد الأساسية يتنقل عبر الكون باستمرار، هذه المادة كانت متجسدة في رجل يدعى تايم، وقد رزق اليوم بطفله الأول، طفله الذي قرر هو وزوجته تسميته جاك ان لم يكن الطفل الموعود، في هذا العالم الغريب، لا يمكن للمواد الأساسية ان تتجدد أو تزداد، ولا يمكنها حتى ان تختفي ولو بدا ذلك ممكننًا، حتى أحبار المكتبة وان بدا عددهم يزداد غير أنهم لا زالوا نفس المادة بنفس الكمية دومًا؛ تهيأ تايم بشكل كائنات المونتر، كائنات طويلة الساقين ورباعية الأيدي، تتميز بالصخور البلورية الصغيرة التي تتموضع بشكل عمودي من أعلى الأنف إلى أولى خصلات الشعر وعدد هذه البلورات البيضاء أربعة، أما العينان فهما كبيرتان جدًا، تتميز الواحدة منهما بمقلتين إحداهما أعلى الأخرى، قد يبدو منظر المقلتين مخيفًا حين تسمع عنه، الا ان تلك الأعين باهرة الجمال، أما الشعر فقد اتسم بلون البشرة ذاتها غالبًا: أبيض، ولا شيء غير الأبيض الناصع كلون القمر الجميل، غير أن الشعر أحيانًا يتميز بخصل رمادية، لم يكن تايم ليتهيأ بهذا الشكل بصفة شبه دائمة إلا بعد أن وجد شريكه المثالي، آنسة من العامة، ليست محبة للسياسة بل تحب العيش الراقي فحسب، لم تكن تغريها الحياة النبيلة أو حياة الكونتيسات ومبادلة النمائم عن حكام الدول مع النساء، العيش الراقي بالنسبة لها يعني الحب الصادق، والاحترام المتبادل بين أطراف الأسرة، وقد حصلت على الشريك الذي لم تكن لتتوقعه ولو في عصرها، بالرغم من أن دوقين قد طلبا يدها، وأميرًا من دولة لا تعرف حتى اسمها، الا انها لم ترضى إلا بهذا الشخص الذي لم يكن يملك شيء في الأقمار السبعة كلها، غير قلبه النقي وحبه للمساعدة، هذا حين التقى تايم بكلوي وهي تنشر الغسيل في إحدى السهول الصلبة، ((المعذرة آنستي، هل تعرفين أين الطريق إلى جايلون؟)) سألها المونتر الذي امتلك عينين خضراوتين براقتين، لقد كانت قد شهدت 18 دورة حول فقاعة الماء، لكن لم تشهد قط مونتر بمثل تلك العينين، ((جايلون من هذا الاتجاه، سيستغرق الوصول شهرًا على الأقدام سيدي)) بعد سماعه لصوتها العذب، تنهد فقد كان تايم يرتحل منذ زمن بدون راحة ولا أحد قط يعرف الفرق بين الأقمار السبعة دون الخوض فيها طويلًا، ((على الأقل وصلت إلى القمر المطلوب)) تمتم تايم بصوت غير مسموع ثم قال ((المعذرة آنستي، هل بإمكاني طلب معروف منك؟))
ـ ((نعم بالتأكيد!))
ـ ((ليس لدي أين أبيت هذه الليلة وموطني بعيد، إذا تكرمتي ووجهتني إلى مكان أبيت فيه غير أنه ليس لدي شيء أقدمه في المقابل))
ـ ((سيدي، نحن برولان نقدم المعروف بمقابل الاحترام والعفة!))
ـ ((لن تشهدي غير ذلك مني يا آنسة…))
ـ ((كلوي، سيدي النبيل، أنا ادعى كلوي))
لم يكن تايم يبدوا كنبيل أصلًا، كانت ثيابه بسيطة جدًا ومتداولة جدًا في ذلك العصر، لم تقل ذلك إلا لأنها ترى أن النبيل هو من يتسم بالاحترام، لقد التقت بالعديد من النبلاء الذين يرغبون بالزواج منها الا انها رفضت لأنها رأت انهم يدَّعون النبالة، لكن في الواقع لم يكونوا سوى متغطرسين، لم تعرف أسمائهم إلا في مجال السياسة ولم يحسن شكلهم سوى نتائج جشعهم الذي لا ينتهي.
ـ ((صباح الخير سيدي النبيل، يمكنك القدوم لتناول الإفطار معنا))
ـ ((لا شكرًا، لا أود أن اشق عليكِ آنستي))
ـ ((يبدوا أنك لا تعرف شيئًا عن أخلاق القمر الثالث، لا يجوز على ضيفٍ رد دعوة للإفطار، هذه إهانة سيدي!))
ـ ((لم أكن ادرك هذا، اعذريني، سوف آتي حالًا))
بالرغم من أن كلوي لم تكن تهوى السياسيين المتغطرسين الذين بدا لها وكأنه لا يوجد غيرهم في ساحة السياسة غير أنها للأسف كانت مخطوبة من أحدهم؛ على مائدة الفطور، وبين أفراد أسرتها الثمانية، جلس تايم ليتناول الفطور معهم، ((يبدوا أنك شابٌ وسيم سيد تايم، آسف لأني لم أستقبلك أمس لكن ذلك ليس الا لأنني رجل شديد الانشغال ولا أعود إلى دياري الا حين يحل الظلام ويستقر))
ـ ((لا عليك سيد برولان، ضيافتكم وحدها تجعلني أشعر بالامتنان)) رد تايم على كلام والد كلوي، تبادلت الأسرة أطراف الحديث لمدة حتى قالت السيدة برولان ((لعلمك أيها السيد، دارنا تنتمي لسلالة من النبلاء بالفعل وان بدونا وكأننا من العامة اليوم، لكن بعد أن تتزوج ابنتي الكبرى من الدوق عاهنول سنعود إلى سابق عهدنا)) قال تايم ((من الجميل معرفة أن الحسناء كلوي عثرت على شخص تحبه لتكمل حياتها برفقته))، تركت كلوي طعامها وتوقفت عن الأكل ونهضت ((استأذنكم، لدي عمل أقوم به الآن))، لم تنتظر كلوي سماع الرد من والدها وذهبت بخطوات سريعة وقد بدا عليها الحزن الشديد فور أن ادارت وجهها حيث لا يمكن لأحد رؤيته، غير أن موقع تايم من الطاولة سمح له برؤية تعبيراتها، ((ما بال الحسناء، ألا ترغب بهذا الزواج؟))، تنهد الأب وقال ((عزيزي تايم، يبدوا أنك أتيت من قرية نائية من أحد الأقمار، لا وجود للحب في هذا العالم، لن يمكن للفتاة أن تجد شريكًا تظن أنها تحبه، على الشريك أن يخدم مصالحها ومصالح أهلها والا ستجد نفسها تعامل كقذارة مثل العامة، صدقني أنا أدرى، أمي كانت دوقة ذات شأن لكن حين اتبعت قلبها الذي أخذها نحو والدي، فقدت كل شيء، تم خداعها وهجرها، والآن أنا ابنها أعيش حياة ريفية كالعامة واؤكد لك، قبل أن اتولى زمام الأمور كانت حياتنا أسوء!))
ـ ((المعذرة سيدي برولان لكن دعني أخبرك انه لا سعادة للفتاة في حياتها مع رجل لا تحبه وإن كان أغنى الرجال وأشدهم نفوذًا))
كانت كلوي قد سمعت الغريب الذي لم تهتم حتى لتَذكر اسمه يدافع عن فكرتها "لا زواج بدون حب"، صوته أطرب أذنها مع كل كلمة قالها "لا سعادة لفتاة في حياتها مع رجل لا تحبه" ضلت تلك الكلمات تتردد في رأسها كصدى، هنا حين أدركت أنها وقعت في الحب لأول مرة لها.
في الجهة الأخرى من الباب كان والدها يقول ((ألا ترى يا رجل؟ الفتاة بلغت الـثامنة عشر بالفعل، نحن لسنا بيربور لكي نسمح لها بالبقاء عانسًا لبقية حياتها))
ـ ((لم تجد من تحبه بعد وذلك لا يجعلها عانسًا، كما أنني زرت البيربوريين كثيرًا، رغم أنهم ليسوا من محبي العلاقات إلا أني رأيت فيهم من هم أصغر منها أزواجًا ويعيشون أفضل مما ستعيشه مع شخص لا تحبه، لا علاقة لذلك بالنوع ولا العمر بل هو القلب يا سيدي))
ـ ((لا وقت لقلبها ليختار أيها الفتى، قلبها مشوش ولذلك سأتخذ انا القرار بدلًا عنها، سأجعلها زوجة للدوق عاهنول شاءت أم أبت))
أكمل الأب جملته الأخيرة بعد أن وقف وأطلقها بعدوانية، كان تايم الذي دعاه السيد برولان للتو بالفتى يعلم ان هذا وقته للاستئذان والرحيل، وهذا ما كان ينوي فعله بعد أن شكر عائلة برولان على حسن الضيافة، لقد لاحظ أن الأطفال الخمسة الجالسين إلى الطاولة كانوا قد فقدوا حبهم للحديث بعد سماع صرخة والدهم، بدا ذلك غير صائب حتى لتايم الذي لم يعرف والده قط، كاد تايم ان يتخلى عن قضية هذه الفتاة لكي يرحل الى مهمته الرئيسية: اغتيال حاكم هذه الدولة البائسة التي عاصمتها جايلون، لكن استوقفته تلك الأعين الباكية المختبئة بجوار الباب، كانت الحسناء كلوي ذات الشعر الأبيض الطويل والعينين الرماديتين تجلس وتعانق ركبتيها وهي تبكي، لم تسمع صوت تايم حين استئذن للذهاب لأنها كانت قد انهارت بالفعل مع آخر كلمات والدها، كانت تبكي بصوتٍ منخفض، بالرغم من ذلك دموعها تركت على تنورة فستانها علامات واضحة حين وقفت بسرعة لما انتبهت لتايم بجوارها، نظرت بأعين حزينة لذلك الرجل الذي أدركت انه سيغادر الآن ولن يعود أبدًا، كان شعرها الطويل قد تجعد وابتل قليلًا بسبب دموعها وهي تنظر بفاه مفتوح قليلًا الى السيد النبيل كما كانت تدعوه، ((المعذرة)) قالت قبل أن تستدير وتحاول الركض، غير أن تايم اوقفها ((انتظري آنستي، بإمكانك المجيء معي))، نظرت إليه وقد بدأت شفتاها ترتجف ((لن يمكنني، لن يسمح لي والدي))
ـ ((وحتى ان لم يسمح لكِ، لازال بإمكانكِ الاختيار))
نظرت إليه بدون أن تغير ملامح وجهها، أردف تايم ((آنستي النبيلة، لا يمكن لأحد اجبار نبيلة مثلك على مثل هذه العلاقة، ولا حتى والدك))، فور أن سمعت تلك الكلمة، "نبيلة، أنا فعلًا نبيلة وليس كما يقول والدي، لست مضطرة للزواج بمن يراه الناس نبيلًا لأكون كذلك" سقطت دموع من عيني كلوي مما أثار قلق تايم فاقترب منها، كانت الآنسة بحاجة الى من يدعمها، الى من يعانقها لكن هو لم يتجرأ على لمسها، ولا حتى لدعمها!، انها امرأة، ولا أحد يفرض نفسه على امرأة، هكذا تعلم بين شعب الفايوار ذات يوم، قال لها ((هل انتِ بخير آنستي؟))
ـ ((نعم سيدي النبيل، أنا بخير)) مسحت دموعها بعناية قبل أن تقول ((خذني معك سيدي))
لم تودع الآنسة أهلها قط، لقد جهزت أشيائها فورًا وتركت خلفها رسالة كتبتها بما تعلمته من فنون الكتابة:
"أنا راحلة، لا تبحثوا عني لأنني لن أتزوج بعاهنول أبدًا"
انطلقت في رحلتها مع مادة دون أن تدري، لم تسأل تايم حتى عن سبب ذهابه الى جايلون، لم تكن مهتمة أبدًا، كل ما همها هو أن هذا الغريب قد أنقذها من ما كانت تهابه: الزواج من عاهنول.
كان تايم مركزًا على هدفه، لقد رأى من مكانه المعتاد نية حاكم البلاد السيئة، لقد اكتشف جُحر الفايوار على ما يبدوا وهو يقرر لاختطاف كل من فيه، وقد اختطف بالفعل عددًا منهم، لم يكن هناك سبيل لتحريرهم غير هذا، الحاكم هو الوحيد الذي يعرف طريقة الدخول إلى الجحر، هو وأتباعه المخلصون، ولن يتردد تايم للحظة في أمر اغتيالهم، بالرغم من تركيزه على هدفه الا انه ابدا اهتمامًا خاصًا تجاه الآنسة التي كانت ترشده إلى حيث يريد، بالرغم من ذلك كان ما يهمه هو حماية المونتر من ارتكاب خطأ لا يدركون ما الذي سيحدثه، وكذلك التخلص من الحاكم الظالم في هذه البلاد؛ بفضل كلوي ومعرفتها بالبلاد، تمكن تايم من ركوب القطار البخاري لأول مرة، وبذلك وصل إلى جايلون في أسبوع واحد، لقد كان تايم يفكر في التخلي عنها لوهلة خوفًا مما قد يؤذيها، غير أنه تذكر انه هو من جلب عليها هذا، لقد وثقت به، وقد جعلها تغادر بيتها بلا رجعة، لن يمكنه تركها هنا حيث لا قريب لها أو صديق، وربما شعر بأنه يرغب ببقائها بجواره، لذلك قرر تركها في نزل ريثما ينهي مهمته الدامية ثم يقرر كيف يساعدها.
لم تكن الفتاة سعيدة بفكرة ترك سيدها النبيل لها في ذلك النزل وحدها، كان النزل عاديًا مكوننًا من ثلاث طوابق، الطابق الأرضي ملئته روائح القذارة والعرق حيث كان الرجال يحتشدون، كانت روائحهم مقرفة فقد كانوا من عامة الشعب، حتى حياة الأرياف كانت أحسن من حياتهم، كان بعض من النجوم هناك أيضًا، بسبب ضيق المكان كانوا يفضلون اعتلاء القاعة، لكن ذلك لم يخفف من الضيق شيئًا، أما الطابقان أعلاه، فقد غلفتهما جدران بنية اللون على نحوٍ غريب، اذ ان القمر لا ينبت أشجارًا بنية قطعًا، غير أنها تتواجد في النيازك كثيرًا ما يفضح أن صاحب النزل من النجوم، كان صوت الألواح الخشبية يصدر أزيزًا عاليًا فور أن تطأه الأقدام، امتلكت الغرف أبوابًا داكنة، وبسبب الإضاءة المنخفضة بدا كل باب وكأنه يطل على هاوية سوداء، أما الغرفة التي نزلت فيها كلوي فقد كانت كبيرة على ما تظن، في الطابق الثالث حيث الوضع أكثر رقيًا من الطوابق أسفله، كانت الغرفة مزينة بورق حائط أبيض اللون به زركشات وردية، غرفة كبيرة تليق بذوي الشأن العالي، على الجدران كانت رؤوس محنطة لبعض الحيوانات القمرية، لوحات مرسومة لمناظر جميلة لإحدى الممالك المنسية، منورات بها شموع مضاءة، وكذلك نوافذ زينتها ستائر حمراء، تحت السرير الكبير المريح كانت سجادة حمراء تزين الأرضية، تعددت طاولات الزينة في الغرفة، أغلبها بدا دون داعي، بعض المزهريات هنا وهناك والتي لم تزينها غير زهرة الشفق الزرقاء، هذه كانت الغرفة التي دفع تايم كل ما كسبه طول مدة ارتحاله لكي يترك الآنسة فيها، في هذه الأثناء كان تايم يتسلل نحو القلعة، لو لا الاحتفالات التي نظمها الحاكم اليوم لما كشف أمره، لم يكن تايم قلقًا على حياته، هو يعلم أنه لن يمكن لأحدٍ قتله، لكن حين اكتشف حراس الملك أمْر الآنسة كلوي تغير الأمر.
ـ ((من أنت أيها الحثالة ذو العينين الخضراوتين؟))
ـ ((أنا هنا لأنهي حياتك أيها الظالم))
ـ ((حقًا؟ وكيف هذا؟ ألا ترى أنك مقيد أيها الأبله؟))
ـ ((صدقني، أنت لا تعرف ما أستطيع فعله))
ـ ((في الواقع أعلم، لذلك ستخدمني))
ـ ((ولما عساي أفعل هذا؟))
ـ ((من أجل الحسناء التي أحضرتها معك، انها هنا في القلعة الآن، بإمكاني ان اؤكد لك ان بوسعي قتلها ان اردت))
لم يكن من الصعب على مادة أن تهزم كائنًا، لكن كان من الصعب أن يواجه تايم حقيقة أن تلك الأعين الرمادية تراه وحشًا، لم يدري ما به، لقد كان مباليًا لأمر هذا الكيان أكثر من غيره من الكائنات، لم يتحمل حقيقة شعورها بالخوف منه حين تهيأ بشكل كائن ليس له وجود، كائن خرافي له شكلٌ كالوحوش، أسنان حادة وبارزة، مخالب بحجم الأحصنة، أعين مخيفة، والأكثر سوءً ان هذا الوحش كان يمزق المونتر إلى أشلاء، الحاكم وأتباعه أصبحوا قطعًا مترامية، كل هذا أمام أعين تلك الفتاة!
لقد رأى أعينها وهي ترمق ذلك الوحش، لكنها لم تهرب، لقد رأى الدمعة تنزل من عينها، لكن بالرغم من ذلك اقتربت، لقد كان تايم الذي لم يستعد هيأة المونتر بعد، يضن أنها تراه وحشًا لكن ما فاجئه اقترابها من ذلك الوحش الوبري ومعانقته ((شكرًا لك أيها النبيل على انقاذي))
كان ذلك قبل بضعة سنوات، أما الآن فقد رزقت كلوي بطفلها الأول المدعو جاك، وهي تعلم ان الطفل الموعود لن يتأخر كثيرًا، كان طفلها الوحيد جاك يعلم يقينًا بماهية والده ويدرك تمامًا ان والده سيغادر ذات يوم لجلب أخٍ لابنه ولن يعود مجددًا، ((طفل واحد كافٍ لنا يا عزيزي)) هكذا قالت كلوي لتقنعه بأن رحيله غير ضروري، لكن تايم كان خائفًا من أن يعيش وحيدًا ويفنى وحيدًا ان فنى، لم تطاوعه نفسه لأن يختار آنسة غير كلوي لتنتهي حياته معها، لذلك كان مصرًا على أن يحصل على طفله الموعود، بالرغم من ذلك هذا الطفل تأخر كثيرًا.
ـ ((بني، عليك ان تعتني بأخيك حين يولد، وكذلك أمك، اعتني بهما جيدًا))
ـ ((لماذا؟ هل ستلد أمي طفلًا؟))
ـ ((ليس بعد، لكن ان حدث ذلك.... أنت تعرف ما قد يحدث))
ـ ((نعم اعرف، لكني أريد اختًا لا أخًا!))
كان ذلك حديثًا بين أب وابنه ذو الأربع سنوات، حديثٌ بريء يتقبل فيه الطفل حقيقة فقده لأبيه عما قريب، تعمد تايم شرح كل ما يجب على ابنه القادم ان يعرفه اذ انه لن يكون موجودًا لتربيته، بالرغم من أن جاك علم أن الطفل الذي قرر والداه تسميته لايف سيكون سبب وفاة والده، غير أنه لم يكرهه قط، تقبل الواقع مثلما فعلت كلوي، عندما بلغ جاك العاشرة من العمر، أصبح أخًا أكبر أخيرًا، لم يتسنى لتايم رؤية مولوده طويلًا، بضعة ثوانٍ فقط حين تحول إلى غبار لامع وتناثر مع أول نسمة هواء.
____
هذا الفصل هو أكثر فصل اتعبني، لدي شعور انه في يوم ما سأغيره، لكن حاليًا ارغب بكتابة الفصل الذي بعده بسرعة.
الهدف من هذا الفصل هو شرح جزء من حقيقة إحدى المواد الأساسية لهذا العالم قبل استكمال رحلة وينتر وايت إلى مكتبة التاريخ.
اذا كان لديكم أي استفسار اكتبوه لي.

مملكة بيربور - أرض العجائب الطافيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن