الفصل الخامس : الفقيد يعود

5 0 0
                                    

من المعلوم أن الجزر تقع في قلب الماء، لكن في الواقع، الماء يخترقها كذلك، الماء يفصل بين السطح والأعماق على شكل أنهار وبحيرات، هذه الجزيرة لا تختلف عنهم كثيرًا، لكن لسوء حظ الغاريين، الفاصل المائي شبه منعدم في الأطراف الشرقية، في مكان آخر حيث يبدوا السطح الصلب هو اللب، رغم طغيان الماء على 70 بالمائة من الكوكب – وهي نسبة أقل مما في عالم الجزر الطائرة – كانت فتاة تلهو برفقة دبها المحشو، كانت تبدوا أكبر من أن تلعب به، لقد كانت ترتدي سروالًا قصيرًا من الجينز بالإضافة إلى قميص أبيض واسع، كانت تفرد شعرها الأسود كالليل فكانت خصلاته تغطي ظهرها كله، كانت تحادث الدب المحشو وكأنه شخص حقيقي، كان دبها أبيض اللون تمامًا، له عينان بنيتان بهما لمحة من الرمادي، وكان الدب يتكئ على حقيبةٍ زرقاء، (( كارلوس، ماذا بك، قلت أنني آسفة، ارجوك سامحني )) قالتها الفتاة محادثةً دبها المحشو التي سمته كارلوس، كانت الفتاة تجلس أعلى سطح أحد المباني العالية، (( كارلوس، تحدث إلي، سأفعل أي شيء،  ارجوك سامحني فقط!)) كانت الفتاة تحاور الدب بحزم وكأنه كان يتحدث يومًا ما، كان ليكون تصرفًا عاديًا لفتاةٍ في الثامنة أو حتى العاشرة، لكن الثامنة عشر، لم يكن تصرفًا مقبولًا، (( كارلوس، حسنًا كما تريد، سأتركك ولنرى كيف ستجديني )) أخذت الفتاة حذاء تزلجها من الحقيبة، حذاء تزلج أبيض به رسمة ليوني كورن على جانبيه، به خمسة عجلات ثبتت على شكل صف، نزعت الفتاة حذاءها وارتدت حذاء التزلج حين غطى شعرها الأسود عينيها، أبعدت نصفه الأيسر عن وجهها لتظهر جبهتها، أما نصفه الأيمن فتركته يغطي جبتها بعد أن ابعدته وراء أذنها، (( خذيني إلى التقاطع )) كان صوت من خلفها، (( حقًا؟ )) قالت الفتاة دون أن توجه نظرها إلى المتحدث، (( كما تريد، لكن ذلك سيكون مملًا، بالرغم من ذلك توجد حديقة قريبة من هناك يمكنني التزلج فيها))، كانت كلارا تراقب السيارات تمر أمامها، كان رجلٌ يحمل أجهزة كهرو منزلية في شاحنة وقد أخذها توًا من المتجر، كان مالك المتجر يراقب بدون اهتمام، (( هل انتهيتِ؟ )) قال الصوت من خلفها، هذه المرة أدارت رأسها لترى الدب كارلو واقفً ويتدث، (( نعم ))، قفز الدب المحشو نحو الحقيبة ثم امسكت كلارا بحقيبتها وقد وضعت كيسًا به حذاءها به، كان الدب يرتب الحذاء في اسفل الحقيبة كي لا يزعجه، مسكت الفتاة ذراع الحقيبة بيدها ، ابتعدت كلارا من حافة البناية وعادت للخلف، ثم بدأت تركض نحو الحافة مجددًا، وخلفها فتح باب وقد ظهر منه رجال أمن يرتدون بدلاتٍ رسمية (( هذه هي... )) صاح رجلٌ آخر (( توقفي ستتأذين! ))، لكن كلارا لم تتوقف، لقد قفزت من أعلى البناية ورجال الأمن يشهقون، وفور أن اختفت من مجال رؤيتهم ركض الرجال ليروها تسقط، لكن لم يرو شيئًا، كان هنالك مجرد سياراتٍ تسير في الشارع.
ـ (( لا أعلم لما تحب رؤية الشرطي يعمل )) قالت كلارا وهي تضع حقيبتها على كرسي، (( أليس جميلًا كيف يتحمل هذا العمل طول النهار من أجل البلد؟)) قال الدب المحشو، كان قد قفز نحو الكرسي فور أن اقتربت الحقيبة منه، (( لا، شرطي المرور ممل جدًا، كما أنه لا يقوم بأي تضحية، انه يتقاضى المال لقاء عمله))، لم يبدوا كارلوس وكأنه اهتم بكلامها وواصل الكلام (( أتمنى أن ارتدي زي الشرطة يومًا))، لم ترد عليه كلارا هي الأخرى وذهبت لتلعب في الحديقة، أخرج كارلوس جريدة قديمة كانت الجريدة تعود لحوالي 19 سنة مضت، تتحدث عن رضيعة عثر عليها بجوار ارض خطيرة برفقة دبها المحشو، كان كارلوس قد وجد الجريدة مؤخرًا وأراد ان يفاجئ بها كلارا حتى تركته في المجاري قبل قليل، لقد انتظرها طويلًا، وحين حظرت أخبرته بأنها كانت تسرق الثوب الذي كانت تتمناه، لقد غضب كارلوس، كان بإمكانها اصطحابه فالمجاري مكان موحش قذر مملوء بالفئران التي تحب امتاع اسنانها بحشوته، كان كارلوس يقرأ الجريدة مرة أخيرة لكي يصنع نظريته الخاصة حين قاطعه أطفال مزعجون كانوا يسخرون من صاحب الدب الذي نسيه على الكرسي، توقف كارلوس عن الحركة فور أن رآهم لكي لا يثير فزعهم، افرغوا محتوى الحقيبة وهم يسخرون ويمسكون ما يوجد فيه، كانوا قد وجدوا ملابس كلارا الداخلية وقد بدأوا يصنعون النكات حولها، حين أمسك فتى بالجريدة من بين يدي الدب وأخذ يسخر منها، كاد كارلوس أن يفزعهم لولا ظهور كلارا، (( ما الذي تفعلونه أيها الأطفال الحمقى، أتركوا مقتنياتي فورًا وإلا...)) ركض الأطفال وهم يسخرون لكن الفتى الذي حمل الجريدة لم يتخلى عنها بعد، صرخ كارلوس (( أحضري تلك الجريدة من عنده بسرعة!))، في لمح البصر كانت كلارا تمسك بيدها اليمنى الجريدة، تميزت يدها بوشم دائرة، بقلب تلك الدائرة رمزٌ يشبه الدمعة المقلوبة، في الطرف المحدب من الدمعة كانت دائرة صغيرة تحت الدمعة، أما في الطرف الآخر من الدمعة كانت دائرة أصغر بداخلها، (( ما هذا؟)) سألت كلارا بملل، لكن فور أن فتحت طيات الجريدة تغيرت ملامحها، (( كارلوس، هل هذا ما أضنه؟)) قالت الفتاة بحماسة، أجابها الدب وقد كان يقف وقفة فخر ((نعم انه كذلك، سنجد أسرتك قريبًا))؛ لن تعلم شعور طفلة تضن أنها السبب في اختفائها عن والديها، لقد عاشت حياتها بأكملها في الميتم، تخبرها المسؤولات أنهم كانوا يجدونها في أماكن غريبة لا يمكنها الوصول إليها بمفردها، بل ضنوا أنها ممسوسة! لكنها باتت متيقنة أنها هي السبب، عندما كانت طفلة لم تكن تتحكم بقوتها، ليس بسهولة، كانت تستيقظ أحيانًا لتجد نفسها في أماكن لا تعرفها، لحسن حظها دبها المحشو كان يرعاها دائمًا، بالنسبة لكارلوس، لم تكن كلارا كصديقة فقط، بل كانت أهم أولوياته، لا يدري لماذا لكن ضميره يمنعه من السماح لها بأن تذرف دمعة، لا يعرف كارلوس من هو أو من أين أتى، لكن أول ما يذكره معانقته لكلارا حين كانت رضيعة، لا يعرف شيءً عن نفسه سوى أنه كان يحميها قبل أن يحدث شيء ما لهما، ربما فقدانها لأسرتها هو ما جعله لا يعلم من هو، أطلقت عليه كلارا اسم كارلوس حين كانت طفلة غير أن هذا لا يمد بصلة لاسمه ان اسمه الحقيقي على طرف لسانه دومًا لكنه لا يستطيع نطقه، شيء ما يمنعه.
قررت كلارا أن تعود للوطن، الأرض التي ذكرت في الجريدة كانت ممنوعة الدخول، أرض تعاني من اشعاعات نووية خطيرة، لكن لن يمنعها هي أو كارلوس شيء من التقدم، (( هل هذا هو المكان؟)) سألت الدب المحشو الذي كان يمسك بيده الهاتف ويتتبع موقعه فيه، (( نعم، لقد وصلنا))، كانت الأرض كالمقبرة، الكثير من العظام هناك، الاشعاعات في هذه المنطقة قوية جدًا لدرجة أن البقاء في هذا النطاق لنصف ساعة بدون حماية قد يعني الموت المحتوم، لكن كلارا ودبها متيقنان بأن لا شيء سيحدث لهما، لقد كانا هنا من قبل، عندما عقل كارلوس أول لحظة في حياته، وهو متأكد بأن هذه الرضيعة التي كانت معه قد بكت لساعات قبل أن ينقذها فريق خاص.
كانت الأرض عادية تمامًا غير أن لا عشب ينمو فيها ولا حيوان يسير عليها الا وفقد حياته، خطت الفتاة وكذلك دبها الذي قفز منذ قليل من الحقيبة وقرر السير بقدميه، فور أن دخلت في نطاق الاشعاعات شعرت بالطاقة والقوة، كذلك كارلوس، لم يشعر كارلوس بأنه بخير رغم ذلك، لقد كان يتألم، شعرت كلارا بذلك ((لست مضطرًا لـ...)) ((بلى أنا مضطر!)) قاطعها كارلوس بصوتٍ حازم، توغلوا في الأرض، مرت ساعة بالفعل ولم يحدث لهم شيء، لكن كارلوس استمر بالتألم، كانت أضلاعه وكأنما تحارب بعضها، حتى هو ضن أن الدببة المحشوة ليس لديها أضلاع؛ توغلوا كثيرًا في الأرض حتى وجدوا تلك الجوهرة الحمراء العملاقة، كانت تطفوا أعلى الأرض بـ 10 سنتيمترات، تلمست كلارا الجوهرة بيدها، لقد شعرت بشيء عظيم بداخلها، لم تكن جوهرة عادية بتاتًا، أما كارلوس فقد كان يعاني، كلما اقترب كان جسده وكأنما يرغب بأن ينفجر، لقد استشعر ان الحل في الجوهرة لذلك تظاهر بأنه بخير قبل أن يغمى عليه، استعملت كلارا قدرتها لتخرجه من تلك المنطقة، كان مستلقيا على العشب الأخضر يتنفس بصعوبة لقد استغرق وقتًا لدرجة أن كلارا بدأت تبكي كطفلة صغيرة، كانت تعد نفسها والدب المحشو أمامها -الدب المحشو المغمى عليه فلا يسمعها- تعده بأن لا تدخل المنطقة مجددًا وتخبره بأنه الأسرة الوحيدة لها، لكن الدب استيقظ فجأة، ((علينا العودة!)) كانت هذه أول جملة قالها فور أن فتحت عيناه، (( لا كارلوس، لن نفعل ذلك)) قالت وقد تحول لون أنفها الى الوردي وقد امتلأت عيونها بالدموع (( لا أريد أن افقدك))، وقف الدب بسرعة (( لا آنستي، يجب علينا أن نعود، والداك ينتظرانك!))، لم تدرك كلارا عما يتحدث الدب لكن لفظة آنستي لم تكن مألوفة، (( لكن أظن اننا نحتاج لاستعمال قدرتكِ، يبدوا أنكِ عن طريق الخطء انتقلتِ عبرها المرة السابقة لذا العودة ستكون عبرها))، نظرت كلارا إليه بصدمة ((المرة السابقة؟ العودة؟ كارلوس ماذا يحدث لك؟))، نظر اليها كارلوس، كان نفس الدب لكن رغم ذلك بدا غريبًا ((أنا اتذكر.... كما اتذكر أن اسمي هو سنو......))

مملكة بيربور - أرض العجائب الطافيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن