-لمحة-

1K 32 19
                                    

كرَصِيف محطة مهجورة !

ذات مرة قرأت هذه العبارة بالصدفة في قصة قصيرة من القصَص التي كنت أحِب قراءتها أحياناً في فترة المراهقة..و منذ تلكَ اللحظة و هي عالقة في عقلي..و كأنها وصف مثالي لروحٍ غارقة في وحل الضياع منذ الأزل..

لا تنفكّ عن التردّد في ذهني كلما عشت موقفاً صعباً جديداً و احتلني ذلكَ الشعور الأليم من الفراغ العميق.. ثم أجد نفسي أقف أمام المرآة ألقي نفس السؤال على نفسي..

لما أنا بالذات ؟ ألم يكن يمكنني أن أولد في هذا العالم لأكون مجرد إنسانة أخرى لا تختلف عن غيرها بأيّ شيء ! حتى و لو رأى بعض الناس الحمقى هذا الاختلاف ميزة..فأنا لطالما اعتبرته مثل القيد الذي يلتفّ حول رقبتي حائلاً بيني و بين حياة طبيعية!

عدم الإحساس الخُلقي بالألم ! هل سبق و أن سمعتم بداء بهذا الاسم ! إنه يشبه حالة غريبة يولد الإنسان بها منذ أول نظرة يمنحها للحياة..بحيث يكون عاجزاً تماماً عن الشعور بذرة واحِدة من ألم..

هل تستغربون ؟ أنا أقصدها حرفياً !

الآن..هل جربتم من قبل أن تضعوا أيديكم في مياه ساخنة فلا تشعرون بأيّ شيء إطلاقاً ؟ أن تقفزوا من السّلالم و تقعوا أرضاً لكنكم تقفون و كأن شيئاً لم يحدث..أن تغرسوا سكيناً في إحدى أيديكم ثم تكتفون بمراقبة الدماء تنساب بدون الشعور بها ؟! هل جربتم من قبل معنى أن يعيش الإنسان على...أطلال ألم !

أن تعيش على أطلال ألم ؟ يعني أنكَ ستشتهي الشعور بالألم في كل لحظة..ستتمنى بكل جوارحكٓ الحَية أن تختبر مفهوم الألم و لو لمرة واحدة..لأن الألم كان يبدو كشيءٍ غامض لي..شيءّ لم أشعر به طوال حياتي..و طبع الإنسان أن ينجذب إلى الأشياء الغامضة المجهولة!

حينما كنت صغيرة..كانت كل صديقاتي تحسِدنني على هذه..."النعمة"..كما وصفوها..لا أنكر بأنني في أحيانٍ قليلة كنت أتباهى بها كنعمة..لكنني في أعماقي..كنت دائمة الفضول نحو الألم..

فقضيت سنوات طفولتي الأولى أحاول البحث عن هذا الشعور بكل الطرق المُمكنة..أحياناً آذيت نفسي بوضع يدي على الغاز..طبعاً كانت تلكَ لحظات نادرة أستغفل فيها المربيات المكلفات بالاهتمام بي أو والداي اللذين لم يدخرا جهداً لحمايتي من كل ما قد يتركُ علامة على جسدي بما أنني لن أستطيع أن أحمي نفسِي بنفسي..

فأنى للإنسان أن يحمي نفسه من خطر مجهول بالنسبة إليه ؟

أوقعت نفسي من السلالم ذات مرة و أنا أسِير برفقة إحدى الخادمات المكلفات بالإعتناء بي..و الحقيقة أنها لم تقصّر للحظة..إنما أنا من تملصت منها فجأة متظاهرة بالركض الطبيعي إلى أن سقطت..

أذكر بعدها بأنني لم أستطع الوقوف مهما حَاولت..لقد كانت قدمي اليسرى شبه عاجزة عن الحركة..و رغم أنني لم أكن أشعر بأيّ شيءٍ فعلياً..لا ألم..لكن منظر والدي و هو يهرع إليّ ليحملني بجزع..و والدتي من خلفه تبكي بمرارة..لم يبارح ذهني يوماً..

كَرصِيف محطّة مهجورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن