-الفصل الأول-

631 27 23
                                    

هناكَ بعض القرارات..يلزمنا سنوات و سنوات لاتخاذها و لتنفيذها على أرض الواقع..لقد كان قرار الرفض أو التراجع آخر احتمال فكرت به..

كيف كان يمكنها أن ترفض صديق طفولتها و حُلمها القديم البريء بأمير ينقذها من شيءٍ وهمي ؟

هذا كان السؤال الذي طرأ في عقلها بداية..و الذي دائماً ما قادها نحوه مسيرة بغير إرادة منها..بقناعاتٍ بالية و صبر كاذب و...ضغوطات لا تحصٓى من والدها!

لكنها اكتشفت لاحقاً..بعد سنواتٍ من النضج الفكري.. بأن لفظ الأمير هذا لا وجود له على أرض الواقع..إنه مجرد اسم يطلق في الورق على شخصياتٍ خيالية.. كرجل يمسكُ بعصا و يلقي بتعويذة سِحرية تجعل العالم كله من حولها يبدو وردياً..

و كل رجل في حياتها..في عينيها أمير!

لكن هذا السّحر تداعى لاحقاً..و ارتطم قلبها الحالم ذاك قديماً بأرضية الواقع الصّلبة..و كم كان ارتطاماً قاسياً... مؤذياً و غير رحيم على الإطلاق!

لم تدرك قبل هذا اليوم..قبل هذه اللحظة بأنها كانت طوال السنوات السابقة..تنظر له على أنه مجرد...رجل فرضه والدها عليها! و لا..ليس بقوة العنف أو الإجبار.. بل بقوة الإستفزاز العاطفي و طَمس العقل و المنطق!

لطالما كان والدها بارعاً في الإقناع..بارعاً في استغلال كل ذرة عاطفة متواجدة في قلبها اتجاهه لـ..لإخضاعها لكل ما لا تريده !

ثم ماذا ؟ تنساق خلف طلباته كالمُسيرة إلى أن تقف في نهاية الطريق..تتساءل باستيعاب متأخر ساخر.. كيف انساقت مجدداً ؟ كيف انصاعت ؟!! كالمُغيبة تماماً!

و كأنها ما خلقت في هذه الحياة إلّا لتنفذ أوامر والدها..لتحقق أحلامه العتيقة التي كان يخبئها لأخته المتوفاة...عمتها بالمناسبة!

لم يكن والدها رجلاً سيئاً على الإطلاق..لم يكُن أبًا سيئاً..لم يؤذها يوماً..على الأقل جسدياً..و ربما لو كان قد تسبب لها في أيّ أذى نفسي بعناده و إصراره فغالباً بغير قصد منه!

لكنه كان مهووساً بذكرى أخته..توأمه..تفاصِيلها الصغيرة و حقيقة موتها التي قصَمت ظهره و طمست الكثير من قوته..و قد انتقل هوسه لاحِقاً إليها هي.. تحديداً..منذ أن حملها بين يديه لأول مرة..

و قرّر بأن اسمها سيكون......يوليا!

و كأنه قد رسم قدرها في عينيه في تلكٓ اللحظة..منذ أول نظرة منحها لها و قد رأى في عينيها فرصة جيدة لإحياء ذكرى أخته التي لم تمُت يوماً في قلبه من خلالها! لا يدركُ والدها غالباً..بأن تلكٓ الفكرة بحد ذاتها كانت...تدمرها من الداخل!

في كل مرة ناداها باسمها و عقله ممتلئ بذكرى أخته.. في كل مرة انزلقت الدموع من عينيه و هو يشهد إنجازاً جديداً لها و كأنه يحَقق عبرها كل أمنيات أخته.. في كل مرة ضمها و أغمض عينيه مستعيداً في ذهنه ملامح أخته..

كَرصِيف محطّة مهجورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن