-الفصل الرابع-

372 18 23
                                    

لقد عاش طوال حياته بمبدأ واحد..و هو ذلكٓ العدل الذي يحاوط أحكام القدر و يجعلنا مُسيرين لها كبيادق صغيرة تحركها أصابع خبيرة..لكنه اليوم فقط..لأول مرة يشعر بأن ذلكٓ الايمان قد بدأ يهتز بطريقة لم يحِبها في نفسه..

لأول مرة يشعر بأن الحياة ليست عادلة فعلًا..أو ربما.. هي لم تكُن عادلة في حقه فقط !

لقد أخذ التأكيد ! لقد أخذ التأكيد الحاسِم و الذي أثبت له بأن كلام تلكٓ الطبيبة و إلحاحِها السابق في مشاركته تلكٓ المعلومة كان في مٓحله تمامًا..

هي لم تكُن تكذب..هي لم تكُن تهذي..و تلكٓ الوثائق التي وضعتها في يده مشجعة إياه على اعتكاف الحقيقة بنفسِه عبر قراءتها..كانت حقيقية و صادقة!

" لقد كانت في حالة مزرية جدًا نائل..نظرت في عيناي بعد بضعة أيام من الحادث و أخبرتني بكل الحقيقة..باحٓت لي بكل التفاصيل و حتى بخوفها الذي دفعها لأن تخفي نصفها الأهم عنك..كانت خائفة من فكرة فقدانك..و أنا بطريقة أو بأخرى...أشفقت عليها!..لقد كانت أختي الوحٓيدة و كانت تعشقك.. كانت أمًّا مكسورة خسرت ابنتها الوحِيدة حديثًا..فلم يهن عليّ أن تخسر زوجها بعدها مباشرة..لم تهُن علي رؤيتها تعاني و تتعذب بذنبها و بحِبها نائل..لهذا فقط...وافقتها الرأي باستسلام..شجعتها على إخفاء ماهية الأمر الحقيقية خوفاً عليها من انهياراتٍ هي في غنى عنها..خوفاً عليها من خسارة تطبق على قلبها فتجرده من قدرته على العيش بعد..لقد خفت عليها بشدة و لقد لاحقت خوفي و انصعت له بأنانية.. أنا أعترف بهذا نائل..و لست نادمة عليه أبداً..لست نادمة على ذنب اقترفته خوفًا على أختي الوحيدة و حرصًا على سلامة قلبها..لكنني لم أكُن أعلم بأن ذلكٓ الذنب نفسه هو ما سيلتف حول رقبتها كحٓبل قاتل ليجردها من ماهية الحياة بعد و يحِيلها إلى مجرد امرأة هزيلة..فاقدة للأمل إلى درجة أن تتخذ قرارًا كبيراً كقتل نفسها ! لست نادمة يا نائل حتى و أنا أعلم بأنني كنت أحد الأسباب الوجيهة فيما آل إليه حالها..لست نادمة فقط لكوني كنت فاقدة للحِيلة حينها..فلم أستطع أن أرى صوابًا غيره..و شجعتها على فعل الصواب الذي رأيته من وجهة نظري ! "

كانت تلكٓ الكلمات الباكية و التي سمعها تنطق بلسان آخر فرد متبقي من عائلة زوجته الراحِلة تنخر في قلبه كسِهام عاتية لا تخطئ أهدافها أبدًا..لا يمكنها أن تخطئ أهدافها!

كيف يمكنها أن تخطئ أهدافها حينما يكون المعني بالأمر رجل فقد كل سبب كان يدفعه للحياة سابقًا.. قبل أن يكتشف ذات يوم كئيب بأن كل ذلكٓ الاسوء الذي عاشه..يوجد ما هو أسوء منه !

لقد كان يجلس في غرفة البهو المتواضعة..يستمع إليها بقلب ينزف ألمًا باردًا..ألمًا فات الأوان فعلًا على تحريره للعلن..حتى صوت شهقاتها الذي تلا اعترافاتها الناقصة تلك لم يكُن كافيًا ليبدّد نظرة قاسية..نظرة قدت من ألم بان في أعماق عينيه..

كَرصِيف محطّة مهجورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن