-الفصل السادس-

294 15 21
                                    

لقد كان أسوء موقف تعيشه على الإطلاق..هو حينما توقفت أمام تلكٓ البناية الفارهة إلى جانب والدها.. ذلكٓ الرجل الذي أعلن عن موافقته على قرارها صباح هذا اليوم..

و رغم ذلكٓ فقد كانت أمارات التردّد تبدو واضحة على ملامح والدها..ذلكٓ التردّد الذي كانت تشاركه به داخليًا..

لكنها رفضت أن تسمح له بأن يظهر في ملامحها أبدًا..فكانت طوال الدقائق التي استغرقها وصولهما إلى هنا..تنظر جانبًا متظاهرة بمراقبة حركة الطريق بشرود..

بينما هي في الحقيقة لم تكُن تميز أيّ شيءٍ باستثناء صوت خفقات قلبها المتداعية حزنًا و انكسارًا..لطالما انتابها ذلكٓ الشعور القميء بداخلها..شعور من...وحدة أليمة يصِر القدر على إغراقها في أعماقها أكثر..

في البداية دراسة أخيها الصغير آدم التي اضطر لأجلها إلى السفر إلى مدينة أخرى و اضطرت هي لأن تشجعه أكثر على السفر رغبة منها بأن تبعده عن كل تلكٓ الأجواء المتوترة في البيت و التي قد تنسف رغبة أيّ كان في مكانه بالدراسة..

و هي لا يمكن لها أن تتقبل فكرة كهذه إطلاقًا..فآدم لم يكن مجرد أخ صغير بالنسبة إليها..لقد كانت في أحيان ما تعامله و كأنه طفلها البار بها..و أنيسها الأفضل و الأعز في وحدتها..

كم تشتاق لعناقه..لابتسامته البشوشة..لصوته العذب و المُحمل بشجن الحب..كم تشتاق لصوت ضحكته الذي كان يشبه الوميض الذي يدب الحياة في بيتهم الصامت سابقًا...كم تشتاق إليه!

و حينما توقفت السيارة أخيرًا..أجفلت و هي ترفع يدها إلى وجهها مستوعبة في تلكٓ اللحظة المتأخرة بأن أفكارها تلكٓ كانت قد تحرّرت على شكل دموع سالت على وجهها الجميل..

و من الواضح جدًا..بأن والدها قد لاحظها!

لكنها أبت رغم ذلكٓ أن تسمح له برؤيتها مباشرة.. فرفعت يدها اليمنى تمسح بها أثر الدموع من عينيها في نفس الوقت الذي تمسكت الأخرى بالمقبض تدفع الباب مترجلة من السيارة بصمت..

انخفضت بعدها إلى السائق الشاب تمد له بعض الأوراق النقدية..قبل أن تدور حول السيارة تزامنًا مع نزول والدها و انطلاق صاحِبها بعيدًا..

لكنها لم تستطع أن تقطع خطوة جديدة بعد باتجاه ذلكٓ المبنى..فتجمدت مكانها و هي تطرق برأسها تزم فمها بقوة حينما استشعرت بعض الدموع الجديدة تحرق وجنتيها..

كانت تعلم..كانت تشعر بمراقبة والدها لها طوال الوقت..حتى في هذه اللحظة التي تردّد في أذنيها صوت أنفاسه الهادئة يثبت بأنه يشاركها دموعها.. فزمت فمها أكثر و هي تلتفت جانبًا..

لا تعلم كم من الوقت ستستغرقه بعد حتى تستطيع أن تنظر له مجددًا و...تودعه بتلكٓ القوة التي اتخذت بها هذا القرار !

ربما لم تكن لتستطيع أن تفعل أبدًا لو لم تسمع صوته يأتيها جانبها يحمل بحة واضحة..بحة حزن واضحة.. و نبرة استسلام!

كَرصِيف محطّة مهجورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن