5

138 13 33
                                    

تركتُ بالي و اهتمامي و تَفَاجُئِي و محبّتي و أكثرَ في الحافلة ، تركتُها عندَ اللّحظةِ التّي عُدتُ فيها ألفظُ اسمَ جاي ، جاي بارك.
يبدو اسمُه جذّاباً فعلاً بعدَ كلِّ هذه السّنواتِ التّي ما عدتُ أجاهرُ به فيها ، يبدو جذّاباً جدّاً آنَ يتزامنَ مع ابتساماتِه الطّريفةِ التّالية ، يبدو كإحياءِ الذّاكرة ، كاستعادةِ زمانٍ حلوٍ ماضٍ ، أشكرُه على عودتِه ، أشكرُه.
ارتديْتُ فستاناً أصفرَ اللّونِ متوسّطَ الطّولِ كانَ مُخفىً في خزانتي مُذِ ابتعتْه عن طريقِ الانترنت ، و لم يعرف أبي بوجودِ مثلِه بعد ، فقَدْ كانَ ليرميَه على الأكيدِ نتيجةً لشكلِه العصريِّ المُتحرِّر ، على حدِّ وصفِه طبعاً.
سرّحتُ شعري فيما بعدُ و أنهيتُ زينتي ، ثمَّ تسلّلتُ خارجَ البيتِ و وقفْتُ عندَ ناصيةِ الطّريقِ في انتظارِ سيّارةِ أُجرةٍ تُقِلُّني إلى الشّاطئ ، أبي ليس في البيتِ على العادة ، لا يعودُ قبلَ مغيبِ الشّمس ، و في النّهايةِ يأتي و يصفُ حياتي بالعشوائيّةِ و الخاطئة ، أبي لا يعرفُ عن حياتي هذه إلّا ما يراه ، و مع أنَّه لا يرى منها شيئاً ، لا يرى إلّا ما يريد.
تنهّدتُ مستاءةً و أنا أراقبُ الشّارعَ الخاوي ، ثمَّ تناولتُ هاتفي من حقيبةِ يدي و شغّلتُه ، الشّخصُ الذّي حدّثَني في وقتٍ سابقٍ من هذا اليومِ كانَ قَدْ عادَ و أرسلَ لي ، لكنّني في هذه المرّةِ عرفْتُ من يكون ، هذا السّيّدُ جاي ، فاسمُ المستخدمِ يطابقُ تاريخَ ميلادِ حضرتِه ، يا لها من صدفة!

'أما تزالين مصرّةً على الذّهابِ إلى الحفلة؟'

'لماذا لا ترافقُني؟ طلبتُ منكَ فيما سبقَ فلماذا ترفض؟'

'عرفتِني إذاً؟'

'لستُ غبيّةً سيّد جاي'

'قَد آتي إذاً في وقتٍ ما ، لا تتفاجئي بي'

'حسنٌ'

أنهيتُ المُحادثةَ عندَ هذه النّقطةِ النّاقصة ، ثمَّ أغلقْتُ هاتفي و بالتّزامُنِ مع إخفاءِ ابتسامتي ، كانَتْ حركتي هذه بمثابةِ انتقالٍ عجيبٍ ما بين عالمين اثنين ، أوّلُهما ظريفٌ لطيف ، و ثانيهما رماديٌّ مُزعِج ، ليسَتْ فيه سيّارةٌ حتّى.
مشيتُ قليلاً نحو الأمامِ علّي أجدُ شيئاً ، ثمَّ و ما إن احتلّني اليأس ، رحتُ أسيرُ في الطّريقِ إلى الشّاطئِ كيلا أتأخّر ، قَدْ أجدُ سيّارةً لو تابعتُ السّيرَ إلى الأمام ، و قَدْ أصادفُ حافلةً متوجّهةً إلى هناك أيضاً ، و قَدْ أصلُ سيراً دون أن أشعرَ أيضاً ، لا أحدَ يعلم

_"يا نوفا! نوفا ألا تسمعين!؟"

نداءٌ آخرُ اليومَ بهذا الاسم ، بل و مكرَّرٌ أيضاً ، ليسَ و على الأكيدِ أمراً مُبشِّراً.
استدرْتُ أعاينُ موقعَ النّداء ، و إذ بها إحدى الطّالباتِ في صفّي ، لم أذكر اسمَها بالضّبطِ و لكنّني أذكرُ أنَّها الثّالثةُ دراسيّاً في ترتيبِ طُلّابِ المدرسةِ و الأولى في الصّفّ ، نعم نعم تذكّرتُ ، تُدعَى ساشا ، أليس كذلك؟

يومٌ مُقمِر ~ بارك جايحيث تعيش القصص. اكتشف الآن