11

98 10 2
                                    

مرَّتْ بضعةُ أيّامٍ أُخرى ما شهدتُ فيها ما هو غريب ، كانَتْ طبيعيّةً في أحداثِها إلى حدٍّ مُضجرٍ مقيت ، حتّى أبي و ابنُ صديقِه ما عادا يتعرّضان لي ، كلٌّ مُنشغلٌ بخصوصيّاتِه.
كنتُ جالسةً في الصّفِّ أعدُّ حركاتِ العقاربِ في ساعةِ الجدارِ و أحاولُ صدَّ هراءِ مُدرّسةِ الفلسفةِ عن دماغي منعدمِ الطّاقة ، نحنُ على هذه الحالِ منذُ نصفِ ساعةٍ تقريباً ، هي تلغو دون انقطاعٍ و أنا أترقّبُ محينَ وقتِ الاستراحة ، لم أنم ليس لأنّني أحترمُها أو أحترمُ حصّتها معاذَ اللّٰه ، و إنّما لأنّني جائعةٌ جدّاً دون سبب ، و ها قَدِ استهلكَ الانتظارُ الآن كاملَ قوّتي.
تبقّى خمسَ عشرةَ دقيقةً الآن ، و أنا ما عُدْتُ أطيقُ صبراً ، لم أكن أفعلُ منذُ البدايةِ صراحةً ، غَيْرَ أنَّني لا أملكُ درباً آخر ، فأنا على العادةِ لم آخذ صندوقَ الطّعامِ الذّي أعدَّه أبي صباحَ اليوم ، أملكُ منه مالاً و حسب ، و لا يمكنُني شراءُ شيءٍ قبلَ انتهاءِ الحصّة ، أعنّي يا ربّ.
'أربعَ عشرةَ دقيقة'
تمتمتُ في داخلي أنقصُ من صبري ،
ثمَّ و بغتةً رحتُ أفكّرُ بطريقةٍ مُغايرةٍ شبهِ آملة ، ماذا لو كنتُ نسيتُ في حقيبتي من قبلُ ما يُؤكل؟ ماذا لو كانَ أبي قَدْ وضعَ شيئاً ما فيها؟
نظرتُ في قلبِها علّي أجدُ فيها شيئاً ما و على استحالةِ الأمر ، ثمَّ هبطتُ أرضاً و رُحتُ أفتّشُ فيها إضاعةً للوقتِ المُتبقّي ليس إلّا ، وقعَتْ يدي على دفترِ مذكّراتٍ فارغٍ اشتريتُه منذُ شهر ، و أعني بفارغٍ أنَّه مُمزَّقُ الأوراق ، فكلّما كتبتُ فيه كرهتُه و كرهتُ نفسي بعدَ برهة ، و ما لبثتُ أن مزّقتُ ما كتبت ، يا لي من مُزعِجة.
رميتُه جانباً ، و عدتُ أفتّشُ من جديدٍ بروحٍ يائسة ، و في لحظةٍ ما ، بلغتُ في بحثي شيئاً عجيباً ، بلغتُ قطعةَ حلوى مُغلَّفةً كنتُ قَدْ نسيتُ أنّني وضعتُها في حقيبتي من قبل.
سحبتُها إليَّ بسرعةٍ و جعلتُ أتفحّصُها بلهفة ، هذه القطعةُ التّي جاءَني بها السّيّدُ جاي يومَ التقينا في الحافلة ، الحلوى المُفضّلةُ لديّ ، و الثّابتةُ الأخيرةُ من طفولتي ، كلُّ ما سواها تغيّرَ و استُغرِبَ حتّى كدتُ لا أتعرّفُ إليه ، وصولاً إليّ ذاتي.
تناولتُها بحذرٍ و وضعتُها في حجري ، كانَتِ المدرّسةُ على حالِها ، ما تزالُ تقولُ كلاماً لا يفهمُه حتّى قائلُه ، و لا أحدَ يدري لماذا قالَه و عقّدَ بديهيّاتِ الحياةِ المُعقّدةِ أصلاً ، دعنا منهم الآن ، المُهِمُّ أن آكل ، هذا المُهِمّ.
انتظرتُ لوهلةٍ حتّى استدارَتْ و بدأَتْ تكتبُ الطّلاسمَ على السّبّورة ، ثمَّ و من فوري مزّقتُ غلافَ الحلوى و وضعتُ أُولى القطعِ في فمي ، بدأَتِ الحلاوةُ تذوبُ و تتغلغلُ في قلبي بدلاً من فمي ، يا إلهي ، الحلوى فعلاً تجلبُ السّعادة!
لكنَّها و مع الأسفِ لا تسدُّ الرّمق.
استدارَتِ المُدرّسةُ نحونا تختلقُ الاستغراقَ في شرحِ الدّرس ، لم تنظر نحوي على الإطلاق ، فأنا و هي لا نطيقُ بعضنا البعضَ منذُ بدايةِ العام ، و بلا سببٍ كذلك ، مجرّدُ مشاعرَ بدائيّةٍ كانَتْ ستتكاثفُ لو أنَّها اكتشفَتْ أنّني أخفي سمّاعاتي و أستمعُ للأغاني عندما أدّعي المرضَ للنّوم ، هي إمّا غبيّةٌ جدّاً أو أنّها تريدُ ألّا تتعاملَ معي بأيِّ ثمن ، أو ربّما الخياران معاً ، و هذا الأرجح.
انتظرْتُ قليلاً بعدُ كي تستديرَ مجدّداً ، ثمَّ وضعتُ بقيّةَ القطعِ في فمي دفعةً واحدة ، شعرتُ بجرعةٍ مفرطةٍ من السّعادةِ في تلك اللّحظةِ كادَتْ تطيرُ بي عالياً ، بَيدَ أنَّها ما استمرَّتْ لأكثرَ من ثلاثِ ثوانٍ ، إذ و في لحظةٍ مباغتةٍ التفتَتِ المُدرّسةُ و نظرَتْ نحوي ، كانَتْ تلكَ أوّلَ مرّةٍ تنظرُ فيها إليّ.. كم أنا محظوظة!

_"نوفا يوفيتش ، أكملي طعامَكِ في الخارج"

ابتلعتُ جوفي مصدومةً بفعلِ ما حصلَ في هذا الوقتِ القليل ، بدايةً بمصدرِ معلوماتِها الوثيقِ هذا ، و انتهاءً بقرارِها الغبيِّ الفريدِ من نوعه ، أتظنُّ أنَّها تعاقبُني بقرارِها أم أنَّها فعلاً لا تودُّ رؤيةَ وجهي؟
لا يُهِمّ ، المُهِمُّ أنّها أعطتني حريّتي من درسِها المقيتِ أخيراً ، حمداً للّٰه.
نهضتُ بهدوءٍ شديدٍ و غادرتُ أمام عينيها ، ربّما كانَتْ تنتظرُ أن أتأسّفَ و أعتذر ، لكنَّني لستُ آسفةً على الإطلاق ، فأنا ما أخطأتُ في حقِّ أحد ، هي الغبيّة.
أغلقتُ البابَ ورائي و توجّهتُ نحو النّوافذِ في الممرّ ، ما يزالُ عليَّ الانتظارُ ريثما يفتحون الأبوابَ في الأسفلِ كي أشتري الطّعام ، أعرفُ أنَّهم يغلقونها في وقتِ الدّروس ، فهذه ليسَتْ أوّلَ مرّةٍ أُطرَدُ فيها و أخرجُ في رحلةٍ سياحيّةٍ مجّانيّة ، هذه المُدرّسةُ ليسَتِ الوحيدةَ الحمقاءَ في المدرسة ، هنالك تشكيلةٌ واسعة.
نظرتُ نحو الفسحةِ الفارغةِ في الأسفلَ و تأمّلتُ شكلَها لبرهة ، ثمَّ نقلتُ نظري منها إلى الجهةِ اليُمنى من نوافذِ الممرّ ، و إذ بي ألحظُ شيئاً مريباً و صاعقاً في ذاتِ الآن ، ألحظُ رفيقَ سونيا الذّي سخرتُ منه فيما سبقَ يقفُ و ينظرُ نحوي مباشرةً ، يا إلهي.
تراجعتُ إلى خلفَ لئلّا ألتقي بناظريه مجدّداً ، و إذ به يتحرّكُ تدريجيّاً من أمامِ النّافذةِ و يتركُ في مكانِه خيالَ ابتسامةٍ صفراءَ مخيفة ، يبدو قادماً إلى هنا و يحملُ شيئاً من ضرٍّ في دربِه ، و قَدْ فاتَ أوانُ الهرب ، سيلحظُني أساساً أينما ارتحلت.
ماذا أفعل؟

.

.

.

🌃 يُتبَع 🌃

هوني هناا🥺🥺🖤🖤
كيف حاسين الوضع؟ عندكم أي ملاحظات؟🥺🥺
كنت عم اعمل شي بالذكاء الاصطناعي لنتخيل الأبطال بكل رواية.. فشو رأيكم نتشارك الخيالات سوا؟
مو مهم لهالدرجة بس حبيت خبركم🌚
المهم فعلاً إنو بغض النظر عن كل شي صار و عم يصير ، بتمنى لكم كل نفع و كل سعادة ، بتمنى تكونوا بألف خير و ما تقلقوا من أي شي لأنكم فعلاً ما بتستاهلوا إلا كل شي حلو مثلكم ، و بتستاهلوا النجاح دايماً حتى لو قابلتوا الفشل بالبداية ، أنا واثقة فيكم🥺🥺
أحكببمممم🥺😭😭🖤🖤🖤

يومٌ مُقمِر ~ بارك جايحيث تعيش القصص. اكتشف الآن