يا ربّي ، صباحٌ جديدٌ و يومٌ جديدٌ و إرهاقٌ أكثر ، تتركُ أشعّةُ الشّمسِ في كلِّ صباحٍ غيمةً سوداءَ خانقةً تطبقُ على صدري و قلبي معاً ، فهي إعلانُ بدايةِ نسخةٍ جديدةٍ من يومِ البارحةِ الذّي ما صدّقْتُ كيف برح ، و الذّي لا أدركُ كيف يبرح ، عساه هذا يأخذُني في دربِه ، عساه يفعل.
جلسْتُ في السّريرِ ككلِّ يومٍ بضعةَ دقائق أقنعُ نفسي بالنّهوض ، و أقنعُها بأنَّ هذه الحياةَ المقيتةَ ستتغيّرُ عاجلاً أو آجلاً ، و سوف تصبحُ كأحداثِ المسلسلاتِ أو الرّواياتِ في الانترنت ، يجبُ عليَّ الانتظارُ قليلاً بعدُ ليحدث ، قليلاً بعد.
قرأتُ منذُ فترةٍ أوّلَ خمسِ صفحاتٍ من روايةٍ في مكتبةِ أبي ، تُدعَى ”كافكا على الشّاطئ“ للرّوائيِّ اليابانيِّ هاروكي موراكامي ، لكنَّني لم أكملها ، فأبي قالَ أنَّها لا تناسبُ عمري و أنَّها للبالغين فقط ، مع الأسفِ أبي يحسبُ أنَّني لا أزالُ أشاهدُ دورا و أقتنعُ بسخافاتِها ، لا يعرفُ أنَّني أضعُ ما أريدُ تحتَ يدي في أيّةِ لحظةٍ بلمسةٍ واحدةٍ لشاشةِ الجوّال ، مسكين.
المهمُّ الآن ، تتحدّثُ هذه الرّوايةُ على ما أظنُّ عن مراهقٍ يهربُ من أسوارِ أبيه ، و أنا أشكُّ في أنَّ هذا ما لا يناسبُ عمري في رأسِ أبي ، يخشى أن أقلّدَ بطلَ الرّوايةِ و أفرَّ هاربةً من حكمِه الغليظِ الأعمى ، و أنا أهوى إحقاقَ ما يخشاه ، أهوى المخاطرةَ يا ناس!
لا أدري لو كنتُ سأحقّقُ هذه الخططَ في القريبِ العاجلِ كما فعلَ ذلك الفتى ، فأنا دائماً ما أؤجّلُ و أؤجّلُ و ينتهي بي الأمرُ باكيةً بعدَ منتصفِ اللّيل ، لكنَّني سأحاولُ بكلِّ استطاعتي ، أعدُ نفسي.
تجهّزْتُ أخيراً للذّهابِ إلى المدرسة ، و نزلتُ الدّرجَ إلى صالةِ البيتِ الكبيرةِ حيث يستقبلُ أبي ضيوفَه في العادة ، ثمَّ مشيتُ إلى المطبخِ أتبخترُ غيرَ آبهةٍ بالوقت ، تناولْتُ من فوقِ الطّاولةِ تفّاحةً و ظرفَ المصروفِ الذّي يضعُه أبي دائماً قبلما يغادرُ إلى عملِه ، و تركتُ كالعادةِ صندوقَ الغداءِ الفاشلِ الذّي يصرُّ كذلك على صنعِه كلَّ يوم ، لا أدري لماذا يخالُ أنَّني سآخذُه معي في يومٍ من الأيّامِ و هو يضعُ المالَ لي ، لا يستطيعُ تغييرَ حتّى أسخفِ عاداتِه ، إلهي!
أنهيتُ كلَّ مهامي الصّباحيّةِ عندَ هذه النّقطة ، و حانَ موعدُ التّوجُّهِ إلى المدرسةِ النّموذجيّةِ المُقرِفة ، يُقالُ أنَّ هذه المدرسةَ لا تحوي إلّا أبناءَ أهمِّ الشّخصيّاتِ و أكثرِها ثقافةً في البلاد ، و أقولُ أنَّ هؤلاءِ الشّخصيّاتِ يُفضَّلُ أن يتركوا أبناءَهم في حظيرةِ حيوانات ، هناك لا أحدَ يخرجُ عن القواعد ، و يربّونهم على هذا الأساس ، امشِ بحسبِ المُخطّطِ لكَ من قبلِنا و سنكونُ نحنُ و المجتمعُ راضين عنكَ ، يا له من هدف.
أوصدْتُ بابَ البيتِ و توجّهتُ نحو موقفِ الحافلةِ حيثُ سأنتظرُ ريثما تصلُ الملعونة ، لمحتُ شخصاً مألوفاً في أثناءِ الانتظارِ يقفُ في الطّرفِ الآخرِ من الموقف ، لكنَّه لم يلمحني ، إذ لم يقم نظرَه من على هاتفِه على الإطلاق ، لا يُهِمّ.
وصلَتِ الحافلةُ بعدَ وقتٍ قصيرٍ و اندفعتُ نحوَها ، اشتريتُ بطاقةً لي عندَ البوّابةِ ثمَّ دخلتُ و توجَّهتُ إلى إحدى المقاعدِ بغيرِ أن أنظرَ إلى أحد.
جلستُ بقربِ النّافذةِ على العادةِ و وضعتُ حقيبتي في حجري ، هذا الوقتُ من النّهارِ يكادُ يكونُ أفضلَه ، فهو وقتُ الصّفاءِ الوحيدُ تقريباً من بينِ كلِّ ساعاتِ يومي ، أستثني حصّةَ اللّغةِ الإنجليزيّةِ التّي أغفو فيها طبعاً.
سمعتُ حركةً في قربي من ثمَّ ، بَيْدَ أنَّني ما أعطيتُ أذناً صاغية ، فهذا على الأكيدِ راكبٌ سيجاورُني مجلساً ، و أنا أكرهُ راكبي هذه الحافلة ، أكرهُهم جميعاً.
استخرجْتُ هاتفي و سمّاعاتي من الحقيبةِ و وضعتُهما فوقَها ريثما وضّبتُ الكتبَ على نحوٍ جيّد ، أخطّطُ لأن أستمعَ اليومَ ريثما أقرأ روايةً ما إلى أغاني أوليفيا ، أُحِبُّ هذه المغنيّةَ كثيراً ، ستعدّلُ من مزاجي قبلما أصلُ إلى مقبرةِ الأحلامِ تلك على الأكيد ، لا أريدُ ارتكابَ ذنبٍ جديدٍ بسببِ حالي النّفسيّةِ المُحطّمة ، يكفي ما فعلتُ خلالَ هذا العام_"أهذا Juice Wrld؟"
سمعتُ السّؤالَ يتردّدُ في رأسي على حينِ غرّةٍ و قبلما وضعتُ السّمّاعات ، و رأيتُ أصابعَ تشيرُ إلى صورةِ مُغنّي الراب المطبوعةِ على ظهرِ حافظةِ هاتفي الجوّال.
تثلّجَ جسدي ها هنا و توقَّفَتْ تحرُّكاتُه ، استغرقَ استيعابُ ما حدثَ من وقتي كثيراً حتّى تمّ ، ذلك لأنّني ما قابلْتُ في المنطقةِ كلِّها شخصاً يعرفُ صاحبَ الصّورةِ و يسألُني في أمرِه ، ليس لأنَّه غيرُ معروف ، فهو مشهورٌ جدّاً و في كلِّ أصقاعِ الأرضِ أيضاً ، لكنَّ حظّي هو السّيّء.
رفعتُ طَرْفِي إلى وجهِ مُحدّثي شيئاً فشيئاً ، و إذ به وجهٌ أبيضُ متخفٍّ نصفُه وراءَ قناعٍ قماشيٍّ واقٍ و بعضُه بخصلِ شعرٍ أسودَ متوسّطِ الطّول ، و الأهمُّ من كلِّ هذا أنَّه ذو هالةٍ لم تستطع بدعُ التّخفّي هذه إنقاصَ سحرِها ، أكادُ أقسمُ بأنَّ وجهَه مثاليُّ الملامحِ حتّى دون رؤيةِ معظمِ هذه الملامح.._"آسف ، لم أقصدِ التّدخّلَ في شؤونكِ ، كلُّ الأمرِ أنَّني أتحمّسُ عند رؤيةِ شخصٍ بذاتِ الاهتمامات"
_"أتفهّمك ، لا ضرورةَ للاعتذارِ فأنا لم أنزعج ، كلُّ ما حدثَ أنّني تفاجأتُ و تحمّستُ كمثلك"
رأيتُ في عينيه الابتسامةَ و أكملتُ تخيُّلَها في عقلي ، ثمَّ جاريتُه فيها و أنا بكاملِ سعادتي ، يبدو أنَّني أُعجِبْتُ به في جانبٍ منّي ، غَيْرَ أنَّني غيرُ مهتمّةٍ بهذا الجانبِ على الإطلاق ، فهو سيضمرُ بمرورِ أيّامٍ و سوف أنسى أنَّه وُجِد ، هذه العادة.
وضعتُ السّمّاعاتِ و ذهبَ اهتمامُ كلٍّ منّا في سبيلِه ، في هاتفِه بمعنىً أدقّ ، رأيتُ مجموعةَ رسائلَ من حسابٍ يبدو وهميّاً في إحدى المواقع ، فقرّرتُ رؤيتَها سريعاً و العودةَ إلى الرّوايةِ التّي أريدُ قراءتها ، لكنّني و ما إن عملَ الموقعُ شردتُ حائرةً أحدّقُ في الكلماتِ و الأرقامِ الظّاهرة.. ما هذا!؟'20402'
"أريدُ رؤيتَكِ ، استديري"ازدردْتُ ريقي مرتابة ، لا أدري لماذا شككتُ في أبي أوّلَ النّاس ، و كدتُ فوق ذلك أسمعُ محاضرتَه عن الجلوسِ و تبادلِ الأحاديثِ مع الغرباءِ خاصّةً الشّبّان و دون أن أتأكّدَ حتّى من وجوده..
التفتُّ إلى خلف بسرّيّةٍ أهمُّ بكشفِ من ينظرُ في ناحيتي ، لكنَّ أحداً لم يكن متفرّغاً لي ، الجميعُ كالجميلِ إلى قربي منشغلون بهواتفهم ، فمن صاحبُ الرّسالةِ و ماذا يريدُ منّي إذاً؟.
.
.
🌃 يُتبَع 🌃
هوني هناا 🥺🤫🖤🖤
و تقدّم بالغ اعتذاراتها لكم على تأخرها و قلة اهتمامها بالقصة😭😭
أتمنى لكم ليلة سعيدة و يوم مريح بكرا ، بتمنى تصادفوا شي يسعدكم و يساعدكم تكملوا الأسبوع على خير ، و اتذكروا ، الامتحانات رح تمضي ، و رح تكونوا قربتوا من تحقيق حلمكم أكتر و أكتر ، كونوا واثقين و ادعوا بس🥺🥺🖤
أحبكمممم😭😭😭🖤🖤🖤✨

أنت تقرأ
يومٌ مُقمِر ~ بارك جاي
أدب الهواةالقمرُ و المطرُ و أنت~ شابّةٌ ترغبُ في متابعةِ النّجوم ، و قمرٌ ساطعٌ يتابعُ تحرّكاتِها.. كيف سيسيرُ هذا اليومُ و القمرُ يعنونُ أحداثه؟ 🌌 Jay ~ 💫 🌌 Nova ~ 💫 _قصّةٌ بسيطةٌ متواضعة ، أرجو أن تنالَ إعجابكم!💫 _Cover made by our precious taeon✨✨ @Ju...