14

86 10 45
                                    

نمتُ في الحصّةِ التّاليةِ بمعدةٍ مُمتلِئةٍ و رأسٍ مُرتاحةٍ خاوية ، ليس لديَّ ما أخشى أو أخافُ في هذه اللّحظة ، بل لديَّ اطمئنانٌ عجيبٌ لا قدرةَ لي على زعزعتِه أو تغييرِ شكلِه ، ثابتٌ راسخٌ مهما قلتُ له من كلام.
لا يتأثّرُ حتّى لو قلتُ ما أقولُه في العادةِ لنفسي ، أعني جملةَ أنَّ كلَّ هذا الارتياحِ على أيّةِ حالٍ و كيفما كانَ وضعُه ، سينهارُ بنفسه و دون معونةٍ في غضونِ وقتٍ قصير ، فهكذا حظّي مُذْ وُلِدت.
أيُعقَلُ أنَّ هذا اليومَ مميّزٌ إذاً؟
تنهّدتُ بغيرِ سبب ، ثمَّ رفعتُ رأسي من فوقِ الطّاولةِ و رحتُ أوزّعُ نظراتٍ متفرّقةً على المقاعدِ و الطُّلّاب ، الجميعُ يتناقلُ في السّاحةِ مترقّباً هبوطَ مكنسةِ السّاحرةِ القادمةِ بها.. عفواً ، أعني قدومَ المُدرّسةِ القادمةِ إلى صفّنا المُحترَم ، أعتذر ، اختلطَتْ عليَّ الأمورُ قليلاً.
مرَّتْ هنيهةٌ على هذه الحال ، نهضْتُ من بعدِها بهدوءٍ و توجّهتُ نحو بابِ الصّفّ ، رأيتُ طلّاباً عديدين يجوبون الممرَّ في وقتِ تبادلِ الحصصِ الدّائرِ و على الرَّغمِ من أنَّ هذا يزعجُ المُوجّهين ، كما رأيتُ مُعلّمين يروحون و يأتون و يصرخون كالمجانين بين حشودِ المتململين ، و في لحظةٍ ما و في قلبِ كلِّ هذه الضّجّة ، لمحتُ جاي قادماً نحوي.
ابتسمتُ ببلاهةٍ تداركتُها آنما وصل ، و رحتُ أتجهّزُ لملاقاةِ تجهّمِه بواحدٍ مُشابِه ، ما خطبه الآن؟ ألم يكن أفضلَ منذُ وقت؟

_"تعالي معي نوفا ، نحنُ مطلوبان لمكتبِ الإدارةِ حالاً"

_"نحن؟ لماذا؟ ماذا فعلنا؟"

رفعَ كتفيه يعربُ عن جهلِه ، ثمَّ أشارَ لي بيدِه كي أرافقَه ، و فعلت.
لا أعلمُ ما قَدْ تكونُ تهمةُ الإدارةِ لنا نحنُ الاثنان معاً ، فنحنُ ما اشتركنا في شيءٍ على الإطلاقِ يخصُّ المدرسةَ أو ما فيها ، ما اشتركنا فيما عدا الطّعام منذ قليل.. يا إلهي أيُعقَلُ أنَّ أحداً اشتكانا للإدارة؟
لماذا قَدْ يحدثُ هذا؟ لماذا قَدْ يُتعِبُ أيٌّ كانَ نفسَه فقط كي يفسدَ نهارنا؟
يفعلون هذا في العادةِ نعم ، لمجرّدِ أنَّهم يفعلون ، مجموعةُ أغبياءَ يحسبون النّظمَ تُخالَفُ على حسابِ أرواحِهم ، و لكن لم يبلغوا هذا الحدّ من الأذيّةِ قبلاً ، لم يشتكِ أحدٌ للإدارةِ تصرّفاً بسيطاً كذا!
تلفّتُّ قليلاً و نحنُ ننزلُ درجَ المدرسةِ الرّئيسَ العريض ، الصّاعدُ و الهابطُ ينظرُ إلينا ، ربّما لأنّ شكلي غريب ، و ربّما لأنّ..
أعلمُ أنَّ هذا الكلامَ سخيفٌ جدّاً نسبةً لما يحدثُ في الوقتِ الرّاهنِ و لغيره من الأحداثِ و الأفكار ، لكنّه شعوري..
شعوري يجعلُني.. يجعلُني فخورةً فجأةً و دون سبب..
مرافقةُ جاي تجعلُني.. تجعلُني سعيدة!
يجبُ أن أتجاوزَ تفكيري السّخيفَ هذا! ما هذا الذّي أقولُه!؟
وصلنا في وقتٍ قصيرٍ إلى طابقِ المدرسةِ الأرضيّ ، و جلنا فيه قليلاً قبلما اهتدينا إلى مكتبِ الإدارة ، أنا لم أزره من قبلُ و جاي طالبٌ جديد ، هذا منطقيٌّ إلى حدٍّ ما.
توقّفَ جاي قبل بابِ المكتبِ بقليل ، و قطعَ طريقي بذراعِه من ثمَّ ، استغربتُ فعلته قليلاً ، فرحتُ أحدّقُ في وجهِه غريبِ التّجمّدِ أبحثُ فيه عن السّبب ، لماذا يخيفُه أمرُ الإدارةِ إلى هذا الحدّ؟ أيعرفُ شيئاً

يومٌ مُقمِر ~ بارك جايحيث تعيش القصص. اكتشف الآن