7

113 12 28
                                    

تراءَتْ لي سيّارةُ أبي القادمةُ على أشكالٍ عدّة ، فتارةً تشبّهَتْ بسيّاراتِ الموتِ في الأفلام ، و تارةً قُلِبَتْ إلى وحشٍ يجري نحوي بسرعةٍ خياليّةٍ و سوف يفتكُ بي في أيّةِ لحظة ، و تارةً عادَتْ إلى شكلِها الوحيدِ الأوّل ، السّيّارةِ التّي رافقتُ فيها أُمّي لآخرِ مرّة ، و عدتُ فيها إلى البيتِ بدونها..
تراجعتُ نحو الخلفِ خطوةً أبحثُ عن طريقٍ للهرب ، راحَتِ الأفكارُ تتوافدُ إلى رأسي مُذْ فعلتُ حتّى كادَتْ تصيبُني بالدّوّار ، أفكارٌ حولَ جاي و الكلابِ و العضّاتِ و الفستانِ و شعري و التّوبيخِ و العقابِ و خططي و المدرسةِ و كلِّ ما يمكنُ التّفكيرُ فيه.. تدمّرَ العالمُ المبنيُّ في عقلي و الذّي كانَ يعينُني على احتمالِ الحقيقيِّ طوالَ هذا الوقت ، و بفعلِ التّفكيرِ فيما سيحدثُ و حسب ، فما الذّي سيحدثُ آنَ يحتالُ هذا الدّمارُ.. واقعاً!؟
و في لحظةٍ مُعيّنةٍ أدركت ، لقَدْ فاتَ ميعادُ اتّخاذِ القرارِ منذُ وقتٍ مهما بلغَتْ أهميّةُ ما أفكّرُ فيه ، و قَدْ غفلتُ عن كافّةِ أشكالِ الحركاتِ في خلالِ هذا الوقتِ حتّى تجمّدتُ تماماً ، ما عادَتْ لي أيّةُ سطوةٍ على جسدي ، أقفُ كالبلهاء أمامَ مصيرٍ قادمٍ يقطّعُ آمالي بقدرِ ما تقطعُ السّيّارةُ من مسافةٍ إليّ.. أرجو اللّٰه خيراً.. خيراً و حسب..

_"هيّا تعالي"

أشارَ لي جاي برأسِه يدعوني للتّقدّمِ من الشّارعِ قليلاً بعد ، أردتُ لو أشتمُه بأعلى ما لديَّ من صوت ، غيرَ أنَّ صوتي ظلَّ مُحشرجاً في حقلي ، لا يخرجُ و لا يعودُ من حيث أتى.
توقّفَتِ السّيّارةُ أمامنا أخيراً ، و بدا فيها أبي واضحاً و هو يرمقُني من أعلى رأسي حتّى أخمصِ قدميّ ، ازدردْتُ ريقي خفيةً لئلّا يلحظَ حقيقةَ ما يدورُ في رأسي ، ثمَّ و مُسرِعةً استبقتُ جاي الخائنَ الجلوسَ في مقاعدِ السّيّارةِ الخلفيّة ، خلتُه يهدفُ إلى الدّفعِ بي للجلوسِ إلى جانبِ أبي ، لذلك استعجلتُ ردَّ الفعلِ و قلبتُ الأدوارَ و الأماكن ، هذا ليس وقتَ سماعِ المحاضراتِ عن قرب ، في رأسي ما يكفيه.
وقفَ جاي لوهلةٍ في الشّارعِ يبادلُ أبي إيماءاتٍ ساكنة ، ثمَّ صعدَ إلى قربِه يستكملُ المسرحيّةَ الصّامتةَ بمشاهدَ مُضمّنةِ الأهداف ما انتهَتْ حتّى انطلقَتِ السّيّارة ، هنا سكنَ كلُّ شيءٍ إلّا العيون ، ظلَّ صخبُها يصدحُ فيما بيننا.
عيوني تهربُ ذاتَ اليمينِ و ذاتَ الشّمال ، من المرايا إلى النّافذةِ و منها إلى المرايا مُجدّداً ، تلاقَتْ أعينُنا في تلك المرايا مرّاتٍ عدّة ، غَيْرَ أنَّ عدوّيَّ ما تراجعا عن سلوكهما ، ظلّا يتناوبان في استراقِ النّظرِ إليّ بوساطةِ المرآةِ الدّاخليّةِ طوال الطّريق ، ثمَّ و في غضونِ وقتٍ قصيرٍ لمحتُ إشاراتٍ يدويّةً تخترقُ الجمودَ في الفاصلِ بينهما ، كما لحظتُ كوننا اقتربنا من البيت ، من سيتشجّعُ من بينهما يا ترى و سيتحمّلُ نتائجَ غضبي و توتّري طوالَ الفترةِ الماضية؟

يومٌ مُقمِر ~ بارك جايحيث تعيش القصص. اكتشف الآن