9

131 13 12
                                    

استعدتُ في رأسي قبلَ دخولِ المطبخِ عشرين أسلوباً يمكّنُني من ردِّ اعتباري أمام السّيّدِ المُتظاهرِ جاي ، كلُّها أسوأ من بعضِها البعض ، و كلُّها أقلُّ أدباً ممّا يرتئي أبي العظيمُ لي ، أمّا بدءُ استخدامِها فسيُحدَّدُ بوساطةِ أوّلِ عبارةٍ أو أوّلِ تصرّفٍ يقدمُ عليه هو ، أنا في الانتظارِ يا سيّد جاي.
كلُّ تلك كانَتْ أفكاري قبلما وطئتُ عتبةَ المطبخ ، أمّا في لحظةِ دخلتُ فعلاً ، سكنتُ تماماً و رحتُ أتلفّتُّ مصدومةً ما بين الأغراضِ و البشر ، كانَ هنالك اثنان عجيبان فقط في داخلِ الغرفة ، جاي الذّي يرتّبُ صحونَ المائدة ، و أبي _أكثرَ النّاسِ عجباً في هذه اللّحظةِ_ يقفُ أمامَ حوضِ المطبخِ و يغسلُ الصّحون ، اقتربتُ قليلاً ، و إذ بي ألحظُ رداءَ الغسيلِ ملتفّاً حولَ جسدِه.
استفزَّ مظهرُه حسَّ السّخريةِ لديَّ إلى حدٍّ كبير ، لكنَّني قمعتُه لوهلةٍ و ظللتُ ساكتة ، فطاقتي لا تسمحُ باقتسامِها على مهمّتين ، لديَّ ما هو أهمُّ و أمتعُ الآن أنشغلُ به.
حرّكَ جاي واحداً من الكراسي حولَ طاولةِ المطبخ ، و تحرّكَ في اتّجاهِ أبي دون أن ينظرَ نحوي ، كانَ يسألُني أن أجلسَ بجفاءٍ غبيٍّ غريب ، و قَدْ فهمتُ مقصدَه منذُ الوهلةِ الأُولى ، بَيدَ أنَّه قَدْ تعارضَ مع خططي ، لذلك اصطنعتُ البلاهةَ و بقيتُ واقفةً في مكاني ، بلا أيّةِ كلمةٍ أو حركة.
خطرَ لي أن أعودَ إلى غرفتي و أستكملَ نومي ، الذّي على ذكرِه امتدَّ منذُ السّاعةِ الرّابعةِ مساءَ أمسٍ حتّى السّادسةِ في هذا الصّباح ، مدّةٌ طويلةٌ أنا أكسلُ حتّى من أن أحسبَها بالسّاعات ، غيرَ أنَّها أقلُّ من أن تحولَ دون أن أنفّذ ، فأنا سوف أفعلُ عاجزةً عمّا هو مُغاير ، و لكن في اللّحظةِ المناسبة ، لم أردَّ اعتباري بعد

_"أنتِ هنا نوفا؟ صباحُ الخير"

خاطبَني أبي فجأةً ، لم أدرك كيف لم يشعر بقدومي إلى هنا منذُ البداية ، كما لم أحسن إدراكَ المناسبةِ التّي جعلته يفعلُ الآن ، كانَ عالمُ الفلكِ طوالَ الوقتِ مُنهمكاً بغسلِ الصّحونِ و لم يتغيّر نشاطُه في أيّةِ لحظة ، فما سرُّه؟ و ما سرُّ هذه اللّطافةِ المُباغتة؟

_"صباحُ الخير"

تمتمتُ بصوتٍ مخنوقٍ و جلستُ حيثُ طلبَ جاي أن أفعلَ منذُ قليل ، جلستُ مستسلمةً مُسلِّمةً كالعادة ، أراقبُ و حسبُ كيف يصنعان الفطورَ بنشاطٍ عالٍ ، يبدوان مضحكين ، حتّى و نسبةُ الفوضى التّي يفتعلانها تكادُ لا تُقارَنُ بفوضى ربّةِ المنزلِ الهوجاء

_"سأوصلُكما بسيّارتي اليوم ، لا عبثَ مع الكلاب"

همهمتُ له أنهي الحديث ، و انتظرتُ ساكنةً أن أنهيا و جاءا بالطّعامِ إلى المائدة ، أعدّا أصنافاً كثيرةً إلى جانبِ الشّاي و الخضراواتِ المُقطّعة ، من الجبنِ و الزّبدةِ إلى البيضِ المقليِّ و المسلوقِ و اللّحمِ و الخبزِ و المُحمَّص ، و ربّما أصنافٌ أُخرى لم أنتبه لها أيضاً ، بدا أوّلُ فطورٍ لي منذُ سنواتٍ عجيباً جدّاً ، و قَدْ بدأَ ينالُ من شكلِ كآبتي و يغيّرُ عاداتِ شهيّتي عند الصّباح

يومٌ مُقمِر ~ بارك جايحيث تعيش القصص. اكتشف الآن