الفصل الرابع عشر

89 8 0
                                    

جلس على مََقْعَد المكتب في منزله ممدداً قدميه أمامه على سطح المكتب بعدما أخذ سيجار من علبته وأشعله بشرهه وأخذ نفسًا تلو الأخر...
ثم تنهد وهو ينفث بسيجارته في الهواء وتلوح أمامه مشاهد انهيارها وصدمتها بزوجها لا يعرف ما الذي سيفعله بعد ذلك؟ أ ينساها؟ ...ألا يفكر بها؟ ولكن لا يقدر على محو أثرها من قلبه وعقله فقد شغلته بطريقة جعلته هو يستغرب يرغبها أكثر بعدما حدث اليوم بينهما حتى بعد أن عرفت بأن زوجها خدعها رفضت أن تستسلم له، قام من مقعده ووقف أمام شرفته يتطلع في الفراغ، حتى ترك سيجاره وتقدم من هاتفه ونقر حتى اتصل بمساعده وقال :
"البيه ياسر ضحك عليك وفهمك أن الدنيا تمام."

نظر لساعته وهو يفرك عينه وقال بنعاس:
"تميم أيه الحصل؟"

سار حول مكتبه وهو يتابع:
"بكرة أول حاجه تعملها تجيب لي ياسر ده على مكتبي وتيجي."

ابتلع ريقه وقد اعتدل في جلسته وقال:
"متقلقش يا تميم أنا لسه مكملتش الفلوس ليه ولا حتى رقينه ولا سافر ولا عمل أي حاجه كل الأنت عايزه ها يحصل."

أغلق هاتفه ووضعه بإهمال وقال بحده:
"هي الأنا عايزاه مش عايز غيرها... ها اخليه يطلقها يعني ها يطلقها."

حتى خرج من غرفة مكتبه متجهًا لحمام السباحه الملحق بالحديقة الخارجيه لمنزله وحل أزارر قميصه ليلقي بنفسه في الماء... لعلا يطفئ زوبعة فكره تلك...
.....................................................................
دلف إلى الشِّقَّة بخطوات متثاقلة فجرًا، وفتح 'ياسر' باب شقته وانقبضت عضلات وجهه بعدما رأى حالتها وتقدم بثقل شديد، ابتلع ريقه حينما رأها تجلس على المَقْعَد، وتقدم منها ليجد عيناها متورمة من كثرة البكاء ويحيط بهم اللون الأسود للكحل الذي فسد وحمرة شفتاها الممسوحة ولطخت ما يجاور فمها. زادت ضربات قلبه وأحس به يسقط من الهوية ريثما وجد أسدالها ممزق بجانبها لقد حدث ما لا يحمد عقباه حدث ما أراده تم باعها وباع شرفه ومروءته معها تخلى عن دمائه الحارة وعن ما يثبت بأن رجل له كرامة...
قامت ووقفت قُبالَتَه بوجه جامد لا يشبه أي ملمح من ملامح الحياة وجاهدت لتنطق حرف واحد فقالت:
"ليه؟"

بكلمة واحدة وسؤال مقتضب لخصت كل شيء...صمت وهو يطلع نحوها ...صمت ولُجم لسانه...وكأن أحد يكمم فاه...
فأكملت هي بنفس الطريقة مكررة سؤالها:
"ليه؟"

هبطت عند يده وأمسكتها وهي تقول بانكسار :
"يمكن هو بيكذب...أنت متعملش كده... صح معملتش فيا كده ...مبعتنيش صح؟"

كانت كلماتها كشربة الماء الذي هدأت جفاف حلقه ...لمعت عيناه بعد أن اكتسب فكرتها ...وجذبها لتقف أمامه قائلًا بلؤم أكبر وهو يتصنع خوفه عليها ودهشته من حالتها تلك :
"أيه الحصل ...مين العمل كده فيكي؟ "

يجعلني أبكي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن