الفصل الثاني العشيرة

59 24 5
                                    

قبل خمسة وعشرون عاماً وفي سلسلة جبلية بعيدة عن ضجيج المدن وازدحامها سكنت مجموعتان من البشر كانت تطلق على نفسها عشيرة الأشقر وعشيرة الأشرم تقاسمت تلك العشيرتان تلك الجبال الشاهقة والوعرة بالتساوي والانصاف ووضعت كل عشيرة منها الحدود الخاص بها بحيث تمنع كِلتا العشيرتين من الدخول إلى أراضي العشيرة الأخرى ، وكما قاما بتقاسم الجبال تقاسمت أيضاً طريق التجارة ونوع التجارة وكل شيء قد يسبب في اختلاف العشيرتين ، ولكن لم يحصل كل هذا في يوم وليله وبهذه السهولة بل صار هذا الاتفاق والمناصفة بعد أعوام كثيرة من حروب العشائر الذي عانت منها العشيرتين الأمرّين ولكي يضعون حد لهذه الحروب الذي أرهقت كلتيهما اجتمعت وقبل عشرون عاماً جميع رؤوس وأكابر العشيرتين بقيادة فياض الأشقر من عشيرة الأشقر و وجابر الاشرم من عشيرة الاشرم وبعد الكثير من الجدل والمناقشات الحادة الطباع التي كانت وفي آيا لحظة سوف تنهي كل شيء لتعود الحروب من حيث ما توقفت توصلوا أخيراً لحل أوسط وهو تقاسم كل شيء في هذه الجبال ولتجنب نقظ الاتفاق في المستقبل حكم أكابر العشيرتين على فياض الأشقر بالزواج من أخت الاشرم وعلى هذه الشروط تم الاتفاق والختم عليها بعهد الدم ومر على هذا الحدث عشرون عاماً دون أي حروب وسفك دماء حتى أتى ذاك اليوم الذي ينقلب كل شيء على عقباه


\*\*\*\*\*\*


كانت ليال أول الواصلين إلى الساحة الكبرى التي تقام بها كل الاحتفاليات والمناسبات والاجتماعات لعشيرة الأشقر ، بعدما أخبرتها زمرد بأن أبيها سوف يتأخر عن القدوم لبضع ساعات ويجب عليها أن تكون مكانة للإشراف على الحفل فذهبت بعد أن جمعت بعض الشباب والشابات الذي تثق بهم لمساعدتها في جعل هذا الحفل مثلما يجب أن يكون وبكثير من الجهد وبفضل فطرة القيادة والحزم التي ورثتها من أبيها فياض الأشقر استطاعت مع جهود الشباب تجهيز الكثير قبل وصول الأهالي ولكن كان قلبها متضايق جداً كل الوقت وغير مرتاح لغياب أبيها في يوم مثل هذا ، فهذا أول احتفال يتأخر به لهذا الوقت والأهالي على مشارف الوصول والشباب والشابات الذي معها بدأت تنتبه لغيابه وما هي إلا دقائق حتى يبدأ السؤال عن عدم وجوده وإلى جانب ذلك لاحظت بأنه لا يوجد أحد من رجاله والذي بدورهم أيضاً لا يتخلفون عن أي حدث يقام في العشيرة بل يكونون الأساس القوي الذي يعتمد عليهم أبيها فياض بكل شيء ، كل هذه التساؤلات والحلقات المفرغة جعل منها شاردة الذهن طوال الوقت ومتعبة جسدياً وذهنياً ، وبينما هي تقوم بشد أحد حبال الزينة بكل قواها وقد بدا عليها شرود الذهن والتعب ، أتاها صوت من خلفها اخترق ذهنها الشارد دون احم أو دستور ليجعل كل شعره في جسدها تقشعر في مكانها من كراهية صوته الذي لا تطاق ...

\-- أرى بأن الأشقر قد هلك عظمه وجف عوده وترك عمله للفتيات بدلاً عنه

....وأكمل جملته الساخرة بضحكة مستفزة جعلت براكين الغضب تتأجج في عروق دمها على الفور بعد سماعها فلفت الحبل على كف يدها بغضب دون أن تلتفت له واستمرت بشد الحبل الذي يكاد أن يحترق من لهيب الغضب المتصاعد من دماء ذراعيها وعندما رأى تجاهلها هذا اقترب منها حتى أصبح خلفها بالضبط ولا يبعده عن الالتصاق بظهرها سوى طول أصبع ومد ذراعه للامساك بكف يدها وهو يهمس في أذنيها

\-- هل أساعدك في شده أيتها....

وقبل أن يكمل جملته القذرة التي تنبعث منها رائحة الشهوة الحيوانية في كل أرجاء المكان مثل الضبع الكريه الذي لا يستطيع أخفا رائحته النتنة ، أحتقن وجهها بالدماء المتصاعدة إلى رأسها كما هي عادتها في كل مرة تفقد السيطرة على غضبها وامسكت مسدسها الفضي الساكن بتأهب على خصرها النحيل والتفت حوله بسرعة خاطفة ليكون هذه المرة هو الذي في الأمام وهي الذي في الخلف ولكن الفرق أن فوهة مسدسها تلتصق في مؤخرة رأسه وهو مثل الساذج الأحمق الذي ينظر في الفراغ الذي أمامه بعيون بلهاء لا تعلم ماذا حدث ومتى وكيف فرفع ذراعيه ببطء للأعلى وبدأ يتمتم بصوت مرتعش مثل النساء المرعوبات....

\-- تعلمين بأنك لا تقدرين على فعل هذا فأنا أبن جابر الاشرم الوحيد وقتلي يعني سفك دماء لا ينتهي إلا بانتهاء العشيرتين أنزلي مسدسكِ هذا من على رأسي واعدك بأني لن أخبر أحد بما فعلته

كلماته هذه الذي تفوح منها رائحة الخوف والتي تدعي الثقة والشجاعة الزائفة لن تجعل ليال تعفو عنه بعد أن حاول لمسها بل أثارت كلماته اشمئزازها أكثر ووجدت لنفسها سبب آخر لقتله فهي تكره وتشمئز كثيراً من نوعية الرجال الجبناء أمثاله وتحتقرهم كثيراً فردت عليه وهي تدفع مؤخرة رأسه بمسدسها لتحثه على المسير أمامها مثل أسير الحرب

\-- ومن قال لك بأن أحد سوف يهتم لموت ضبع شارد من عشيرته نقظ الاتفاق والمعاهدة بعدم تعدي حدود العشيرة الأخرى بدون أذن مسبق من زعيم العشيرة

فرد عليها بصوت يوحي بأنه سوف يبلل سرواله في أي لحظة

\-- ليال لقد فهمتي الوضع بطريقة خاطئة توقفي عن دفعي وأهدئي لأشرح لكي الموضوع

في تلك اللحظة شاهد بشير أبن مصعب الفران والذي يطلقون عليه كل أهالي العشيرة الحمام الزاجل ، ليال وهي تدفع بسلاحها هذا الرجل الذي لم يتبين له من يكون فصرخ بأعلى صوته على الفور وهو يقول

\-- ليال أخرجت سلاحها..... ليال ستقتله...

لينتبه كل الموجودين في الساحة لما يحدث وبصورة جنونية وثائره يترك كل واحد منهم العمل الذي كان يقوم به ويأخذ أقرب شيء حاد أو ينفع ليكون سلاح تسيل به الدماء ويركض باتجاه هذا الذي كان من يكون قريب أم بعيد حبيب أم عدو يكفي بأنه تجرئ على وأغضب بنت العشيرة الأجمل والاطيب والاقوى بين جميع نساء العشيرة ، وما هي إلا ثواني حتى وجدت ليال الكل يحيطون بها من كل جانب وكأنهم قطيع من الذئاب الذين ينتظرون أوامرها لتمزيق هذا الضبع الجيف إلى أشلاء وتقطيع لحمه إلى قطع صغيره ، وعندما رأت ليال هذا الموقف منهم لم تستطع منع نفسها من الابتسام وبدأت النيران التي تغلي في دمها بالخمود فأنزلت سلاحها من على رأسه وهي تقول

\-- ما الذي أتى بك إلى هنا وماذا تريد

عندها قام بتعديل ملابسه بطريقة متكبرة يداري بها خيبته وجبنه وهو ينظر إلى هذه الذئاب المتوحشة الملتفة حوله والتي ترغب بنهش لحمه وقال وهو يلتف بجسده باتجاه ليال

\-- زعيم عشيرتكم هو من قام بدعوتي لقدوم الحفل أما السبب يمكنك سؤاله هو

عند سماع رده هذا بدأ الجميع ينظرون إلى بعضهم البعض باستغراب وعلامة استفهام كبيرة ترتسم في وجوههم ولكن ليال كانت على عكسهم تماماً لم يتغير شيء من ملامح وجهها الجادة والغاضبة واستمرت بالنظر بعينها العسلية التي تقدح شرار في وسط عينيه الناعسة ألعوبة وقالت

\-- إذا كان والدي من قام بدعوتك أكيد سوف يكون هناك مكتوب رسمي منه وبخط يده ينص بذلك أريني أيها

أدخل يده في جيب بنطاله وهو ما يزال ينظر إلى عينيها بطريقة ساخرة وأخرج ظرف يتضح عليه ختم عشيرة الأشقر بكل وضوح وقام برمية لها ليسقط بين قدميها بطريقة مستفزة تتناسب مع دمه الفاسد والحقير الذي ورثه من أبيه الاشرم ليكون نسخة مصغرة عنه بكل نجاسته المقززة ، وعندها بشير الملقب الحمام الزاجل الذي كان يقف بين المتجمعين الظرف قال بسرعة

\-- لقد تذكرت أنه الظرف التي أعطتني إياه السيده هاجر في الليلة الماضية وأمرتني بتوصيلة إلى عشيرة الاشرم وقالت لي بأنه مكتوب مهم من الزعيم الأشقر ويجب علي توصيله بسرعة

في تلك اللحظة تذكرت ليال ما رأته في الليلة الماضية وتأكدت بأن هناك مؤامرة تحدث في جبال عشيرة الأشقر ويجب عليها أن تجد أبيها قبل أن يحدث شيء لم يكن في الحسبان.....

السطر الأخير حيث تعيش القصص. اكتشف الآن