*********

14 2 4
                                    

الرابعة والربع صباحاً :
يطبق همام على رجل المكابح بكل قوته لتتوقف العجلات عن الدوَران غير مبالية ببشرتها السوداء المحكة بالأزفلت الخشن لترسم توقيعها الأسود بطول مترين وبعد ذلك تثبت السيارة تاركه ضوء كشافتها الصفراء يسطع على تلك الجثث الغارقة في دمائها والمتروكة على الطريق دون أي مبالاة أو شفقة وكأنها ليست جثث آدمية بل جثث لكلاب مسعورة تم التخلص منها دون شفقة ورميت اجسادها لتنهش بها الضباع الجائعة ولتتفسخ في العراء مثلها مثل أي جيفة حيوان تُرك على حافة الطريق بعد موته ، المنظر الوحشي هذا والذي يثبت بأن بني البشر هم الأكثر وحشيه بين مخلوقات هذا الكوكب جعل من همام متسمر في مكانه ويديه تتشبث بمقود السيارة بهستيرية واضحة والدموع تنهار من عينيه وهو مطبق على شفتيه بكل قوته لكتم تلك الصرخات المتألمة لرؤية أصدقائه على هذا الشكل الموجع أمام عينيه ، أما فياض لم تكن هذه المرة الأولى الذي يرى فيها هذه المجازر بل هو معتاد على أكثر من هذا ، ولكن هذه المرة لم يكن على طبيعته المعتادة ، فور رؤيته إلى هذه الجثث المترامية أمام ناظريه ، شعر بأن الدماء الذي تجري في عروقه جفت فجأة وبأن جلدة أصبح مثل الجليد وأنهار بنوبة سعال جنونية وكأنه يريد أن يخرج رئتيه من صدره حتى تناثرت بعض الدماء إلى خارج فمه ، همام في تلك اللحظة علم بأنه لم يفقد أصدقائه فقط وبأن زعيمه الذي بجواره قد أصبح جثه حيه منذ زمن دون أن يعلم به أحد ، فاخرج منديله ومد به إلى فياض ودموعه تنهار على خديه وقال له بصوت يكتم به عبرة البكاء المكتوم

\_\_ هل نعود إلى القصر يبدو بأنك ليس على ما يرام ويجب أن يراك الطبيب فورًا

عندها نظر فياض إليه بعينين قد بهت لونها وخلت الروح من بريقها والتقط المنديل ومسح به الدماء من على شفتيه وقال بصوت يتصنع القوة وابتسامة صغيرة على جانب فمه

\_\_ لا تقلق أنا بخير وما زالت أقوى منك
\_\_ ولكن...
\_\_ قلت لك أني بخير.. هيا بنا لنرى إذا كان يوجد أحد ما يزال على قيد الحياة
فأطرق همام برأسه بحزن واستسلام وقال
\_\_ حسناً يا زعيم كما تشاء

وفور نزولهم من السيارة يظهر لهم خمسة رجال من ظلال غزوان حاملين أسلحة الكلاشنكوف قائلًا أحدهم من خلف لثامه
\_\_ لقد كنا في انتظارك أيها الأشقر

في تلك اللحظة أمسك همام سلاحه الذي على خصره بحركة لا إرادية منه فرفع جميع الملثمين أسلحتهم على الفور في وجهه ، أما فياض كان ينظر إلى جثة الشاب تيمور أبن شيخ الجامع وتذكر عندما أتى إليه قبل شهر تقريبًا وكله عزيمة ورغبة بأن يصبح من رجال القصر وعندما رفض فياض هذا بسبب صغر سنه الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة وبسبب أنه وحيد والده ، ظل مخيم أمام باب القصر لمدة ثلاث أيام حتى رق قلب فياض ووافق على أنه ينظم إلى رجال القصر ، وها هو اليوم مجرد جثه خامدة تمتد أمام عيون فياض بوجهه الطفولي الذي ما يزال يشع نورًا وتلك البركة القرمزية المتقزمة التي انهارت من جمجمة رأسه والذي انعكس عليها ضوء القمر الحزين ليرى فياض انعكاس وجهه على سطحها ، فترققت دمعه مقهورة على طرف عينه الباهتة وقال

\_\_ همام أنت ضل هنا وقوم بتغطية وجوه اشبالي الراحلين وأبعد أجسادهم من منتصف الطريق وأنا سوف أذهب معهم

فأطرق همام رأسه بحزن وانزل يده من على سلاحه و رد عليه بخضوع واستسلام
\_\_ أمرك يا زعيم

السطر الأخير حيث تعيش القصص. اكتشف الآن