**********

57 24 12
                                    

في مساء الليلة الماضية قعد فياض على كرسيه الخشبي أمام منزله لاحتساء الشاي كما هي عادته كل مساء بعد الانتهاء من صلاة العشاء فهو يعشق مراقبة النجوم المتلألئة في هذا الوقت الهادئ من الليل على صوت موسيقى لودفيج فان بيتهوفن عازف البيانو والكمان المفضل له والذي في اعتقاده بأنه هو العازف الوحيد الذي يستطيع ترجمة لغة عشق هذه النجوم فيما بينها وربط وميض حبها مع صوت نبضات قلب من يشاهد عشقها الأزلي الذي لا يستطيع حتى الموت نفسه أن ينهي خلوده ، وبعد مرور بعض الوقت من هذه النشوة الشاعرية الذي يعيشها تأتي موجة ريح بارده غيورة من سكونه وتأمله في هذه النجوم البعيدة عنه ،فتقشعر شعر جلده وبدأ يفرك ذراعيه بكفيه وهو يبتسم وكأنهُ تفهم شعور هذه الريح الغاضبة منه بسبب عدم الانتباه لها وتركيزه على النجوم فقط ، وفي تلك اللحظة يأتي لحاف من الصوف الناعم تحمله أنامل طويلة حريرية من خلفه لتصد عنه هذه الريح الغاضبة وهي تقول بصوتها الناعم الذي يتجاوز نعومته نوتات بيتهوفن

\-- لقد دخل الشتاء أيها العنيد لماذا لا تضع شيئاً عليك هل تريد أن يصيبك البرد أم ماذا

قالت لهُ هذا وهي تحاول تغطية جسده الضخم والغضب يرتسم على تفاصيل وجهها الحنون الدافئ الذي لا يناسبه إلا أن يكون مبتسما ً ، فأمسك بكف يدها بين كفيه الغليظتان وقبل راحة يدها بحب وحنان ،فارتسمت الابتسامة على وجهها على الفور وقالت وهي تحاول أن تخفي أنوثتها ودلالها

\-- كم انت مدلل تحب أن تقلق من حولك عليك

فرد عليها وهو يجرها للجلوس على حِجره وتغطيت جسديهما بلحاف الصوف نفسه

\-- إذا لم اتدلل على أبنتي الوحيدة إذاً على من سوف اتدلل

فنظرت لهُ بنظرة مشاغبة وقالت

\-- آمم .. يمكنك الدلال على هاجر مثلاً

لتجعل منه يضحك بصخب حتى سال الدمع من عينيه من فرط الضحك وضحكه جرها لضحك أيضاً والسعادة تملى قلبها لرؤية أبيها وهو مبتهج هكذا ولكن للأسف لم يستمر هذا المشهد السعيد بين الأب وابنته طويلاً فقد أتت ممزقة اللحظات السعيدة وصانعة القلق والتوتر الدائم في هذه المنزل لتقطع موجة الضحك بصوتها الذي لا يعلم أحد كيف تقوم بتقليب نبراته لتجعلك لا تطيق الاستماع لها لبعض لحظات وكل ما تريده هو اسكاتها فقط

\-- الأب وابنته يقهقهان كما هي العادة .....، واطرقت وهي تلوي فمها مثل الساحرة الشمطاء....
\-- لا أعلم لماذا أنتما سعيدان لهذه الدرجة هل هناك شيء في هذا المنزل أو في هذه الجبال يدعو لضحك، أخبراني لكي أجد ما أضحك عليه أيضًا

فنظر لها فياض وليال وهما يكتمان الضحك بصعوبة وهزَ رأسيهما معاً بالنفي بطريقة طفولية لمسايرة حديثها ، فزادها هذا غضبًا ولكن تمالكت نفسها وقالت وهي تحاول تغير طريقة لهجتها المتغطرسة التي من المستحيل أن تنجح في تغيرها

\-- سوف أذهب لرؤية حليمة زوجة بكر الحداد يقولون بأنها مريضة جداً سأرى ما بها وإذا كانت تحتاج لشيء واعود على الفور

قولها الغريب هذا الذي يتنافى مع شخصيتها جعل من فياض ينظر ليال وليال تنظر له والدهشة تتسع في عينهما ثم رد عليها فياض وهو لا يصدق ما سمعت أذنيه قبل لحظة

\-- نعم بتأكيد أذهبي وأخبريني إذا يحتاجون أي شيء

وقالت ليال وقد بدا على وجهها القلق على حليمة المسكينة
\-- هل آتي معكي

فردت عليها هاجر وقد تملكها القليل من الارتباك الذي لم يغفل عن عينين ليال الفطنة

\-- لا داعي لهذا سوف أخبرك إذا هناك شيء لا نريد أن نثقل عليها بقدومنا جميعاً

وتحركت سريعًا وكما أنها تريد الاختفاء بأقصى سرعة قبل أن تلح عليها ليال بالقدوم معها ، وعند اختفائها أخذ فياض راحة يد ليال ووضعها على جبهته وقال

\-- أخبريني يا أبنتي هل حرارتي مرتفعة وبدأت أتوهم أم أن هاجر أصبحت طيبة القلب وتخاف على صحة الآخرين

\-- هههههههههههه يبدو بأنه قد أصابنا البرد يا فياض وبدأنا برؤية الأوهام معاً

كان هذا رد ليال لأبيها الذي أستمر بالضحك دون أن يشعر بما تخفيه ليال في داخلها من قلق والذي يخبرها بأن خروج هاجر هذا سيأتي بعده مصيبة بتأكيد مصيبة جديدة من مصائبها المعتادة فهمست بصوت هادئ دون أن تشعر

\-- ربي أجعل العواقب سليمه واحمنا من شرها

\-- ماذا ما الذي قلته لم أسمعك...،قال لها فياض بعد أن توقف عن الضحك والفضول يبدو على وجهه ، فردت عليه ليال وهي تحاول تغير الموضوع لكي لا تثير قلقة

\-- قلت بأن حفل زواج جسار غدًا ويجب علينا أن نكون مستيقظين في الصباح الباكر هل نسيت يا عمه أم ماذا


تذكيره بحفل الزفاف جعله يتناسى ما همست به قبله وجعله يتذكر شيء آخر ليتعكر صفو هدوئه ومزاجه الرايق على الفور وقال لها وهو يرخي رأسه للوراء بضجر

\-- وجماعة فيكتور قادمة أيضاً

ردت ليال وقد اتسعت عينها من الدهشة

\-- وهل ستأتي جماعة الروس لحضور الزفاف

\-- نعم وأعتقد بأنهم يريدون صفقة جديدة

\-- ولكن هذا الأمر سوف يزعج جسار كثيراً فهو لا يحب توتر صفقة السلاح في أيامه العادية فكيف سيكون وضعه والصفقة تحدث في حفل زفافه

\-- هذه رغبة فكتور لم أستطع الرفض عندما قال بأنه يريد رؤية عاداتنا وحضور حفل زفاف عربي

\--  لماذا لم تخبرني هذا من قبل

ونهضت من على رجله متأففة وهي تقوم بطوي كُم قميصها لتلقي بالأنثى المدللة التي كانت عليها قبل لحظات واستبدالها بليال الأشقر بنت فياض الأشقر التي يعتمد عليها بكل أعماله مهما كانت في قمة الخطورة

\-- واطرقت بالقول ..يجب علي الذهاب لتجهيز الرجال الذي سوف يذهبون لاستقباله وسوف أذهب أيضاً لأخبار جسار بهذا قبل أن يتسبب لنا في مشكلة مع الروس غداً ...وطبعت قبلة على رأسه وذهبت سريعًا تاركه تلك العيون الفخورة بها تراقبها بحب حتى اختفت عن أنظاره

السطر الأخير حيث تعيش القصص. اكتشف الآن