الحلقة الثامنة

115 10 5
                                    

في مقر أحد المنظمات....
يدخل أحد أعضاء التنظيم لقاعة ضخمة..الارضية شطرنجية...زجاج النوافذ عبارة عن فسيفساء ملونة...و يحيط بقبة المكان دائرة الابراج وأيقونات لمراحل القمر المختلفة...يتوسط القاعة كرسي يشبه العرش يقع بين عامودين...يجلس عليه رجل ثلاثيني ذو شعر أشقر طويل..و عيون خضراء متحفزة..
ساد الصمت لدقائق...تحدث الرجل الجالس على الكرسي وقال:
- جاي بإيه يا (عوني)..؟
(عوني) هذا كان رجل في بداية الخمسينات..أصلع..ضيق العينين يرتدي نظارة دائرية سميكة..ذو لحية كثيفة حول فمه..رد بإحترام:
-الأخبار إللي سيادتك مستنيها...
ضحك الرجل الثلاثيني فجأة وقال:
-ياااه...ده أنا إفتكرت إنهم جندوك!
ثم تحدث بشر وشراسة:
-إتأخرت ليه؟!
تنحنح (عوني) وقال بثبات:
-حبيت أتأخر محدش يشك وأكون تحت المراقبة..
-ممم...إيه الاخبار؟
-حصلت ترقيات في أجهزة الدولة...فيه وجوه جديدة..أنا شخصيا قلقان منها...
-ممم وجوه جديدة؟!..وليه قلقان منها؟
-علشان الترقيات دي جاية في وقت حساس...نهاية الحرب على الارهاب..و بداية الدمج..غير الكفاءات الشابة اللي خدوا فرصتهم في مناصب عليا..الناس دي  تعبت للوصول لمكانتها..و صعب شرائهم..
- والدمج؟
-الدولة ماشية في الموضوع..بس بيرتبوا إنهم يدخلوا احفاد الملوك في الانتخابات الرئاسية..
إتسعت عينا الرجل الثلاثيني بمزيج من التفاجؤ والشراسة...وقال:
-إيه؟...إنتخابات إيه؟
تنحنح (عوني) مرة أخرى وقال متعجبا:
-غريبة أوي تصرفاتهم...الموضوع محتاج وقت..بس هما واثقين من خطواتهم لأنهم مهدوا لفترة طويلة...
رد الرجل الثلاثيني:
-و هيختاروا مين؟
-لحد دلوقتي معرفش بالظبط...بس فيه أسماء متوقعة..
-زي؟!
-زي ملكهم السابق (فريد)..و ملكهم الحالي (موسى)..دول أكتر إسمين متوقعين..
قال الرجل الثلاثيني بقوة:
-انا أصدرت أوامري بتدمير الدمج..و تمويل بمليارات الدولارات لتنظيمات مسلحة جديدة..
رد (عوني) وهو يجهز آلة العرض لتنطفئ القاعة:
-بس في عقبة لينا..
قال الاخر:
-عقبة ايه؟
ظهرت على شاشة العرض صورة لرجل في منتصف الخمسينات من عمره..ملامحه توحي بالخطورة...لديه أنف حاد وعينان عسليتان فاتحتان تتوهجان بذكاء شديد أعلاهما حاجبان كثيفان مرتبان...وشعر فضي ناعم...وجبهة عريضة...
رد عوني:
-(مروان عادل الأصفهاني)...رجل أعمال
و ملياردير بدأ البيزنس بتاعه في التعليم و بناء المدارس والجامعات يمكن لأنه كان أستاذ جامعي..و بعدين اتجه لتأسيس سلسلة من البنوك..بعدها قدر يبقى الممول الأول للحكومة المصرية..ده غير علاقاته مع عدة أجهزة أمنية وسيادية...بإختصار هو حاليا بيدير إمبراطورية... (مروان) كان تحت مراقبتي لفترة طويلة و أنا أكاد أجزم إنه هيساند أي حد من أحفاد الملوك الفراعنة لو إترشحوا للرئاسة....
-انت بتقول ايه؟ اللي زي ده لازم يكون تبعنا!  ازاي سمحتوله انه يكبر كده؟!
رد (عوني) بهدوء:
-ما هو خطورته انه مستقل و محدش بيشتريه..احنا منعرفش اهدافه لحد دلوقتي..لأن طول الوقت ده كنا مركزين على التنظيم اللي شغال جوه مصر...
-وإحنا المفروض نعتبر شخص واحد بس عقبة؟!
-إحنا أكيد نقدر ندمره بس ده هيحتاج وقت..لأن حرسه الخاص ميقلش أبدا عن حرس رئيس الجمهورية سواء في العدد أو التدريب...
-طب ما دورلوا على فضيحة..
-أنا حاولت بس للأسف ملقتش..إما إن سجله نضيف أو إنه قدر يمسح أي ماضي مخزي...وعلشان كده أنا بشتغل على صنع فضيحة ليه..وده هيدمره كونه شخصية مشهورة ومرموقة في المجتمع المصري
و العربي عامة..
قال الرجل الثلاثيني بشر:
-بعد ما تشوه سمعته...عايز (مروان) ده أثر بعد عين..مش عايز اسمع اسمه في محفلي تاني أبدا...
أضاف:
-أنا هخليك مسؤول عن التنظيم الجديد... عايز الدم للركب...
عايز فتنة..
مشفهاش المصريين..
من قبل ولا من بعد...
مفهوم؟
-مفهوم...
                        ***
القاهرة الجديدة..منزل (كمال عبد الجليل)..
كان يجلس في غرفة المكتب يكتب عدة تقارير عن مهماته الأخيرة..بعد أن إنتهى اتصل برقم أحد زملائه..ليرد صوت ضاحك عليه ويقول:
-أهلا! ايه يا عم (حافظ) يا اللي غاوي نكد!
ابتسم (حافظ) وقال:
-ما انت عارف يا (عامر)..المهمة دي مش هتعدي من غيري!
ضحك بشدة وقال:
-عارف؟أنا و(صفوت) كنا لسة جايبين في سيرتك..كنا حاسيين إنك مش هتكمل اجازتك على خير!
-فعلا..انا مش ناوى اقعد في البيت كتير..أنا بقيت عامل زي مربية الاطفال..
-ماشي يا بابا (حافظ) تشرف يا غالي..
-من غير تريقة..يومين واكون عندكوا..
-تمام..مستنينك..سلام
-سلام
بعد ان انتهت المكالمةسمع طرقات على الباب ثم فتح فظهرت والدته..كانت تحمل عدة ساندويتشات و كوب من الشاي..
قدمتهم له بإبتسامة وقالت:
-اتفضل يا حبيبي عملتلك الساندويتشات اللي بتحبها..
وقف و أخذ الصينية من يدها وقال ممتنا:
-تسلم ايدك..
جلست عل احد المقاعد وقالت:
-عارف يا (حافظ) بتفكرني لما كنت بتذاكر في الثانوية العامة..فاكر؟
اجاب مبتسما:
-ايوة...السنة الوحيدة اللي شديت حيلي فيها..
-رغم انك جبت مجموع يدخلك طب..بس انت اخترت تدخل حربية...انا فاكرة اليوم ده كويس..فاجئتنا انا وابوك وطول السنة مكنتش راضي تقول انت عايز تدخل ايه..
-ايام حلوة فعلا..
اضاف:
-بقولك ايه يا ماما
-ايوة يا (حافظ)؟
-ياريت تقضي وقت أطول مع رأفت..يعني تتكلمي معاه اكتر...تفهميه اكتر..كده يعني..
-هو اشتكالك يا (حافظ)؟
-لأ..خالص..بس هو في مرحلة المراهقة واكيد محتاجك انتي وبابا جنبه..فحبيت اقولك..بس متجبيش سيرتي في الموضوع...
-خلاص هخلي بالي منه يا (حافظ)..
ولو انه مبيتكلمش كتير..و مبيخرجش من اوضته و دايما نايم...
-ده طبيعي في سنه..المفروض انك تصاحبيه..رأفت بقى راجل..محتاج انك تشيليه المسؤلية..و تخلي (ولاء) و (شادي) و(شهاب) و (رامي) يحترموه..
-خلاص ماشي يا (حافظ)..
انت ادرى يا ابني..
ساد الصمت للحظة...ثم قالت والدته بخفة:
-طب مش هتاكل؟
انتبه للطعام و قال بخفة مماثلة:
-دي ساندويتشات لانشون؟
-اه بالزيتون...
-بحبها اوي!
-وانا..
ضحكت والدته و سحبت ساندويتشا من الذي صنعته له!
                        ***
في المدينة المخفية في أحد صحاري مصر
كانا يقومان بحرث الارض الزراعية
كان احدهم يدندن:
-"ظلموه...ظلموه القلب الخالي..ظلموه..ممممم"
صاح الاخر به وهو يمسح العرق:
-بتغني ظلموه  يا (سيكة)؟ هو انت فايق في الحر اللي احنا فيه ده؟
-اومال هكشر و انا ورايا ياما شغل..!
-معرفتش هنروح نسكن فين بعد الدمج؟
-أكيد هنتصرف مع (تي)..هو قال انه هيتصرف..
-ازاي هيتصرف؟
-ما هو يا (مرمر) يا اخويا انت معرفتش ان الملك هيجيب ل(تي) سكن هناك..
-ليه؟
-تكريما ليه...ما هو اتولى جنازة عمه..
-عم مين؟ عم الملك؟
-ايوه..ده هو اللي حضر الوفاة ووعظ و غسل و كفن وحفر القبر ودفن...هما طلبوه وهو مقصرش...علشان كده كافئوه..
-تمام..تمام..يعني هو هيتوسطلنا؟
-يمكن..
رأى مراقب الارض فتوقف عن الكلام وقال:
-يلا يلا نكمل شغل يا اخويا
-يلا..مش ناقصين..كفاية الحر!
                        ***
في نفس المدينة المخفية في مكان آخر...
يمشي بإتجاه مبنى ضخم...كتب عليه
"بيت الحكمة" و في أسفله عبارة
"أولئك الذين نظروا مرتين هم فقط من يفهمون"
عبر البوابة الضخمة...لحديقة واسعة في غاية الجمال..كانت في منتصف عدة أبنية كانت تبدوا كجامعة..الطلاب يروحون ويجيئون..توجه نحو مبنى معين...صعد السلالم..و اتجه نحو غرفة ما ليطرق بابها..أجاب من بالداخل ليدخل ويغلق الباب خلفه...
تكلم بأدب وهدوء:
-ازيك يا استاذي؟
كان أستاذه رجل في السبعين من عمره يرتدي نظارة مستطيلة و لديه لحية صغيرة مهندمة..كان جالسا على مكتبه يقرأ و يدون...
رد أستاذه بترحاب بصوته العجوز الرزين:
-أهلا يا (تي)...مشوفتكش من فترة
جلس تي أمامه بهدوء و قال:
-أنا آسف يا أستاذ...بس أنا جيت أحكي لحضرتك حاجة مقدرش أقولها لحد غيرك..
ظهرت الجدية على وجه أستاذه وقال:
-اتفضل يا (تي) قول...
بدأ (تي) يحكي:
-حضرتك عارف اني بشوف صور أحداث قدامي..و ساعات بتحصل
-ايوه يا ابني عارف..
-من فترة طويلة ومن قبل ما نعرف حاجة عن موضوع الدمج..شوفت حاجة بس مفهمتهاش في وقتها...
بس دلوقتي أنا خايف منها...
كان أستاذه يصغي بإهتمام...
ابتلع (تي) ريقه وأضاف:
-شوفت إن ملكنا بيموت..و أعداؤه اللي حواليه...شكلهم مش من هنا..من بره...
-تمام...كمل يا ابني...
-كانوا رافعين شعارات غريبة...كانوا مختلفين عن بعض..يعني هما مش من جماعة واحدة...هما ضد بعض...
-آه أعداء الملك ضد بعض بس إتفقوا على قتله مش كده؟
-بالظبط...فيه اللي كان لابس أقنعة وفيه إللي مشهور و بيظهر في كل مكان..بإختصار كانوا من مختلف الاتجاهات...مش بس كده أنا شوفت شر عظيم...ظلام هيغطي كل مصر وكل بلد حواليها...
صمت للحظة وقال:
-تنصحني بإيه يا أستاذ؟
نظر له أستاذه بشفقة الاب وقال:
-اهدى الاول واشرب حاجة...
نهض و صب له عصير طازج...
بعد ان ارتشف من العصير عدة رشفات
قال له أستاذه:
-شوف يا (تي)...كلنا عارفين ان الناس ما بتقتنعش بالحاجات اللي بتشوفها...فما بالك بالحاجات اللي بيشوفها ناس تاني؟
استمع تي بإنصات...
-أكيد انت محمل نفسك مسؤولية انك تقول للملك على ده...خصوصا انه أكرمك بعد اللي عملته مع عمه..بس صدقني يا (تي)
مش هيصدقك بالعكس هيشك فيك و هيراقبك و ده مش كويس ليك...ده طبع كل ملك و كل صاحب سلطان على مر الزمان...
-يعني اسكت ومحكيش لحد؟
-طبعا...انت خلي بالك من الرؤى اللي عنك وعن حياتك...و احذر...وأي حاجة تخص الموضوع ده تشوفها تاني..تيجي تحكيهالي من باب الفضفضة...
-شكرا يا أستاذ...الموضوع كان كابس على نفسي..مكنتش بقدر أصلي وأتأمل كويس..
-العفو يا ابني على ايه...المهم انك تخلي بالك من نفسك..لأن لو فيه شر جاي لازم تحمي نفسك منه...
-حاضر يا أستاذ...
ابتسم أستاذه وقال:
-و متنساش تيجي محاضراتي..انت الطالب الوحيد اللي مكنتش بتزهق منها..
ابتسم (تي) قائلا:
-طبعا يا أستاذ..واسف تاني ان مشاغلي خلتني مجيش كتير
-ولا يهمك يا ابني..
ارتفع صوت نداء الصلاة...ليلتفت ل(تي) ويقول بحزن خفي:
-خلينا نصلي مع بعض و ندعي لبلدنا ولملكنا..
(تي) وقد شعر به:
-حاضر يا أستاذ...
                         ***
تمت!

الروح المصرية (الجيل الجديد من الفراعنة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن