الحلقة العاشرة

74 5 0
                                    

لحظة..نعم لحظة تفصل بين الحياة و الموت..منذ دقائق رمت (سمر) نفسها من أعلى سطح منزلها...جسدها الان هامد..
و تنزف من كل مكان..يبدوا أنها وقعت على طوب من مخلفات البناء...
تجمع بعض العاملين في الارض الزراعية حولها..
سمع والديها الضوضاء...
هرولت (إحسان) نحو غرفته وقالت بخوف:
-إيه كل الصويت ده اللي تحت البيت يا (صبحي)؟
-ربنا يستر قايم أشوف...
خرج (صبحي) من منزله ليرى سبب التجمهر..ليفاجأ بأحد العاملين يقول:
-مش دي بتك برضه يا...
لم يستمع لباقي الكلام...فقط يحدق في إبنته الملقاة على الأرض و الدماء شديدة الحمرة التي كست ملابسها و لوثت الزرع الاخضر..اتسعت عيناه بصدمة:
-(سمر)!
فيما بدأت والدتها تصرخ عندما رأت منظرها من أعلى..
قال له أحد العمال:
-لازم نطلبلها الاسعاف..حالتها صعبة..
إنحنى والدها على الأرض غير مصدق..كانت ملقاة على بطنها..ويبدوا زراعها مضغوطا بشدة تحت ثقل جسدها..الدماء تخرج من رأسها وأنفها وفمها..لم يستطع أن يلمسها..
مازال صراخ (إحسان) يخترق عقله ويمنعه من التصرف..أخذوه ليجلس ويهدأ..يبدوا أن ضغط دمه يعلو...
إتصلوا بالإسعاف..
لربما يستطيعون إنقاذها...
                         *** 
القاهرة الجديدة...منزل (كمال عبد الجليل)
أنهي (كمال) إتصاله..خرج للصالة...وجلس..كان متجهما..سألته (مديحة):
-مالك يا (كمال)؟
زفر وقال مقلبا كفيه:
-(صبحي) لسة مكلمني...قالي (سمر) في المستشفى...لقيوها واقعة من على السطوح..وحالتها صعبة..
قطبت حاجباها بفزع وقالت بتأثر:
-يا حبيبتي يا بنتي!وهي كويسة دلوقتي؟
هز رأسه بأسى وقال:
-بين الحيا و الموت يا (مديحة)..إدعيلها...
-يا رب تقوم بالسلامة..
-أنا مسافر الجيزة دلوقتي...لازم أقف جنب (صبحي) في المحنة دي..وقولي ل(حافظ) يجهز علشان يوصلني..
-حاضر..
ذهب لغرفته ليتجهز..و(مديحة) ذهبت لغرفة (حافظ) حتى تخبره بما حدث....
                        ***
طوال الطريق كان (كمال) صامتا..فقط يتلو بعض القرآن..و حافظ منشغل بالقيادة..
وصلوا إلى المشفى..توجه (حافظ) لصالة الاستقبال وسأل الممرضة:
-لوسمحتي..عايز أعرف رقم أوضة
( سمر صبحي عبد الجليل)
-حضرتك تقربلها إيه؟
أخرج بطاقته الشخصية وقال بإختصار:
-إبن عمها
تناولت البطاقة وبحثت على الكمبيوتر وقالت:
-اه هي في الدور التاني..في أوضة العمليات رقم ستة..
أعادت له البطاقة فأخذ والده وصعدا..لم يقل (صبحي) أي شئ في المكالمة كان متعبا...لذا اضطروا للسؤال عن مكانها...
وصلوا لغرفة العمليات...كان (صبحي) منتظرا على أحد المقاعد ...وجهه شاحب...ومتجهم...جلس بجانبه (كمال) وقال وهو يربت على كتفه:
-اهدى يا (صبحي)..ان شاء الله هتقوم بالسلامة..
-يا رب يا (كمال)..يا رب..
(حافظ) إختار مقعد بعيد نسبيا عنهما حتى يستطيعان الكلام بحرية...
عندما اخبرته والدته بما حدث ل(سمر) اندهش كانوا هناك منذ مدة قصيرة..
سبحان مغير الأحوال...ترى هل يعرف عمه (صبحي) قيمة إبنته بعد ما حدث لها؟
استطرد بينه وبين نفسه "هذا إن كانت ستعيش.."
رن هاتف (صبحي) برقم غريب...
ضغط على زر قبول المكالمة...و قال بصوت مهزوز:
-آلو..
جآءه صوت رجولي حاد وممطوط في نهايته:
-آلو (صبحي) معايا؟
الان ميز نبرته المميزة التي تشد على الكلمات...
-(مروان)؟!
-عامل إيه يا (صبحي)؟
-الحمد لله..ياااه يا (مروان) ليا كام مسمعتش صوتك!
-أنا كنت أتمنى إني أكلمك في ظروف أحسن...أنا سمعت عن إللي حصل ل(سمر)..ربنا يقومها بالسلامة...
-يا رب..
- أنا لسة نازل مصر..هرتب أموري وهجيلك...ولو عزت أي حاجة..ولو (سمر) إحتاجت أي حاجة..مش هوصيك كلمني على طول..
-طول عمرك صاحب واجب يا (مروان)...
-خلاص..هبقى أكلمك في أقرب وقت سلام...
-سلام
أغلق الخط...بينما كان وجه (كمال) ممتعضا ..قال بضيق:
-هو لحق يعرف؟
-(مروان) ليه في كل حته معارف وأصحاب..
زفر وقال:
-ربنا يبعد عنا شره
تعجب (صبحي) وقال:
-هو انت إيه الشر إللي شوفته منه؟
-أنا مش مستريحله من زمان..
هز (صبحي) رأسه بعدم إقتناع...و عاد لقراءة القرآن...
أما (حافظ) فتنبه جيدا..انه يعرفه...لديه كل المعلومات عنه...
ذلك الملياردير الغامض..
                         ***
بعد سبع ساعات...
يخرج طبيب شاب ليبلغهم بنتائج العملية...
قال برسمية:
-الحمد لله العملية نجحت وقدرنا نوقف النزيف الداخلي..قام (صبحي) و(كمال) في حبن تابع الطبيب:
-كان عندها كسور مضاعفة...بس إحنا قدرنا نشيل العضم المفتت..ونجبس الكسور...
هتف (صبحي) بإرتياح:
-الحمد لله
قال الطبيب بنفس البرود:
-لو سمحتم مين والدها؟
رد (صبحي) بقلق:
-أنا
-طيب عاوز حضرتك في كلمة على إنفراد
إتجهوا لركن بعيد قال الطبيب بلا مقدمات:
-شوف يا أستاذ..بنت حضرتك كان عندها كسور مضاعفة وفيه إحتمال إنها تقعد على كرسي متحرك..لأن عمودها الفقري إتأذى جامد..
قطب (صبحي) حاجبيه بدهشة و قلب منقبض وقال بذهول:
-يعني بنتي إتشلت؟!
-هو ممكن تتعالج بس دي عملية كبيرة وهتحتاج تسافر بره...
أردف الطبيب:
-عن إذنك...
تركه يضرب الاخماس في الاسداس..
ابنته...أصبحت مشلولة
و على كرسي متحرك!
ياللهول! كيف سيخبرها؟
كيف سيخبر والدتها؟
ياليته مات قبل أن يرى هذا..... !
                      ***
عاد (صبحي) للجلوس..مظهره كشخص يتهاوى...سأله (كمال):
-مالك يا صبحي قالك إيه الدكتور؟
-مفيش...مفيش..
(حافظ) أدرك أن ما قاله الطبيب يرتبط بمستقبل (سمر) كونه أخبره فقط كوالدها ولأنه كان مصدوما بشدة..
قال (صبحي) فجأة:
-لو عاوز تروح روح يا (كمال)...
شعر (حافظ) بحساسية الأمر..
(كمال) رد قائلا:
-لسة لما تخرج بالسلامة...
-لأ ما هو الدكتور قالي إنها هتطول في المستشفى..
قلب (كمال) كفيه بعجب...حافظ همس لوالده:
-معاه حق يا بابا يلا نروح..
قطب (كمال) حاجبيه وتسأل:
-بجد يعني مش عاوز حد جنبك؟
-إنت عملت إللي عليك يا أخويا..لو إحتاجتك هكلمك...
-خلاص على راحتك..يلا بينا يا (حافظ)...
خرجا من المشفى...ليعودا للقاهرة الجديدة....
                       ***
كانت الشمس على وشك المغيب عندما كان (حافظ) يقود عائدا لمنزلهم..قال والده:
-تفتكر الدكتور قال لعمك ايه؟
مط شفتيه وقال:
-يمكن حاجة ليها علاقة بمستقبل (سمر)...عاهة مستديمة أو إعاقة...
-ممكن...خصوصا إن فرحها كان بعد ست شهور
صمتوا للحظة ثم قال (كمال):
-خد الروشتة دي يا (حافظ) جيبلي دوا السكر من الصيدلية...
أخذها وغمغم:
-حاضر
خرج من سيارته...ليشتري لوالده الدواء..اما والده فكان يتحدث على الهاتف:
-أيوه وصلنا يا (مديحة)..هبقى أحكيلك لما أجي...(حافظ) بيشتريلي الدوا...العيال إتغدوا؟...لأ مكلناش بره... طب سلام دلوقتي...
عاد (حافظ) بالدواء و أدار المحرك وأنطلق
                        ***
القاهرة الجديدة.. ڤيلا في مدينة نصر...
يجلس في مكتبه مع مساعده...كان يقول:
-بيحاول يزود السعر ويفاصل علشان ميبينش إنه فلس...بس الحقيقة إنه فلس..
-المفاوضات يا (مروان) بيه خدت أكتر من شهر رغم إن الصفقة مش مستاهلة..
-ميغركش..شركته هتتباع هتتباع..المسألة مسألة وقت..
-يعني منعرضش عليه سعر أكبر؟
-لحد دلوقتي في تلات شخصيات تاني بيتنافسوا على الشركة...وطالما فيه منافسين...يبقى إدفعله أضعاف إللي هو عاوزه..خليه ميرفضش الصفقة..
-بس الشركة بتخسر..
-ولو..بس لو إدارت كويس هتجيب أضعاف تمنها إللي هندفعه..
-تمام
عدل (مروان) نظارته الهلالية ذات الحواف الفضية وقال:
-طيب..تقدر تروح دلوقتي يا (علي)..بكرة ألاقيك في المكتب من الساعة سبعة..
-حاضر..
خرج وأغلق الباب خلفه بهدوء...إلتقط الهاتف و أجرى مكالمة:
-أهلا..دكتور (طه)...
-أهلا..أهلا...(مروان) بيه..
-فيه حد عندكم عايز أوصي عليه...
(سمر صبحي)..بنت صديق عزيز عليا...
-طبعا..أكيد يا فندم...في عنينا..
-أي تكاليف إضافية عليا..
-إزاي..خليها علينا...
-متشكر جدا..أبقى إتصل بيا لو فيه أي تطور في حالتها...
-أكيد يا فندم...
-طيب...تصبح على خير يا دكتور...
-وإنت من أهله يا (مروان) بيه...
إنتهت المكالمة..لكنه لم ينم...ومن متى وهو ينام؟ لم يفعل من سنوات...
لقد أتى لمهمة معينة..وهاهو في البداية...
                        ****
يتبع........

الروح المصرية (الجيل الجديد من الفراعنة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن