الفصل الثاني

522 58 9
                                    

تلون الشفق بالوان الغروب وبدات اطراف السماء تستدعي الظلمة بحلكتها الليلية لتعلن عن بداية ليلة طويلة وحزينة على سكان ذلك القصر العتيق الذي فقد احد افراد عائلته .. ارتدت النساء اللون الاسود .. وارتسم الحزن على ملامحهن ..
انتهى العزاء وعادت لتحيى من جديد بمفردها .. مرت ثلاث ايام على وفاة زوجها وحاميها هاهي ذي تعاني من جديد من الوحدة والحسرة .. اخرجت تنهيدة مثقلة من حنايا صدرها وهي تسقط جالسة على سريرها بغرفتها .. الغرفة التي اغلقت بابها عليها منذ اول يوم من وفاة زوجها .. ازاحت عن رأسها الوشاح الذي كانت تلفه حوله بعدما انهت صلاتها .. تشعر باختناق شديد وكأن الاكسجين انعدم حولها  .. سقط شعرها البني على كتفيها كالشلال ليصل الى غاية منتصف ظهرها .. نزلت دمعة يتيمة من مقلتيها .. لقد رحل الجميع عنها .. اولهم كانت والدتها التي توفيت عند ولادتها .. ووالدها الذي توفي عامين .. والدها الرجل الطيب الذي كانت شديدة التعلق به لم يكن والدها فحسب .. بل كان شقيقها وصديقها لم يجعلها يوما تشعر للحاجة لوالدتها .. كان الحضن الدافئ لم يجعلها تشعر بالنقص من الحنان والعطف .. ولم يجعلها تحتاج لشيء .. كان يوفر لها دائما الحب والدعم وكل ماينقصها من الاهتمام وماتحتاجه كسائر بني جنسها .. رغم حياتهم المادية المحدودة للغاية .. فوالدها كان يعمل كبستاني في حديقة الكبيرة الواسعة في احد القصور بمدينة ازمير التركية .. كان صاحب القصر وعائلته الطيبة يعاملونه معاملة خاصة وكانه احد افراد العائلة وليس خادم في قصرهم .. وخاصة الابن الاوسط لهذه العائلة سليم كريملي كان يخصه بمعزة خاصة حيث هو من ساعده ماديا حتى تنهي ابنته سحر دراستها وتحصلت على شهادة جامعية بامتياز .. كان سليم يحب هذه الاسرة الصغيرة الفقيرة السعيدة .. كانو يمتلكون شيئا خاصا جعله يتقرب اليهما بشدة .. رضى الله والقناعة رغم الفقر والمعيشة الصعبة الا انه كان ذلك البستاني مثال الاب المكافح الذي يحاول اسعاد ابنته بكل الطرق .. ولكن هذه السعادة لم تدم طويلا .. حيث كان القدر لم يرحم هذه الاسرة حيث تسبب بحادث مأساوي للاب الذي قضى فيه حذفه بعد لحظات بعدما حملته سيارة الاسعاف للمشفى وهنا تلقى سليم الخبر بألم اسرع مهرولا الى المستشفى بعدما طلب الاب من احدى الممرضات ان تخبره انه يريده .. وظلت كلمات ذلك الاب الذي كان مثله الاعلى .. ظلت تتردد في ذهنه وهو يضع يده اليمنى على موضع قلبه الذي كان يتالم بوجع ...

" سحر ابنتي .. هي امانتك .. اعتني بها فلم يبقى لها غيرك في هذه الحياة .. "

بعد ايام قليلة بعد وفاة البستاني الطيب نفذ سليم وصيته وتزوج ابنته سحر حيث كانت حياتهما كزوجين مليئة بالسعادة ومثالية امام الجميع .. كان لها الزوج الصالح والاب العطوف .. كان لها الشقيق والصديق .. كان سليم يعتني بها وكانها طفلته الصغيرة .. وليس زوجها فحسب .. لم ترى حزنا معه قط بالرغم من معاناته مع مرضه الشديد .. الا انه كان دائما يمدها باهتمامه وحنانه .. لم يكن ينقصها شيئ من ذلك ..

مرارة الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن