الجزء الاول

2.3K 47 1
                                    

قال الرجل العجوز ، والد الفتيات الثلاثة ، وهو يجلس وسطهن بكل حب وحنان ، قال:
--غداً سيعود صدر الدين من السفر بعد غياب سبع سنوات ..كنتن لاتزلن صغاراً عندما غادر البلد الى استراليا..لابد انه كبر كثيرا فقد سافر وهو بعمر الثالثة والعشرين.
هتفت البنت الأصغر بينهن :
-- واخيراً سنرى صدر الدين هييي!
ضحك الاب وقال:
-- الهذه الدرجة متلهفة لرؤيته؟
-- متلهفة لأنكَ تحدثنا عنه دائما.
وقالت البنت الكبرى :
-- فعلا..ينتابنا الفضول لكثرة حديثكَ عنه ..هل سيكون لازال بنفس الصفات التي قلتها عنه؟
-- لم اكن اعلم ان حديثي عنه سيخلق كل هذا الفضول عندكن.!
ثم التفت لأبنته الوسطى ،وقال :
--  ماذا عنكِ يا ملاكي ؟..ألا ينتابكِ الفضول مثل اختيكِ؟!
--  لا انكر أن لدي بعض الفضول..لكن ليس فضولاً قاتلاً مثلهما..فهو مجرد انسان عادي مهما كانت مواصفاته !
دغدغ على شعرها بيده وقال:
--  لسانكِ دوماً ينقط بالحكمة ياملاكي !
نظرت أليه الاخرتان بعتب واحتجتا على مدحه لأختهما ، كما يفعل دوماً. فقال ضاحكا :
-- كلكن ملائكتي الجميلات..وانا فخور بكن واحبكن يا صغيراتي.
-- سنسميك تشارلي ؛ مادمنا ملائكتك !
ضحك الجميع ،وعانقوا بعضهم .ثم خرج الاب الحنون ، ليرى مالذي تحتاجه سيدة القصر الذي يأويهم ، لأستقبال ولدها الوحيد"صدر الدين".
..........................................................
بدأت السيدة نور ،والدة صدر الدين ، بأعطاء اوامرها وتوجيهاتها لحاشيتها، أستعداد لأستقبال ولدها. وقد كلفت الرجل العجوز، والد الفتيات الثلاثة ،بمهمة جلب بعض طلبات طباخ القصر .كما طلبت منه ان يطلب من احدى بناته المجيء للقصر لتنظيف غرفة صدر الدين ،حيث الخادمات مشغولات جداً ببقية التحضيرات ،وقالت:
-- ضروري تجلب احدی البنات.. فكما تعلم يا ابو حوراء
أن عودة صدر الدين كانت مفاجئة وغرفته مغلقة ،
ولم يقم احد يتنظيفها منذ اشهر ..وارجو ان لايكون
بالامر احراجاً لكَ او للبنات..لكن كما ترى الكل مشغول .

ابتسم ابو حوراء وقال برحابة صدر : كلا سيدة نور..  --لايوجد اي احراج ..انا وبناتي تحت أمركِ..انت صاحبة فضل علينا..سأعطي هذه المهمة لأبنتي سمراء ، فهي تحب التنظيف والترتيب جدا.
ابتسمت السيدة وأومات بالرضا والموافقة. لكنها طلبت
منه ان يستعجلها لأن صدر الدين سيصل بعد ساعة واحدة فقط.
............................................................
ذهب الرجل العجوز واخبر ابنته الوسطى  بالمهمة المكلفة بها.
حين سمعت والدها يطلب منها ذلك ، اصيبت بتوتر ،ولا تدري مالسبب، لكنها استعدت لتنفذ المهمة.
................................................................
كان منزل الرجل العجوز وبناته الثلاثة ،عبارة عن احد ملحقات القصر الكبير ،الذي يتواجد في الجهة الجانبية للقصر .
.............................................................
دخلت سمراء القصر وسلمت ع السيدة نور ،بأستحياء ،قبلتها السيدة ،وقالت :
-- أهلا بك حبيبتي..ارجو ان تعذريني لتكليفكِ بمهمة التنظيف ..لكن الكل مشغول وصدر الدين اراد ان يجعل
عودته مفاجأة لي..ووقت عودته اقترب !
-- بأذن الله يصل بالسلامة..هل الغرفة مفتوحة ام مقفلة؟
اخبرتها أنها قامت بفتحها قبل قليل ، وبإمكانها أن تبدأ العمل حالاً ، واخبرتها عن اتجاه ومكان تواجد الغرفة.
..................................................................
صعدت سمراء درجات السلم ، بخطوات مرتبكة ،وهي تنظر لأرجاء الطابق العلوي، منبهرة بالتصاميم الجميلة للقصر، وشاعرة بالخوف بالوقت ذاته دون  أن تعرف لماذا.
وصلت الغرفة المطلوبة ،وفتحت بابها ودخلت.
نظرت حولها ،وقالت لنفسها: اوو...الغرفة تحتاج الكثير
من الجهد..ارجو ان أكملها قبل عودة الرجل !
.................................................................
وضعت سمراء دلو التنظيف الصغير ،وبعض قطع القماش ،وفرشاة صغيرة ،تستخدمها لإزالة الاتربة من
على الاسطح والزوايا ،وضعتها أرضا ،وراحت تجول
بنظرها لأرجاء الغرفة ،اعجبها تصميم الجدران الراقي ،
رغم قدمهِ ،وأعجبتها اللوحات المعلقة والكتب القديمة والتحف، وفكرت ، كيف سيكون صدر الدين الآن ، إذ كان في صغره مولعاً بالكتب والاشياء القديمة !
هل اصبح أكثر ولعاً بها ،أم أن الغربة غيرت طباعه، وسيغير الغرفة، ومافيها ، آلمتها فكرة تغيير الغرفة والتخلص من كل تلك الاشياء الاصيلة ،فهي أيضا تعشق الكتب والاشياء القديمة .
انتبهت من شرودها ،وبدات بأزالة الاتربة من الاثاث والاسطح.
.........................................................................
اتصل صدر الدين بوالدته ،معلنا لها أنه سيصل في غضون دقائق معدودة .
فاطلقت صيحة انذار للجميع  بفرحةٍ عارمة  ، وابلغتهم بالتهيأ لاستقبال ولدها الوحيد .
وكان والده السيد بهجت  وبعض المعارف ، قد ذهبوا لأستقباله في المطار.
............................................................
بدأت سمراء بتلميع الاثاث والاسطح ، بعد ازالة الاتربة منها، وجذبها وجود كتاب ذات حجم كبير ،قرأت العنوان: الليالي البيضاء..واوو..كم تمنيت أن اقتني هذا الكتاب..وأخيرا وجدته!
وجلست ع طرف السرير وراحت تقلب صفحاته بحبور ،وسرحت بعالم آخر  وهي تقرأ كل تلك الكلمات التي طالما أحبتها وقرأتها على الانترنت..لكن الامر يختلف بالنسبة لها، حين تمسك بكتاب وتقرأه هكذا.
................................................................
وصل صدر الدين ، ومن معه ، وملأت الفرحة أرجاء القصر ،.
احتضن أمه بشدة واحتضنته وهي تبكي وتشمه بكل شوق.
وبعد أن سلم على الجميع وتعرف على بعض العاملين الجدد في القصر، جلس قبالة والدته ،وكان الرجل العجوز ، يقف إلى جانبه،
فألتفت له صدر الدين قائلا:
--أجلس أيها العم العزيز فقد أشتقتُ لكَ كثيراً..أشتقتُ لأحاديثكَ الجميلة التي كنت تحكيها لي قبل سنوات !
جلس العجوز وقال وهو يضحك:
-- يااه..كانت اوقاتاً جميلة بوجودك يابني..لكن عمك
العجوز لم يعد يجيد سرد الاحاديث كالسابق !
سأله صدر الدين بفضول عن  الفتيات ؟
واجابه انهن بخير.
واحس السيد بهجت ،أن صدر الدين متعب ويغالب النعاس بصعوبة.
فأخبره أن بامكانه ان يذهب ليغتسل وينام ، ليرتاح من عناء السفر واتطريق.
فأستاذن الرجل العجوز ،وخرج .
فرك صدر الدين رأسه بكفه ،وقال : حسنا امي ..اظنني سأنام مباشرة..وساغتسل بعد ان اشبع نوما..فأنا لم انم
منذ البارحة.
فقالت أمه: حسنا ياولدي..اذهب لغرفتك .. أنها جاهزة لترتاح فيها.
.........................................................
أنتبهت سمراء، من شرودها في  الكتاب، و قامت واعادته لمكانه ،وقالت تحدث نفسها: يا الهي..نسيت ُ نفسي تماماً.
لم انتهي من التنظيف بعد والوقت داهمني !
واكملت ماتبقى لها من تنظيف الغرفة  بسرعة ،وهمت بالخروج منها.
وقبل أن تفتح الباب ، فوجئت بدخول صدر الدين .
دخل وأوصد الباب خلفه ،حيث لم ينتبه لوجودها في بادىء الأمر ؛ لشدة تعبه.
تسمرت مكانها وقلبها بدأ يخفق بشدة ،واصابت الرجفة جميع اطرافها.
نظر إليها، وتسمر هو الآخر مكانه ،غير مصدق مارأى ،ورفع حاجبيه بتساؤل.
قالت محاولةً الخلاص من هذا الموقف المثير للإحراج والارتباك
بالنسبة لها :
--  أا...لقد أكملت تنظيف الغرفة.
ابتسم هو وقال:
--  تسلم يداكِ وشكرا.
وضلت متسمرة بمكانها ، تنتظر ان يفسح لها الطريق للخروج ، حيث كان يسده بجسده الضخم .
لكنه كان شارداً ، بالنظر إليها...إلى ذلك الجسد المرتعش والوجه البريء والعينين الساحرتين .
احست بنظراته لها ،فقالت:
--أ..أ تسمح لي بالخروج؟
-- كلا..لا أسمح لك !
نظرت بإرتباك لعينيه الجريئتين ، واطرقت بنظرها للارض بسرعة ، كما لو أن عيناه قد اصابتها بصعقة كهربائية.
ولاحظ هو أرتجافها فقال مطمئناً لها:
-- أنا أمزح طبعاً..وأعتذر.. تفضلي.
وفتح الباب ليسمح لها بالخروج ، وما أن تحركت خطوتين لتخرج ، حتى استوقفها واضعاً يده أمامها ،وتسآل:
-- أ تعملين هنا؟
-- كلا..أنا أسكن مع والدي واختاي في الملحق الابيض للقصر..وانا هناللمساعدة في  التنظيف لأن الجميع مشغول.
-- أتقصدين انكِ ابنة العم ابو حوراء؟!
فأومات بنعم . ابتسم وسرح  قليلاً ، ثم سألها:
-- هل أنتي حوراء؟
-- كلا..أنا سمراء .
-- ياااه..لقد كبرتن كثيراً...كنتن اطفالاً قبل سبع سنوات !
وانتبه لخوفها وأرتباكها ،مرة أخرى ،فأفسح المجال لها لتخرج ،قائلا:
-- لقد اتعبناكِ معنا..شكراً لك مرة اخرى.
فقالت وهي تطرق بنظرها ،وتهم بالخروج:
--  لا ..لا يوجد تعب.
واسرعت بخطواتها ،وهي ترجو ان لا يعرف أحد بهذا الموقف المحرج الذي تعرضت له.
بينما ضل هو واقفاً يراقب خطواتها المضطربة، حتى توارت عن انظاره ،فدخل غرفته وهو يبتسم ، وألقى بنفسه على السرير .
..........................................................
تسللت طريقها بحذر ،خوفاً من أن تثير الشك حول بقائها مع صدر الدين بغرفته لوحدهما.
وصلت أخيرا منزلها الصغير ،وجلست وهي تحاول تهدأة قلبها من الخفقان الذي أصابه.
خرجت اختها حوراء ،من أحد الغرف،وشاهدت منظرها المريب ،فاقتربت منها وسألتها:
-- مابكِ سمره ؟ تبدين شاحبة ومضطربة !
-- أنا..ليس بي شيء..انا بخير !
-- لماذا تبدين شاحبة أذاً ويداك ترتجفان؟ هل عدت من القصر لتوك؟ هل قابلت صدر الدين؟..مالذي حدث بينكما؟
--أسكتي..لاليء يسمعك أبي.. قابلته نعم..لكن لم يحدث شيء.
فتحت حوراء عيناها وفمها مصدومة ،وقالت:
-- أحقا قابلتيه؟! احكي لي كيف ومالذي قاله او فعله لك؟!
--  قلت لكِ لم يحدث شيء..كل ما في الامر اني تاخرت بالتنظيف..ولم اشعر إلا وهو يدخل غرفته..قبل خروجي منها و...
قاطعتها حوراء بفضول:
-- كنتِ لوحدكِ في الغرفة؟! ودخل هو؟!
نظرت إليها سمراء بتعجب وقالت:
-- ارجوكِ حوراء ..لا تبدأي برسم تخيلاتكِ..الرجل كان مهذباً ومحترماً ..لكن تعرفين أني لم اعتد الحديث مع صنف الرجال .
-- تعنين إنكما تحدثتما..احكي لي بالتفصيل.
--  أرجوكِ حوراء..لاتكبري الامور..سأحكي لكِ بالتفصيل ماحدث..لكن لا تخبري ابي ..سيكون موقفي محرجاً أمامه.
وحكت لها كل مادار بينها وبين صدر الدين من حديث عابر وبرىء.
وراحت حوراء تسألها بفضول عن صدر الدين..كيف يبدو وهل يبدو شاباً انيقاً ام لا.
سرحت سمراء قليلا، ثم قالت تصفه ، دون وعي منها : لقد كبر كثيرا عن آخر مرة أتذكره بها..لكنه لازال وسيماً وانيقا..كانت نظرته..أقصد عيونه...
ضحكت حوراء وقالت : عيونه...نظرته..سحرتكِ ..أليس كذلك؟!
انتبهت سمراء من شرودها وقالت بخجل :
-- أرجوكِ حوراء..اصلاً أنا لم انظر لعينيه سوى نظرة خاطفة وسريعة !
وقفت حوراء وقالت وهي تتركها : حسناً..لابد إني سأراه يوما واكتشف مواصفاته..لان الكلام يخرج منكِ بصعوبةٍ  أيتها الخجولة !
.............................................................
نظرت السيدة نور ، للساعة المعلقة على الحائط ، أمامها، وكانت تشير للواحدة ظهراً، وقالت تحدث نفسها : حبيبي ..أنه متعب ..لكن لديه مشاوير مهمة يجب ان يقوم بها ! كما ان بهجت يحتاجه اليوم.
واجرت اتصالا بولدها صدر الدين.
استيقظ صدر الدين على أثر صوت هاتفه، فتناوله بكسل وأجاب: صباح الخير  امي..احقا..لم اشعر بالوقت..لقد نمت نوما عميقا..سأغتسل وأنزل حالا .
تثآب ومغط جسده ، وهم بالقيام، و وقع نظره على سائل البخاخ المنظف ،الذي استخدمته سمراء بتنظيف غرفته، والذي نسيته  بسبب الارتباك.
فمشى صوبه ،وتناوله بيده وراح يستذكر الموقف والابتسامة تملأ وجهه!
........................................................
بعد يومين..
انتهى الرجل العجوز ،ابو حوراء ،من تشذيب الحديقة وسقيها ، وأتجه لداخل القصر ، تنفيذا لطلب السيدة نور ،برؤيته.
القى السلام ،وردت عليه نور بسلام مماثل ،وهي تبتسم ،وقال هو: هل طلبتي رؤيتي ؟
أجابته : نعم ..تفضل اجلس يا ابو حوراء.
جلس قبالتها ، فقالت له :
-- صحيح أني اتعبتكم معي مؤخرا..لكن تعرف كم الجميع
مشغول.
-- أنا بالخدمة..أأمريني وسأنفذ !
--تسلم ابو حوراء..بصراحة كنت بحاجة لأحدى بناتك لمساعدة الخادمات في المطبخ
فكما تعلم نعاني من نقص فيهن ، والظرف الحالي يحتاج المزيد من العاملين ،فالضيوف كما ترى  يتوافدون بأستمرار لرؤية صدر الدين..كما أننا سنقيم عزومة الاسبوع المقبل ،ندعو بها جميع اقربائنا ومعارفنا.
-- أنا وبناتي بخدمتكم دوماً سيدتي إن شئت اجلبهن جميعا هنا ..أنتي صاحبة فضل كبير علينا.
-- ربي يحفظكَ ويحفظ بناتك..واحدة منهن تكفي..وإن لم ترغب أيٌ منهن بالقدوم فلابأس .
-- بناتي يسعدهن ان يخدمنكِ فأنت بمثابة الام لهن..اعتقد أن سمره ستكون مستعدة للقدوم هنا..حوراء وزهراء عندهن التزام بالدوام كما تعلمين.
-- ومن غيرها دوما متورطةً معنا !
وضحك الاثنان ، فقال هو : سمره ابنتكم وتحت امركم.
شكرته نور وابدت امتنانها له.
في تلك الاثناء ، نزل صدر الدين ، واقبل عليهما ،مبتسما، وهو يقول مازحا : ياصباح الوجوه الضاحكة...مالذي بينكما أيها العجوزان..هاا ؟!
ضحك الجميع وشعرت نور والرجل العجوز بالاحراج .
قبل امه،وألتفت للعجوز وقال: كيف حالك عم ابو حوراء..لم أرك منذ يومين!
فقالت امه: لم تره لأنك تقضي يومك بالنوم..حالماً يخرج الضيوف..رغم انكَ تعلم إن هذا لن يعجب والدك !
فقال صدر الدين : وهل برأيك نومي هذا كافيا،مقارنة بعدد الزيارات والضيوف؟!
فقال العجوز :  فعلاً بني..الضيوف يتوافدون بشكل مستمر..بلكاد تستطيع اخذ غفوة صغيرة.
فقام صدر الدين وعانقه ،قائلا: والله ياعم انت تحس بمعاناتي..احبك يا ابو سمراء..اقصد حوراء..لافرق اليس كذلك؟!
ضحك الجميع ،ثم غادر الرجل العجوز .
التفت صدر الدين لأمه وقال : ألا تخبريني عن الحديث السعيد بينكما..أفرحيني معكِ !
نظرت إليه بتوبيخ وقالت:
-- لا يروقني مزاحكَ هذا ياولد..كنت اطلب منه ان يجلب احدى بناته لمساعدة الخادمات ،فكما ترى الضغط كبير عليهم ، هذه الايام.
احس صدر الدين بتدفق الدم بقوة داخل قلبه ،لسماعه
هذا، وتسآل:
-- أحقا..أليس في ذلك أحراج ؟
-- لا تقلق ياحبيبي..انهم انسان طيبون وخدومون.. وبالاخص سمره.
-- ولماذا هي بلذات؟
-- لان  الاخرتان عندهما دوام..فحوراء موظفة وزهراء طالبة اعدادية.
-- ماذا عن سمراء..ألا تدرس او ماشابه؟!
--  انهت دراستها الاعداية ولم تكمل الجامعة..رغم معدلها العالي..اعتقد انها ضحت بنفسها لأجل عائلتها..والدها مر بفترة صعبة من المرض ،واختيها كانتا منهمكتان بالامتحانات..ولا ادري لما لم تكمل دراستها بعد تحسن الاوضاع.
ثم اضافت : اتعلم..هي من نظف لك الغرفة قبل مجيئكَ بساعة!
تصنع جهله بالأمر وقال:
-- أحقا؟! سلمت يداها والله...وياريت تطلبي منها ان تنظفها مرة أخرى..اعجبني ترتيبها وعملها حقا !
-- إن شالله ياولدي.
....................................................................
أبلغ الرجل العجوز ابنته سمراء ،بطلب السيدة نور .
فشعرت هي بشيء من الاحراج والارتباك من ان تقابل صدر الدين مجدداً ، لكن لم يكن امامها ان تحبط آمال والدها فيها ،وتقبل بالعمل في القصر .
...............................................................
خرج صدر الدين لقضاء بعض المشاوير المتعلقة بالشركة والعمل.
في طريق خروجه من القصر ،وقع نظره على أحدى بنات الرجل العجوز وهي قادمة بأتجاه المنزل الابيض الملحق بالقصر ،خمن انها حوراء الكبرى.
لاحظ أنها تنظر اليه بفضول ،فقرر أن يشبع فضولها ،وقال: مساء الخير آنستي..أكيد انت حوراء!
ابتسمت وقالت: مساء النور..نعم انا حوراء..وانت صدر الدين؟ !
فأوما بالايجاب ، ولاحظ بيدها بعض ادوات الرسم ،فتسآل: --أ تعملين بمجال الرسم؟
--  انا مدرسة رسم في احد المعاهد الاهلية.
-- عظيم..أنا اعشق الرسم..سأطلب منكِ ان ترسميني يوما !
-- بكل سرور..وأهلا بكَ في بلدك!
ثم ودعها واكمل طريقه بالخروج، وأتجهت هي لداخل المنزل ،فوجدت اختها سمراء قد اعدت لهم الغداء، وهمت بتجهيز نفسها للذهاب إلى القصر.
همست لها حوراء : لقد قابلت صدر الدين  !
ثم غيرت الحديث حين رأت والدهن يقترب.
وقالت :عزيزتي سمره..ستتعبين اكثر هكذا..يكفي عليك
تعبك معنا..وفوق ذلك ياتيك عمل القصر ؟!
وقالت زهراء : صحيح..أذا احتجتي مساعدة فانا موجودة.
ابتسمت سمره وقالت: فداكم تعبي..انا احب اعمال البيت كما تعلمان..لا تقلقا بشأني.
وجاء والدها وضمها أليه وقال : أنت فتاة طيبة القلب وحنونه..باركك الله يا ملاكي!
وطبع قبلة على جبينها .
وصاحت البنتان الاخرتان بمزاح: وماذا عنا نحن؟ نحن نغار !!
فعانقهن جميعاً وابدى حبه لهن، وضحكَ الجميع بحب .
....................................................................
بعد ان اكملت سمراء من اكمال عملها في بيت والدها ،أتجهت للقصر ، وألتقت بالسيدة نور ، التي أبدت أعتذارها لسمراء  ،
لكن الفتاة، اخبرتها أنها سعيدة بخدمتهم.
ثم قالت لها سعاد : حبيبتي سمره..مهمتك ستختصر على التنظيف فقط..فالخادمات بالكاد ينجزن عملهن
في المطبخ !
ابتسمت سمراء برقة وقالت: لا تهتمي سيدتي..أينما تحتاجون لي ساكون بالخدمة .
قبلتها نور ،وقالت : إذا ..فلتبدأي بتنظيف الصالة..قبل مجيء احدهم، بلا أمرا عليك .
..............................................................
بعد يومين من عمل سمراء في القصر..
عاد صدر الدين ، مساءا ، ليجد سمراء ، تقوم بمساعدة الخادمة في تجهيز السفرة.
فيلقي تحية المساء  ،ويتجه نحو  أمه ،ويجلس
على طرف المقعد  ويقبل يدها ويقول :
-- هل عاد والدي؟
-- نعم ..لقد عاد ..وذهب لمقابلة أحد رفقائه.
ثم قال وهو يلقي نظرة نحو سمراء :
--ألا تظنين ان هذا كثير على هذه البنت!
-- لقد كلفتها بمهام التنظيف فقط..لكنها تحب أن تساعد..
الخادمات في المطبخ .
-- هل نظفت غرفتي ايضا؟
-- لم اطلب منها بعد أن تنظفها...لقد تعبت اليوم..غدا
ان شاء الله .
قام وأخبر أمه انه سيذهب للأغتسال وتغيير ملابسه ،
ثم ينزل لتناول العشاء .
ولاحت منه نظرةٍ نحو سمراء ،اربكتها ،وجعلتها ترتطم بالخادمة ليبتسم هو ،وتبتسم هي الاخرى بخجل .
.............................................................
انهت سمراء عملها في القصر ،وعادت لمنزلها الصغير ، ووجدت ان اختاها قد جهزتا العشاء ،فقالت : أسفة لأني تاخرت عليكم اليوم ..لكني بقيت لأساعد الخادمات في المطبخ .
قالت حوراء: لاباس حبيبتي..ستكون وجبة العشاء ضمن  مهامي ،ريثما تنتهي فترة عملك بالقصر.
وقالت زهراء بمزاح : نحن نعرف كيف نعد الاكل..ليس
انتِ فقط !
ضحكت سمراء وقالت : هذا يعني أني أخيرا وجدت من يطبخ الاكل بدلاً عني ..لا عذر لكما بعد الآن !
فقالت حوراء بتهرب : لا ابدا..لا اعرف الطبخ..أنا فقط أحاول !
وضحكن ببرائة.
ثم قالت حوراء : الن تحكي لنا عن صدر الدين..قبل حضور أبي..لابد انكِ ترينه كل يوم.
اطرقت سمراء بأرتباك  ،وقالت : كلا..نادراً ما أراه..فهي رجل مشغول وكثيرا مايقضي وقته خارج القصر.
قالت زهراء وهي تلكعها بكتفها : امممم..ولماذا أذا هذا الارتباك حين ذكرنا اسمه؟!
قالت وهي تبتعد عنهما  : لستُ فضولية مثلكما لاهتم بأمره !
ثم ذهبت لغرفة والدها وهي تناديه ،هرباً من فضول الاختين.
بينما التفتت حوراء لاختها الصغرى وسألت:
--ماذا عنكِ..هل قابلتي صدر الدين ام بعد؟!
-- قابلته مرة واحده قبل ايام...كان هو صاحب الفضول وسأل عن اسمي وقال انه يهتم بالموسيقى ويشجع الذين لديهم موهبة العزف.
-- حدث نفس الشيء معي..هو من بدأ بالسلام والسؤال وقد ابدى حبه للرسم وطلب ان ارسمه يوما.
-- أ تظنين انه فعلاً يهتم بالرسم والموسيقى.
ام مجرد مجاملةٍ لنا؟!
سرحت حوراء قليلا ،بأفكارها ،ثم قالت :
-- لا ادري..لكن سمره قالت انه يبدو مولعاً بالكتب  واللوحات والتحف القديمة..لابد إنه شخص مثقف ويقدر الفن والثقافات..والله أعلم.
-- يحب الاشياء التي نحبها ثلاثتنا..انت الرسم وانا الموسيقى وسمره الكتب والاشياء القديمة .
-- ياللمصادفة..سأكتشف حقيقة شخصيته بنفسي..سأخبره أني مستعدة للبدأ برسمه..وستكون رسمة مباشرة..بوجوده!
...................................................................
في شركة صدر الدين للمقاولات العامة ..
يجلس صدر الدين خلف مكتبه مندمجا بتفحص بعض اوراق العمل .
تطرق السكرتيرة باب المكتب ، وتدخل لتقول : استاذ.. يوجد شخص يود مقابلتك..يدعى صهيب علي.
القى الاوراق من يده وقال والفرحة تعلو وجهه : صهيب؟! مستحيل..ادخليه فورا !
ودخل صهيب ،وترك صدر الدين مكتبه ومشى بأتجاهه
وهو غير مصدق إنه يرى صديق العمر امامه بعد فراق سبع سنوات .
صاح وهو يفتح ذراعيه ليعانقه : صديقي العزيز..صهيب !
صاح الآخر : صدر الدين الغالي !
وتعانقا وراح كل منهما يعبر عن أشتياقه ولهفته.
اجلسه صدر الدين ، على الاريكة الجانبية المتواجدة في الغرفة.
وجلس قبالته ،وقال :
-- اخيرا تذكرت ان لكَ صديق !
-- على اساس انك تذكرني !
-- اتصدق انني ولا يوم نسيتك..لكني كنت خارج البلد لسبع سنوات..وفقدت رقم هاتفك .
-- معذور صديقي..انا بصراحة كنت منشغلاً بأمور الدنيا..وبعد سنوات من سفرك ..أحسست انك لن تعود للبلد..ففترت لهفتي لصداقتك..لأني فكرت ان الغربة ستنسيك وتلهيك .
هز صدر الدين رأسه معاتباً وقال :
-- لا ياصديقي ..ليس انا من تلهيه الدنيا عن اهله وأصحابه..على العموم لنقلب تلك الصفحة مادمت قد حنيت وجئت لرؤيتي.
-- والله حالما سمعت بكَ في البلد..جئت لرؤيتكَ.
--  لن تغادر اليوم.. سأنهي بعض الاوراق ونذهب لنتغدى في منزلي..أم تحب ان اعزمك بمطعم ما ؟!
ربت صهيب على فخذ صديقه ،وقال:
-- تسلم يا حبيبي.. اتركها ليوم آخر.
--  مستحيل..يجب ان تسلم على الوالدة؟ لقد سألتني
عنك عدة مرات في مامضى..اكيد ستفرح بعودتك وتود لقائك.
استسلم صهيب لألحاح صديقه ووافق ان يذهب معه للقصر ،بعد ان ينهي القليل من اوراق العمل .
...............................................................
انهت سمراء اعمال التنظيف ،في القصر ،واستاذنت السيدة نور ،للذهاب لمنزلها.
شكرتها نور ،واخبرتها ان بامكانها الذهاب ،لكنها تذكرت ،ان غرفة صدر الدين لم ينظفها احد .
فشعرت نور بالاحراج وهي تقول :
-- أووه..لقد نسيت ان اطلب منكِ تنظيف غرفة صدر الدين..لكن لا بأس..سأطلب من الخادمات تنظيفها.
انتاب التوتر سمراء ،لكنها خجلت من ان تتجاهل الامر ، فقالت :
-- سأنظفها الآن..ليس لدي شيء !
-- اتعبناك معنا يا ابنتي..لكن صدر الدين سيفرح لو نظفتيها بنفسك..لقد اخبرني ان تنظيفك للغرفة كان رائعا.
فتحت سمراء فمها بتعجب ،وتظاهرت بالسعادة لسماعها ذلك، غير انها في الحقيقية كانت مستغربةً ،فهي لم تقم بتنظيف غرفة صدر الدين على اكمل وجه..بسبب الموقف المحرج الذي حدث لها معه.
قالت :
--سأصعد لأنظفها الآن قبل رجوع أستاذ صدر الدين.
واسرعت  لتنجز عملها ،قبل رجوعه .
...........................................................
عاد صدر الدين باكرا، وبرفقته صهيب.
كانت نور سعيدة بعودة صداقتهما ، وبدت تشرح لصهيب كيف ان صدر الدين كان يتمنى العثور عليه..وكيف انه لم يجد صديقا اقرب لقلبه منه.
وقف صدر الدين  وقال : حسنا ..بما أنكما مندمجان بالحديث..سأصعد لابدل ثيابي ..لنتغدى ونخرج  بعدها معا.
اومأ له صهيب بالموافقة ، وقالت نور موجهة كلامها لصهيب ،بعد ان صعد صدر الدين لغرفته  : انتظرني دقيقة واحدة..ساطلب ان يجهزوا الغداء واعود .
فقال صهيب : ارجوك خالتي..لاتكلفي نفسك العناء..لا اريد ان اكون ضيفا ثقيلاً.
فردت عليه بعتب : أولاً انتَ لست ضيفاً..انت احد افراد العائلة..وثانيا..الغداء موجود اصلا..انا فقط اطلب منهم
ان يجهزوا المائدة.
ولشدة لهفتها بعودة صهيب ،نسيت أمر المسكينة سمراء !
............................................

الإختيارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن