وصل صدر الدين غرفته ،وكما في المرة السابقة ،دلف واغلق الباب ، دون ان يعلم بوجود سمراء.
وقف مبتسماً وهو ينظر إليها ، وهي تقف فوق الكرسي لتمسح ما لاتطيله قامتها.
تسمرت فوق الكرسي ، كما لو أن قدماها قد شلت .
حاولت النزول ، دون ان تنظر لطريقها ،فقد كان نظرها بإتجاه صدر الدين ،لشدة خوفها وارتباكها.
ادرك صدر الدين عدم انتباهها ، وخوفها ،فأسرع ليلتقطها ،عندما زلت قدمها من الكرسي ، وهي تحاول النزول بشرود.
سقطت بين ذراعيه ، وتلاقت نظراتهما .
كان هو مبتسماً ومستمتعاً بالحدث، بينما هي ترتجف خوفاً وارتباكاً .
ترفق بحالها وافلتها لتطمئن ، وهو يقول وعيناه شاخصتان بعينيها :
-- ارجو ان لايكون عندكِ شك..انها مجرد مصادفة !
تماسكت وبلعت ريقها وقالت بتلكأ:
-- لا ليس عندي شك..وانا اعتذر لأن وقت التنظيف تزامن مع وقت عودتكَ للمرة الثانية.
-- لا بل انا من يجب ان يعتذر.. واشكركِ جداً لتعبكِ معنا...سأعود ادراجي لتكملي التنظيف.
-- لا...سأكمل التنظيف فيما بعد.
واتجهت نحو باب الغرفة لتخرج ، فأستوقفها قائلا : --سمراء..هل لنا ان نتحدث في وقت ما؟!
اطرقت بنظرها وقالت بتوتر :
-- تحت امركَ بأي وقت..عن أذنكَ .
وغادرت الغرفة ، وكل شيء فيها يرتعش !
....................................................................
نزلت ، فشاهدتها نور وكذلك صهيب ،ولاحظا توترها.
فقالت نور :
--- سمره..اسفة ياحبيبتي نسيت انك فوق..ولم اخبر صدر الدين..أ كل شيء على مايرام؟!
-- نعم ..لكني لم انتهِ من التنظيف..سأنظفها غداً .
-- شكرا لكِ حبيبتي..تفضلي خذي راحتك.
واسرعت بالخروج من القصر ،ونظرات صهيب المتفحصة تلاحقها.
............................................................
تسآل صهيب بفضول : أ هي عاملة لديكم؟
فردت نور : كلا..أنها أبنة البستاني ، وتاتي للمساعدة , بسبب النقص لدينا في العاملات هذه الفترة.
..............................................................
دخلت سمراء منزلهم ، وتحاشت رؤية اختاها او اباها لها، خوفا من أن يروا علامات التوتر التي أصابتها.
واسرعت لغرفتها واغلقت الباب ،وراحت تفكر بما حدث معها..ولماذا هذه الصدف بينهما!
.........................................................
نزل صدر الدين ،وقال وهو يجلس بجانب والدته : هاا...هل نتغدى الآن؟
قالت نور : نعم لقد جهزوا السفرة.
وأتجهوا لركن الطعام ،تتقدمهما نور ، فأمسك صهيب بذراع صدر الدين، مستوقفاً إياه هامساً بأذنه :
-- لننته من الغداء بسرعة...الفضول سيقتلني حول البنت التي نزلت قبل قليل !
انكمشت ملامح صدر الدين ، وارتاب قلبه من قصد صديقه.
أهذا يعني أن الفضول أصابه ليعرف ماحدث بينهما ، ام يقصد أن البنت اعجبته وسيعترف بذلك له ؟!
التفت صدر الدين لوالدته وقال :
--هل اتصل بكِ والدي يا امي ؟
-- نعم ياعزيزتي...اتصل قبل مجيئكَ بقليل...وقال أنه سيعود غدا صباحاً ..بأذن الله.
سال صهيب : فعلا..لم أر عمي بهجت في الشركة !
قالت نور : أنه في محافظة البصرة منذ اسبوع..لديه صديق
هناك..حالته الصحية سيئة..فقرر البقاء بجانبه لفترة..عله يتحسن بوجوده !
قال صهيب مازحاً : أ انتِ متأكدة من انه صديقه!؟
لم تفهم نور قصده ، وتدارك صدر الدين الموقف، وقال: صهيب يحب المزاح السخيف..تجاهليه يا امي !
وضحكت امه بوقار ، وقالت : اهاا هكذا إذا !
..................................................................
بعد أن انتهى صدر الدين وصهيب ،من تناول الغداء ، خرج الاثنان ، ليكملا أحتفالهما بعودة الصداقة ،خارج القصر.
انطلق صدر الدين بسيارته الفارهة.. فقال صهيب :
-- أ ستخبرني الآن ام بعد أن نصل الكافتريا؟
قال صدر الدين ، بتذمر :
-- مابكَ انت؟..لما هذا الفضول القاتل؟
-- انا فضولي..كماتعلم !
لم يعلق صدر الدين ،فأضاف صهيب :
-- بصراحة البنت جميلة جداً..وليس من المعقول إنك لم
تفعل لها شيء !
انزعج صدر الدين من تلميحات صديقه ، فأوقف السيارة بشكل مفاجىء ، حتى ان صهيب ظن ان حادثاً قد اصابهما.
قال بتحذير :
--صهيب..هذه البنت محترمة جداً..وانا لم افعل لها شيء كما يصور لكَ عقلكَ التافه !
-- ولماذا انت منفعل هكذا؟..انا احب المزاح ..لكن برب
قل لي..الم تدخلها ببالك؟! لقد رأيتها وهي تنزل من عندك مرعوبة وشاحبة.
نظر إليه صدر الدين بطرف عينيه وهز رأسه يائساً..وشغل السيارة وانطلق بها من جديد.
واضاف صهيب :
-- برأيك لماذا كانت شاحبة ومرتبكة طالما لم تفعل لها شيء؟!
-- من الطبيعي ان ترتبك وتخاف..فهي بنت ومن الصعب عليها ان تكون مع رجل لوحدهما ..خصوصا سمره..أنها بنت خجولة وبريئة !
-- كنتما لوحدكما في الغرفة؟! وتريد ان تقنعني انكَ لم تفعل لها شيء؟!
تنرفز صدر الدين وصاح به :
-- أتعلم...سأنزلك من السيارة واعود ادراجي للبيت !
ضحك صهيب وقال :
-- لم اعرف انك تتنرفز بهذه السرعة ! حسناً سأسكت.
وبعد لحظات من الصمت ، اضاف صهيب مازحاً وهو يری شرود صديقه :
-- لكن البنت فعلا جميلة ..من حقك أن تعجب بها .
-- صهيب..كف عن الثرثرة !
اطلق صهيب ضحكةً وإكتفی صدر الدين بالتبسم.
........................................................... .....
عاد صدر الدين ،لمنزله ، في وقت متأخر من الليل ، بعد
ان قضى اوقاتاً صاخبةً بصحبة صديقه صهيب.
دخل المنزل وكان الجميع نيام ، وصعد لغرفته .
جذبه انتباه ،الضوء الخافت القادم من شرفة الغرفة ،فذهب ليرى مصدره ، وكان مصدره غرفة الاخوات ،في المنزل الصغير.
وراح يتأمل والتخيلات تملأ ر أسه .
...................................
بذات الوقت ..
كانت الأختان حوراء وزهراء ،قد خلدتا للنوم باكراً ، لكن سمراء لم تشعر بالنعاس لانها اكتفت بالنوم الطويل الذي غلبها ،ذلك اليوم.
ولما احست بالملل ، بعد نوم أختيها ، وعدم رغبتها بالنوم ،
اتجهت للشرفة المطلة على القصر ،تحديدا ، على غرفة صدر الدين.
خرجت ،وهي تلف نفسها بغطاء صوفي ، بينما كان هو..يقف فاتحاً ازرار قميصه جميعها ، تاركاً الهواء البارد يداعب جسده الحنطي .ويعبث بأطراف قميصه ويطّيره بكل الاتجاهات.
...............
يراها فيبتسم ويرمقها بنظرات حالمة ،فتصاب بالدهشة لرؤيته..وتقف عاجزة عن الهرب من ذلك المشهد الليلي الساحر .
يلوح لها بالسلام ،فترتبك وتلوح له ببلاهة ،وتسرع داخل الغرفة وتغلقها.
وتقف ، وقد أخذت الرجفة منها كل مأخذ.
تضع يدها على قلبها المسرع بضرباته ،وتقول لنفسها :
ماذا سيقول عني بعد ان شاهدني اقف هناك بهذا الوقت من الليل؟!
..................
أما هو فقد شعر بالإنتشاء لرؤيتها ، ودلف لغرفته ،مبتسماً والقى بنفسه على سريره واغمض عينيه على صورتها الملائكية.
........................................................................
...................................
في الصباح ، أستيقظ صدر الدين على صوت رنين هاتفه .
تناوله بكسل وأجاب . أتاه صوت اجش من الطرف الآخر ، فنهض بخفة وقال : صباح الخير أبي..متى عدت....أحق..دقائق وأنزل.
.........
قال بهجت ،بصرامة، موجها كلامه لزوجته نور : هل هذا
هو صدر الدين الذي طالما انتظرت عودته على أحر من الجمر..هل يقضي نصف يومه بالنوم..تاركا الشركة ومافيها بيد الاغراب؟!
دافعت نور عن ولدها قائلة :
-- كلا بالطبع..صدر الدين أهل للمسؤلية..وليس من عادته ان ينام لوقت متأخر هكذا..أنه فقط متعب لانه قضى يومه بصحبة صديقه صهيب وتأخر في المجيء ..قليلا.
فصاح بها :
-- ياسلام...متعب من الفرفرة..وايضا عاد للمنزل متأخرا؟! وتقولينها بفخر !
أدركت نور انها بذلك لا تنقذ ولدها من غضب ابيه ، بل زادت الطين بلة !
نزل صدر الدين ، وسلم على أبيه ،الذي لم يرد السلام .
جلس قربه متوجساً منه ، حيث ادرك ثورة الغضب التي يحاول أباه كتمها.
بدأ بتناول فطاره ، وهو يبتلع اللقمة بصعوبة ، بسبب نظرات الاب الحادة.
فقرر ان يكسر حاجز الغضب الكامن ،حتى وإن انفجر عليه !
فذلك ارحم بكثير من تلك النظرات التي جعلت الطعام يقف في بلعومه ! فقال:
--أ تود ان تقول شيئاً يا والدي؟
-- كنت أظنك اكثر نشاطاً ..لكنك خيبت ظني..تنام للعاشرة
وتعلم ان والدك ليس موجوداً ليدير الشركة..كيف لكَ أن تترك مالنا وحلالنا بيد الاغراب؟!
أطرق صدر الدين ،ثم قال :
-- أنها المرة الاولى ..أتأخر فيها هكذا وأمي شاهدة.
اومات نور بالايجاب.
فقال بهجت بسخرية :
--هه..امك الحنونة التي طالما كانت تغطي افعالك !
انفعل صدر الدين وهب واقفاً ،وقال بتشنج ، وهو يترك المائدة :
-- أنا ذاهب للشركة !
-- أذهب ..ماذا تنتظر؟!
وخرج صدر الدين ، منزعجاً ومحبطاً .
تلاقت معه سمراء ،التي جاءت لتبدأ عملها بالقصر ، وجها بوجه.
نظر اليها ،وواصل طريقه للخروج ، دون ان يتفوه بكلمة.
أستغربت سمراء من موقفه ، وقالت لنفسها : البارحة سلم علي من الشرفة..واليوم وجهه بوجهي ولم يلقي السلام مابه هذا الرجل؟!
لكنها حين واصلت سيرها نحو الداخل ،سمعت بعض الحديث بين بهجت وزوجته ،وفهمت أن والده قد وبخه ،فخرج منزعجاً ولم يلق التحية .
قالت نور ،بعد ان خرج صدر الدين :
-- لماذا انتَ متشدد معه هكذا؟..صدر الدين أبني..بألف رجل وانت تدرك ذلك لكن لا ادري لما اسلوب القسوة هذا معه !
-- وهل تريدين ان اعامله برقة مثل النساء؟!
-- تعرف كم هو شخص مثقف وواعي وحساس.. ويكفي
أنه يتحمل كلماتك الجارحة ويكتفي بالصمت إحتراماً لك!
فيقف بهجت ويقول وهو يغادر غرفة الطعام :
-- سأخلد للنوم ..فانا متعب من الطريق !
.................................................................................................................
علمت زهراء بوجود اختها سمراء في غرفتها واخبرت حوراء بذلك .
أستغربت حوراء ،من تصرف سمراء ،فليس من عادتها ان تتجاهلهم هكذا وتصعد لغرفتها ، دون ان تطل عليهم .
طلبت من زهراء ان تناديها لتتغدى معهم .
وعادت زهراء لتقول : سمره تقول انها ليست جائعة الآن...ستنام قليلا وتأكل فيما بعد.
استغرب الجميع ، فهي لأول مرة ،تمتنع عن الاكل مع ابيها واختيها !
قال الاب : هل هي بخير ..هل تبدو مريضة او ماشابه؟!
نظرت حوراء لاختها زهراء ، نظرة تحذير ، فقالت زهراء : إنها
بخير..هي فقط متعبة..لقد عملت كثيرا في القصر اليوم !
قال الاب : حبيبتي المسكينة...فعلاً لقد تعبت كثيراً !
........................................................... .....
في المساء..نزلت سمراء ،بعد ساعات من النوم ، والقت تحية المساء على أبيها وأختيها.
وجلست وهي تشعر بالحرج ؛ بسبب ابتعادها عنهم يوما بأكمله.
قال الاب :
-- كيف حالكِ الآن ياملاكي..أ تشعرين بتحسن؟!
لم تفهم لما يسأل والدها عن حالها. ونظرت لأختيها بأستفهام.
فقالت حوراء محاولة تدارك الوضع:
-- نعم صحيح كيف حالكِ الأن..تعبت كثيراً في القصر !
ولم تفهم تماما ، ايضا ،لكنها اجابت : بخير الحمد لله.
وقامت حوراء وهي تقول : سأعد لكِ العشاء..هل ستأتين للمطبخ ام تأكلي هنا؟
وكانت تخبرها بلغة الإشارة ،ان تلحق بها للمطبخ .
فقالت سمراء : لاتتعبي نفسكِ سأعد بنفسي شيئاً آكله.
وذهبتا للمطبخ .
وبعد دقائق ،شعر الاب بالنعاس ،فأخبر بناته انه سيأوي لفراشه ،وطلب منهن النوم باكرا. و دلف غرفته.
فلحقت زهراء بأختيها في المطبخ.
نظرت سمراء ،لهما، وقالت: مالموضوع..لماذا يسأل ابي
عن حالي؟ وما الحركات التي تكلماني بها؟
قالت زهراء : لان حالكِ ..غير حالكِ يا سمره !
وقالت حوراء : بصراحة لم يكن وضعكِ اليوم طبيعياً..
عدت من القصرباكراً..وأتجهت لغرفتك دون ان نراكِ.. وامتنعتِ عن الأكل معنا..فأضطررنا ان نخبر والدنا إنكِ متعبة من العمل في القصر.
توترت سمراء وقالت : شكرا لكما..لكن انا فعلا متعبة من العمل في القصر..انا لا اكتفي بالتنظيف هناك فحسب..بل اساعد الخادمات بالمطبخ وغسل الاواني وغيرها.
تسآلت حوراء : تقصدين ان شيئاً لم يحدث معكِ هناك؟.. متاكدة؟
أنزعجت وقالت بإنفعال: لا لم يحدث شيء..ارجوكما توقفا عن الشك والفضول!
سكتت الاختان بعد ان احستا بانزعاجها .
.............................................................
أنت تقرأ
الإختيار
Romanceيعود من السفر بعد سنوات ليجد إن بنات البساتي الذي يعمل لديهم قد كبرن وأصبحن جميلات ،فيقرر وضعهن تحت الإختبار ليختار واحدة منهن زوجة له، فهل سينجح الإختبار أم سيكون للقلب رأي آخر؟