الجزء العاشر

620 28 9
                                    

ذهب سالم وجلب أبنتيه من المشفی لمنزلهما.
صعدت سمراء لغرفتها لترتاح وخلفها حوراء. فنادی سالم الأخيرة قائلاً:
ــ حوراء..إنزلي لنتحدث بعد أن ترتاحي.
ــ حاضر أبي.
وواصلت صعودها ودلفت لغرفتهن.
كانت سمراء قد تسطحت بسريرها وزهراء تدثرها بالغطاء بكل حنان.
تسآلت سمراء:
ــ هل..علم والدي شيئاً؟
أجابتها حوراء:
ــ وماذا إن علم؟ يجب أن يعلم ليتصرف وفق الأحداث.
ــ لكن..ماذا سيقول عني ؟ ملاكه الخجولة والبريئة تجرأت وأحبت ؟
ــ وهل الحب غلطة أم ذنب؟ حبيبتي سمره..يجب أن نضع والدنا بالصورة كلها..فإخفاء الأمر عليه سيكون أكثر إحراجاً لكِ إذما إكتشف الأمر بنفسه.
ــ معكِ حق..أخبريه إذاً إن أراد أن يعرف..لكن أرجوكِ لاتخبريه بكل التفاصيل .
إبتسمت لها وقالت:
ــ أطمئني..لن أحكي له كل التفاصيل..مع إن والدي رجل حنون ومتفهم ويثق بنا.. لكن كما تشائين.
......................................................
خرج صدر الدين ورفيقه من أحد المحال الخاصة ببيع الهواتف ، بعد أن إختار هاتفاً جديداً ، دفع ثمنه صهيب.
فقال صهيب وهو يستقل سيارته:
ــ علی الله لن تذلني مجدداً..وقد إبتعت لك َأغلی هاتف بالأسواق..سأطلب من والد حوراء أن يتساهل معي بالمهر..فأنا رجل مفلس حالياً.
ضحك صدر الدين وقال :
ــ نردها لكَ بزفافك صديقي.
واستقل سيارته هو الآخر وأنطلقا بطريقهما نحو منزل
صدر الدين.
..............................................
نزلت حوراء لتری مايريد والدها.
قالت:
ــ أأنت جائع أبي؟ هل أصب لكَ الغداء؟
ــ كلا يا أبنتي..أريد أن أحدثك قليلاً بشأن أختكِ.
جلست أمامه وأنتظرت مايقول. تنهد طويلاً ثم قال:
ــ لا أدري كيف أبد .. لكن يا أبنتي أريد أن أعرف كل التفاصيل بشأن أختكِ وصدر الدين..أريد أن أعرف إن كان قد حدث بينهما شيء أو تورطا بشيء !
ــ أبي..ألا تثق بسمره؟!
ــ أثق بها جداً..أثق بكن جميعاً..لكن الأمور التي تحدث من حولي تجعلني مشوشاً.
ــ أي أمور أبي؟
ــ بإستثناء وضع سمره..فأنا ألاحظ إن السيد بهجت يتصرف بشكل غريب في الآونة الأخيرة..يعاملني وكأنه ينوي معاقبتي ..أتعرفين شيئاً أجهله؟
ــ ياله من رجل خبيث ! كل مافي الأمر إن صدر الدين كلمه ليخطب له سمره فرفض..لكن صدر الدين واجهه
وتجادل معه..وهما لحد الآن لايتحدثان لبعض.
ــ بهجت رجل صعب ويهتم للمظاهر فكيف يتوقع صدر الدين أن يقبل بتزويجه ببنت البستاني الذي يعمل لديهم؟
ــ البستاني أشرف منه!
ــ لكن هذا ليس سبباً يجعله يعاملني بهذه الطريقة !
ــ أبي..أظنه يتعتقد إننا نستغل صدر الدين لنجعله يتزوج سمره.
ــ ياويلي لو كان هذا مايعتقده حقاً..سنغدو بنظره لاشي
بعد كل هذه العشرة بِسْمِ اللّٰـه
ــ إنه ناكر للعشرة ولايستحق أن تهتم لما يعتقده.
أخرج تنهيدة من صدره وألتزم الصمت.
فقالت حوراء وهي تحاول إبعاد الشعور بالإحباط عن والدها:
ــ لقد جعت أنا..هل ستأكل معي ؟
ــ حسناً..سنأكل جميعاً .
إبتسمت له ودلفت للمطبخ لتجهز الغداء الذي طلبت زهراء توصيله قبل عودتهم.
...................................................
وصل صدر الدين وصهيب المنزل.
إستقبلتهم نور برحابة . وسألتهما إن كانا يريدا غداءاً،
فقال صهيب:
ــ طبعاً نريد..فصدر الدين كان بخيلاً جداً معي هذا اليوم..رغم إنه كبدّني الخسائر.
ضحكت نور وقال صدر الدين:
ــ يالكَ من مفجوع.. لقد أكلنا برغر !
ــ وهل قطعة برغر واحدة كافية برأيكِ ؟
ــ قطعةبرغر مزدوجة !
ــ أتحسب اللقمة عليّ؟
قالت نور وهي تضحك :
ــ سأطلب تجهيز الغداء لكما حالاً.
ــ شكراً عمتي.أنتِ كريمة جداً عكس إبنكِ البخيل.
ــ أنا بخيل؟! حسناً ستری البخيل بحق منذ اليوم !
ــ أمزح يارجل..كلك كرم وسخاء !
ونادت نور علی احدی العاملات وأمرت بتحضير الغداء
لهما .
..............................................
بعد خروجه من صالة العمليات هو ورفيقه ، جلس عمر يجذب أنفاسه وهو يفرك كفيه بالمنشفة ويقول:
ــ يااه..لم أصدق إني سأنجح بهذه الجراحة..لقد كانت حقاً من أصعب العمليات الجراحية طوال مسيرتي المهنية !
قال رشيد:
ــ لقد إبدعت حقاً..ستكون حديث الصحف قريباً !
ــ لاتبالغ..ليس لهذه الدرجة.
ــ بل لهذه الدرجة وأكثر..أنت جراح عظيم وتستحق كل
التقدير .
ــ شكراً لكَ صديقي..وأنتَ والزملاء أيضاً كان لكم الفضل بتواجدكم معي.
ــ الحمد لله..هاا بهذه المناسبة الجميلة هل ستدعوني
لمكان جميل و...
ــ سأدعوكَ لأجمل وألطف مكان علی الإطلاق.
ــ يالله..أين؟
ــ سنذهب لمنزل الحوريات !
ــ هاا؟!
ضحك عمر وأكمل يقول:
ــ سنذهب لطلب يد سمراء .
ــ رائع ! هذا هو الكلام الجميل!
ــ لكن..
ــ لكن ماذا؟
ــ راحت عليك .
ــ ماذا تقصد؟
ــ أختها الجميلة .. يظهر أنها مخطوبة.
ــ لاتقلها يا رجل !
ــ هذا ماأخبرتني به عندما سمعتها تتحدث لأحدهم بالصدفة.. علی العموم لديها أخت أخری أزغر سناً.
ــ وماذا أفعل بالازغر سناً ؟ أربيها؟
ضحك عمر وقال:
ــ أنت تحب أن تجعل من نفسكَ كبير السن..لازلت فتیً شاباً ياعزيزي.
ــ فتیً شاباً قارب الدخول في الثلاثين !
ــ المهم جهز نفسك لنذهب هذا المساء لمقابلة والد سمراء.
ــ تمام..بالتوفيق.
ــ شكراً عزيزي.
......................................................
كان صهيب يتناول طعامه بشهيةٍ فيما كان صدر الدين
يجلس أمامه شارد الذهن.
إنتبه له كلا من نور وصهيب، فقالت نور:
ــ أبني.. طعامكَ سيبرد..ألن تأكل؟
إنتبه من شروده وقال:
ــ لست جائعاً أمي.. لقد إكتفيت بالبرغر.
فقال صهيب:
ــ أنت حتی لم تكملها !
وقالت نور:
ــ أبني حبيبي..لقد أصبحت نحيفاً منذ أن تعرضت للإصابة برجلك..والآن أنت أكثر نحافة وشحوباً ولا تأكل جيداً..أهتم بنفسك لأجلي !
ــ حاضر أمي..سآكل الآن .
وقال صهيب بصوت عالٍ وصل لمسامع طباخة العائلة:
ــ كُل كُل ياصديقي..فطبخ وداد مابعده طبخ !
سمعته وداد فصاحت :
ــ شكراً عزيزي صهيب.شهادة أعتز بها..هنيئاً ومريئاً علی قلوبكم.
ضحكت نور وهز صدر الدين رأسه وقال:
ــ أهم شيء بحياتك هو الطعام..ياتری هل تأكدت من زوجة المستقبل أن تكون طاهية جيدة؟
ــ أوو ..لقد فاتني هذا الأمر..لكن لايهم ..إن لم تجيد الطبخ فسأبحث عن طاهية مثل وداد.
ــ إطمئن..فحوراء طاهية جيدة.
قالت نور متفاجئة:
ــ حوراء؟ أتقصد حوراء بنت العم سالم؟
نظر الصديقان لبعضهما، فقال صهيب:
ــ أ..نعم عمتي..أعجبتني البنت وأخلاقها وقررت خطبتها.
ــ وهل أخذت موافقتها؟
ــ أكيد..هي موافقة.
ــ وماذا عن والدك؟
ــ والدي لن يمانع..هو يريدني أن أتزوج بأسرع وقت ولن يعارض إختياري.
أحست نور بغصة لأحساسها بالفرق بين بهجت بمعاملة أبنه وبين والد صهيب المتفهم. وقالت:
ــ بالتوفيق أبني.
ــ شكراً عمتي.
شرد صدر الدين ثانية..فقالت نور:
ــ ها قد عدنا للصفنات !
فقال فجأةً:
ــ أمي..كلمي والدي للمرة الأخيرة بشأن سمره أو أكلمه بنفسي..ومن الأفضل أن لايعارضني..لأني سأتزوج سمره
رغماً عن أنف الدنيا !
ــ الوضع الآن غير مناسب..فسمره لاتزال آخذة بخاطرها منكَ.. وأهلها كذلك.
ــ سمره تحبني.. ولن ترفضني حين اضعها أمام الامر الواقع وأطلبها من والدها.
قال صهيب:
ــ وانا أيضاً من رأيي هذا..هي الآن غاضبة..لكنها بالتأكيد لن ترفض الزواج منكَ.
وقالت نور:
ــ حسناً..سأتحدث لوالدكَ الليلة.. وبإذن الله خير.
............................................................
إتصل عمر بسالم وأخبره إنه سيأتي لزيارتهم ومعه الدكتور رشيد.
بعد أن أغلق الخط، قال سالم وهو يجلس بين بناته:
ــ الدكتور عمر قادم لزيارتنا الآن..إنه إبن أصول وشهم.
إمتعضت سمراء لانها لاتظنه كذلك، وقالت حوراء:
ــ ومالذي يأتي به الآن؟
ــ أكيد من باب الانسانية يريد الإطمئنان علی سمره.
ــ سأجهز له شئاً يشربه.
ــ إعملي حساب صديقه معه.
ــ صديقه؟!
ــ نعم..الدكتور رشيد.
ــ حسناً.
وتوجهت للمطبخ، فقامت سمراء وتبعتها وقالت بهد أن
دلفتا المطبخ :
ــ حوراء.سأصعد لغرفتي..وإن سأل عني أخبروه إنني نائمة.
ـــ لكنه جاء للإطمئنان عليكِ!
ــ لا أريده ولا أريد إهتمامه.إنا لا أرتاح له أبداً.
ــ عجيبٌ أمركِ..فالرجل لطيف ومهذب .
ــ لكن نظراته لي ليست بريئة !
ــ ربما هو معجب بكِ لكنه بالتأكيد ليس منحرفاً.
ــ المهم .. نا لاأريد رؤيته..سأخلد للنوم بالفعل.
ــ كما تشائين حبيبتي.
ــ تصبحين علی خير.
ــ و أنتِ من أهل الخير..لاتنسي أن تمسي علی الوالد.
سارت نحو والدها وقالت :
ــ أبي..أنا أشعر بالنعاس..سأذهب للنوم.
ــ لكن يا أبنتي عمر قادم لرؤيتكِ.
ــ ولماذا يريد رؤيتي؟!
ــ ليطمئن عليكِ فحسب.
ــ طمأنه عليّ وقل له إني بأحسن حال ..ليس بالضرورة أن يراني.
ــ أحقاً أنتِ نعسة لهذا الحد؟
ــ أجل أبي.
ــ حسناً لابأس.،إذهبي للنوم.
ــ تصبح علی خير أبي.
ــ وأنتِ من أهل الخير حبيبتي.
أسرعت للأعلی. وقامت زهراء لترتب المكان لإستقبال الضيوف. بعدها إتجهت للمطبخ حيث توجد حوراء
وقالت لها:
ــ ما بها سمراء ؟
ــ أظنها لاتستسيغ عمر.
ــ إنها لا تستسيغ أي رجل بالعالم !
وضحكت فقالت حوراء:
ــ صدر الدين هو الوحيد الذي نستثنيه من ذلك.
ــ وأين هو ياحسرة؟ لقد جعلتهُ يبتعد مكرهاً !
ــ سيعود صدقيني ..وستسامحه.
ــ إن شاء الله.
................
طرِق الباب ، فقام سالم لإستقبال ضيفيه.
بعد التحية والسلام بينهم ، جلسوا ببهو المنزل .فقال سالم:
ــ نورتونا دكاترة.
ردا بإمتنان:
ــ أنه نورك..تسلم ابو حوراء.
ثم قال عمر:
ــ طبعاً سبق وتعرفت علی الدكتور رشيد.
ــ أجل تشرفت بمعرفته.
كيف حال سمره ؟
ــ إنها بخير..بفضل الله وفضلكَ يا أبني.
ــ الحمد لله.
ــ الحمد لله.
ثم قام سالم وإستأذن منهما ،ليذهب ويأتي بأمور الضيافة التي أعدتها حوراء.
عاد وهو يحمل صينية المشروبات وبعض الكعك.
وقدم لهما فشكراه و جلس قبالتهما.
إنتاب عمر الفضول ليسأل عن سمراء. لكنه قال أخيراً:
ــ وأين هي سمراء الآٓن؟ ظننتها ستستقبل طبيبها.
ــ لم تقاوم النعاس فذهبت للنوم قبل قليل.
ــ أهاا..نوم العوافي.
ــ الله يعافيكَ.
ساد الصمت ببنهم ولم يعرف عمر كيف يبدأ طرح الموضوع. فتدخل رشيد لمساعدته وقال:
ــ عم سالم.. لقد جئناك اليوم بطلب.
ــ أأمرا ولداي !
نظر رشيد لعمر ليری إن كان سيتحدث ام يواصل هو
بدلاً عنه. فأشار له أن يكمل.فقال:
ــ سندخل بالموضوع مباشرة فلا داعي للخجل والتردد.
ــ ليس هناك مايدعو للخجل بيننا..خير ياولدي.
أراد رشيد أن ينطق فقال عمر مستجمعاً شجاعته:
ــ عمي ابو حوراء..أنا طالب يد الآنسة سمراء من جنابكَ.
تفاجأ سالم والتزم الصمت قليلا حيث فكر بصدر الدين
وموقفه . ثم قال:
ــ لنا الشرف طبعاً أن تناسبنا..وأنا شخصياً لن أجد زوجاً
أفضل منكَ لأبنتي..لكن ياولدي أنت فاجئتني..وعالعموم
لامانع لدي ومن دوعي سروري لكن يجب أن أكلم سمره وأری رأيها.
ــ طبعاً..بالتأكيد..خذوا الوقت الذي تريدون..فكروا علی
أقل من مهلكم.
ــ بإذن الله خير.
ــ بإذن الله.
.............................................................
غادر صهيب ، وصعد صدر الدين لغرفته، فيما جلست نور
تنتظر قدوم بهجت لتحدثه بشأن ولدها صدر الدين وسمره.
وجاء أخيراً، ودلف غرفته ليجدها بإنتظاره.
حيته فرد عليها ببرود.
وبدأ بخلع حذائه وسترته وإنتزع حزامه وألقاه فوق السرير ،ثم همّ بإخراج ملابس نوم من الدولاب الخاص به، وكانت نور تحاول جاهدة النطق والتحدث إليه.
فأدرك ذلك وقال:
ــ ألديكِ ماتقوليه؟ أم بأمكانكِ الإنتظار حتی أخرج من الحمام؟
ــ نعم لدي ما أقوله..فلتغتسل أولاً..وسنتحدث بعدها.
ــ أتمنی أن يكون خيراً.
ودلف الحمام الملحق بالغرفة، وجلست تنتظره.
.....................................................
بعد بضع أحاديث بين سالم وضيفاه. قرر الأخيران المغادرة، فخرجا وودعهما سالم وعاد لبهو المنزل
مصدوماً، كما هو حال بناته، اللواتي سمعن ما جاء به عمر، بمن فيهن سمراء.
نزلت تقول لوالدها:
ــ أبي..لِمَ لم ترفض طلبه؟
ــ ألم تقولي بأنكِ ستنامي؟
ــ لم يأتني نوم.
ــ كيف أرفض مباشرة؟ ثم لماذا أرفضه؟ شاب خلوق
ومرتب ومتمكن..ودكتور كبير..ماذا أريد لكِ بعد؟
ــ لكني لا أريده..لا أريد الزواج أصلاً.
ــ يا أبنتي هكذا قرار لايؤخذ بين ليلة وضحاها..أعطي الرجل فرصة وأعطي نفسكِ مهلة للتفكير..بعدها يمكنكِ أن ترفضيه.
ــ لكن...
وكانت تنظر لأختها بتوتر تطلب نجدتها. فتدخلت حوراء قائلة:
ــ أبي علی حق ياسمره.. يمكنكِ رفضه فلن يجبركِ أحد..لكن ليس من اللائق رفضه بهذه السرعة.
ــ لكني متأكدة من مشاعري..ولاأريده.
قال سالم:
ــ الموضوع لايمت للمشاعر بصلة..فليس كل زواج ينم عن مشاعر..أم إنكِ تقصدين بأن مشاعركِ تميل لرجل آخر؟!
إرتبكت سمراء وأحست بالإتهام..فقالت:
ــ مشاعري لاتميل لأحد ..إطلاقاً ! ولن أتزوج عمر ولا أي شخص آخر !
وأسرعت تصعد السلم بأنفعال وقد بدأت بالبكاء.
تنهد الأب وجلس يائساً، فربتت حوراء علی كتفه وقالت:
ــ إعذرها أبي..فهي لاتزال متعبة..الدكتور عمر إستعجل
بطرح الموضوع.
ــ أعذرها..لكن عمر رجل كامل المواصفات..أليس أفضل من صدر الدين الذي فعل مافعله معها؟
ــ ليس مسألة صدر الدين..هي فقط لا تستسيغ عمر.
وقالت زهراء:
ــ لم يكن عليه أن يطلب يدها الآن وهو يعلم إنها تمر
بأزمة عصبية !
قال سالم:
ــ إذهبا للنوم الآن..فرأسي متصدع وارغب بالنوم .
ــ حسناً أبي..تصبح علی خير.
وصعدتا لغرفتهما.
فيما دخل سالم غرفته وجلس علی طرف السرير وعصر رأسه وقال يحدث نفسه:
ــ كل ما أريده يالله..أن أطمأن علی بناتي..فلترزقهن علی قدر نياتهن.
.......................................................
إنتهی بهجت من حمامه وعاد ليجلس علی سريره بعد أن أتم تنشيف شعره .وقال:
ــ خير إن شاء الله؟!
ــ كل خير.
ــ قولي ماعندكِ إذاً.
ــ أ...صدر الدين..
ــ آ..،مدللكِ..مابه؟
ــ بهجت ..أرجوكَ كفاك تحاملاً عليه..إنه إبنك يارجل!
ــ نور ! قولي ماعندكِ !
ــ صدر الدين متمسك بسمره ..الولد يحبها..ألا تعرف معنی يحبها؟
ــ للأسف لم أجرب الحب !
كانت كلماته كسكين غرسها بمنتصف قلبها، فبعد كل الحب الذي كنته له طوال تلك السنين..يقول ذلك؟!
تجاهلت الرد علی تعبيره هذا لأجل ولدها، وقالت:
ــ أنتَ معذور إذاً لانكَ لاتعرف معنی الحب..لكنكَ لن تكون معذوراً حين تكسر قلب إبنكَ وتقف بطريقه..
دع الولد يتزوج بمن يريد..وكفاكَ تكبراً علی خلق الله !
ــ أخبري إبنكَ المدلل ..إنني لن أغير موقفي أبداً ما حييت.. وإن كان يرغب بمخالفتي فهو حر..لكن عليه
إن ينسی إن له أب إسمه بهجت !
ــ هذا ظلم!
ــ هذا قراري!وهيا إطفئي الضوء أريد أن أنام..لدي عمل في الصباح.
أحست لأول مرة إنها تكرهه وتستحقره.
أطفئت النور .فأغمض عينيه وغط بالنوم. وراحت هي
تضرب أخماساً بأسداس ليأسها وحيرتها.
............................................................
كانت سمراء تبكي بصمت تحت غطائها، فنظرت إليها إختاها بتعاطف لكنهما ألتزمتا الصمت. وتسطحت كل منهما بسريرها.
إلتقطت حوراء هاتفها وتفحصته، فوجدت بضع رسائل
من صهيب، وكذلك رسالتين من صدر الدين يسأل فيهما
عن حال سمراء.
تجاهلت الأثنين ووضعت هاتفها جانباً وحاولت أن تخلد للنوم.
..........................................................
في اليوم اليوم التالي..
خرجت الأختان حوراء وزهراء لدوامهما. وكذلك سالم
خرج ليری أعماله في البستان.
وجلست سمراء تفكر بما آلت إليه الأمور.
فكانت تقول بينها وبين نفسها:
ــ ماهذه الحيرة يارب ! لقد نهرتُ صدر الدين وأنا أحبه
والآن ظهر لي عمر هذا..ووالدي علم بما بيني وبين صدر الدين من خلاف..سيتمنی أن أقبل بعمر وأخشی إني سأخيب أمله !
ثم تنهدت وقالت:صدر الدين !
.......................................
وكأنما سمعها هو، فقال وهو يكمل أرتداء ملابسه :سمره!
نزل من غرفته بعد أن تأكد من خروج والده للعمل، فهو
لازال يتجنب مواجهته.
ألقی تحية الصباح علی أمه، وجلس ليتناول فطوره.
لم تكن شهيته مفتوحة للأكل، فأكتفی بالشاي.
ثم قال يحدث أمه التي كانت بعالم آخر:
ــ أمي..أأنت بخير؟
ــ أنا بخير حبيبي.
ــ تبدين شاردة؟ هل تكلمتِ مع والدي؟
تنفست الصعداء ثم قالت:
ــ والدكَ يرفض رفضاً قاطعاً !
ــ هكذا إذاً ؟!
ــ لا أدري مامشكلة هذا الرجل؟ لم يكن هكذا قبل سنوات
ــ مشكلته إنه طغی وأعمی المال بصيرته !
ــ صدر الدين..لا تتحدث هكذاعن والدك !
ــ بل سأتحدث وسأواجهه..لم يقّدر إحترمي له ولم يقّدر مشاعري..فهل أبقی كالخروف أمامه؟!
ــ لقد طلب أن اخبركَ أنكَ أذما خالفتَ قراره..فسيتبرأ منكَ .
ــ هو أساساً متبرأ مني بتصرفاته هذه ! سأتزوج سمرة
سأكلم العم سالم هذا اليوم..وليحصل مايحصل!
ــ هون عليكَ ياولدي.. وإن كنت ستكلم سالم فكلمه دون علم والدكَ بذلك..فأنتَ لاتدري إن كانوا سيقبلون بك أم لا فلا داعي لتخريب علاقتكَ بوالدك .
ــ لن يرفضوا..أنا متأكد..فسمره تحبني..وكذاك العم سالم يعزني جداً.
ــ كما تشاء يا ولدي..ويارب تسهل أمورك .
ــ آمين.. سأذهب الآن للشركة وسأتحدث للعم سالم في المساء.
ــ أن شاء الله خيراً.
وقام مودعاً أمه ،مقبلاً جبهتها.
فتابعته بنظراتها بقلب معصور.
........................................................
وهي تجلس بقاعة الرسم بين طالباتها ، جاءها إتصال
من صهيب. ترددت بالإجابة لإنشغالها بالدرس، لكنها أجابت أخيراً:
ــ أهلاً صهيب.
ــ كيف حالك حوراء؟
ــ بخير الحمد لله.
ــلاتبدين كذلك..لمَ لم تردِي علی رسائلي البارحة؟
ــ لقد قرأتها بوقت متأخر ولم أشأ أن أزعجك فلربما أنت نائم.
ــ لكنكِ تعرفيني جيداً ..لن أنام حتی اتحدث إليكِ ولو بقيت لوقت الفجر أنتظركِ..فأخبريني عزيزتي ما الأمر؟
ــ بصراحة..الأمور تتعقد أكثر يوماً بعد آخر مع سمره !
ــ كيف؟ ما الأمر؟
ــ لدي درس للبنات..سنتحدث بذلك بالتفصيل لاحقاً .
ــ ما رأيكِ أن نخرج لمكان معين ونتحدث؟
ــ لا أدري.. سأری.. إن أنتهی دوامي مبكراً سأتصل بكَ.
ــ تمام..سأنتظر إتصالكِ.
ــ إن شاء الله..مع السلامة الآن.
ــ مع الف سلامة حبي.
.............................................
كان جالساً خلف مكتبه ، يتكأ علی سطحه بذراعيه وضاماً رأسه بينهما، غارقٌ بأفكاره ، عندما طُرِق الباب ، فإنتشله من غرقه وسمح بدخول الطارق. وكان مفيد.
جلس قبالته ونظر إليه بتفحص، ولاحظ شحوب وجهه
وإحمرار عينيه فقال:
ــ مالأمر؟ تبدو يائساً من الحياة..فضفض عزيزي.
ــ ماذا أفضفض لكَ أنت الآخر؟ دعني بحالي وقل ماذا لديكَ من عمل ؟
ــ مجرد أوراق لتوقعها.
ــ أوراق ماذا ؟
ــ أوراق تعهد لشركة المضمار .
ــ ألم يوقعها أبي.
ــ لقد أحال المهمة إليك..أنت توقع وانت تذهب لمقابلتهم
ــ تباً ! هذا الرجل تمادی جداً معي !
ــ إنه والدك !
ــ الوالد عليه أن يهتم لمشاعر اولاده ! بينما هو يحطم كل شيء بداخلي !
ــ أهذا لانه أحال المهمة إليكَ؟
ــ مفيد..أنت لاتعلم شيئاً.. فأسكت !
ــ بل أعلم ياعزيزي..وأتمنی لو أستطيع أن أجعل والدك يتفهمك أكثر..لكنه رجل صعب المراس.
ــ أنه يحاول بعثي لمحافظة أخری وأبعادي لأنشغل بالعمل وأترك أمر سمره !
ــ إسمها سمره إذاً؟
وإبتسم له وقال وهو يحاول أن يخفف عنه ويمازحه:
ــ ألازلت لاتملك رقمها؟
نظر إليه صدر الدين وكتم ضحكة وأكتفی بإبتسامة ثم
قال:
ــ نعم ..لازلت لا أملك رقمها.
ــ مستحيل ! كل هذا الحب والتطورات ولازلت تجهل رقهما؟ كيف تتواصلان إذاً؟
ــ نتواصل بالقلب ياعزيزي!
ــ ياسلام !
ــ المهم..أخبر سيد بهجت إنني سألبي أوامره بالعمل.. ما خارج العمل فسأفعل ما أريده أنا !
ــ لست َجاداً طبعاً حول الجزء الثاني من كلامك..فأنا لن أقول له ذلك .
ــ بل أريدك أن تقول له ذلك..ولاتخف..فماعلی الرسول إلا البلاغ.
ــ الله يهدي الجميع.
ــ آمين.
أمسك بقلمه وراح يوقع الاوراق ، ثم ناولها لمفيد .
أخذها مفيد وغادر الغرفة وهو يشعر بالأسی علی حال الولد وأبيه.
...................................................

الإختيارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن