الجزء الرابع

656 26 3
                                    

أستمرت حوراء بالإلتقاء بصدر الدين في غرفة الهوايات  لأكمال الرسمة.وكان صدر الدين يحاول كشف شخصيتها من خلال أحاديثه معها واسألته العامة والخاصةلها ،تنفيذاً لخطته التي اراد بها المقارنة بين الأخوات، لأختيار واحدة من بينهن ولم يستثنِ من ذلك الاخت الصغرى التي تبلغ التاسعة عشر من عمرها.
فقد اقنعها هي الأخرى بالمجيء لغرفة الهوايات وعزف الموسيقى التي يجيدانها معاً.
فيما كانت سمراء هي الأصعب بالاستدراج ، فبرغم الصدف الكثيرة التي جمعته بها ، إلا أنها لم تكن لتتجاوب معه وتقبل الإلتقاء وتبادل حديث مطول بينهما ، سوی الصدف التي تجمعهما.
.......................
كانت سمراء تساعد الخادمة في إعداد سفرة العشاء، عندما نزل صدر الدين من غرفته وشاهدها.
رأته هي الاخرى، فأسرعت بخطواتها نحو المطبخ هرباً من مواجهته.
لكنه استوقفها قائلاً :
-- لحظة من فضلك سمره !
جمدت مكانها لبرهة ، ثم ألتفتت إليه وقالت :
-- نعم سيد صدر الدين.
أقترب منها وقال :
--  كيف حالكِ؟لم أركِ هذه الايام !
-- انا بخير  الحمد لله..أ تأمرني بشيء؟
قطب حاجبيه وقال :
-- سمره..لماذا  تتصرفين معي هكذا؟
أستغربت وتسآلت :
-- أنا ؟!  ماذا تقصد؟ كيف اتصرف؟
--  تعاملينني كانكِ خادمة وانا سيدكِ ! أنت فرد من العائلة وانا تربيت على يدي والدك ! وأنِ تربيتي علی يدِ والدتي لذلك انتم جزء من اصحاب هذا المنزل!
--  أكيد سيد صدر الدين ..نحن اهل وعائلة واحدة.. لكن الاحترام واجب !
-- أرجوك سمرة كوني طبيعية معي..كما تفعل أختاكِ.. لاتقولي سيد ولا تأمرني او تحت امرك...انت هنا سيدة المنزل..اقصد انتِ وعائلتكِ سادة المنزل !
أحست سمراء إن صدر الدين كان صادقاً بتعبيره وقاصداً لقوله ، رغم انها تدرك ان هذا الشعور مبالغ فيه !
شكرته وظلت تنتظر ان يخبرها بالشيء الذي استوقفها لأجله.
وقال اخيرا :
--  أستوقفتك لأذكركِ بوعدكِ لي .
--  أي وعد ؟!
-- اتفقنا ان نتحدث بوقت ما..متى برايكِ هذا الوقت؟!
-- هل هناك امر ضروري لنتحدث به؟
-- لا..لكن احب ان نتبادل حديثاً عابراً بنية التعارف ..
مارأيكِ أن نلتقي بغرفة المرسم ؟يمكنكِ تصفح الكتب واختيار مايعجبكِ منها لقرائته !
أغرتها فكرة تفحص الكتب وقرآتها ، فقالت :
-- كما تريد .. سأخبركَ حالما  أفرغ من اعمالي .
قال بلهفة :
-- تمام..انا بالانتظار !
.............................................................
أجتمعت العائلة حول مائدة الطعام .
كان صدر الدين يأكل بنهم ، بسبب لهفته للحديث مع سمراء.
لاحظ والداه لهفته و شهيته المفتوحة على غير عادته.
نظر بهجت لزوجته بنوع من التساؤل ، فقالت نور :
-- حبيبي صدر الدين..هل اعجبكَ الطعام؟ ام هناك شيء يعجبك أكثر؟!
رفع نظره وقال وهو يشعر بالاحراج :
-- نعم اعجبني الاكل ..عاشت يداك وداد !
قال بهجت :
--  مادمتَ سعيداً هكذا..فالأفضل ان تنتهي من الأكل وتذهب لموعدكَ !
أرتبك صدر الدين وتسآل :
-- موعدي؟!
قال بهجت بحدة :
-- نعم موعدك مع العميل !
احس بانقطاع شهيته فجأة ، وقال :
-- آا..نعم ..العميل..لقد نسيت..أقصد كنت سأتصل به لتأجيل الموعد للغد.
-- ولما التأجيل؟!ماذا لديكَ من امور تشغلك عن أعمالكَ؟
تنهد صدر الدين وقال :
-- لاشيء يشغلني عن العمل..لكن صهيب اتصل بي واخبرني انه قادم .
-- ومنذ متى وانت تعطل شؤؤن العمل لأجل لقائك بصهيب؟! اذهب لموعدك مع العميل وكف عن تصرفاتك العبثية هذه !
وهب واقفا وترك المائدة. وظل صدر الدين متحجراً ، شاعراً بالظلم والقسوة من معاملة والده .
ربتت نور على كفه وقالت :
--  لاتنزعج ياحبيبي..تعرف والدكَ يحب ان تجعل اولويات العمل فوق كل شيء.
--  لست منزعجاً ..لقد اعتدت معاملة أبي الجافة لي.. أنافقط... كنت متلهفاً للقاء صهيب !
-- أنت ترى صهيب كل يوم تقريباً..أيعقل ان تكون هذه اللهفة له حقا؟!
ابتسم بمرار وقال :
--  أياً كان من اتلهف للقائه..فلن التقي اليوم  سوى بالعميل !
وقام من المائدة طالباً الاذن منها للمغادرة.
فقالت :
-- أبني حبيبي..يبدو ان حدسي بمحله..أنت مغرم..يؤلمني
أنني آخر من ستحكي له !
تناول كفها وقبله وقال :
--بل ستكونين اول من سأحكي له..أعدكِ.
بعدها صعد لغرفته ليجهز نفسه للذهاب والالتقاء بالعميل.
.................................................
بعد ان انتهى  ، خرج مودعاً امه.
وقبل أن يستقل سيارته ، شاهد سمراء تقف ،وكأنها تهم بالقدوم نحوه، لكن ادراكها بأنه سيخرج جعلها تتردد.
فأختصر عليها المسافة وتقدم نحوها.
وقف ينظر إليها ، فأرتبكت واطرقت بنظرها للارض.
وقال هو :
-- أ كنتِ قادمة للقائي؟
--  نعم..لقد انتهيت من اعمالي وشجعت نفسي للمجيء..
لكن علی مايبدو  فأنك تخرج.
-- شجعتِ نفسكِ لرؤية الكتب وليس رؤيتي !
احست بإحراج وقالت :
-- صحيح اني احب الكتب..لكن لا مانع لدي من تبادل الحديث معكَ.
أخرج تنهيدة من صدره وقال :
-- كنت متلهفاً جداً للقائكِ..لكن شؤون العمل تقتضي ان اذهب لمقابلة أحد عملائنا الآن..سأنتظركِ متى مافرغت .
-- أن شاء الله.
--  لاتحزني بشان الكتب..خذي هذه مفاتيح المرسم ..
إذهبي واستمتعي هناك.
وناولها مجموعة مفاتيح. وأضاف: يمكنك الدخول متى ما اردتِ واقتناء اي كتاب يعجبكِ.
-- كلا اشكركَ ..سأنتظركَ حتى تفرغ ..إنها غرفتكَ وخصوصياتك !
--أي خصوصيات؟ الغرفة وصاحب الغرفة تحت أمركِ..
ورغبتك..خذي المفاتيح..ولاتأخريني عن موعدي اكثر.
وضع المفاتيح بيدها وقال : هذا للباب الذي يطل داخل القصر وهذا للباب الذي يطل على البستان..أدخلي من اي باب شئتِ !
ثم ودعها وغادر بسيارته.
أحتضنت المفاتيح وهي تبتسم وقلبها يخفق بشدة.
وانتابتها رغبة كبيرة في الدخول لغرفة الهوايات ، لكنها عادت ادراجها لمنزلها.
...........................
وجدت ان اختيها كانتا تسترقان النظر إليها ، فاصابها التوتر
والخجل.
قالت زهراء : ماذا  ارى..لقاء رومانسي سريع ؟!
وقالت حوراء : مالذي اراده منكِ؟!
أنزعجت سمراء وقالت :
-- مابكما؟! التقينا بالصدفة وتحدثنا قليلا !
قالت حوراء :
-- لاتبدو صدفة..لانكِ خرجتِ متوترة..كما إنه أعطاكِ شيئاً بيدكِ..ماهو ياترى؟!
انتاب سمراء الغضب من فضولهما وقالت :
-- أ كنتما تراقباني؟ عيب عليكما..انتما تلتقيان به منذ مدة ولم اسألكما عن شيء !
قالت زهراء :نلتقي به لسبب..فأنا اخذ دروس العزف معه وحوراء ترسمه.
فقالت : وانا استعير منه الكتب  لأقراها !
وأسرعت بالصعود لغرفتها وهي منفعلة ومضطربة.
ونظرت الاختان لبعض وأحستا انهما ضغطتا عليها كثيرا !
....................................................
أنتهى صدر الدين من مناقشة امور العمل مع العميل ، بأحد المطاعم ذات الخمس نجوم.
وقد طلب وجبة عشاء للعميل ، وجامله بلقيمات صغيرة.
ودعه العميل وغادر. وبقي صدر الدين جالساً ينظر لساعة هاتفه.
اتصل بصهيب وقال :
-- آلو..كيف حالك.
-- اهلا بك ..كيف حالك..واخيرا اتصلت بي!
-- انا رجل اعمال مشغول بلكاد لدي وقت فراغ..ماذا عنك انت لماذا لا تتصل؟
-- انا مثلك صديقي..رجل اعمال مشغول !
-- الفرق بيننا أنك رجل اعمال حر تملك اباً متفهماً..بينما أنا لدي اب صارم ومتعصب لايعطي مجال للتنفس !
ضحك صهيب وقال :
-- يالك من مسكين ! إذا فأنتَ معذور وانا المقصر !
--  على العموم انا متواجد الآن في مطعم(..)
إن احببت ان تراني فأسرع بالمجيء..لا اود التأخر  عن المنزل.
-- مادمت في مطعم..فبالتأكيد اريد رؤيتكَ..جهز لي عشاءاً محترماً ريثما اصل !
-- سيكون العشاء رقم ثلاثة لهذه الليلة !
.............. ........
وصل صهيب، والقى التحية وجلس امام صديقه.
احضر النادل العشاء الذي طلبه صدر الدين له.
وبدأ صهيب يأكل بشهية، ولاحظ إن صديقهلايشاركه الأكل.
فقال :
--لما لا تاكل؟!
--عافيات صديقي..لقد تعشيت مرتين اليوم !
-- فليكن العشاء الثالث..هيا كل عزيزي.
لكن صدر الدين لم يأكل ، بل اخرج سيجارة واشعلها .
-- ستدخن سيجارة..هذا يعني انكَ مقهور ! هل سار لقائك على مايرام مع العميل؟
نفث دخان سيجارته وقال :
-- نعم ..كان اللقاء مثمراً.
-- إذا مالذي يزعجك؟ تكلم.
-- لا عليك انا بخير.. أنا متعب قليلاً .
اكمل صهيب مضغ لقمته ثم قتسآل :
-- متعب من ضغوط العمل أم من شيء آخر؟
أخذ صدر الدين نفساْ عميقاً واطلقه من فمه، ثم قال :
-- كان من المفترض ان التقي بسمره هذا المساء..وبدلاً عنها تواعدت معكَ ومع العميل !
-- أهاا..ابوكَ خرب عليك لقاءاً رومانسياً هذا المساء..
ياللمسكين !
-- من قال إنه لقاء رومانسي؟ أخبرتك بخطتي..وكان اللقاء جزء من تلك الخطة.
حملق به صهيب مندهشاً وقال :
--  أحقاً لا زلت مصراً على المضي بتلك الخطة الخبيثة؟!
-- لم يتبق شيء وينتهي الاختبار.. لقد انتهيت من اختبار الاختين ..بقيت سمراء..وهذه لا ألتقبها إلا بالصدفة فهي ترفض ان نجلس لنتحدث..مع إنها كالكتاب المفتوح أمامي
لاتحتاج لإختبار!
كان يتحدث وعيناه تلمعان.
فقال صهيب بتمايع مصطنع :
-- يااه..كتاب مفتوح ! انت مغرم يارجل..لاداعي لتتعب نفسك بالاختبار والاختيار..لأن قلبكَ أختارها هي وانتهى امرك !
--  آااه من قلبي..إنه يصارع عقلي دوماً !
-- لكنك لم تخبرني بتفاصيل خطتك..كيف تختبرهن؟ هل تمارس معهن اسلوباً رومانسياً لذلك؟
-- انا لا اجيد اصطناع المشاعر وتمثيلها..كل مافي الامر أنني اختبرتهن من خلال الحديث العابر والاسئلة العفوية معهن.
-- وماذا وجدت ؟ من منهن ستفوز؟
أطفا صدر الدين سيجارته وقال :
--  الفتيات جيدات..لكن لكل منهن عيب..الكبرى حوراء عيبها التكبر والغرور..والصغرى زهراء عيبها الطيش والجراءة الزائدة.
--  ماذا عن فتاتنا المنشودة؟ ماهو عيبها؟
--  رغم اني لم احظ بإختبارها مثل اختيها..إلا إني اعرف ان عيبها الوحيد هو ضعف شخصيتها..تصدق انها تعاملني كما لو كانت خادمة عندي..بينما اختاها تتصرفان كأنهما ملكات زمانهن.
--  لا اعتبر تصرف سمراء ضعف في شخصيتها..بل أنها بريئة ومتواضعة وتحب ان تضع حدوداً لنفسها.
نظر إليه صدر الدين بتفحص وقال :
-- تحليلك منطقي..هي فعلاً تبدو كذلك..لقاء واحد معها يكفي لأكتشف فيها كل شيء !
ثم هم بالمغادرة، بعد ان احس بالنعاس.
ودعا بعض وعاد كال منهما لمنزله.
...................................................
أستلقت سمراء فوق سريرها ، وسرحت بخيالها مع صدر الدين.
وراحت تستذكر كل الصدف التي جمعتها به ، وهي تبتسم.
واختفت ابتسامتها فجأة حين راودتها بعض التساؤلات:
هل ياترى ان صدر الدين مهتم بها؟
هل عامل اختيها مثل مايعاملها؟
هل انتابت اختيها مشاعر تجاه صدر الدين كما انتابتها هي؟
هل تغاران منها؟
لماذا هو مهتم بلقاء الاخوات جميعاً..هل عنده هدف وراء ذلك؟
وغطت رأسها بذراعها محاولةً طرد كل تلك الافكار !

الإختيارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن