الجزء السادس

807 48 31
                                    


شيء كالسواد
كالضباب
كثيف
عميق كـ عُمق بِحار
شيءٍ وحيد كـ وحدة الحوت في الليالي فيه
شيئٍ حزين، كـ يومِ عزاء يتكرر مرارًا كُل يوم، توّد النسيان لا تستطيع، ينبش القلب، يحفره، يترك اثارًا فيه، ويسكن باريحيةً بِه، وكُل من تأذى ويتأذى هوَ أنا

ماذا أفعل لأنسى، كيف أنسى،حُزني الذي تخلد بي، حُزني الذي بات يسكن فيّ أكثر من ذاتي،
حُزني الذي تعلق بي.. كـ تعلُق ابنٍ بوالده.. وتعلق حفيدٍ بجدته، من سـ يحرره مني، من سـ يحررني منه، أين المهرب وكيف المهرب وانا من عِدة سنواتٍ كُل يوم أتذكره وأعاني

انظُر للأوراق المُتناثره أمامي، الرؤيه ضبابيه، مُغبشه، لستُ سكير، بل غمّك يافتاي المكسور.. خُلِّد في عيناي

يجلس أمامي اينيس، لا أعلم منذ متى لكنه متواجِد دائِمًا قُربي كـ شبح خفيّ في اوقاتي الصعبه

وهذا وقتٌ صعب، تمضي كُل ثانيةً فيه بصعوبه، الهواء يدخل لـ رئتي بصعوبه
يخرج بصعوبه

حين أتذكر أدمُعك، بُكائك
رجائي لـ غُفرانك
والحياة التي أعيشها بصعوبه الآن مع الذكريات، بلاك

"أراك مكسور، مرةً اُخرى،"
قال اينيس بخفوت، يخشى أن تُزعجني علو نبرته

"لكن عليكَ أن تأكُل
والا سـ يُغشى عليك"
قال بشيئًا من القَلق

ونظرت نحوه بصعوبه، لا أعلم لِمَ يسكُن الهمّ جُفناي أكثر من قلبي، لا أعلم لِمَ لا ينزاح عبء قتلي لعزيزٍ عليك من عاتِقي

" اينيس.. "
قلت بعد إستجماع أنفاسي بصعوبه، لا أبكي لكن البُكاء محبوسًا في حُنجرتي حتى يُصعب عليّ اخراج الكلام

" ان قتلت أخاك ريو.. عائِلتك الوحيده
هل سـ تغفر لي؟ "
قُلت مُتأمِلاً، مكروبًا، أنتظر جوابًا تطمئِن بِه شجوني، أنتظِر جوابًا مستحيلاً يومًا لن أسمعه.

وها أنا لا أسمعه، أنظُر في عينا اينيس، وينظُر في عيناي، بِلا كلام..
بِلا جواب

" أقابلت صديقك تاي مُجددًا؟ "
قال بعد أن أنزل رأسه نحو زجاجة النبيذ أمامه
وسكب لي كأسًا وله كأس

نظرت لـ وجهه قليلاً
أشعُر بالإبتسامة ترتسم على شفتاي

"صديق؟ ايّ هراءٍ هذا"
قلت ضاحِكًا بخفه قبل أن ارتشف من الكأس لأسكر

دعني أسكر لأخبرك بالحقيقه
حقيقة مشاعري، وما يجول في قلبي، من إعجاب، من مخاوف، من مُعجزاتٍ ومستحيلات

لأخبِرك أنه رقيق، أود لمسه، ووددت تقبيله أثناء البُكاء، وأن اتلحف في أهدابه من الشتاء

وأن أحتضنه.. أمسح على رأسه وأحمي عيناه من البُكاء

اتشعُر بهذا لِـ صديقك..
اتشعُر بِـ هذا لـِ من يراك عدواً له؟

"ان شعرت.. فـ كم أنت أحمق"
قلت بصوتٍ مسموع، بعد أن شربت كأساتٍ لا تُحصى من النبيذ
ويجلس أمامي اينيس ينظُر بهدوء

أشعُر بالدوار، لم أنام منذ أيام لم أأكُل منذ ايامٍ ايضًا رُغم إصرار اينيس عليّ، ومحاولاته التي تضيع هباء

أعلم أنه سـ يُغشى عليّ

وضعت رأسي على المنضده أمامي..
كم أود الإرتياح، كم أود النوم في أحضانك

"اينيس"
قلت مُناديًا له

"سأأكُل غدًا، وأتغذى جيدًا
سـ ابدأ بدايةً جديده "
قلت بخمول، تُكاد عيناي على الإنغلاق
"اذا أكل تاي اليوم، سـ أفعل كل شيءٍ غدًا"
أعلم أنه لا يتغذى جيدًا، رأيت نحوله ازداد قبل يومان

أشعُر بالسواد يحاوطني، يدفنني في أعماقه
وأذهب بعيدًا، بعيدًا جدًا عن الواقع، لـعالم يأويك يافتاي، لعالم تكون بِه راضيًا عليّ، ونعيش بِسلام

"أمرك سيدي"
سمعت صوتًا آتيًا من بعيد

كُنت أراقبه كُل يومٍ يخرج من المكتبه الى المنزل، لم أراه يبتاع طعامًا قط

وأعلم ان منزله يخلو من أي طعامٍ سوى القهوه
لكن اينيس سـ يتولى الأمر

أبتسمت بِخفه،
سأنامَ مُطمئِنًا الآن
..

المُرابي.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن