إنّه مجنون.. هذا ما تبادر لذهني في تلك اللحظة، استدبرت وحثثت خطاي مبتعدةً عنه.. فتبعني!
لحسن الحظّ وصلت إحدىٰ العربات التي أقصدها فهممت بالصعود لكنّه منعني!
اغرورقت عيناي بالدّموع، ماذا أفعل..!
لم ير ما أنذرت به مقلتيّ لكنّه شعر بسكوني وتصلّبي أمامه، أطرق قائلاً:
_آسف، لكن لا بدّ أن تساعديني..
حاولت استعادة رباطة جأشي لأردّ عليه فالبكاء يعقد لساني، وقلت بامتعاض:
_ نمشي بعيد كيف وانت فوّت الحافلة؟
_ماذا تقولين؟
يالسعادتي يبدو أنّه لا يفهم دارجيّتنا..
_ لا تبعد الحافلة، فأنا لا أعرف هذا المكان ولا أعرف كيف أعود للمنزل، لا خيار سوىٰ أن نذهب إلىٰ الجامعة..
هزّ رأسه مستسلماً لأمري كهرٍ حائر، لا يملك إلا أن يطيع صاحبه..
_ راكب واحد، أقصد.. راكبين.(تبّاً له، لن أستطيع شراء الحلوى التي اشتهيتها طوال الشهور السابقة) حدثت نفسي بعد أن أجبت علىٰ الكمساري.
_ألن تسألي عن اسمي أو من أين أتيت أو غيره؟
لم أسمع كلمة واحدةً مما قاله فقد كنت غارقةً في سيل أفكاري..
تصبب العرق مني رغم برودة الجو، ماهذه المصيبة التي حلّت عليّ، وماذا يمكنني أن أفعل..؟!
_سأرد لكِ الأجرة التي دفعتها عنّي، بطريقةٍ ما..
أردت الإتصال بأبي، تذكرت أني لم أصلح العطل الذي أصاب هاتفي بعد، جلست أتخبّط بين أفكاري و ذاك الغريب يثرثر بالتراهات..
توقفت الحافلة قبل شارعين تقريباً عن الجامعة، كنت لأشعر بالضيق لولا أن هذا أنسب الآن لأعرف ما الخطوة القادمة، فالحرس لن يسمح بدخوله دون بطاقة تثبت انتماءه للجامعة..
_لا بأس، ادخلي وأنا سأتصرف
دلفت إلى جامعتي و سرت على الطريق الذي طال غيابي عنه، كل هذه الأحداث لم تغيّر أجواءه العليلة، ونسماته التي تمر عبر شغافي لتخرج آخدة معها كل الأفكار المسمومة التي تؤرقني، تنهدت بعمق، وأخذت شهيقاً طويلاً لكن ذلك الغريب لم يمنحني فرصة لأزفره!، وجدته أمامي هكذا كما القدر!
_دخلت كيف..أقصد.. كيف دخلت؟
_فهمتها حتىٰ بالصيغة الأولىٰ.. ودخلت بطرقي الخاصّة.
_ حسناً، لا نستطيع التحدث هنا، أخشىٰ أن تأتي إحدىٰ رفيقاتي، لنذهب لمكانٍ بعيدٍ عن هنا..
_والآن، ماذا تريد منّي؟
_أريد العودة إلى موطني.
_موطنك؟؟ هل أنت من العراق؟ أو ربّما اليمن؟. ظننت ذلك من لغته العربيّة الفصحىٰ.
_لا، لا أعرف هذه الأماكن.
_إذاً من أين أنت؟ وما الذي جاء بك إلى السودان؟
_إذاً هذا اسمها، بلادكم جميلة، السودان جميلة، أجواءكم خلّابه، ولكن تبدو متصدعةً وكأنّ خطباً جللاً أحلّ بها.
_نعم، فقد خرجت لتوّها من حرب عاصفة، ولحسن حظك أنّك لم تأت وقتها، أخبرني الآن؛ ما نوع المساعدة التي تطلبها منّي؟ أتحتاج المال؟ أم ضللت الطريق؟ ولِم تعتقد أنّي أستطيع مساعدتك؟
_ لا أعلم! فأنا لا أعرف كيف أعود، في الواقع يبدو وكأنّي في عالمٍ آخر! أتعرفين منطقةً تدعى (المازين)؟
_لا!
_كما توقّعت، فلم يتعرّف عليها أحدٌ منذ وصولي البارحة، لا أعلم إن كنت سأحتاج للمال أم لا، لكن إن حدث ذلك، فأعدك أني سأعيده إليك حينما أسترد مالي، وقد أعمل هنا حتى أعول نفسي.
_حسناً، أشعر أن رأسي يكاد ينفجر، سأذهب إلى القاعة، وسأعود بعد انتهاء المحاضرة.
تركته خلفي ووصلت إلى قاعتنا، والتقيت برفيقاتي هناك، كنت سأحييهم بحبورٍ أكبر لولا مايشغل عقلي من أمر ذلك الغريب..يتبع...
أنت تقرأ
الغريب
Misterio / Suspensoمكتملة💙 إنه مجنون.. هذا ما تبادر لذهني في تلك اللحظة، استدبرت وحثثت خطاي مبتعدة عنه.. فتبعني! لحسن الحظ وصلت إحدى العربات التي أقصدها فهممت بالصعود لكنه منعني! اغرورقت عيناي بالدموع، ماذا أفعل.. لم ير ما أنذرت به مقلتيّ لكنّه شعر بسكوني وتصلّبي...