مضى أسبوعٌ تقريباً على انتقالي لهذه المنطقة، لطالما كنت أعدّ نفسي لمصاعب الحياة، وكنت أتوق لمجابهة المجهول، لكن لم أتوقع أن يصل لهذه الدرجة، الآن أنا عاجز عن التقدّم شبراً واحداً لوحدي دون عونٍ من أحد، وأنا الذي كنت دائماً أتباهى بقدرتي على إنجاز كل المهام دون عونٍ أو عناء، أستطيع تخيل شماتة رفاقي عليّ حين يعلمون أنّي أتلقى العون والإرشاد من فتاة، وأنا الذي كنت أصف النساء بأنهن جميعاً ضعيفات ولا يستطعن المضي دون عون رجلٌ يشد أزرهن، لم يفدني حفظ طرقات مدينتي شبراً شبراً فأنا الآن في مكان أراه لأول مرةٍ في حياتي..
أطرق قليلاً حين جال بخاطره طيفها الأسود ثم أكمل:
تصفني بالغريب رغم علمها باسمي،وهي أكثر غرابةٍ مني! ولم تفصح عن اسمها حتى الآن، تبدو جامدة جداً كالتّل على عكس ما ظننته عن النساء، لا أدري إن كان جميع بناتهم هكذا أم أنها مختلفة، هناك حشرجة غريبة في صوتها كما لو أنها ترتجف على الدوّام وهذا يوترني بعض الشيء، ثباتها يحدّني من أي مبادرة من ناحيتي، لا أستطيع أن أعترض أو أن اعتذر أو أن أشكرها حتى وكأنها تحيط نفسها بهالة خفيّه، لا تضحك ولا تصرخ ولا تبدي أي ردّ فعلٍ لكن مع ذلك لا تبدو باردة، حاولت مراراً أن أدرك هل وجودي يضايقها أم يسعدها لكنّي لا أعلم، لا أعلم أبداً!
إنه اليوم الرابع الذي أزور فيه المكتبة في محاولةٍ لإيجاد ما قد يفيدني، لم تأت معي سوى المرة الأولى ثم اعتذرت بأن والدها لن يسمح لها مرة أخرى وكنت قد حفظ...
وفي تلك اللحظة قفزت قطة صغيرة على رأسه وشاكسته حتى كاد يسقط من مقعده الذي اعتاده أعلى الشجرة، أخذها و عزم على رميها بعيداً حتى لا تنغّص مضجعه ثانيةً، استطاع تقييد يديها ورجليها بكفه وحده لصغر حجمها وقفز منزعجاً نحو الأرض، تعالى صوت موائها وكنت أمر صدفةً فسمعتها وأنا التي تعشق القطط ولا تقوى على مقاومة موائها؛ حتى لو سمعته من تحت الأرض فسألج إليه، رأيته وهو يحملها بغضبٍ و هي تحاول الإفلات من يديه، أردت إيقافه لكن صديقتي كانت هنا ولم أدر ماذا أفعل!
_هاك امسكي لي شنطتي د ماشه وجايه
_ماشه وين؟
تظاهرت بأني لم اسمعها و ابتعدت ثم اختبأت عن ناظريهما و التقطت حجراً وقذفته به على عجل، لكن الحجر تجاوزه وأصاب شاباً كان يقف قباله!
صرخ الشاب والتفت فلم يجد سوى الغريب أمامه ويبدو أنه مر بيومٍ عصيبٍ فقد آثر الشجار على المفاهمة، كانت عيناي مصوبتان نحو القطة التي استطاعت الإفلات أخيراً عندما انشغل الغريب عنها، ثم تعالت أصواتهما و ازداد الشجار حدةً حتى اجتمع البعض حوليهما، كان الغريب يفوق الشاب حجماً و قوةً فقد استطاع أن يطيح بيه بلكمةٍ واحدة! وكاد أن يهوي عليه ليشبعه بالمزيد من اللكمات لولا الذين حاولو إيقافه.
_يازول استهدى بالله خلاص الموضوع ما خطير
_ لقد افتعل شجاراً معي ثم بدأني بالضرب دون أن ألمسه حتى!
_كضاب! رماني بالحجر ولمن جيت أسألو نكر وقعد يتزهج!
_ أتصر على اتهامي أيها ال..
أراد أن يضربه مرة أخرى لكن الشباب حاولو ردعه حتى سمعو صوتاً يعرفونه جميعاً إلا هو، وسكنو في أماكنهم فسكن لسكونهم و التفت معهم ناحية الصوت
_ الحاصل شنو يا جماعه في شنو هايجين كدا، الكلام د عيب منكم إنتو طلاب جامعه
_يادكتور والله الزول د قال إنو د ضربو بالحجر، ود بقول إنو ما ضربو و فالنهايه اتشكلو
التفت الدكتور محمد كمال نحو الغريب وسأله إن كان رماه أم لا و هو يطالعه بنظرات متفرسه، يعلم الجميع أن لا أحد يستطيع أن يثبت كذبةً أمامها
_ كلا لم أفعل! ولم أضربه وأنا لا أعرفه حتى!
_طيب رميت أي حجر؟ يمكن ضربو بالغلط
_كلا لم أفعل! كنت منشغلاً بالقطة حتى ظهر لي هذا البرغوث من حيث لا أحتسب
كان الجميع متعجباً من لغته التي يتحدثها لكن لم يسمح الموقف بسؤاله، التفت الدكتور نحو الشاب وسأله إن كان رآه يرميه به
_ما شفتو، لكن ما كان في غيرو بالإتجاه الجاتني منو الضربه!
_دا ما دليل يا عثمان و ما سبب يسمح ليك تضرب الزول د
استدار الشاب وغادر الساحة و هو يتمتم غير راضٍ، ولكن الحق يبقى حقاً فالنهايه.
_ لن أتركه! لقد تعدّى علي دون حق و يحق لي أن أبرحه ضرباً، ومن سيوقفني منكم أقسم أن ألحقه به!
وضع الدكتور محمد يده على كتف الغريب وسأله عن اسمه
_آسر
_إسمك جميل يا آسر، و ما شاء الله شايف حضورك آسر برضو، قالها و هو يجول بنظره على العدد الغفير من الشباب الذين تحلّقوا حولهما، ثم أكمل
_كان ضربتو هسي من حقك لكن ما حيغير شي، المهم فالنهايه إنت على حق و ماف زول هضم حقك،وما بالضروره ناخد حقنا كل مره؛أحياناً العفو والصفح أقرب للصواب، وبعدين ما شاء الله ضربتك دي بعشره ضربات منو يمكن هسي مظلوم هو، قال جملته الأخيرة وهو يبتسم ليزيل شيئاً من حدة الموقف.
بادله الغريب ابتسامة مزيفة لكنها على الأقل أوحت بأنه تراجع عن قراره، استدار الدكتور نحو الجمع الملتف حولهم قائلاً:
_الزول د ممتاز ياريت كلكم تتعلمو منو، وبعدين انتو مش ناس تانيه؟ محاضرتكم بدت ألحقوها سريع، ثم التفت نحو الغريب قائلاً:
_اتبعني إلى مكتبي
صعقت ممّا سمعته فنظرة الدكتور كانت تحمل الكثير، ولا يبدو لي أنه استدعاه بسبب الشجار فقط، تمنيت لو أستطيع أن أتبعهما لكن صديقتي نادت علي لنغادر فالوقت قد تأخر، تبع الغريب الدكتور في صمتٍ و تبعتُ صديقتي وعقلي يضج بالأفكار..يتبع...
أنت تقرأ
الغريب
Mystery / Thrillerمكتملة💙 إنه مجنون.. هذا ما تبادر لذهني في تلك اللحظة، استدبرت وحثثت خطاي مبتعدة عنه.. فتبعني! لحسن الحظ وصلت إحدى العربات التي أقصدها فهممت بالصعود لكنه منعني! اغرورقت عيناي بالدموع، ماذا أفعل.. لم ير ما أنذرت به مقلتيّ لكنّه شعر بسكوني وتصلّبي...