مضى يومين منذ حادثة القطّة ولم أر الغريب يجول في الأنحاء أو يستلقي على إحدى الأشجار كعادته، أصابني القلق فلم تدر في عقلي إلا فكرةً واحدة، مضمونها أن الدكتور قد أرسله إلى مكتب التحريّات، فالغريب يحمل من المخالفات ما يؤهله لذلك، لا جنسية تثبت انتماءه، ولا حق له في الدخول إلى حرم الجامعة، ثم خيّل إليّ مشهد التحقيق، الضابط يسأله من أين أتى، وهو يجيب بأنه من عالم آخر، ولا يخفى على أحدنا ما يفعله الضباط لإجبار متهم على الإعتراف، وقد يعتبرون رده إستهزاءً بهم!
سمعت مواءً يقترب، القطة نفسها التّي كانت بمثابة شرارةٍ أشعلت كلّما حدث، وقد تكون سبباً في هلاك الغريب، وأنا السبب التالي!
جثوت على ركبتي وأنا أشعر بتأنيب بالغ، قدّمت إليها بعض الطعام وكأنّي أحاول التكفير عن خطئي، لكنّها لم تقربه وصارت تموء بشدةٍ وتتراجع كأنها تناديني، استدارت و مضت في طريقها و وجدت نفسي أتبعها، بدت لطيفة جداً، لدرجة يصعب عليّ مقاومتها، كان لونها الأبيض مشرباً بلون الأتربة فوددت لو أنها تسمح لي فأنظفها، و وددت لو..
_ أيتها الغريبة!
أجفلت حين رأيته أعلى الشجرة، وكان يرتدي ملابس غير التي إعتدت أن أراه بها، قفز من مكانه وحمل القطة فتكوّرت على يديه و بدا لي أنّها ألفته كثيراً، ثار عقلي بعشرات الإستفهامات لكنّي لم أبُح بأيٍ منها وكأنها تتشاجر بأيهن أنطق أولاً، بادرني قائلاً:
_ كيفك يا مكنه؟
ثم أكمل ضاحكاً و كأنه لم يكن يرجو إجابةً على سؤاله سوى تعجّبي الذي يمكنك رؤيته وإن لم تكن تراني:
_ رأيتك تلحقين بالقطه وتحاولين الإقتراب منها، وفهمت الآن لم حاولت إصابتي بذلك الحجر، أردّت إنقاذها أليس كذلك؟
_أ.. أ.. لم أقصد...
_ لا بأس، فقد كان خيراً على أي حال، وربّ ضارةٍ نافعة!
سأخبرك بما حدث فأنت لن تسألي من تلقاء ذاتك على أي حال، تبعت معلّمكم أو الدكتور كما تدعونه، استضافني لديه وتركني أرتاح قليلاً ثم بدأ حديثه قائلاً:
_شكلك غريب علي وما أظنك راجي زول لأنك ما مستعجل
_أدركت أنه يستجلبني لأُفصح، وفعلت، فقد اطمئن قلبي له
_ أفصحت عن ماذا؟!
_كل شيء، حتى أنتِ، سألني عن اسمك و ظنّ أني أحاول حمايتك من العقاب حين أخبرته أنّي لا أعرف ما هو
_و ماذا فعل؟
_صدّقني! و أبدى رغبته القويّة في المساعدة، أجرى مقابلةً سريعةً مع أحدهم ثم أعلمني بأنه سيوفر لي مكاناً أبيت فيه خلال يومين، أردت المغادرة لكنّه أصرّ على بقائي معللاً بأنه لا زال لديه الكثير من الأسئلة، بقيت معه يومي ذاك، أعطاني هذا اللباس الذي ترينه وأخبرني بأنّه يجدر بي تعلم لغتكم فلا علم لنا إلى متي سأبقى هنا و من الأفضل ألّا أجذب الأنظار نحوي، لكنّي رفضت فلا أرغب أن أعطب لساني وليكن ما يكن!
_ طيب الحمدلله، والمكتبة؟ أوجدت ما قد يفيد؟
أطرق و قد بدا عليه الحزن وهزّ رأسه نافياّ، ثم استدرك قائلاً:
_لكن الدكتور وعدني بأنه سيساعدني و سيبحث في أمري، و سيتصل بمختصين ذو علاقةً به إن استدعى الأمر.
_ هذا رائع! لطالما نال إعجابي وأدركت الآن أنه يستحق
_ لقد مللت.. وسئمت.. صحيح أن الأمور تسير على نحو جيد، وقد اعتدت المكان هنا لكنه لن يكون أبداً كموطني، لا أقصد الإساءة ولكن هناك شيء بداخلي يضجّ بشدة، لن يهدأ ضجيجه حتى أطأ أرض منزلي، لا شكّ أن أهلي يفتقدونني كثيراً، ورفقائي ومعلمي، و... أحدهم.
هنا لمعت عيناه، ولاحت ابتسامةٌ باهتة على محياه، يدرك الناظر إليه من الوهلة الأولى أنه ذكر شيئاً مسّ قلبه، نظرت إليه حين طال صمته فلاحظني و استدرك قائلاً:
_أراد الدكتور أن يبحث لي عن وظيفة لكنّ أصحاب المخزن كانوا قد أبقو علي بالفعل، أعجبهم صنيعي فأنا قوي البنية كما ترين
وقبل أن ينهي غطرسته قفزت القطّة البيضاء نحوه وأخذت تنازعه وكأنها تطلب شيئاً ما
_لا شك أنها اشتمت رائحة اللحم في طعامي، حسناً إهدئي و سأعطيك إياه!
_يالقوتك
_ماذا قلتي؟
_ لا شيء
_ انظري إلى ذلك الطائر الذي يحلق فوقنا، لقد رأيته عدة مرات لكنّي لم أر معه سرباً أو حتى طائر آخر يشبهه، يبدو أنه ضائع مثلي.
_ تأتي الكثير من الطيور إلى جامعتنا، باختلاف أشكالها وأحجامها، أظن أن السبب موقعها بالقرب من النهر.
تنحنح قليلاً ثم قال في تلعثم:
_أردت أن أقول شيئاً
_ماذا؟
ثارت القطّة مرةً أخرى، ورن هاتفي معلناً وصول مكالمةٍ من صديقتي كانت مضمونها أن أسرع فقد تأخرت و ستفوتني المحاضرة، لم تترك القطّة مجالاً ليقول شيئاً أو لأسمعه فتركتهما ومضيت مسرعةً نحو القاعة..يتبع...
أنت تقرأ
الغريب
Misterio / Suspensoمكتملة💙 إنه مجنون.. هذا ما تبادر لذهني في تلك اللحظة، استدبرت وحثثت خطاي مبتعدة عنه.. فتبعني! لحسن الحظ وصلت إحدى العربات التي أقصدها فهممت بالصعود لكنه منعني! اغرورقت عيناي بالدموع، ماذا أفعل.. لم ير ما أنذرت به مقلتيّ لكنّه شعر بسكوني وتصلّبي...