في المدرسة، جلست زمرد تتأمل السقف، تحاول الهروب من الواقع الثقيل. كانت حياتها قد تغيرت بشكل جذري بعد وفاة والديها، وأصبحت مكلفة برعاية أشقائها الصغار، ميلا وجاك. كل يوم يمر كان يزيد من قسوة الحياة ويعمق الجرح الذي بداخلها.
لم تكن تركز في دروسها، ولم تعد تلك الطالبة المجتهدة التي لا تفوت كلمة من شرح المعلمة. الآن، لم يكن بإمكانها التفكير في شيء سوى البقاء على قيد الحياة وإيجاد طريقة لتأمين احتياجات أخوتها. عندما انتهى الدوام، هرعت بسرعة إلى مدرسة الأطفال، حيث كانوا ينتظرونها منذ ساعات.
"آسفة، تأخرت عليكم"، قالت وهي تحاول التقاط أنفاسها.
ردت ميلا بصوت صغير: "خرجنا قبل ساعتين".
ابتلعت زمرد شعورها بالعجز، قائلة: "لنذهب إلى المنزل".
في المنزل، لم يكن ينتظرهم سوى العلية المتسخة، تلك الغرفة التي لم تصلح أبداً للعيش. كانت زمرد تجاهد لتأمين القليل من الراحة لأخوتها، وبمجرد أن تأكدت من نومهم، انطلقت إلى الصالة حيث تنتظرها معركة يومية مع زوجات أعمامها وبناتهم. كانت تعلم أنها ستنتهي بضربها، لكن هذا لم يمنعها من الدفاع عن نفسها بكل ما أوتيت من قوة.
في الخارج، كانت تعمل لساعات طويلة لتبيع المناديل أو الورود، وأحياناً لا تعود إلا بربع ما تحتاجه. لكن لم يكن هناك خيار آخر؛ كان عليها أن تؤمن الطعام لأخوتها. وفي كل ليلة، كانت تعود متعبة، مُحمّلةً ببعض الطعام، تجد أعمامها مجتمعين حول المدفأة بينما يتولى الأطفال الصغار أعمال التنظيف.
حين رأت ميلا وهي تنظف الطاولات، استشاطت غضباً:
"إنها طفلة! كيف تجرؤون على جعلها تعمل هكذا؟" صرخت بوجه عمها وزوجته، لكن الرد كان دائماً ضرباً من عمها الذي لم يتقبل أبداً تمردها. ردت زمرد ببرود: "ستندم على هذا".كانت تفكر في الانتقام، لكن كلما حاولت، كانت تجد نفسها مضطرة للانسحاب لحماية أخوتها. كان الألم يتزايد يوماً بعد يوم، ومع ذلك، كانت تجد في داخلها عزماً لا يُقهر.
في الصباح التالي، ذهبت إلى المدرسة وواجهت صديقتها القديمة التي حاولت التحدث معها، لكنها واجهت الصد من زمرد التي لم تعد تثق بأحد. في الفصل، قدمت امتحانها الأخير بدون اهتمام، وخرجت من الصف لتجلس وحدها كما كانت تفعل دائماً. اقتربت منها فتاة غريبة:
"كيف تتحملين الوحدة؟"
سألتها، لكن زمرد لم تكن تريد الحديث."توفي أبي قبل أيام، وحاولت أن أعزل نفسي، لكنني لم أستطع"، قالت الفتاة، لكن زمرد لم تعرها اهتماماً. عندما انتهى الدوام، ذهبت كالعادة لأخذ ميلا وجاك من مدرستهما.
أنت تقرأ
نور وظلمات
Actionفي عالم يعج بالتناقضات والصراعات الداخلية، تنبثق قصة فتاة حملتها الحياة على السير في طريق لم تختره بإرادتها. تحمل على عاتقها أعباءً أثقل من قدرتها على التحمل، وتخفي في أعماقها جروحًا لا تندمل. ورغم كل ما يظهر منها من قوة وشجاعة، إلا أن روحها لا تزال...