مُرُّ المذاق؛ الثّاني

82 8 21
                                    

فتحتُ بابَ البيت ، بعدَ ساعةٍ قضيتُها أنثرُ ظلالَ خيبتي في أرجاءِ العاصفة ، و دخلت ؛ أُمّي ، خالاتي ، و جدّتي ، الحزبُ النّسائيُّ ملتمٌّ حولَ الموقد ، يتبادلن النّظراتِ و بضعةَ أحاديثَ بسيطة ، تصبحُ صفراءَ لئيمةً عندما تترأّسُها خالتي الصُّغرى ؛ ألقيتُ تحيّةً مستعجلة ، و ولجتُ إلى غرفةِ نومِ الشّقيقاتِ الهانئات ، هنالك حيث أنامُ أنا أيضاً.
جدّي ليس في البيتِ على ما أرى ، لذلك في استطاعةِ خالاتي أن يتبادلن الكراهيةَ على راحتهنّ ، و على العلنِ غيرِ القادرِ على الوشايةِ بهنّ ؛
جيلهنّ ، و على ما أعتقد ، أكثرُ جيلٍ ضياعاً و فساداً و فشلاً ، أوّلُ جيلٍ في بلادنا بدأ يشهدُ حركاتِ التّحرّرِ و التّثقّفِ و التّطوّر ، و ما خبرَ كيف يتعاملُ مع هذا الكمِّ من التّغيّرِ العالميّ ، ضاعَ في أروقتِه الكثيرة ، و بدلاً من أن يقتدي به و يطوّرَ من نفسه و حاجاتِه و أفكاره ، أصبحَ فأراً لتجاربه ، مستهلكاً لنتاجه معادياً لملّاكه ، و أصبح ، بغيرِ وعي ، يكرهُ كلَّ من يظهرُ ردَّ فعلٍ مختلفاً ، هذه حقيقةُ كثيرٍ كثيرٍ من أبناءِ هذا الجيل ، بحسب ما أعتقدُ على الأقلّ.
بدّلتُ ملابسي على استعجال ، و فتحتُ خزانتي الصّغيرةَ ، الرّكنَ الوحيدَ العائدَ لي في هذا البيتِ برمّته ، استخرجتُ دفتراً من دفاترِ الثّانويّة ، الدّفترَ الذّي كتبَ لي فيه بومغيو آخرَ رسائلِه ، بخطٍّ أسوأ من خطِّ طفلٍ في الإبتدائيّة ، و بكلامٍ لا يقولُه لي أيٌّ كان؛

"أنتِ أغبى من عرفت"

ضحكتُ بصوتٍ خافت ، و شتمتُه في سرّي ، هو أجملُ من عرفت ، و أكثرُهم مرحاً و فظاظة ، في ذاتِ الآن ، تشوي بومغيو ، زميلي في أيّامِ الثّانويّةِ من أتكلّمُ عنه ، أمّا هذا الذّي لقيتُه اليومَ فرجلٌ غريب ، رجلٌ لا أعرفُ عنه شيئاً ، اصطنعته سنينُ الفراقِ الخمس كما اصطنعت واحدةً منّي ، غيّرنا الزّمانُ كثيراً ، حتّى أنّني و في لحظةٍ من لحظاته ، بتُّ أكنُّ له مشاعرَ مغايرة ، مغايرةً تماماً لمشاعرِ الصّداقةِ في سالفِ الوقت.
أكرهُكَ بومغيو!
أذكرُ كيف كنتَ تضحك ، بصوتٍ صاخبٍ يزلزلُ الصّفّ ، و كيف كنتَ تلقي بالنّكاتِ السّخيفةِ هنا و هناك ، و كنتُ أضحكُ لا أعرفُ لماذا ، أذكرُ كيف كنتَ تغضبُ بسهولةٍ و لا تظهر ، و كيف استطعتَ اقتحامَ وحدتي بسهولةٍ أكبر رغمَ أنّ غيركَ قلّما حاول ، أذكرُ اهتمامَكَ بتفاصيلِ حياتي دون التّدخّلِ فيها ، أذكرُ أيضاً كيف أعجبتُ بغيرك ، و كيف عاملتني عندما عرفت ، هل عرفت؟ ما أزالُ لا أعلم ، و على أيّةِ حال ، لقَدْ غفلتُ عن أمرِ الآخر في غضونِ وقتٍ قصير ، و ما زلتُ ، و سوف أظلّ ، أستذكرُكَ أنت ، في كلِّ ليلةٍ و في كلِّ موقف ، في الحزنِ و الفرح ، و في أحلامِ ليالي الشّتاءِ الطّويلة ، و حتّى في الصّيفِ الملول ، لا أظنّني قَدْ تذوّقتُ السّعادةَ خيرَ تذوّقٍ منذُئذ ، مُذِ افترقنا ، فكيف العودةُ إلى ذلك الزّمان؟ أما من سبيل؟
أشتاقُ إليكَ يا رجل ، لا أشتاقُ إلى غيرك ، كلُّ شيءٍ كانَ ثقيلاً و باتَ أثقل ، كلُّ شيءٍ إلّاك ، كلُّ شيءٍ مُرُّ المذاقِ حتّى قهوةُ أُمّي ، لكنَّ مرارتكَ أنتَ بذاتك ، و بعدما خيّبتني اليوم ، تتركُ آثاراً حلوةً على متذوّقي.
أتراكَ لم تتعرّف إليّ؟ أتراكَ نسيتني؟ ألا إنّ هذه لخيبةٌ أعظمُ من خيبةِ أنّكَ تتجاهلُني ، فتجاهلُكَ يعني أنّني لا زلتُ في ذاكرتك ، لا زالَتْ مكانتي في شعوركَ موجودةً و لو كانَتْ ضئيلة ، و بذا ، لا زلتُ قادرةً على بلوغِ موطنِ ذكرياتِنا الماضية ، و أمّا استذكاري لكَ من طرفٍ واحد ، يعني أنّ الذّاكرةَ ستذبلُ أطرافُها مع الوقت ، و سوف تموتُ ناحيتُكَ الحلوةُ من عمري القصيرِ المُرّ.
لستَ حلواً ، أنتَ مُرٌّ علقم ، و أنا ، أنا..
أنا كاذبةٌ كبيرةٌ تجاهدُ كي تحمي قلبها الغضَّ المُثقلَ بالخيبات ، و لا تحسن

.

.

.

حُرِّرَ في الثّلاثين من شهرِ كانونَ الأوّل عامَ ألفين و أربعٍ و عشرين
و نُشِرَ في السّابعِ من شباطَ في العامِ ذاتِه

تمّتِ الاستفادةُ في صياغةِ هذا الفصلِ من شتاتِ أحداثٍ واقعيّةٍ أُعيدَ ترميمُها

.

.

.

🎥 يُتبَع 🎞️

هوني هناا🥺🧡🦋
عزيزي القارئ ، مخاوفُكَ ستنجلي ، عقلُكَ يخدعُكَ يا رفيقَ قلبي ، لأنَّكَ ذكيٌّ و طموح ، لذلك ، و لأنّني أنتظرُ رؤيتَكَ تلمعُ و أنتظرُ أن أفخرَ بك ، اطمئنّ ، و ادعُ ربّك ، كلُّ شيءٍ سيكونُ على ما يُرام يا عزيزي!
أُحِبُّك!🥺🧡🧡🦋

فيلموجرافيا ~ تشوي بومغيوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن