غائبٌ حاضر؛ السّادس

62 6 23
                                    

العائلةُ لا تتعاضدُ كما يصوّرونها في الأفلامِ الأوروبيّةِ و الشّرقيّةِ القديمة ، العائلةُ تتشاركُ لحظاتٍ معيّنةً كما فُرِضَ عليها أن تفعل ، تتشاركُ بضعةَ مشاعرَ سخيفةٍ متعلّقةٍ بالموقفِ و تعملُ بموجبها ، عائلةُ والدتي هكذا على الأقلّ.
لم أبدّل ملابسي ، بأمرٍ غيرِ مباشرَ من خالتي العُظمى ، و ظللتُ في المطبخِ مع أُمّي و جدّتي ، أنتظرُ السّيّدَ يونجون ابنَ الدّوقةِ كي يشرّفنا بزيارته ، حسنٌ ، أنا لا أسخرُ منه الآن ، بل أسخرُ من والدته و ما تفرضُه من طقوسٍ علينا ؛ سألَتْ جدّتي إعدادَ خمسةِ أطباقٍ متنوّعة ، و جدّي أرسلته إلى السّوقِ كي يتبضّعَ للحبيبِ هدايا و تذكارات ، و البقيّةُ أمرتهم بالتّرتيبِ و الكناسة ، و جلسَتْ تحيكُ له وشاحاً من الصّوفِ إلى قربِ المدفأة ، وصلَ بها الحالُ إلى أن ترجّتنا كي نتحلّى بأقصى درجاتِ اللّطفِ في تعاملِنا معه لئلّا ينفرَ منّا ، و لكي يكرّرَ زياراتِه الطّوعيّةَ دائماً ؛ أرجو أن يمرَّ هذا اليومُ على خير.
نضجَ الغداءُ منذُ برهة ، و منذُ برهة ، باتَتْ خالتي تروحُ و تجيءُ في الممرّاتِ و تأمرُنا بأن نخرجَ و نبحثَ عن أميرِها ، لم يخطر في بالها أنّ جدّي لم يعد كذلك بعد ، و أنَّ إحدانا ، على الأكيد ، لن تخرجَ في هذا الجوِّ لتبحثَ عن رجلٍ بالغٍ في فمه لسانٌ و في جيبِه هاتفٌ نقّال.
صحيح ، كيف سيصلُ إلى القريةِ و وسائطُ التّنقّلِ جميعُها محظورة؟ أيُعقَلُ أنَّه يكذب؟ لماذا سيفعل؟ ما الفائدةُ من خبرٍ كهذا بعدَ سنواتِ غيابٍ لا أدركُ عددها؟
جلستُ جانباً أخاطبُ نفسي ، و فكّرتُ في حالي أنا أيضاً ، ماذا لو بلغَني أنَّ بومغيو قادمٌ أيضاً ، و لم يأتِ ، على ذاتِ النّحوِ بالضّبط ، لن يكونَ الأمرُ سيّئاً إلى هذا الحدِّ بصراحة ، سوف أجدُها حجّةً ملائمةً لأتخيّلَه في الأرجاء ، و سوف أبني حياةً كاملةً سعيدةً لبنُها كذبةٌ صغيرة ، لن يعتذرَ لاختلاقها ، فهو لن يجدَ فيها ، كما لن أفعل ، أيَّ سوء ، مجرّدُ كذبةٍ ستجعلُني أعيشُ سعادةً مُؤقّتة ، سعادةَ توقّعِ حضورِه في أيّ وقتٍ و انتظارِه طوالَ الوقت ، لن أمانعها ، سأسرُّ لوجودِها حتّى يومَ تندثر.
و في لحظةٍ ما من لحظاتِ هذا النّهارِ العجيب ، رنَّ الجرس ، و أحلَّ السّكونَ و الصّدمةَ على كلِّ من في البيت ، لم ينتبه قبيلَ الصّوتِ أحد ، بما فيهم أنا ، إلى حقيقةِ أنّنا متشوّقون لرؤيةِ يونجون ، كيفما كانَ شكلُه ، و كيفما كانَتْ طباعُه ، نحنُ جميعاً راغبون في رؤيتِه ، و متحمّسون لأجلِ ضمِّه إلى اجتماعنا التّعيسِ الصّغير ، إلى العائلةِ من جديد.
وقفتُ في الممرّ ، مثلي مثلُ أُمّي و جدّتي ، راقبنا خالتي تتوجّهُ بحبورٍ نحوَ الباب ، تتنفّسُ و تصلّي بصوتٍ عالٍ ، و تضطربُ في صياغةِ الاثنين ، فلا يفهمُ لها كلامٌ أو علّة.
فتحتِ البابَ أخيراً ، و ظهرَ من ورائه شابٌّ فارعُ الطّولِ نحيلُ القوام ، ترافقُ حضورَه الأضواءُ الحقيقيّةُ منها و الخياليّة ، فلا نرى وجهَه بإمعانٍ في عتمةِ البيت

فيلموجرافيا ~ تشوي بومغيوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن