شكٌّ و يقين؛ الخامس

48 7 21
                                    

طالما تساءلتُ عن ماهيّةِ اليقين ، كيف يُعقَلُ أن يوقنَ شخصٌ بشيءٍ تمامَ اليقين ، ألّا يخامرَه شكٌّ و لو بسُطَ عمّا يوقنُ فيه ، أيمكنُ لثابتٍ كمثلِ هذا أن يتواجدَ في عالمٍ غيرِ ثابتٍ بحدِّ ذاته؟
لا أحدَ يدري ، و لا أحدَ يعترف ، الجميعُ يدّعي الكمالَ مع كلِّ فرصةٍ و في أيّ مجال ، ثمَّ يتداعى ثباتُه أمام الحقِّ العظيمِ عجيبِ المقاييس ، الحقُّ ليس في هذا العالم ، أجوبتُنا لن تتواجدَ ها هنا في يوم ، أوقنُ بهذا ، و أشكّكُ فيه أيضاً.
عدتُ إلى البيت ، في العاشرةِ صباحاً ، أجرُّ آمالي المقتولةَ خلفي ، و أستشرفُ اليأسَ هالاته السّوداءُ تأكلُ كلَّ ركنٍ من أركانِ هذا البيت ، حيث تجلسُ خالاتي و تنتظرُ كلٌّ منهنّ زلّةَ الأُخرى ، يا ربّ ، أنجدني.
كانَتْ لي صديقةٌ تبلغُني دوماً أنّ كلَّ شيءٍ يحدثُ لسبب ، و أنَّ أفضلَ الأمورِ تتأخّر ، و إن لم تجئ ، فهي ليسَتْ أفضلَها على الأكيد ، أستغربُ كلامها في هذه اللّحظة ، فهي ذاتُها ما عادَتْ تظهرُ في حياتي ، مثلها مثلُ ما كانَتْ تنعتُه بغيرِ المناسب ، أكانَتْ درساً عابراً؟ أم أنّها كانَتْ تدّعي أنّها متفائلةٌ و حسبُ لأنّها تحبُّ أن تبدو على هذه الشّاكلة؟
كانَ اسمُها إيانا ، و كانَتْ تبدلُ الأحاديثَ المجاملةَ بالابتساماتِ في أغلبِ الأحايين ، برغمِ أنَّ لملامحها هيئةً آسيةً أكثر ممّا لملامحي ، و كانَتْ تقولُ أنّها تبدو هكذا فحسب ، كانَتْ تكذب ، كانَ يخبرُني تايهيون بهذا طوالَ الوقت ، و كانَ بومغيو يخطئ في اسمِها دائماً و يحرجُ نفسَه ، لم يكن مهتمّاً بها على الإطلاق ، على النّقيضِ من صديقِه المُفضّل ، و كنتُ أتتبّعُ حركاته على الدّوامِ لأؤكّدَ لنفسي هذا الأمر ، أمّا الآن ، لا أجدُ فرقاً ، لقَد خرجَ الثّلاثةُ من يوميّاتي ، ليس هنالك ما قَد يدفعُني لأن أكترث.
حرفتُ سيري إلى حيث المطبخ ، قابلتُ أُمّي هنالك مع جدّتي ، حزبَ الصّامتاتِ في البيت ، تعملان في الطّبخِ و التّنظيف ، ألقيتُ التّحيّةَ و رُدَّتْ لي بطيبةٍ و صفاءِ نيّة ، أُحِبّ بساطتهما ، و أكرهها يومَ توقعهما ضحيّةً لأنانيّةِ الآخرين ، أو الأُخريات.
تناولتُ مئزرَ المؤازرة ، و جلستُ إلى قربِ جدّتي أعاونُها على عصرِ الطّماطم ، و لا أدركُ من أين ، فاحَتْ رائحةُ مشهدٍ جديدٍ في عقلي ، خلتُ بومغيو بيننا ، بطريقةٍ طريفةٍ ما ، ثمَّ أبدلتُ المطبخَ إلى بيتٍ كبير ، و خلتُنا نجلسُ معاً ، و نتبادلُ أحاديثَ معيّنة ، كنتُ سأشطبُ الخيالَ من رأسي لما له من عواقبَ فيما بعد ، بيدَ أنَّ الشّعورَ الذّي ولّدَه ، يقينٌ ليس فيه مجالٌ للشّكّ.. أنا أشعر ، أشعر..
كيومِ أمسكتُ به ينظرُ إليّ لأوّلِ مرّة ، و لم يهرب ، ظلَّ ثابتاً إلى حدِّ حسبتُه ينظرُ إلى غيري ، لكنَّه لفظَ اسمي بشفاهه ، لفظَه حرفاً حرفاً ، دون أن يصدرَ صوتاً واحداً ، ابتسمت ، و ابتسم ، لحظةٌ لا تزالُ حتّى بعد سبعِ سنواتٍ على مضيّها تتوهّجُ و تحيي مشاعرها من جديدٍ في لُبّي ، و كأنّها ما مضَتْ ، يا إلهي ، كم أُحِبّه..
هل خسرتُه؟ كنتُ أشكّكُ في مشاعره على الدّوامِ ما بيني و بين نفسي ، لذلك ما تجرّأتُ على إظهارِ شيءٍ أمامه ، بخاصّةٍ من بعدِ ما رفضَ حُبَّ تلك الطّالبة ، كنتُ أنظرُ إليها و أتساءل: من أنا ليحبَّني؟ من أنا لأكونَ بالنّسبةِ له أكثرَ ممّا كانَتْ هي؟
لم أجد جواباً حتّى اليوم ، و حتّى اليوم ، ما تزالُ هذه الأسئلةُ ذاتَ قدرةٍ على إخمادِ شعلةِ البهجةِ في داخلي ، فهي حقيقيّةٌ تماماً ، حقيقةَ التّجاهلِ الذّي لاقاني به يومَ أمس..
تنهّدت ، و رفعتُ نظري إلى والدتي ، كانَتْ تتنقّلُ ما بين بوّابةِ المطبخِ و غازِ الطّبخ ، تسترقُ النّظرَ هنا و هناك ، و تدعمُها جدّتي ببضعةِ ضحكات ، ما القصّة؟ أكانتا تتحدّثان بينما كنتُ غارقةً في ذكرياتي المُؤرقة؟

_"ما الأمرُ أُمّي؟ ما الذّي يشغلُكِ؟"

_"ابنُ خالتِكِ قادمٌ اليوم ، أرجو أن تصلحَ حالُها لرؤيته"

أجابتني بنغمةٍ مهمومة ، و وافقتها جدّتي بهمهمةٍ مستغرقة ؛ خالتي الكُبرى منفصلةٌ عن زوجها ، و على إثرِ هذا الانفصال ، لم تقابل ابنها مُذ بلغَ الخامسةَ عشرة ، و بلغتُ أنا العاشرة ، قابلتُه يومها ، في زيارتِه الأخيرةِ لبيتنا ، و الوحيدةِ التّي أستذكرُها ؛ يونجون ، الفتى الذّي حدّثتُ عنه بومغيو في يومٍ أخرقَ من أيّامِ دفاعي عن كرامتي ، و الذّي أشكُّ ، و أوقنُ ، في أنّه لم يكن من تحدّثتُ عنه ، و إنّما واحداً من خيالي.. واحداً مختلفاً تماماً..

.

.

.

حُرِّرَ في الأوّلِ من شباطَ عامَ ألفين و أربعٍ و عشرين
و نُشِرَ في الثّالثِ عشرَ من الشّهرِ ذاته

تمَّ الاستلهامُ في صياغةِ فكرةٍ من أفكارِ الفصلِ من مستخلصِ حواريّة من المسلسلِ السّوريِّ: ذكريات الزّمن القادم
"_أنا عم بحكي عن المحامي الناجح
_ما في حدا غيرك ناجح
_لأني بملك الحقيقة المطلقة؟
انتِ بتتصوري يا نادين إنه فيه حقيقة مطلقة؟ اوعك تصدقي إنه فيه حدا بيملك الحقيقة المطلقة بجيبته ، فيه حدا لازم يقنعك إنه هو بيملكها ، لحتى يريحك من التفكير ؛ هيك الناس ، بتحب إنه غيرها يفكر عنها"
الحلقة الأولى؛ يبدأ المشهد عند الدّقيقة: 20:46

.

.

.

🎥 يُتبَع 🎞️

هوني هناا🥺🦋
أرجو لكَ وقتاً طيّباً يا عزيز قلبي ، أرجو أن تصادفكَ في القريبِ العاجلِ مفاجأة غالية ، تمسحُ دموعكَ و تنسيكَ أحزانكَ الماضيةَ كلّها ، أرجو لكَ دوامَ الصّحّة ، و أرجو أن تعلمَ دائماً ، أنّكَ غالٍ و عزيزٌ على قلوبِ كثيرين ، و لو لم يخبركَ أحدٌ بذلك ، أنتَ سعادةٌ فريدةٌ في حياتي أنا على الأقلّ!
شكراً جزيلاً لكَ يا عزيزي!
أُحِبُّك!🥺🦋🦋✨

فيلموجرافيا ~ تشوي بومغيوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن