ريحٌ عاصفة؛ الأوّل

122 13 39
                                    

الوقتُ سيفٌ ، سيقطعُكَ أيّمن كنتَ و أيّما فعلت ، لا يمكنُكَ مجاراتُه و لا الاعتيادُ على هجماتِه ، فأنتَ و كلّما أصررتَ على أن تكونَ ندّاً له ، كلّما وجدتَ نفسكَ طريحَ ضرباتِه ، و دونَ حتّى أن تدري.
لا أعرفُ ما الحلُّ مع عدوٍّ كمثله ، عدوٍّ سيصفُّ جسدُكَ معه ضدّكَ أنت ، لربّما كانَ هذا الجسدُ عدوّنا الأكبرَ و نحنُ لا ندري ، و على أيّةِ حال ، ليس في إمكاننا التّملّصُ من الهزيمة ، و لكنّنا ننهزمُ بفارقٍ أقلّ في بعضِ الأحيان ، لنقل ، و بكلّ فخر ، أنّ الهزيمةَ البسيطةَ أمامه هي انتصارٌ بحدِّ ذاته ، لذلك ، و لأنّني غيرُ متشائمةٍ في العادة ، سأتركُ الأمورَ على ما هي ، و سأسبحُ مع تيّارِ الزّمنِ كما فعلَ و يفعلُ كلُّ النّاس.
انتعلتُ حذائي عندَ عتبةِ بيتِ جدّي الرّيفيِّ ، التفتُّ إلى أُمّي التّي تنهالُ عليّ بتمنّياتِ السّلامة ، تنهّدت ، ثمَّ خرجتُ حالَما صفعتني أولى علائمِ العاصفة ، حالما فتحتُ البابَ ؛ لديّ وقتٌ قليلٌ كي أصلَ إلى شقّتي في المدينةِ بأمانٍ قبل أن تهبَّ العاصفة ، و فرصةٌ ضئيلةٌ في أن تسمحَ الحكومةُ ببدءِ رحلتي إلى هنالك ، سأحاولُ على أيّةِ حال ، لا أريدُ أن أجلسَ و أتحزّرَ هنا فقط.
هل سيمنحُني المديرُ إجازةً ما لم أصل؟ أسيخصمُ الكثيرَ من راتبي؟
ربّما ، و لستُ مكترثة ، أمامي وقتٌ طويلٌ كي أكترثَ عندما تقعُ مخاوفي ، لن تقع ، هذا ما يحدثُ دوماً.
مشيتُ بصعوبةٍ ضدَّ عزمِ الرّيحِ المزلزلة ، خروجاً من سورِ بيتِنا ، ثمَّ جررتُ قدميّ على طولِ الرّصيفِ المحروسِ بأشجارِ الصّفصافِ.
مشيتُ في اتّجاهِ الشّمال ، إلى آخرِ معالمِ قريتنا البسيطة ، ليس هنالك من إنسٍ تقريباً في الأرجاء ، رأيتُ كلباً واحداً يكابدُ كي يحتمي من الرّيحِ و هو مربوطٌ إلى البوّابة ، لمحَه أحدُ أصحابِه أيضاً ، و يبدو أنَّه سيحلُّ وثاقَه و يدخلُه.
صحيح ، لقَدْ كانَ إنساً ، غفلت لوهلةٍ عن ماهيّته.
قَدْ يُرى أنّني غارقةٌ في الأفكارِ و أنا أتوغّلُ في الطّريقِ الموحشِ هذا ، غيرَ أنَّني و على العكسِ تماماً ، لا أمتلكُ أيَّ نوعٍ من المناقشاتِ الدّاخليّةِ أو الأسرارِ العُظمى ، إمّا أنّني أحسبُ عددَ الخطواتِ المتبقّيةِ أمامي إلى موقفِ الحافلة ، أو أراقبُ شيئاً ما ، لا أكثر ، اليومَ بالذّات.
و الآن ، عشرة ، تسعة ، الأعدادُ المعروفةُ المتبقّية ، و وصلتُ حيثُ يُفترَضُ بي أن أصل ، إلى موقفِ الحافلةِ البسيطِ الهرئ ، أو شبيهِ الموقف ، فهو عبارةٌ عن مقعدٍ خشبيٍّ متداعٍ تحيطُ به أسياخٌ حديديّةٌ كانَتْ_في يومٍ ما_ مظلّة ، و علامةُ توقّفٍ صدئةٌ تدلُّ على الحافلة.
اقتربتُ بهدوءٍ من المقعد ، يجلسُ هنالك شابٌّ أسودُ الملابسِ غارقٌ في هاتفه ، و طفلٌ ظريف ، جلستُ أنا أيضاً ، إلى قربِ الطّفلِ رقيقِ الهالة ، و تبسّمتُ له و أنا أتتبّعُ أرجحةَ ساقيه فوق المقعد.
ضربَ الطّفلُ على ساقي في لحظةٍ ما ، و أخذَ يضحكُ و يداعبُني ، شاركتُه الضّحكاتِ و مددتُ يدي كي أسلّمَ عليه ، و على عادةِ السّعادةِ المُصادفةِ في أفلامِ الهمِّ و الغمّ ، قُفِلَ المشهد ، إذ إنّ الشّابَّ قَدْ تحمحم ، و أعلمَني بأنّ الحكومةَ منعَت حركةَ الحافلاتِ اليوم ، يا إلهي.
سينظرُ المديرُ في المرآةِ و يجدُ قرنين بعد قليل ، أنا واثقة.
حملتُ حقيبتي ، و نهضتُ رغبةً في العودةِ إلى البيت ؛ عن أيّةِ رغبةٍ أتحدّثُ الآن؟ لا رغبةَ لي في شيء ، أقفُ كعمودٍ أراقبُ طريقَ الإياب ، طريقٌ طويل ، طويلٌ جدّاً ما يزال ، محفوفٌ بمخاطرِ الموتِ برداً ، أو الموتِ يأساً

_"بومغيو!"

نادى الطّفلُ بغتةً ، و حرَّرَ في داخلي عدّةَ خيالاتٍ عائدةً لزمانٍ ما كادَ ينطوي ؛ بومغيو ، أين تراكَ تكون؟
التفتُّ إلى الطّفل ، ثمَّ إلى وجهِ الشّابِّ المُرافقِ له ، هذا الوجه ، النّاعمُ في أصولِه و المثاليُّ في كلِّ جزءٍ منه ، هذا الوجهُ حلمٌ ما انكفأ يزورُ ذاكرتي ، ما تركَني وحيدةً و لا حتّى في أقسى لياليّ ، فلماذا صاحبُه ينشغلُ عنّي بعدما عزَّ اللّقاءُ و تمّ؟ لماذا؟
طأطأتُ رأسي حرجاً ، و رحتُ أتابعُ ظلَّه يُسحَبُ من موطئي ، برويّة ، و يتبعُه الطّفلُ بعدما يشيرُ لي؛
لم يرفع طرفَه إليّ ، أبداً..
أليسَتْ هذه الرّيحُ تعصفُ بي أشدَّ ممّا تفعلُ ريحُ الشّمال؟

.

.

حُرِّرَ في ليلة التّاسعِ و العشرين من كانون الأوّل ، عامَ ألفين و أربعٍ و عشرين
و نُشِرَ في الخامسِ من شباطَ في ذاتِ العام

استُلهِمَ في بدايةِ الفصلِ من رسالةِ الفنّانِ أوه سيهون في الثّالثِ و العشرين من تشرين الثّاني المنقضي
"سِر مع تدفّقِ الأحداثِ و دع الطّبيعةَ تأخذ مجراها"

.

.

🎥 يُتبَع 🎞️

هوني هناا🥺🧡
عزيزي القارئ ، أشكرُكَ على تواجُدِكَ ها هنا ، أشكرُكَ لأنّكَ أعطيتَ القصّةَ ثقتَكَ و محبّتك ، و أخبرُكَ الآن بشيءٍ إضافيّ:
أنا فخورةٌ بك ، فخورةٌ لأنّكَ تجاوزتَ الحدودَ التّي وضعها غيرك لإمكانيّاتك ، و لأنّك اتّقيتَ بعضها ، فخورةٌ لأنّكَ ما تزال تحلم ، و تحاولُ أيّاً كانت الظّروف ، فخورةٌ لأنّكَ تتأمّلُ برغمِ الألم ، و تحاربُ لأجلِ أن تعيش الرّضا
أرجو لك كلَّ التّوفيق يا عزيزي ، ما ظلّ من الدّربِ إلّا القليل ، ستصلُ دائماً بإذن اللّٰه!
أحبُّك!♥️✨

فيلموجرافيا ~ تشوي بومغيوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن