خرجنا معاً من بيتِ جدّي ، أنا بحريّةٍ تامّةٍ غيرِ معتادة ، و يونجون محمّلاً بتمنيّاتِ السّلامةِ و رجاءِ الانتباهِ من الجميع ؛ عدتُ أرى أغصانَ خالتي اليابسةَ تمتدُّ خلفَه و تتكسّرُ في دربها إليه ، لم تجلس معه بعدَ الغداءِ وقتاً كافياً ، لم تشبع من وجودِه و من أحاديثِه بعد ، لكنَّه باقٍ ها هنا أيّاماً بعدُ ستسرُّ فيها بإطلالته و ستحدّثُه براحتها ، حسنٌ ، أنا على علمٍ بأنّ أعواماً بطولها غيرُ قادرةٍ على أن تعوّضَها عمّا ضاع ، أنا أهوّنُ علينا أفعالنا بعضَ الشّيءِ فحسب ، ربّما يجبُ أن أنحازَ عن هذه الأفكار ، لستُ مهتمّةً بمشاعرها إلى هذا الحدِّ على أيّةِ حال.
سرنا ساكتين ، عبرنا شارعَ البيتِ إلى شارعٍ فرعيٍّ أكبرَ بقليل ، ثمَّ منه إلى شارعِ السّوقِ الفرعيّة ، أردتُ أن أدلَّه على محلِّ الملابسِ الأشهرِ في القرية ، و أن أعرضَ عليه قطعةً قَدْ نالَتْ إعجابي على الواجهة ، غيرَ أنَّني و في آخرِ لحظةٍ توقّفت ، تذكّرتُ أنّني أسيرُ إلى قربِ شابّ ، و لم أكد أتعرّفُ إليه فوقَ ذلك.
الشّوارعُ هنا مرصوفةٌ بأحجارٍ بركانيّةٍ عملاقة ، لا تمرُّ في خلالها السّيّارات ، لا تمرُّ إلّا عرباتُ الباعةِ و الدّراجاتُ الهوائيّة ، يتراكضُ فيها الأطفالُ ما بين النّاسِ بغيرِ حياء ، و يقفُ رجلٌ ، يبدو غريباً عن القرية ، و يرسمُ المارّةَ و قطعَ السّماءِ من هنا و هناك ، بلا هدف ، لا يبيعُ شيئاً.
تمكنُ ملاحظةُ الشّقوقِ في الجدرانِ ببساطة ، إذ تتدلّى الأعشابُ المتسلّقةُ منها و إليها ، و تسكنُ إليها ، و كأنّها ، منزلُها الأساسُ و حاميها الوحيد ، لربّما كانَتْ كذلك في الحقيقة ، لمَ لا؟
نظرتُ إلى يونجون ، هكذا دون مناسبة ، التفتَ إليّ في ذاتِ اللّحظةِ و على سبيلِ المصادفةِ البحتة ، كنتُ أحاولُ بدءَ حديثٍ ما ، و بالرّغمِ من أنّني لستُ معتادةً على ذلك ، و لم يحاول مساعدتي ، استدارَ مع أوّلِ لافتِ نظرٍ حديثٍ حوله ، بائعِ بطّيخٍ أبكمَ في الجهةِ الأُخرى من الشّارع ، يدفعُ عربتَه الكبيرةَ وحيداً ، و يستخدمُ صفّارةَ أطفالٍ في لفتِ الانتباهِ إليه ، يفعلُ هذا منذُ الأزل ، لا أدري ما اللّافتُ إلى هذا الحدّ ، ربّما لأنّه لا يعرفُه بعد ، ممكن_"ظريف"
لفظَ كلمتَه الأولى أخيراً ، و لفظَ عن طريقِها الإحراجَ و الجمود ، همهمتُ على إثرِها ، و ابتسمت ، لا أدركُ داعياً ، أرجّحُ احتمالَ أنّني ، و بصفاءِ نيّة ، قَدْ راقَني شكلُه و هو يتابعُ البائعَ العجوزَ ، و يميلُ برأسه أكثرَ كلّما ازدادَتِ المسافةُ بين موطئينا ، أو أنّني أجاملُه ، لستُ بارعةً في المجاملةِ كذلك
_"أذكرُ في مرّةٍ أنّني سرقتُ منه ، أتذكرين؟"
_"سرقتَ منه؟"
سألتُه ببلاهةٍ جذبَتِ انتباهَه إليّ ، استدارَ إليّ بطاقةٍ حديثة ، و زمَّ شفتيه كما يفعلُ البطُّ ريثما ابتلعتُ دهشتي ؛ ليسَتْ لديّ فكرةٌ عن الفعلِ المُشينِ الذّي يتحدّثُ عنه ، أيّامُنا الماضيةُ مشوّشةٌ ضبابيّةٌ في رأسي الهالكة ، اللّهمّ إلّا زيارتَه الأخيرةَ لبيتِ جدّي ، جلسنا يومها أمام المدفأةِ طوالَ اليوم ، و تبادلنا بضعةَ أحاديثَ فارغة ، كانَ يحاولُ مواراةَ دموعه بها طوالَ الوقتِ ، و كنّا ، جميعاً ، قادرين على رؤيتها و الإحساسِ بها ، لربّما يحزُّ في نفسي هذا المشهد ، لذا أتذكّرُه ، و لكن ، ماذا عن الرّجلِ المسكين؟
أنت تقرأ
فيلموجرافيا ~ تشوي بومغيو
Fanfictionلحظة ، انتظر انتظر قليلاً بعد دعنا نتبسّم لبعضِنا بغيرِ حواجز أو توقّعات ، دعنا نتبادل كلماتٍ عفويّةً أو ربّما أحاديثَ جدّيّة ، بغيرِ أن نلتفتَ لمقاييسِ و أفكارِ الآخرين ، دعنا نلتقط صورةً أُخرى كيفما كانَتْ ، دعنا نصغ سلسلةً من ذكرياتٍ جديدةٍ غير ش...