تعدَّتِ السّاعةُ منتصفَ اللّيلِ على ما أعتقد ، كلُّ أجزائي تبلغُني بمحينِ موعدِ النّوم ، كلُّها تشتكي الإرهاقَ و النّعاس ، إلّا مخيّلتي ، تبقي عينيّ مفتوحتين فقط بين كلِّ العيونِ الغافيةِ في الغرفة ، في البيت ، و ربّما في القريةِ برمّتها.
هل تتذكّرني يا بومغيو؟ هل أخطرُ في بالكَ عندما تأوي إلى فراشك؟ هل تبانُ لي فكرةٌ من بين أفكاركَ الضّاجّةِ في صمتِ اللّيل؟ هل يسهركَ اسمي؟ أم أنَّ قيمتي لديكَ لا تتعدّى إلى هذه الأمور؟
أتذكرُ حصصَ علمِ الأحياءِ في الثّانويّة؟
كانَتِ المُعلّمةُ تحسبُنا مجنونين على الأكيد ، خاصّةً عندما كنتَ تحدّثني بصوتٍ عالٍ في خضمِّ الحصّة ، و كنتَ تسألُ أسئلةً غريبةً أو تلقي بالنّكات ، يا إلهي! بخاصّةٍ يومِ كنتَ تغنّي أمام طاولتي و لم تلمحها قادمةً نحونا؛
أذكرُ حتّى أنّكَ قَدْ حاولتَ أن تغشّشني في بعضِ المذاكراتِ لأنّني كنتُ ، و ما أزال ، لا أدرسُ بتركيز ، و غبيّةٌ قليلاً أيضاً ، و لم يهتمَّ بهذا غيرك ، و على الرَّغمِ من أنّ حالي ميئوسٌ منها و كنتَ تعلم ، حتّى والدتي لم تكن تكترث ، كانَتْ تقولُ لي دائماً أنّ العلاماتِ ليسَتْ مُهِمّةً طالما كنتُ بنتَ قرية ، سأظلُّ بنتَ قريةٍ مهما حدث ، و في الواقع ، لم تكن نظرةُ والدتي المتشائمةُ خاطئةً حقّاً ، كما لم تكن صائبةً إلى هذا الحدّ ، ففي الشّركةِ التّي أعملُ فيها ، لا يفرّقون كثيراً بين المُوظّفين بناءً على هذه الأسس ، على العكس ، يكرهون الجميعَ بتساوٍ.
لماذا لم أجد من مثلك هنالك في المدينة؟ لم أجد من مثلك في العالمِ أجمع ، لماذا لم يعد هذا ممكناً؟
حتّى أنتَ ما عدتَ أنت ، ما عدتَ تهتمُّ لا بأخباري و لا حتّى بحضوري ، ما الذّي قَدْ تغيّر؟
ربّما أملكُ إجابة ، و ربّما أخشى الاعترافَ بها ؛ لقَدْ تغيّرَ كلُّ شيء ، كلُّ شيءٍ انقلبَ رأساً على عقبٍ في غضونِ سنواتٍ قليلة ، في غمضةِ عين ، بتُّ أرى حياةً أُخرى لستُ فيها بحجمِ ذرّةِ غبار ، حتّى قمعي لمشاعري اختلف ، بتُّ أعترفُ بما أخابرُ أمام نفسي ، فقط فيما يخصُّك.
يا إلهي ، ثقيلة ، تنهيداتي و أفكاري و خيالاتي ، كلُّ شيءٍ ثقيلٌ ، و ربّما أنا من لم تعد قادرةً على حملانِ شيء ، أنا أعرفُ أين أنت ، أعرفُ أين أجدك و منذُ ثانيةِ الفراقِ الأُولى ، و لم أذهب بحثاً عنك عندما كانَ الأمرُ ممكناً ، لا يمكنُ أن أفعل ، أكادُ أختنق..
نهضتُ بعدَ طولِ تفكير ، و تسلّلتُ إلى خارجِ الغرفةِ بسريّةٍ تامّة ، خشيةَ أن تشعرَ إحداهنّ بما أخابر ، و مع أنَّ هذا الاحتمالَ مستبعدٌ أكثرَ الاستبعاد.
لمحتُ الضّوءَ يتسرّبُ من أسفلِ بابِ غرفةِ المعيشة ، و من كلِّ فراغاته ، حسبتُ جدّي قَدْ تركَ التّلفازَ و ذهبَ ينام ، فهو ، و بما أنّ حفيدَه الغالي لديه ، كانَ آخرَ من ظلَّ في الغرفة ، سهرَ لأوّلِ مرّةٍ منذُ وقتٍ طويل ، لا أدري عمّا كانا يتحدّثان ، بما أنّه قَدْ طردَنا علناً إلى غرفنا ، أرجّحُ أنَّه أوصاه ، كما فعلَ في زيارته الأخيرة ، بوالدته و خالاته و بالبيتِ و الحقل ، و لم أتلصّص في هذه المرّة ، لستُ مهتمّة.
فكّرتُ قليلاً و أنا واقفةٌ أمام الغرفة ، في احتمالاتِ مصدرِ الضّوء ، و في احتمالِ وجودِ جدّي في الدّاخلِ مع يونجون ، سيحقّقُ معي على طولِ ساعتين لو كان ، لماذا جئتِ و ما الذّي يسهرُكِ و لماذا دخلتِ ، لستُ في مزاجٍ ملائم.
لا أحدَ يتحدّث ، لا أسمعُ إلّا صوتَ التّلفازِ الخافتَ يمرُّ بسهولةٍ في صمتِ اللّيل ، إذاً فجدّي نائم ، لأنّه ، و مع كاملِ احترامي له ، لا يسكتُ كثيراً ، و إذا ما تحدّثَ براحته ، ستسمعُ كلُّ القريةِ بما يقول ، و ربّما بعضُ القرى المجاورةِ أيضاً.
طرقتُ البابَ مرّةً واحدة ، و بهوانٍ شديد ، ثمَّ فتحتُ البابَ و دخلت ، رأيتُ ظلّاً يقفزُ في تلك اللّحظةِ من على الأريكةِ و يتوضّعُ تحتَ الطّاولة ، قطعَ أنفاسي و جمّدَ حركتي ، بالكادِ كتمتُ صرختي و حفظتُ ماءَ وجهنا ، ذلك يونجون ليس غيرُه.
رحتُ ألهثُ قليلاً حتّى استعدتُ التّوازن ، كذلك يونجون ، الذّي بدأ رأسُه يظهرُ من على يمينِ الأريكة ، كانَ يخبّئ شيئاً هناك ، عرفتُ فوراً أنَّه كانَ يدخّن ، السّحابةُ الدّخانيّةُ المخيّمةُ أوّلُ دليلٍ ضدّه و أكثرهم قطعاً ، بغضّ النّظرِ عن حركاته البهلوانيّة تلك
أنت تقرأ
فيلموجرافيا ~ تشوي بومغيو
Fanfictionلحظة ، انتظر انتظر قليلاً بعد دعنا نتبسّم لبعضِنا بغيرِ حواجز أو توقّعات ، دعنا نتبادل كلماتٍ عفويّةً أو ربّما أحاديثَ جدّيّة ، بغيرِ أن نلتفتَ لمقاييسِ و أفكارِ الآخرين ، دعنا نلتقط صورةً أُخرى كيفما كانَتْ ، دعنا نصغ سلسلةً من ذكرياتٍ جديدةٍ غير ش...