يافع؛ السّابع

38 6 9
                                    

سرتُ نحو موقفِ الحافلةِ من جديد ، في الجوِّ العاصف ، و الطّفلُ ما يزالُ هناك ، إلى قربه ، إلى قربِ بومغيو.
جلستُ إلى قربهما ، و بدلاً من أن ينشغلَ بومغيو بهاتفِه و بحركاتِ الطّيورِ فوقَ رأسِه ، يلتفتُ إليّ ، و يبتسمُ كما كانَ يبتسمُ لي في أيّامي اليافعةِ السّابقة.
سأحكي له عن نفسي ، كم أتمنّى أن أحكي له عن اهتماماتي الطّفوليّةِ منها و الشّبابيّة ، حتّى لو سخرَ منها كما يفعلُ الجميع ، أتمنّى أن أخبرَه كم قاسيتُ في غيابه ، و أن يهوّنَ عليّ مآسيّ بأسلوبِه السّاخرِ المعهود ، كم أتمنّى ، كم أتمنّى أن أعودَ و أرى في عينيه ما لا يستطيعُ أبلغُ لسانٍ على الأرضِ أن يصوغَه ، أن أقرأ فيهما كم يحبُّ رفقتي ، برغمِ أنَّه لم يخبرني بذلك أبداً ، و أن أرى انعكاسَ وجهي فيهما ، أراه يحتالُ أجملَ وجهٍ على الأرض ، فقط في عينيه البرّاقتين الحلوتين ؛
أتراه يذكرُ كم كُنّا نضحكُ معاً ، و لأتفهِ الأسباب؟
أذكرُ أيضاً ، و لوهلة ، أنَّ أحدَ المُدرّسين كانَ يكرهُه كثيراً ، إلى حدِّ لم يكن يبلّغ عنه في حالِ هربَ من الحصّة ، و كانَ يهربُ غالباً ، كانَ يذهبُ للّعبِ في الفسحةِ مع طُلّابِ صفٍّ آخر ، كانَ يُحِبُّ الألعابَ كثيراً ، و يكرهُ الحصصَ المُملّة ، أظنُّه كانَ جيّداً في العزفِ أيضاً ، شيءٌ كهذا ، لا أحدَ يعرفُ كيف كانَ يمضي وقتَه ، كانَ يخبرُني ، في لحظةٍ مرحة ، بأنَّه أمضى اليومَ الفائتَ في لعبِ كرةِ القدمِ على جهازِه الإلكترونيّ ، أو في مشاهدةِ مباراةٍ ما ، و كنتُ أصدّقُه ، برغمِ أنَّ دراستَه لم تتراجع على الإطلاق ، و قَدْ نجحَ بعلاماتٍ شبهِ تامّةٍ في الثّانويّة ، هو ذكيّ ، لم أخف عليه في يوم.
ربّما يجبُ أن أتوقّفَ عند هذا الحدّ ، لقَدْ سالَتْ دموعي منذُ وقت ، و أخشى أنّ أجفاني قَدْ تورّمَت على إثرِ ذلك ، لا أريدُ أن يلاحظَ أحدٌ ما أخابر ، خاصّةً المزعجُ ابنُ خالتي ، ما زلتُ لا أدركُ كيف يفكّر.
طويتُ الخيالاتِ و الذّكرياتِ من جديد ، تركتُها فوق سريري الباردِ غيرِ الممسوسِ منذُ ثلاثِ ليالٍ ، و توجّهتُ نحو غرفةِ الجلوس ، حيث يستقبلُ الجميعُ البطلَ القوميّ ، لا يجبُ أن أظلَّ وحيدةً أيّاً كانَ الثّمن ، رأسي أثقلُ من أن أحتمله.
كانَ جدّي ، و على العادة ، يستقبلُه في صدرِ الغرفة ، إلى جانبِه ، و أمامه أشكالُ الحلويّاتِ و الفاكهةِ التّي اختارتها خالتي بعناية ، كما كانَ يُحِبُّها طفلاً ، كلُّ شيءٍ مُهيّأٌ لأجله.
ابتسمَ لي ما إن دخلت ، من بابِ المجاملةِ البحتة ، و بادلتُه الابتسامةَ بطيبِ نيّة ؛ يجبُ أن أعترف ، هذا الشّابُّ جميلٌ جدّاً ، يمتلكُ واحداً من أجملِ الوجوهِ و أكثرِها رزاناً و مثاليّة ، ما يزال ، ما يزالُ يشاركُ بومغيو هذا المركزَ في نظري ، مركزاً جماليّاً بحتاً ، لا علاقةَ له بما أكنّ للاثنين ، ففي هذا البابِ أقول: لا أظنُّ أنّ هنالك من سوف يقربُ ما لبومغيو في قلبي ، أيّاً كانَ و كيفما صدفَ و التقينا.
جلستُ إلى قربِ والدتي ، و رحتُ أتتبّعُ الأحاديثَ الاعتياديّةَ بين الجميع بتضجّر ، حتّى فقدتُ التّركيز ، و شردتُ مع مشهدٍ مختلفٍ استعدتُه كذلك منذُ وقت ، ماذا لو جاءَتِ المفاجأةُ ببومغيو كما جاءَتْ بيونجون؟ كيف سأشعر؟ ألن أكونَ أكثرَ النّاسِ سعادةً على الأرض؟

_"ماري ، يونجون يكلّمُكِ ألا تسمعينه؟"

أفقتُ على صوتِ أُمّي ، أفقتُ إلى أنَّ الجميعَ ينظرُ إليّ ، بما فيهم يونجون المذكور ، و الذّي تحلّى وجهُه بابتسامةٍ غريبةٍ لم أفهم فحواها ، و لم أفكّر فيه ، تحمحمتُ و حسب ، و حاولتُ تداركَ غبائي أمامهم بأيّةِ طريقة ، ستقتلُني خالتي لو ضايقتُ أميرها

_"أنا آسفة ، شردتُ قليلاً ، ماذا كنتَ تقول؟"

_"كنتُ أسألُكِ إن كنتِ تمانعين أن تريني القرية"

_"طبعاً لا أمانع ، متى تريد؟"

نهضَ فوراً و راحَ يرتّبُ ملابسَه ، شهدتُ خالتي تحاولُ التّمسّكَ به يائسة ، و كنتُ سأتعاطفُ معها لبرهة ، لولا أنّني رأيتُ في عينيه شيئاً عجيباً ، رأيتُ لمعاناً يافعاً ، رأيتُ وهجَ الحياة ، تلك التّي لا تأبهُ بالمخاوفِ و الأحكامِ و مرورِ الوقت ، تلك القوّةُ التّي لا أملك ، و التّي شهدتُها من قبلُ في عيني تايهيون ، و حتّى في عيني بومغيو ، هذه الحياةُ أجبرتني على أن أفلتُّ أغصانَ أهلي اليابسة ، و نهضتُ بحثاً عن الخضرةِ معه ، مع هذا اليافع

_"هيّا بنا إذاً"

رحتُ أجيءُ بسترتي ، و في لحظةٍ و أنا في دربي إلى الخلاصِ من غيمةِ الكآبة ، تمسّكتُ بواحدةٍ أُخرى ، تمنّيتُ ألّا أرى بومغيو..
إلّا وحيدة..

.

.

.

حُرِّرَ في ليلةِ الثّاني من شباطَ عامَ ألفين و أربعٍ و عشرين
و نُشِرَ في الخامسِ عشرَ من الشّهرِ ذاته

تتمُّ الاستفادةُ في تكوينِ الشّخصيّاتِ من شخصيّاتٍ واقعيّةٍ و أُخرى مصوغةٍ بوساطةِ الكاتبة ، و لا تمتُّ للفنّانين المذكورةِ أسمائهم بصلة

.

.

.

🎥 يُتبَع 🎞️

هوني هناا🥺🧡🌟
الأيّامُ تمرُّ بسرعةٍ لا نفهمها ، تارةً ما تبدو بطيئةً و تارةً ما تطيرُ من بين أيدينا ، لذلك أرجو أن تملأ وقتكَ بما يحيي فيك الفرح ، أرجو أن تنيرَ ابتسامتُك الدّنيا برمّتها ، أرجو اللّٰه ألّا يحرمك سعادتك ، و يمدّك بأضعافها🥺
ممتنّةٌ لوجودك🥺🧡🌟
أُحِبُّك!🥺🧡🌟

فيلموجرافيا ~ تشوي بومغيوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن