الفصل السابع

143 5 0
                                    

بات الأمر موجعا لقلبي ويعتصره عصرا ولازالت كل هذه المواقف تتكرر معي حتى مع اقتراب موعد وضعي، ومع اقتراب موعد الوضع بات زوجي لا يفارقني وقلل زيارته لوالدته، وعلى الرغم من تواجده بالمنزل إلا إن ما كنت أراه بالمنزل وأتداركه من حولي لم يتوقف على الإطلاق، ولكني امتنعت كليا عن محادثته في مثل هذه الأمور في يوم من الأيام دخل زوجي الغرفة وأيقظني من النوم لأعد له طعام الإفطار، نهضت من نومي ودخلت للمطبخ لأعد له الطعام ودخل الحمام ليأخذ دوشا قبل ذهابه للعمل، وبينما كنت بالمطبخ منشغلة في إعداد الأكل وجدته أمام باب المطبخ ينظر إلي، فسألته بتلقائية شديدة محاولة فتح أي حوار معه: “أخرجت من الحمام؟! ولكنه كان ينظر إلي دون أن ينطق بكلمة واحدة، فكررت السؤال مجددا: “أخرجت من الحمام؟!”، اكتفى بالنظر إلي ولكني ما لاحظته عليه أنه كان ينظر إلي وكأنما سلب منه لب عقله، كان حينها مثله مثل الشخص عندما يكون منغمسا في التفكير لدرجة أنه لا يجيب ولا يصدر أية ردة فعل لمن يتحدث إليه بجانبه كانت نظراته فارغة كليا، نظرت إليه بتعجب وبداخل رأسي ألف سؤال وسؤال لا أجد لأي منهم أية إجابة، وفجأة أدار نفسه واتجه للصالة، لم ألقي له بالا وأكملت إعداد الطعام، وما إن انتهيت منه وضعته كاملا على صينية كبيرة وحملته واتجهت للصالة، ولكني عندما خرجت من المطبخ سمعت صوت الدوش مفتوحا والمياه تخر منه، تعجبت كثيرا وأكملت لأضع الطعام على المنضدة وأنظر لزوجي ولكني لم أجده، فذهبت للحمام والذي كان مغلقا من الداخل وبصوت عالي سألت زوجي: “ألم تنتهي بعد؟!”
فأجابني وقد صعقت حينها: “لم أنتهي بعد ولكني أوشكت على الانتهاء، هل هناك شيء؟!”

لم أرد أن أسرد عليه ما تعرضت له للتو خشية من أسلوبه المعتاد معي، فأخبرته: “لقد انتهيت من إعداد الطعام أسرع قبل أن يبرد”.
عدت للصالة الخوف قد بات داخلي ويأبى أن يفارقني، عندما خرج من الحمام وجاء للصالة وجلس لتناول الطعام كنت أريد أن أضع حدا وجوابا للتساؤلات التي تجوب بخاطري، فسألته: “هل خرجت من الحمام بعدما أيقظتني؟!”
نظر إلي بتعجب وأجابني: “لقد دخلت الحمام ولم أخرج منه إلا بعدما انتهيت، وها أنا وجدتكِ هنا قد أعددتِ الطعام، ماذا هناك ألن تخبريني؟!
اكتفيت بابتسامة وكلمة واحدة (لا شيء، لا يوجد أي شيء)، تناول طعامه وذهب للعمل، وهذا الموقف كان شيئا يسيرا مما يحدث معي وهو معي بالمنزل، بالفعل لقد عاد ليكون قريبا مني خشية موعد ولادتي ولكنه لم يكن ليبيت معي بنفس غرفة النوم، بل يقضي الليل الطويل إما بالصالة وإما بالغرفة الثانية، من اليوم الأربعين بعد زفافنا ولم يمسسني ولا مرة واحدة حتى أنه لم ينم بجواري مطلقا، كنت على الدوام أصبر نفسي وأمنيها وأدعو خالقي ليغير حال من بعد حال لقد عاد ليكون قريبا مني خشية موعد ولادتي ولكنه لم يكن ليبيت معي بنفس غرفة النوم، بل يقضي الليل الطويل إما بالصالة وإما بالغرفة الثانية، من اليوم الأربعين بعد زفافنا ولم يمسسني ولا مرة واحدة حتى أنه لم ينم بجواري مطلقا، كنت على الدوام أصبر نفسي وأمنيها وأدعو خالقي ليغير حال من بعد حال وفي يوم من الأيام وفي إحدى الليالي بينما كنت نائمة في غرفة نومي استيقظت على صوت زوجي وهو ينادي علي، فذهبت إليه ملبية ندائه، وما إن وصلت إليه وجدته وقد جلس على مقعد من المقاعد التي بالصالة وينظر إلي ويضحك بطريقة غريبة ومخيفة في نفس الوقت، عجزت عن تفسير ضحكاته المتتالية ونظراته المميتة فسألته: “لماذا أيقظتني في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل؟!” لم يجب على سؤالي ونظر للمنضدة التي كانت أمامه وأشار بإصبعه وكأنه يطلب مني أن أنظر لشيء ما، وبالفعل اقتربت من المكان الذي أشار إليه لأنظر وأكتشف السبب الغريب الذي جعل زوجي بهذه الحالة الهيستيرية، وما إن نظرت حتى تسمرت في مكاني ولم أستطع الحراك مطلقا، كانت المنضدة تحوي حفرة كبيرة مظلمة وظلامها حالك وبنهايتها نار وكأنها قطعة من نيران جهنم والعياذ بالله لجم لساني وتوقفت جميع أعضاء جسدي عن وظائفها الطبيعية، كنت أقف مذهولة من هول ما أرى أمامي ولم يغير من حالتي شيء إلا عندما سمعت حركة تصدر عن زوجي، إذ أنني وجدته وقد وقف على المقعد الذي كان يجلس عليه وفجأة ألقى بنفسه داخل هذه الحفرة صرخت بكل قوة لدي، وفجأة سمعت صوت باب الغرفة التي كان زوجي ينام بها غالبا، ووجدته يخرج منها وقد بدا على ملامح وجهه أنه مستيقظ للتو من نومه فزعا
زوجي: “لماذا تصرخين وبهذه الطريقة المفزعة؟!، ما الذي حدث معكِ حملكِ على فعل هذا وبمثل هذا الوقت المتأخر من الليل؟!” ركضت تجاهه وألقيت بنفسي في حضنه، كنت أبكي كالطفل الصغير المنهار، هدأ من روعي وطمأنني فحكيت له كل ما رأيت، وعدني أنه لن يتركني وحيدة، وقد صدق إذ أنه كان ينام بجانبي كل ليلة حتى حانت لحظة وضعي؛ ورزقنا الله سبحانه وتعالى بابنة في غاية الجمال، ظننت أنها ستكون بداية طريق سعادتي مع زوجي وبداية الهناء في حياتي الزوجية بأسرها، اعتقدت أن ابنتي ستكون سببا أساسيا في إصلاح العلاقة بيني وبين زوجي؛ ولكن ما حدث بعد ولادتي كان عكس ما تمنيته كاملا
بعد ولادتي باتت خالتي متعلقة بابنتي الرضيعة تعلق مرضي لدرجة أنها كانت تأبى أن تعطيها لي لأرضعها، كانت على الدوام تقول لي: “إنها ابنتنا نحن وليست بابنتك!”، وكأن ابنها هو من حمل بها ووضعها وكأنني لست بأمها ولا أريد إلا أن أنتزعها عنها، كانت لا تدعني أرضعها وفي نفس الوقت تأبى ابنتي الرضيعة أن ترضع الحليب الذي تعطيها إياه جدتها، وعلى الرغم من كل محاولاتي للتودد لخالتي لإعطائي صغيرتي والاهتمام بها إلا إنها جميعها بائت بالفشل
والنتيجة كانت سيئة للغاية وأسوأ مما يمكن لأي امرئ أن يتخيله، في اليوم السابع والثلاثين من مولد ابنتي لاحظتها لا تبكي على عادتها اليومية، اقتربت منها ووضعت يدي على جبهتها لأطمئن على حالها فوجدت حرارة جسدها قد ارتفعت بدرجة كبيرة لدرجة أنها لم تعد تقوى على الصراخ بالكاد انتزعتها من يدي خالتي وهرعت بها لأقرب طبيب، ولكني للأسف الشديد وبكل أسى لم أستطع إنقاذها فقبل أن أعطيها رشفة واحدة من الدواء كانت ابنتي قد غادرت الحياة وبعد رحيل ابنتي ساءت علاقتي مع أبيها كليا، وأصبح كل منا يلقي اللوم في موت ابنتنا على الآخر، زوجي يتهمني بأني من قصرت في الاهتمام بها ورعايتها، وأنا ألقي عليه اللوم بسبب والدته والتي كانت السبب الأول والأخير بعد إرادة الله سبحانه وتعالى في موت ابنتي والتي تحملت كل الأسى لأجلها وحتى قبل مجيئها للحياة؛ وتطورت النقاشات الحادة بيننا لدرجة أنه بات يضربني ويبرحني ضربا وكأنه ينتقم مني
كنت أتحمل ولا أجد سببا للجلد والصبر الذي كللت به نفسي، وكنت صابرة ومحتسبة حتى جاء اليوم الذي أبرحني به ضربا وكسر عظامي وزجني بالشارع وأغلق المنزل، عدت لمنزل والدتي، والدتي المرأة التي كانت تتمتع بقلب طيب للغاية، فهي لا تزال على فطرتها السليمة السوية، وفطرتها السليمة السوية تلك جعلتها ترغب في إرجاعي لزوجي ولكني رفضت وبشدة، وعندما وجدت من والدتي إصرارا على الرجوع لزوجي وألا أنفصل عنه ولو حتى مراعاة لخاطر خالتي (شقيقتها)، لم أجد سبيلا إلا أنني ذكرت لها كل ما حدث بيني وبين زوجي والسبب الرئيسي والوحيد كانت شقيقتها!

رفيقة الجن Where stories live. Discover now