نِصفُ العائلة

52 21 5
                                    

أولُ مَن اكتشف غياب نولان عن خيام المرضى هي أَيِا، حيث كانت تزوره دون أن يدري، لأنه وفي كل مرة أتت عنده وجدته إما نائمًا، وإما نائمًا، وأسعدها أنها باتت إذا زارته وجدته مستيقظًا بل ويحدثها، وتلك طبيعة أَيِا الودودة مع أي طفل، حتى لو صغير عصفور، ولم تختص زَيْنًا بها.
ولَمَّا اشفقت عليه، أهدته عكازًا بسيطًا، هو عبارة عن فرع شجرة مستقيم قصير متزن، نصحه سير ألا يتركه حتى لو زال ألم قدمه، وذلك إلى أن يتخلص من الدوار وانعدام التوازن الذي يرافقه.
يرى سير أن هذا الدوار سببه قِلة الجلوكوز ليس إلا، الحل والعلاج أبسط من تعقيد زَيْن للموضوع، إن أي شيء به نسبة مقبولة من السكر ستكفي.
سير غير مؤمن بالعشوائية، ومصدق لحقيقة أن لكل نتيجة سبب، وإن العالم عقلاني، لا معنى في تصرفاته لِللَامنطقية، فاصطدم عقله بأول حالة مَرضية شمالية يعالجها، والذي كان متأكدًا أن المريض قد تُوفي، وتَحقق بنفسه من نبضات قلبه، وأَيده في ذلك والدُ المريض نفسه، وها هو ذا الصبي قد ضرب بتشخيصه عرض الحائط مرتين، مرة حين عاش ومرة حين نهض، وسير لا يُخطئ التشخيص، لا يمكن ولو لمرة، هل يفعلها مرتين متتاليتين!
جعل سير يُحاول إعادة نولان إلى سابق عهده، جاهدَ لِإبعاده عن كُلِ ما يَخص نِزال الشمال مع الجنوب، وأي أخبار عن ردِ فعل الشمال المنتظر، أو أحوال الأسرى، حتى يَتمَ شفاءه، ويسير معتدلًا على الأقل، ويَتوقف عن حركاته الصبيانية - كما سماها سير- ويمتنع عن امتناعه عن الطعام، أو يأكل حتى ما يُبقيه حيًا.
حسب سير أن خيرَ وسيلة لإلهاءه هي أن يُعطيه كِتابّا ذا موضوع شيق، ومن أفضل من جُنسن! عالم نباتات شهير، له في النباتات كتب جَمى، يدرس حياة النبات ونموه وغذاءه، قد سبق واستنتج سير اهتمام نولان بالزهور، ولاحظ انبهاره بكل وردة موجودة حول شجرة الغوثهام، لذا فبدلًا من تعليمه الأنواع المختلفة للزهور، قرر أن يعطيه لمحة عن حياة النبات كاملة.
وقد فشل، وتعجب من الطريقة التي يدفع بها نولان نفسه للمرض، ويتعمد تذكير نفسه بالألم، فكان إذا قرأ كلمة بالغة الجنوبية تذكر الجنوب، وكرهه للجنوب، وتذكر سبب قدومه للجنوب، وإذا تذكر آراتاك، وهو أكثر شخص يكرره نولان تذكر آسر وهو أكثر شخص يكرهه لوكياس، فتذكر في النهاية وعد سير له، وهكذا أصبحت كل الطرق تؤدي إلى روما، وصارت فكرة أن تمحو من ذاكرة نولان والده هي شيء مستحيل طالما هو حي.
وحتى إن خبأ سير أي نبأ يحمل سوءًا للشمال عن الشمالي، فصبية القصر لا يفعلون، وهم دئما يتحدثون عما سمعوه من أبائِهم، ومع أنه حديث غير دقيق، وهم لا يعرفون عن الأسير الشمالي إلا أنه عدوهم، برغم ذلك، الكلامُ المغفل الذي يثرثرون به يوحي لنولان - إن استطاع تفسيره بطريقة صحيحة - حقائقَ مؤلمة.
سير هو من عَرَّفَ نولان لكل طفلٍ في القصر تقريبًا، وهو السبب هو تسرب الأخبار ذاك؛ حين  قرر لوكياس الإبقاء على نولان في القصر في أوائِل أيامِ الصبي، لم يكن يعرف من لغة الجنوب حرفًا،  حتى عندما بدأ سير يعلمه، لم يكن متحدثًا جيدًا، ولم يكن سير جيدًا في الشمالية كذلك، فالموضوع مُعتمِدٌ على نولان وكتاب الترجمة، لذا فكان سير يصنع له صداقاتٍ - رُغمًا عنه - مع أي شخص ينطق بالجنوبية، ليسمع  ويتحدث في نفس اللحظة، ويعدل اعوجاج لسانه في حرف الـر، وفضول الصبي يدفعه لأن يبحث عن معني الكلمات التي يسمعها في كِتابِ الترجمة، أما الآن فتحولت النافعة لضارة.

من لا تراهمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن