فراق و لقاء

106 4 0
                                    

عند الفجر استيقظت امرأة بجانب زوجها وبقيت تحدق به وتتأمل ملامحه وهو نائم لدقائق ثم وضعت يدها على كتفه وهزته برفق وهي تقول : لقد حل الفجر والشمس ستشرق قريباً

(الزوج) وهو يفتح عينيه دون أن ينهض: حسناً

نهضت الزوجة من فراشها الذي كان مفروشاً على الأرض وتوجهت لإحدى زوايا الغرفة حيث كان ابنهما الوحيد ذو الأعوام الثلاثة نائماً

بسكينة فالتقطته وحملته وضمته لصدرها وهي تقول لزوجها: هل

ستغيب كثيراً هذه المرة؟

(الزوج) وهو يزيح اللحاف عنه وينهض: لا أعرف لكن لن أعود قبل شهر بالتأكيد

(الزوجة) وهي تطبطب على ظهر صغيرها النائم على صدرها: ألا

تستطيع إيجاد عمل آخر ؟

(الزوج) وهو يغير ملابسه العمل في هذه المدينة الساحلية شحيح

وأنا محظوظ لأني أملك عملاً
(الزوجة): لكن عملك هذا يحرمنا منك معظم أوقات السنة

(الزوج) وهو يربط صرة تحتوي على بعض الملابس والحاجيات:

بعض الفراق خيرة لا نختارها ونعمة لا نراها ...

(الزوجة) بحزن: هل تقصد أن فراقي خيرة؟

(الزوج): طلب الرزق لا يكون بالتقاعس يا عزيزتي

(الزوجة): أين هي وجهتكم هذه المرة؟

(الزوج) وهو يرفع الصرة المعقودة ويضعها على ظهره: سنعبر البحر

لإيصال قطعة من الحلي لسيدة ثرية تقيم في مدينة في الطرف الآخر

من اليابسة

(الزوجة) بتجهم: سيدة لا تعرف قيمة المال تعرض حياة طاقم

كامل من البحارة لينقلوا لها قطعة من الحلي لتتزين بها

(الزوج) وهو يقترب من زوجته ويقبل جبينها: عملنا ليس بلا

مقابل

(الزوجة): ولم يحتاجونك معهم؟ ألا يمكنهم نقل تلك القطعة
وحدهم؟
(الزوج) وهو يقبل رأس طفله النائم على كتف أمه: القطعة ثمينة ويجب أن يكون هناك من يحرسها خلال إيصالها لصاحبتها

(الزوجة): ما هذه القطعة التي تستوجب عشرة بحارة لينقلوها ؟

(الزوج) مبتسماً بحزن: تاج

(الزوجة) باستنكار: تاج ؟

(الزوج): نعم تاج ذهبي مرصع بالألماس تتوسطه لؤلؤة سوداء

كبيرة صنعها لها الصائغ في مدينتنا

(الزوجة) باستغراب: هل هذه السيدة ملكة ؟

(الزوج) مبتسماً بحزن: لا لكنها ثرية جداً

(الزوجة) بقلق : لم تبدو حزيناً؟ .. هل هناك ما يقلقك ؟

(الزوج) : هذه الرحلة ليست كالبقية

(الزوجة) والقلق يزداد على وجهها : لماذا؟ .. أخبرني

(الزوج): البحر هذه الأيام هائج والطريق البحري المؤدي لتلك

المدينة في أسوأ حالاته طيلة العام

(الزوجة) بقلق : لم تذهبون إذاً وتخاطرون بأنفسكم ؟! فلتذهب

تلك السيدة وتاجها للجحيم !
(الزوج): تلك السيدة ستدفع ثلاثة أضعاف قيمة نقل التاج كي

يصلها قبل يوم ميلادها

(الزوجة): يوم ميلادها ؟

(الزوج): نعم فهي تريد أن تحتفل به والتاج هديتها لنفسها

(الزوجة): وماذا عن أرواحكم ؟

(الزوج) وهو يهم بالخروج من المنزل : أرواحنا لها قيمة وتلك السيدة

تستطيع دفعها ...

لحقت الزوجة بزوجها وأمسكته من لباسه وقالت وهي تدمع:

أرجوك لا تذهب .. لا نريد المال نريدك أنت فقط !

(الزوج): لا تقلقي لن يصيبنا مكروه فقبطان سفينتنا قبطان ماهر

وخبير وسيتجاوز بنا البحر بكل سهولة

(الزوجة): ولكن ...

استيقظ الطفل وبدأ بالبكاء وبدأت أمه تهزه لإسكاته لكنها لم تستطع منع دموعها من النزول وهي تراقب زوجها وهو يبتعد عن المكان .

أحست الزوجة بالضيق ذلك اليوم ولم يكن أمراً غير مألوف عليها
فهي في كل مرة يرحل فيها زوجها للبحر تغزوها تلك المشاعر نفسها لكنها هذه المرة كانت أشد قسوة وملازمة لها. قررت بعدها أخذ طفلها والتوجه للشاطئ لأن رؤية البحر وسماع أمواجه كانا بالنسبة لها ولأغلب سكان تلك المنطقة الساحلية دواء لكل ضيق يشعرون به حملت طفلها ومشت بأقدامها الحافيتين حتى وصلت للشاطئ الرملي الذي كان قريباً من منزلهم الصغير وبعد وصولها أنزلت الطفل ليلعب في الرمال وبقيت هي تحدق بالأفق وبالبحر الممتد أمام نظرها خلال تحديقها بالبحر بدأ شعرها بالتراقص بسبب نسائم البحر التي اشتدت فقررت الرحيل لكن قبلها شعرت برغبة قوية في الإحساس بالماء وهو يداعب قدميها فحملت طفلها وبدأت تسير نحو البحر . خطت المرأة بضع خطوات في الماء وأحست ببرودته الجميلة وهي تداعب أقدامها ولم تشعر بنفسها حتى بدأت الأمواج تلطم ركبتيها قررت العودة لكن طفلها بدأ بالبكاء وهو يمد يده ويبسط كفه تجاه البحر في إشارة منه لرغبته في السباحة في الماء. ابتسمت المرأة وقالت: لا ألومك فقد ورثت عشق

البحر مني ومن أبيك

أمسكت المرأة طفلها من خاصرته بكلتا يديها وبدأت تدلي أقدامه
في الماء تبعها ضحكات للطفل أسعدت قلب أمه الحزين. استمرت الأم في ملاعبة طفلها في الماء حتى رفعته وضمته لصدرها وقالت: انتهى وقت اللعب .. يجب أن نعود الآن

بدأ الطفل بالبكاء مرة أخرى فقالت له أمه بصرامة وهي تمازحه: هذه ستكون آخر غطسة لك وبعدها سنعود للمنزل مباشرة

ضحك الطفل من تصنع أمه للصرامة وبادلته أمه الضحك وأنزلت قدميه وساقيه في الماء مرة أخرى وتركته يخبط ويضحك في الماء وهي تراقبه مبتسمة قبل أن ترفع الأم طفلها للعودة للشاطئ خرجت أذرع خشنة غريبة بلون أزرق داكن وأمسكت بالطفل وسحبته تحت الماء وسط صراخ وبكاء شديد للأم التي بدأت بالغطس والسباحة

بحثاً عن طفلها لكن دون جدوى.

ملحمة البحور السبعهWhere stories live. Discover now