سفينة كبيرة تشق أمواج البحر الغاضبة ليلاً مستعينة بضوء القمر المكتمل وبحدة نظر مرشدها الذي تمركز فوق قمة الصاري فيها. قبطانها الكهل الملتحي يمسك بدفة القيادة ويديرها يميناً وشمالاً في صراع محموم مع تلك الأمواج وبقية البحارة ينظرون إليه بترقب
وقلق. يصرخ المرشد من الأعلى قائلاً : أرى الجزيرة!
يرد عليه القبطان المبلل برذاذ مياه البحر المالحة بصوت أعلى: أين؟!
(المرشد): على بعد عشرين عقدة شمالاً من هنا!
(القبطان): هل تسخر مني ؟! أي نظر تملك حتى ترى كل تلك
المسافة ؟ !
(المرشد) ضاحكاً: وهل خذلتك من قبل أيها القبطان؟!
(القبطان) وهو يحرك الدفة شمالاً : لا
وجه القبطان سفينته للاتجاه الذي أشار إليه المرشد وبالرغم من
صعوبة الملاحة وسط تلك الأعاصير والأمواج الهائجة إلا أنه لم
يتوقف ولم ينزل شراعاً واحداً حتى بعد تحطم أحدها. بعد أقل من ساعة بدأت الأجواء تهدأ لكن الريح لم تزل قوية مما مكن السفينة من الاستمرار على خط سيرها نحو تلك الصخرة الكبيرة التي لم تتضح معالمها بعد. في تلك الأثناء نزل المرشد من على قمة الصاري واقترب من القبطان قائلاً: الأجواء تحسنت لكننا ما زلنا بعيدين عنالساحل
(القبطان) وعينه على الأفق: ما زلت لا أرى وجهتنا المنشودة .. هل أنت متيقن مما رأيت ؟
(المرشد) وهو يخرج خريطة من الجلد المدبوغ ويبسطها أمام القبطان الذي كان لا يزال يحدق بالأفق : لقد سرنا لأشهر حسب ما ذكرته الخريطة وإذا كان سيرنا صحيحاً فنحن الآن على بعد يسير من
جزيرة «يوكاي»
(القبطان) وهو يضحك بتهكم: «يوكاي»؟
(المرشد) وهو يطوي الخريطة ويضعها داخل قميصه : نعم .. أليس
هذا هو اسمها ؟
(القبطان) وهو يلف الدفة لتفادي بعض الصخور التي ظهرتأمامه فجأة: الوصول لتلك الجزيرة لن يكون سهلاً بهذه السفينة
الكبيرة .. يجب أن نستخدم القوارب الصغيرة
(المرشد) وهو ينظر للأفق المظلم أمامه والذي لم يكسر عتمته إلا
ضوء القمر : لكن الجزيرة لا تزال بعيدة والبحر غير مستقر
(القبطان): سوف أحاول الاقتراب منها قدر المستطاع وخلال ذلك
وجه البحارة كي يجهزوا القوارب
(المرشد): أمرك !
استمر القبطان بمناورة البحر حتى صرخ أحد البحارة وهو يشير
بأصبعه من مقدمة السفينة قائلاً : يابسة ! .. يابسة !
نظر المرشد حيث كان يشير البحار وتحقق من صدق كلامه فرفع يده ولوح بإشارة للقبطان بأن الجزيرة في الأفق. صرخ القبطان في بعض البحارة وأمرهم بإنزال الأشرعة ورمي المرساة وبالفعل نفذوا ما أمروا به وتوقفت السفينة وتزامن مع ذلك ركود أمواج البحر. نزل القبطان إلى السطح حيث كان رجاله مع المرشد مجتمعين وخاطبهم قائلاً : لقد أمضيناً شهوراً في البحر بحثاً عن هذه الجزيرة وقد فقدنا الكثير في سعينا هذا واليوم هو اليوم الذي سنجني فيه ثمن صبرنا الشاق والطويل !
رفع بحار بلحية حمراء كثيفة ووسم جرح امتد عبر خده يده في إشارة منه للرغبة في الحديث فقال له القبطان: ماذا تريد يا (أحمر)؟
YOU ARE READING
ملحمة البحور السبعه
Thơ caالبحر .. ذلك السر الأعظم ... الذي يخفي أكثر مما يظهر ... يمكن أن يكون عشقاً أو هلاكاً لكل من غاص في أعماقه أو حتى طفا على سطحه ... يحفظ أسراره بقوة كأم ممسكة بطفلها الوحيد لكن هذا الطفل يتفلت من وقت لآخر من يدها القابضة ليكشف لنا بعض خبايا أمه ..