الفصل ١١

306 8 146
                                    

༺༽من يحرسُ الحارس؟༼༻

في قلبِ أمستردامَ، وتحديدًا في أحدِ المرافقِ التابعةِ للمتحفِ البيئيِّ، تمَّ اكتشافُ جسدِ البروفيسورة غريتيل يوڤاس مُسجًّى على أرضيَّةِ القاعةِ الزجاجيَّةِ ساكنًا بلا أثرٍ للمقاومةِ، وكأنَّها رأت قاتلَها قادمًا ولم تغضَّ الطرْفَ حتى النهايةِ. 

عيناها مفتوحتانِ على السقفِ الشفَّافِ الذي يعكسُ الغسقَ الخريفيَّ المتوهِّجَ. السماءُ، وقد استبدلتْ زرقتَها الرماديَّةَ بأطيافٍ حمراءَ داميةٍ، تحكي عن شمسٍ غابتْ خلف الأفقِ، تاركةً الألوانَ تختنقُ. ورغم ذلك، بقيَ ضوءٌ ضئيلٌ عالقًا كهمسةٍ أخيرةٍ تأبى الانطفاءَ، ليكونَ المشهدَ الختاميَّ لحياتِها.

أصابعُها متصلِّبةٌ، وقد أسفرَ قميصُها الممزَّقُ السِّتارَ عن الجزءِ العلويِّ من جسدِها الذي خطَّ عليه قاتلُها نقشًا ملفتًا: علامةُ نجمةٍ خماسيَّةٍ محاطةٍ بخطوطٍ متعرِّجةٍ أشبهَ بزلزالٍ مُصوَّرٍ، محفورةٍ بدقَّةٍ شديدةٍ، باستخدامِ آلةٍ حادَّةٍ، اقترنَت بعبارةٍ ذاتِ حبرٍ أحمرَ زيتيٍّ: "من يحرسُ الحارس؟"

الهواءُ كان ثقيلًا، مشبعًا برائحةِ المعدنِ والموادِّ الكيميائيَّةِ، حيثُ طُوِّقَ المكانُ بشريطٍ أصفرَ عريضٍ يحملُ تحذيرًا صارمًا بعدمِ الاقترابِ. فريقُ التحرياتِ أوَّلُ من أجلى إلى الغرفةِ، يضعونَ القفَّازاتِ البيضاءَ التي تعكسُ برودةَ تعاملِهم مع ما رأوه، رغمَ أنَّ ملامحَ الوجوهِ لم تُخفِ أثرَ المشهدِ.

اقتربَ أحدُهم من الجثَّةِ بحذرٍ، متمتمًا بشيءٍ بين نفسِه وكأنَّ المشهدَ أربكَه أكثرَ ممَّا أرادَ أن يُظهِرَ.
إنَّه المفتشُ سبانيل ڤان دايك، رجلٌ ذو قسماتٍ جريئةٍ وقوامٍ رشيقٍ، يحملُ خبرةَ عقدٍ في التعاملِ مع الجرائمِ. 

سأل: "من اكتشفَ الجثَّةَ؟" 
فحصلَ على الجوابِ من إحدى النساءِ اللاتي كنَّ ضمنَ الفريقِ: "مساعدُها الشخصيُّ، إريك ڤان كليف، وهو شابٌّ في أواخرِ العشريناتِ من عمرِه، عملَ مع البروفيسورةِ وقد كان أحدَ طلابِها المقرَّبينَ." 

عندما عُثرَ عليه، كان جالسًا على الكرسيِّ قربَ المدخلِ، يمسكُ رأسَه بيديهِ، ووجهُه شاحبٌ كأنَّ الدماءَ فيه قد جفَّتْ، بينما ما زالتْ صدمةُ ما رآه واضحةً على ملامحِه. 

دنا دايك من كليف ليباشرَ استجوابَه، فراحَ يحكي له تفاصيلَ الواقعةِ: "كنتُ بالخارجِ لأُحضِرَ بعضَ الملفَّاتِ من مكتبِي... لم أبتعدْ سوى دقائقَ قليلةٍ..." 
تحدَّثَ بصوتٍ متهدِّجٍ، وكأنَّ الكلماتَ نفسَها كانت تجرحُ حلقَه. "عندما عدتُ... وجدتُها هناكَ، هكذا." 

"أنتَ تعرفُها جيِّدًا، أليسَ كذلك؟ أتشكُّ بأحدٍ ما قد يكنُّ لها عداوةً شخصيَّةً؟" – سألَ المفتِّشُ بنبرةٍ متوازنةٍ تخلو من التَّعاطفِ. 

حراس المعرفة | Guards of knowledge حيث تعيش القصص. اكتشف الآن