كان الوقت ظهراً عندما فتح عينيه للمرة الأولى بعدما فقد الشعور بالواقع قبل بضع ساعات من الآن، ما مكنه من معرفة الوقت هو صوت رفع أذان الظهر، حاول أخذ نفس عميق لكنه تراجع عندما شعر به يسحبه من عظامه، قلب بصره المرهق في أنحاء الغرفة فوجد فتاة ذات رداء أبيض تقف بجانبه وتنظم له مغذي الوريد، لا زالت الرؤية مشوشة قليلاً... ألم في الرأس يفوق الألم الجسد، ذراعه الأيسر في جبيرة وكذلك قدمه اليمنى، أما عن صدره الذي أكثر جزء تضرر فيه فقد تم لفه بالكامل برباط طبي.
أخذ الأمر منه دقائق حتى استطاع تنظيم أنفاسه ليخفف من حدة الألم، لم يشعر بتلك الأعين عليه حتى هتف بنبرة مختنقة إثر البكاء:
"مصعب..."
زاغ مصعب ببصره نحو الصغير فوجده يقف بجانب الفراش وعيناه قد ذبلت من كثرة البكاء ووجه أصبح مثل حبة البندورة، حرك يده اليمنى ببطء ليبعثر خصلات شعره ثم قال بنبرة حاول فيها عدم إظهار إرهاقه :
"آسر..متعيطش يا حبيبي أنا كويس "
شهقة مكتومة أصدرها الصغير قبل أن يردف بنبرة مرتجفة:
"يعني مش هتموت؟ "
ضحك مصعب بخفة ثم رد عليه بنبرة مرحة حتى يطمئنه:
"أنت عاوزني أموت ولا إيه! لا يا قرد أنا قاعد لك، مين إللي جابني هنا ؟ "
"جدو "
رد عليه آسر، فتسائل مصعب:
"وهو فين الوقتي؟ "
مسح آسر وجهه بكف يده ثم قال :
"كان هنا من شوية بس قالي رايح يعمل حاجة وجاي "
همهم مصعب ثم سحب وجنة الصغير هاتفاً بتذمر:
"بطل عايط بقى ما أنا كويس أهو، هتخليني أشك أنك بتعيط عشان أنا عايش "
ترقرت عينا الصغير بالدموع مجدداً فضحك مصعب ثم أشار على جانبه على الفراش قائلاً:
"خلاص خلاص بهزر معاك، تعالى "
تراجع آسر بقلق وقال:
"لأ طنط الممرضة قالت مقربش منك عشان عضمك كله بيوجعك "
ضم مصعب حاجبيه باعتراض وقال:
"سيبك منها هي هتعرف أكتر مني؟ متعرفش إن أسورة هو العلاج إللي أنا محتاجه الوقتي.. تعالى يا عم نام في حضني مبقتش متعود أنام من غيرك "
صعد آسر بجانبه على الفراش ثم ربت على صدره قائلاً بنبرة حزينة:
"هنا مش بيوجعك ؟"
حرك مصعب رأسه نفياً ثم قال بنبرة دافئة:
"لو حطيت رأسك هنا هيبطل يوجعني "
YOU ARE READING
قواعد الكِتمان (الدخلاء 2)
شِعرحان وقت إكمال ما توقفنا عنده، رحلة لا تزال في بدايتها.. ستضحك..ستبكي..ستؤلمك قصة أحدهم، ستتعاطف مع آخر. لكن في النهاية ستحزن على فراقهم جميعاً. في بعض الأحيان تكون إرهاقات الفراق أسوأ من الفراق نفسه، عندما تشعر بثقل الحديث حتى يقل مع الشخص الذي كان...