بعد مضي تلك الليلة المتعبة بكل المقاييس، وصلا أخيراً أمام منزل جاسر الذي ما إن أوقف السيارة التفت لهادي يحدثه:
"يلا انزل معايا نتغدى سوي قبل ما تروح ترتاح، أيسل طبخت ومأكدة لو مجيتش هتنزل تفتح دماغك "
أشار له هادي بيده بارهاق وقال :
"مش قادر أكل بجد، يدوب هسوق بالعافية لحد ما أروح أترمي على سريري، أطلع أنت بس نادي فريدة، ولا خليها عندكم النهاردة يمكن أنام في السكة وأنا سايق "
طالعه جاسر بجمود قبل أن يفتح الباب المجاور له يهتف بنبرة صارمة :
"حصلني يا هادي أحسنلك "
زفر هادي بقوة وأخذ يغمغم بعبارات متذمرة يتبعه، لكنه توقف فجأة عندما لمح سيارته ليقول:
"أستنى أما اشوف المحفظة بتاعتي كده، وقعت مني إمبارح هشوفها في العربية "
أومأ له جاسر ووقف ينتظره لكنه تراجع فجأة وهتف بنبرة متعجلة :
"بقولك إيه أنا هطلع قلبك وأنت حصلني لما تلاقيها"
قال ثم هم بالرحيل دون أن ينتظر رد هادي الذي لم يأبه كثيراً بحديثه وأخذ يبحث داخل السيارة عن محفظته حتى وجدها أسفل المقعد، أغلق السيارة بعد ذلك وتوجه للداخل، فوجد أفنان تقف في إنتظار المصعد وقد تبدل حالها مجدداً يذكره بمعرفته الأولى لها، حيث كانت ترتدي حلة رسمية سوداء وقد لفت الحجاب للخلف ليغطي خصلاتها فقط بينما رقبتها وأذنيها كما مقدمة شعرها ظاهرة للعيان.
لا يعلم لما شعر بالضيق عند رؤيته إياها هكذا، فاقترب منها يقف بجانبها بعدما حمحم بشخونة حتى لا تجفل منه:
"مساء الخير يا أنسة أفنان"
إبتسمت له أفنان بهدوء وقالت رداً عليه:
"مساء النور يا أستاذ هادي، حضرتك طالع؟ "
أومأ لها هادي بحركات رتيبة وقال:
"أيوه فريدة فوق وعاوزها عشان نرجع بيتنا، الاسانسير أتأخر كده ليه! "
حركت أفنان كتفيها بجهل بينما تعيد الضغط على زر طلب المصعد، لتقول:
"مش عارفة ممكن حد سايب الباب مفتوح فوق، إن شاء الله مش عطلان، أكيد مش هنطلع كل ده على رجلينا "
تجعدت ملامح هادي من مجرد التفكير في الأمر ليقول:
"عندي استعداد أتبرى من فريدة وأروح لوحدي لحد ما يصلحوه، بس أكيد حد سايب الباب مفتوح، جاسر لسه طالع قدامي الوقتي وأنا كنت بدور حاجة في العربية، أستني هكلمه يشوفه "
حركت رأسها له بهدوء بينما هو طلب رقم جاسر الذي كان بالفعل يقف أمام المصعد يستند على حائط منزله، وقد ترك الباب مفتوحاً عن عمد عندما لمح أفنان تنزل من سيارة أجرة، حتى يتسنى لهادي فرصة الحديث معها.
YOU ARE READING
قواعد الكِتمان (الدخلاء 2)
Poetryحان وقت إكمال ما توقفنا عنده، رحلة لا تزال في بدايتها.. ستضحك..ستبكي..ستؤلمك قصة أحدهم، ستتعاطف مع آخر. لكن في النهاية ستحزن على فراقهم جميعاً. في بعض الأحيان تكون إرهاقات الفراق أسوأ من الفراق نفسه، عندما تشعر بثقل الحديث حتى يقل مع الشخص الذي كان...